حالات إفشاء السر الطبي
مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب
ج.
م على أن الطبيب او الجراح الذي يفشي بالسر المهني الذي أودع لديه في الحالات التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه لا يعتبر مرتكب لجريمة إفشاء السر المهني.
كما أن الطبيب لا يعاقب وفق الفقرة الثانية من الفصل 446 إذا قام بتبليغ عن جريمة الإجهاض، ولو كان غير ملزم بهذا التبليغ، وفي حالة استدعائه للشهادة أمام القضاء في قضية إجهاض فإنه حر بإدلاء بشهادته أو عدم الإدلاء بها دون أن يتعرض لأية عقوبة.
1- التبليغ القانوني : نص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 446 ق.
ج على أن الطبيب او الجراح الذي يقوم بإفشاء واقعة أو بيانات تعتبر سرا طبيا في الحالات التي يقرر فيها القانون ذلك أو يوجب عليه التبليغ بها، فإذا قام بها لا يعد مرتكبا لجريمة إفشاء السر الطبي.
و قد صدر مرسوم ملكي في 26 يونيو 1967 يتعلق بالتصريح الإجباري حول الأمراض الخطيرة التي من يقوم الطبيب أو الجراح بالتبليغ عنها وهي أمراض معدية، من أجل الحفاظ على المصلحة العامة للمواطنين وتحديدا الصحة العامة.
في هذا الإطار قد تم إصدار العديد من القرارات الإدارية الصادرة عن وزارة(1) الصحة تحدد أنواع الأمراض التي يجب على الطبيب التبليغ عنها أثناء ممارسته لعمله أو وظيفته أو عمله أو وظيفته أو علمه بذلك، وهي وباء الطاعون la peste و الكوليرا، والسل Tuberculose وكزاز Tétanos والجداري ، وبعض الأمراض الأخرى، خاصة التي تكون ناتجة عن تلوت الدم البشري.
بالإضافة إلى ذلك،تنص الفقرة الثانية من الفصل 446 ق.
ج.
م لا عقاب على الطبيب الذي قام بتبليغ عن إجهاض علم به بسبب مزاولته لمهنته أو وظيفته، وإن كان غير ملزم بهذا التبليغ وقام به.
اعتمد المشرع المغربي في الفصل 446.
ق.
ج.
م على منهجا مغايرا لتجريم إفشاء السر الطبي، حيث اعتبر أن إفشاء السر الطبي، واجبا في الحالات التي ينص عليها القانون أو يوجب التبليغ عنها، الغاية من ذلك تتجلى في محاولة إشراك الطبيب او الجراح في الحفاظ على الصحة العامة، حيث أنه في بعض الأحيان قد يضطلع على بعض الأمراض الخطيرة، وبالتالي من واجبه القيام بالتبليغ عنها لاتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على المصلحة العامة.
وبذلك٬ فان تدخل المشرع المغربي بتحديد الحالات التي يجوز فيها للطبيب بإفشاء السر الطبي، سوف يؤدي الى اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافطة على الصحة العامة٬ خاصة أن الوضع الحالي أصبح يتأثر بالعوامل والمؤثرات الخارجية، مثل التقلبات المناخية٬ وما لها من دور في ظهور أمراض جديدة لم تكن في السابق، كالأنفلونزا الخنازير وأمراض أخرى.
(1) اما المشرع الاماراتي فقد نص في المادة 14 من قانون مزاولة الطب البشري، على أن الطبيب يجب عليه إبلاغ وزارة الصحة في حالة اكتشافه لحالات من الأمراض السارية خلال 24 ساعة على الأكثر من تاريخ علمه بالمرض ليتسنى اتخاذ الإجراءات الوقائية، كما نصت المادة نفسها على أن الحكم نفسه ينطبق على الأمراض التي تستوجب الحجر الصحي وهي الطاعون والكوليرا والجدري، والتيفوس والحمى الصفراء، والحمى الرابعة، وأية أمراض وبائية أخرى تستوجب الحجر الصحي يصدر بها قرار من وزير الصحة.
يتضح من خلال هذه المادة٬ ان افشاء السر الطبي يرتبط بعدد محدد من الحالات التي توجب على الطبيب إفشاءها إلى السلطات المختصة من أجل القيام بالتدابير الاحترازية لمواجهة المرض، وبالتالي تنتفي المسؤولية.
