العرف كمصدر للقانون

العرف

العرف كمصدر للقانون
العرف هو ما ألفه الّناس، وساروا عليه في تصرفاتهم، سواء أكان فعلا، أو قولا، من دون أن يعارض نصا.

أو العرف هو ما استقر في النفوس، وتلقته الطباع السليمة بالقبول فعلا أو قولا، من دون معارضة لنص، أو إجماع سابق.

يفهم من هذا التعريف أن تحقق العرف يعتمد على عدد كبير من الناس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرر مرة بعد أخرى حتى تمكن أثره من نفوسهم، وصارت تتلقاه عقولهم بالقبول، والاستئناس، ومن ثم فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر الناس لا يتكون به عرف، بل يكون من قبيل العادة الفردية، والسلوك الشخصي.

وكذلك فإن العرف يأتي بالنسبة إلى أغلب الشرائع بعد التشريع مباشرة في المكانة والمنزلة والأهمية.

ويعد العرف أقدم من التشريع من الوجهة القانونية.

وهو يعد من أقدم مصادر التشريع الإنساني، إذ إن البشرية بدأت بعادات وأعراف جعلت منها شريعة تحتكم إليها، ولا يزال العرف إلى يومنا هذا من أهم مصادر القانون.

والشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمع العربي، فأقرت الصالح منها،وألغت الفاسد من تلك العادات والأعراف.

والعرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعد مصدرا خصبا في الفتوى،والقضاء، والاجتهاد، فينبغي أن يراعي في كل من تشريع الأحكام، أو تفسير النصوص.

1- مزايا العرف: يرجع الفضل في إبراز أهمية العرف ومزاياه للمدرسة التاريخية التي تعطي الأولوية للعرف على الّتشريع، إذ تبين أن العرف: – يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنه ينشأ باعتياد الناس عليه، فيأتي على قدر متطلبات المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطلبات، فبظهور متطلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال هذه المتطلبات.

– كما أنه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها، وينشأ في ضمير الجماعة، فهو قانون أكثر شعبية من التشريع لأن مصدره الشعب، بينما التشريع يصدر من السلطة فيوافق إرادتها فقط، وقد سبق القول بأن القوانين إذا صدرت بهذا الشكل لن تستمر طويلا.

– إن العرف قابل للتطور وفقا لتطور الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، فهو يتطور بتطور المجتمع، ويزول إذا زالت الحاجة التي أدت إلى ظهوره.

2- عيوب العرف: – العرف بطيء التكوين، وكان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطور الاقتصادي والاجتماعي بطيئين، ولكن الآن مع سرعة تطور المجتمع في جميع المجالات لا يمكن الاعتماد عليه لتطور المجتمع في الحالات التي تتطلب السرعة.

– العرف متعدد بل قد يكون محليا خاصا بمنطقة معينة، مما يؤدي إلى تعدد الأعراف، بينما التشريع موحد يطبق على الكل، لهذا يظل التشريع أول مصدر للقانون وأهمه، لأنه يحقق وحدة القانون، والأمن، والاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطور بسرعة كلما تطلبت الأوضاع ذلك، فيتم إلغاء الّتشريع القديم، أو تعديله، وصدور تشريع جديد.

- من العسير ضبطها، بينما التشريع يسهل ضبطه نظرا لكونه مكتوبا.

ولا تعني هذه العيوب أن العرف قليل الأهمية، ولكنه يعد أقل فائدة من التشريع، وتظل له مكانته بحيث يعد المخرج العملي في حالة عدم وجود نص تشريعي، إذ يرجع القاضي إلى العرف الجاري، كما أن المشرع يستعين بالعرف في مسائل معينة ، إذ هناك مسائل تقتضي طبيعتها أن تكون لها حلول متنوعة قابلة للتغيير، و يفضل عدم تجميدها، أو تقييدها بنصوص تشريعية تحول من دون تطورها المستمر.

3- أركان العرف: أ -الركن المادي: ويتمثل في اطراد، أو تكرار سلوك الناس في مسألة معينة بما يكفي لإنشاء عادة تتوافر فيها شروط أساسية، وهي: - أن تكون عامة ويكفي أن تكون كذلك، ولو كان العرف محليا، أو مهنيا.

- أن تكون قديمة أي مضت على ظهورها مدة كافية لتأكيد استقرارها.

