مقال بعنوان مسؤولية الإدارة عن عدم الامتثال للأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به - دراسة مقارنة
ساد الاعتقاد لفترة ليست بالقصيرة بأن مهمة القاضي الإداري تنتهي عند التصريح بالحكم. كإلغاء قرار الإدارة أو إقرار تعويض لفائدة المتضرر وأن التنفيذ موكول للإدارة دون سواها، خاضع لاجتهادها وتقديرها. لكن مختلف التحولات التي طرأت على القضاء الإداري خلال السنوات الأخيرة والتي ارتبطت بتطور وسيادة مفهوم دولة القانون غيرت من صلاحيات القاضي والتي أصبحت تشمل مراقبة ضمان احترام قوة الشيء المقضي به فمفهوم دولة القانون يقتضي احترام الإدارة للشرعية والتي من بين مكوناتها القرارات والأحكام القضائية، وبالتالي فإن صد الإدارة عن التنفيذ الأحكام لن ينل فقط من استقلال القضاء ومن حقوق المتقاضين، وإنما أيضا من مفهوم دولة القانون، بالإضافة إلى ما يثيره من أسئلة حول مصداقية قوة الشيء المقضي به.
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
ساد الاعتقاد لفترة ليست بالقصيرة بأن مهمة القاضي الإداري تنتهي عند التصريح بالحكم. كإلغاء قرار الإدارة أو إقرار تعويض لفائدة المتضرر وأن التنفيذ موكول للإدارة دون سواها، خاضع لاجتهادها وتقديرها. لكن مختلف التحولات التي طرأت على القضاء الإداري خلال السنوات الأخيرة والتي ارتبطت بتطور وسيادة مفهوم دولة القانون غيرت من صلاحيات القاضي والتي أصبحت تشمل مراقبة ضمان احترام قوة الشيء المقضي به فمفهوم دولة القانون يقتضي احترام الإدارة للشرعية والتي من بين مكوناتها القرارات والأحكام القضائية، وبالتالي فإن صد الإدارة عن التنفيذ الأحكام لن ينل فقط من استقلال القضاء ومن حقوق المتقاضين، وإنما أيضا من مفهوم دولة القانون، بالإضافة إلى ما يثيره من أسئلة حول مصداقية قوة الشيء المقضي به.
إن معالجة إشكالية مسؤولية الإدارة عن عدم الامتثال للأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به به تبدو من الصعوبة بمكان خصوصا . وأن المشرع المغربي لم ينص على أي مقتضى يخص
حالة امتناع الإدارة عن التنفيذ ضمن القانون المحدث للمحاكم الإدارية، فالمادة 49 منه حددت
فقط طريقة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة دون أن ترتب عليها أية مسؤولية عن
عدم تنفيذها.
وتبرز أهمية تنفيذ الأحكام القضائية باعتباره واجبا دستوريا بالتنصيص عليها في العديد من المنظومات القانونية، فمبدأ فصل السلط الذي يفرض احترام كل سلطة لاختصاصات السلط الأخرى وعدم الاعتداء عليها، يجعل من رفض الإدارة تنفيذ حكم اعتداء على اختصاص السلطة القضائية وخرقها لهذا المبدأ، وفي رأي الفقه القانوني فإن عدم تنفيذ الإدارة للأحكام القضائية لا يقل
شأنا عن عدم تنفيذها للنصوص التشريعية أو الأحكام الدستورية.
ويعتبر الأخذ بمسؤولية الإدارة تقدما في اتجاه إخضاع تصرفها الغير الشرعي إلى طائلة المراقبة القضائية، وبناء على ذلك يمكن التساؤل حول إمكانية الإقرار بمسؤولية الإدارة الرافضة لتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري؟ أم أن القاضي الإداري مطالب باتخاذ جملة من الوسائل يجبر من خلالها الإدارة على احترام قوة الشيء المقضي به ضمانا لنجاعة القضاء وتكريسا لدولة القانون؟. وسنقوم قدر الإمكان بمعالجة الإشكالية المطروحة من خلال مختلف المحاور التي سنتطرق إليها في
هذه المقالة.