2- التصريح بالولادات : صدر قانون جديد يتعلق بالحالة المدنية بالمغرب ، إلا أنه لم يضع على عاتق الأطباء بضرورة التصريح عن الولادات التي تتم في المستشفيات والمصحات، خاصة إذا تعلق الأمر بمولود مجهول الأب، في حين نصت المادة 16 من نفس القانون على تنظيم مختلف الحالات التي يرجع لها القيام بالتصريح لدى ضابط الحالة المدنية، حيث أن الأمر يعود إلى أقرباء المولود، وفي حالة وجود مولود مجهول الأبوين أو وقع التخلي عنه بعد الوضع، يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء طلب من السلطة المحلية وأن يكون ذلك معززا بشهادة طبية تحدد عمر المولود (1).
في المقابل٬ نص الفصل 468 ق.
ج.
م على أن الطبيب أو الجراح ملزم بالتصريح بالازدياد في الأجل القانوني عند عدم وجود الأب إذا كانت الولادة وقعت بمحله، ويعاقب عند أخلاله بهذا بالحبس من شهر إلى شهرين وبغرامة مالية لا تقل عن مائتي درهم، في الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا (2)٬ و يكمن الهدف من هذه الحالات التي تلزم على الطبيب التبليغ أو التصريح بها حماية هوية الطفل من دون التعرف عليها.
في هذا الإطار، قضت محكمة الابتدائية بالرباط بإدانة طبيب من أجل جنحة عدم تصريح بالازدياد في الأجل القانوني لمولود في حالة عدم وجود الأب، خاصة أن العملية تمت بالمصحة، هذا الحكم أيدته محكمة الاستئناف بالرباط (3).
3- رضاء المريض : لم ينص المشرع المغربي في الفصل 446 ق.
ج على اعتبار رضاء المريض من ضمن الحالات التي تنتقي معها المسؤولية الجنائية للطبيب، ويتضح ذلك من خلال جعل إفشاء السر الطبي غير مجرم إذا كان القانون يجيز ذلك٬ أوان القانون يوجب التبليغ عن بعض الأمراض أو إجهاض.
وبذلك٬ فان رضاء او موافقة المريض على إفشاء السر الطبي لا يمكن أن تكون بسبب يبرر هذا الفعل (1)، خاصة اذا كان الطبيب ملزم بتبليغ عن الحالات التي تنص عليها القانون (2)، أما غير ذلك، فإنه يسأل جنائيا عن أي إطلاع الغير على أسرار المرض، سواء كان ذلك بموفقة المريض أو بدونه، وفي هذا الإطار فإن الملف الطبي يعتبر من الأسرار المهنية التي يجب على الطبيب أو الجراح عدم إطلاع الغير على محتوياته.
أما إذا عبر المريض عن موافقته على إطلاع على الملف الطبي لأجل تقديمه كدليل إثبات أو لأجل الخبرة الطبية، أو لمصلحة تعود عليه بالنفع، فانه يتحمل مسؤولية ذلك، وأن يتم ذلك بشكل صريح أو كتابي متى لا يسأل الطبيب عن إفشاء السر الطبي ٬وفي حالة التي يكون فيها المريض قاصرا، فإنه لا يجوز إفشاء السر الطبي له مهما كانت الأسباب لأن ذلك يشكل انتهاكا خطيرا يمس مصلحته الشخصية.
وفي هذا الاطار، نص المشرع الإماراتي في الفقرة الاولى من المادة 379 من قانون العقوبات على أن المريض هو صاحب المصلحة الأولى في عدم إفشائه للسر الطبي، فإذا كان في مكنته إذاعة سره، يكون من حقه أن يجيز ذلك للطبيب فإذا أفشى هذا الأخير بناء على رضاء صاحبه فلا تقع بفعله الجريمة.
هذا التوجه تم تأكيده مرة اخرى في المادة 13 من قانون مزاولة مهنة الطب البشري التي نصت على إباحة إفشاء السر الطبي في الحالات التالية : - إفشاء السر الطبي بناء على طلب صاحبه.
- أن يكون إفشاء السر لمصلحة الزوج أو الزوجة.
- إذا كان الغرض من إفشاء السر منع وقوع جريمة وان يكون للسلطة الرسمية المختصة.
- إذا كان الطبيب مكلفا من قبل إحدى شركات التأمين على الحياة بالكشف على وكلاء الشركة، ويكون إفشاء السر في هذه الحالة لشركة المعنية فقط.