- أن تكون العادة ثابتة أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.

ب- الركن المعنوي: هو اعتقاد الناس بإلزامية العادة، أي شعور الناس كافة بأنهم ملزمون بإتباع هذه العادة لأنها أصبحت قاعدة قانونية، ويتعرضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها، ولا يوجد ضابط يمكن الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشعور بإلزام العرف، ولكن ينشأ هذا الشعور تدريجيا، ومتى استقر أصبحت العادة عرفا.

والركن المعنوي هو الذي يفرق بين العرف والعادة, إذ لو افتقدت العادة الركن المعنوي، ظلت عادة فقط، وليست عرفا، فتكون غير واجبة التطبيق كما أن التقاليد الاجتماعية كالعادات المتعلقة بآداب الزيارات، والتهنئة، وتقديم الهدايا في المناسبات حتى لو كانت عادات عامة ثابتة، وقديمة، فإنها ليست عرفا، لعدم شعور الناس بإلزاميتها، فمخالفتها لا يترتب عنها جزاء.

ومن أمثلة العادات التي لم تبلغ مرحلة العرف،عادة تقديم الهدايا في الأفراح، والعادة كثيرا ما تنقلب إلى العرف عندما يتوافر لها العنصر المعنوي.

كعادة دفع الإكرامية في المطاعم أو الفنادق العامة، فهي تعد في كثير من البلاد بمنزلة عرف لشعور الناس بأنهم ملزمون بذلك.

4- العرف والعادة: يشترط العرف توافر الركنين المادي والمعنوي في نفس الوقت، ومن ثم يتميز عن مجرد العادة التي يعمل بها من دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، ولا يتحقق فيها هذا العنصر إلا باختيار الأفراد حينما يعبرون عن إرادتهم إزاءها بالاتفاق على الأخذ بها، ولذلك يطلق عليها العادة .

وبما أن العادة يكون إلزامها بالاتفاق عليها فهي تختلف عن القاعدة المكملة تشريعية كانت أم عرفية، التي لا يلزم تطبيقها إلا إذا لم يوجد الاتفاق على خلافها.

ويترتب على التفريق بين العرف والعادة الاتفاقية نتائج مهمة نذكر من بينها ما يلي: العرف كأي قاعدة قانونية يطبق في شأنه مبدأ لا عذر بجهل القانون، أما العادة، وهي واقعة مادية أساس إلزامها اتفاق الأفراد فلا يصح افتراض العلم بها.

5- دور العرف: من وظائف العرف الأساسية دوره التكميلي للتّشريع، و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أي مدى يصح مخالفة العرف للتشريع ؟.

أ- العرف المكمل للتشريع: إن الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميا احتياطيا للقانون هو دوره المكمل للتّشريع, فإذا وجد نقص في التشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحل نزاع قانوني مثلا، لكن لابد من معاينة القاضي لهذا النقص في التشريع من جهة و لعدم إمكان سدّ هذا النقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الاحتياطي الأول من جهة ثانية.

و يعلل الفقه دور العرف المكمل في القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين: أولهما أن سكوت المشرع عن مسألة معينة يحتمل أن يفسر بوجود عرف ثابت يدل في ذاته على صحة السلوك المتبع مما يستبعد الحاجة إلى تدخل المشرع لتـغييره, و ثانيهما أنه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوة الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنظام القانوني يكون آنذاك مزودا بقاعدة سلوك مشهورة، و شائعة يمكن لأي شخص أن يرجع إليها على الأقل طالما لم يتدخل التشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف دوره على هذا النحو، أي كمصدر رسمي تكميلي بالنسبة لكل المعاملات التي تسري في شأنها مختلف فروع القانون.

على أن هذه القاعدة لا تطبق بنفس الوتيرة، و القوة بالنسبة لكل فروع القانون.

ب- العرف المساعد للتشريع: يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أن التشريع ذاته غالبا ما يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملة التي غالبا ما تنتهي بالعبارة التالية ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.

و قد يلعب العرف دورا في تحديد مضمون النص التشريعي و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرر أن العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعـرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام.

كما يكون للعرف أيضا دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرف على نية المتعاقدين مثلا في مادة من القانون المدني تنص على أنه " إذا كان هـناك محل لتأويل العـقد فيجـب البحث عـن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0