المطلب الأول: تنفيذ أحكام القضاء بين رغبة الإدارة وامتناعها
مما لاشك فيه أن الارتباط بين مبدأ المشروعية وتنفيذ أحكام القضاء هو ارتباط وثيق، فمبدأ المشروعية يلقى احتراما وتطبيقا كلما بادرت جهة الإدارة إلى تنفيذ أحكام القضاء والتزمت بمضمونها ونفذتها بمختلف جزئياتها الفقرة الأولى)، كما يعرف هذا المبدأ انتقاصا بتطاول الإدارة عليه عن طريق الامتناع عن التنفيذ أو التنفيذ الناقص للأحكام.... حيث يعتبر ذلك أيضا تعدي على قداسة القضاء
وحرمته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التزام الإدارة بالتنفيذ الطوعي
إن من أبرز مظاهر دولة الحق والقانون الامتثال المضمون الحكم القضائي سواء من قبل الأفراد أو الهيئات، فدولة القانون تقاس بمدى تنفيذ واحترام القرارات القضائية وضمان تنفيذ الأحكام وفقا للمبدأ القانوني القاضي بحتمية تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية. وقد نص المشرع الدستوري المغربي على أهمية التنفيذ في الفصل 126، وتكرس ذلك أيضا في العديد من القوانين والقرارات والمناشير والدوريات والتي تحث كلها على التقيد بتنفيذ الأحكام وتنزيلها على أرض الواقع، وتمتد هذه النصوص القانونية لتشمل جانب تجريم الامتناع عن التنفيذ أو تعطيلها من جانب الموظفين العموميين المختصين. وباعتبار لما يكتسيه موضوع التنفيذ من أهمية جعلت مختلف التشريعات المقارنة تخصص لها فصولا معينة كالتشريع الفرنسي والمصري والجزائري، إذ ركزت جلها على أهمية الالتزام بتنفيذ الأحكام القضائية، سواء المتعلقة منها بالأحكام الإدارية أو التي تعنى بالأحكام المدنية. إن امتثال الإدارة لأحكام القضاء يشكل في حد ذاته عنصرا أساسيا لتحقيق المحاكمة العادلة والتي تعتبر بدورها ركيزة من إحدى الركائز الأساسية لدولة الحق والقانون وتحقيق ذلك يبقى رهين بالبث في القضايا المعروضة على المحاكم داخل الأجال المعقولة والمشمولة بجميع ضمانات التنفيذ وهي المعايير
التي تقاس بها كذلك نجاعة جل الأنظمة القضائية. إن احترام الإدارة السيادة حكم القانون وخضوعها الرقابة القضاء يستلزم تحقيق مبدأي سمو القانون واحترام قوة الشيء المقضي به، وسمو القانون هو الركيزة الأساسية لكل الأنظمة الديمقراطية، فالمشترك بين الإدارة والقانون يتمثل في كون الأولى تشكل عنصرا فاعلا في عملية وضعه والخضوع له أي احترامها للمشروعية بمعناها الواسع على حد تعبير الأستاذ جورج فوديل Vedel .. الذي يفترض أن هذا المبدأ المشروعية)، لا يقتضي فقط احترام الإدارة للقانون بل خضوعها أيضا للمبادئ التي يضعها القضاء، بمعنى احترامها للأحكام القضائية
والعمل على تنفيذها، فالإخلال بذلك يصير بمبدأ المشروعية إلى العدم حسب العميد Duguit
أما قوة الشيء المقضي به فهو تعبير صريح المبدأ الشرعية وامتدادا له، فإذا كان القانون هو
أسمى تعبير عن الإرادة العامة، فإن هذا المبدأ هو أسمى وسيلة لتطبيق هذه الإرادة ومن تم كان من الضروري أن يحض باحترام الجميع، واحترام الإدارة له يجعلها تخضع للأحكام الصادرة ضدها، وقد صرح مجلس الدولة الفرنسي بضرورة احترام الإدارة لمبدأ قوة الشيء المقضي به، وإمكانية إكراهها على تنفيذ قرار صادر عن القضاء الإداري .... حيث إنه في تاريخ هذا القرار، فإن المجلس البلدي لا يتخذ الإجراءات الضرورية لضمان تنفيذ الحكم الصادر بتاريخ 1 فبراير 1977، مما يترتب عليه، واعتبارا لكل ظروف القضية الحكم على الجماعة في حالة عدم قيامها بهذا التنفيذ خلال أجل شهرين ابتداء من تاريخ تبليغ هذا القرار، بغرامة قدرها 200 فرنك في اليوم إلى حين تنفيذها للحكم المشار إليه أعلاه". وقد نحى القضاء المغربي نفس اتجاه القضاء الفرنسي في العديد من قراراته حيث جاء في إحدى حيثيات قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ما يلي: "... حيث إن تجاهل السلطات الإدارية للإحكام النافذة المفعول والمذيلة بصيغة التنفيذ يشكل ما عدا في ظروف استثنائية شططا في استعمال السلطة لخرقه القواعد الأساسية للتنظيم والإجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام
......
_________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1X5g-ksMQdfEON1Hzfzah8VttJjPbtsxo/view?usp=drivesdk