(1) يتضح من خلال هذه المادة ان المشرع الإماراتي نص على رضاء المريض كسب لإباحة إفشاء السر الطبي، ومن تم عدم مسؤولية الطبيب جنائيا، كما أضافت المادة 13 أن يتم إفشاء السر لمصلحة الزوج أو الزوجة، وأبلغ شخصيا لأي منهما، بالإضافة إلى الحالات الأخرى التي لها نفس الحكم.
ويشترط في رضاء المريض كسبب إباحة إفشاء السر المهني وإعفاء الطبيب من المسؤولية الجنائية، أن يكون صادر عن إرادة حرة وإدراك، فلا يعتد بالرضاء الصادر عن القاصر، أو المجنون وعن الشخص المكره، كما يشرط أن يكون صريحا وصادرا عن بينة، ويستوي بعد ذلك أن يكون شفاهة أو كتابة، ويتعين أن يكون الرضاء سابقا أو معاصرا لواقعة الإفشاء أو الاستعمال، وإلا يكون عديم الأثر في إباحة الفعل.
وإجمالا، فإن المسؤولية الجنائية للطبيب تنتفي في الحالات التي ينص عليها القانون، وهي حالات يمكن فيها للطبيب إباحة إفشاء السر الطبي، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتصريح بالولادة، الأمراض المعدية والأمراض المتنقلة جنسيا ومدمني الكحول الذين يشكلون خطورة على الغير، وبالأطفال ضحايا العنف النفسي والجنسي، وحالات الاغتصاب وانتهاك العرض والإجهاض.
.
.
هذه الحالات تعفي الطبيب قانونا من التزامه بحفظ السر المهني.
4- الشهادة أمام القضاء : جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 446 على أن الطبيب او الجراح إذا تم استدعائه للشهادة أمام القضاء في قضية إجهاض، فإنه حر في الإدلاء بشهادته أو عدم الإدلاء بها دون أن يتعرض لأية عقوبة٬ اما باقي الحالات التي يتم فيها استدعاء الطبيب للشهادة فانه يكون مسؤولا وفق الفصل 446 ق.
ج.
م.
و قد اكد القضاء الفرنسي، على إن للطبيب الحق في الامتناع عن الشهادة، وفي حالة إفشاء سر من أسرار المهنة للمرضى فإنه يتعرض للعقاب، فالإعفاء من الشهادة تشكل قاعدة من النظام العام في فرنسا لا يمكن الاتفاق على مخالفتها٬(1) على أن الأمر يختلف إذا تعلق الأمر بشهادة الطبيب أمام المحكمة بمناسبة إنجاز خبرة طبية كلف بها ، إما من طرفها أو بناءا على طلب الاطراف ، ففي هذه الحالة لا يحق للطبيب أن يمتنع عن قول الحقيقة أو الإدلاء بكل ما في شأنه إفادة المحكمة أو أن يدلي بأقوال منافية للحقيقة.
ولا يجوز معاقبة الطبيب في جميع الأحوال التي يتم فيها الإجابة على الأسئلة التي يطرحها القاضي(2)٬ لأنه يكون قد غلب الواجب الأهم على الواجب أقل أهمية، لأن القاضي يمثل القانون و العدالة (المادة 345 ق.
ج.
م).
(3) أما القضاء المصري، فقد تبنى الاتجاه السائد تشريعا وفقها حيث قرر في العديد من قراراته إعفاء الطبيب من الإدلاء بشهادته إذا تعلق الأمر بسر مهني، إلا إذا رخص له صاحب السر بالإفشاء، فإن امتنع بعد الترخيص حق عليه عقاب الممتنع عن الشهادة.
وقد أكد القضاء المصري هذا التوجه في قرار صادر عن المحكمة النقض المصرية جاء فيه على أنه (لا عقاب بمقتضى المادة 310 من قانون العقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إلا بناء على طلب مستودع السر، فإذا كان المريض هو الذي طلب بواسطة زوجته شهادة عن مرضه من الطبيب المعالج، فلا تكون في إعطاء هذه الشهادة إفشاء لسر معاقب عليه).
وعليه، فإن امتناع مسؤولية الطبيب جنائيا في قانون العقوبات المصري يرجع إلى رضاء المريض واعتباره من الأسباب التي تؤدي إلى اعتبار السر المهني مباح إفشاؤه.