المسطرة في المادة الأسرية
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
فتجاوزا لهذه المشاكل الإجرائية أصدر المشرع المغربي في الآونة الأخيرة مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي شكل صدورها حدثا حقوقيا ومجتمعيا تاريخيا، وذلك بالنظر للأبعاد العميقة لهذه المدونة على مستوى تحقيق تماسك الأسرة وتضامن أفرادها، وتثبيت تقاليدها الأصيلة القائمة على روح المودة والوئام والتكافل الإجتماعي.
لكن هذا القانون مهما سما وتضمن في طياته من قواعد موضوعية مهمة فإنه يبقى رهين قواعد الشكل والمساطر المفعلة والمصاحبة له.
وبفعل هذا التعديل الذي عرفته مدونة الأسرة فإنه عجل بتعديل قانون التنظيم القضائي وذلك بتغيير وتتميم أحكام الفصل 2 من ظهير التنظيم القضائي، حيث أصبح ينص على أنه يمكن تقسيم المحاكم الإبتدائية بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسام قضاء الأسرة، وغرف مدنية وتجارية وعقارية واجتماعية وزجرية.
وفي نفس المسار التشريعي تم تعديل قانون المسطرة المدنية، خصوصا بعض بنودها المتعلقة بقواعد مسطرية خاصة، لكي تتلائم مع المنازعات الأسرية.
وصدرت هذه التعديلات في نفس اليوم الذي صدرت فيه مدونة الأسرة وذلك قصد توفير التفعيل الجيد لبنودها.
فقد جاءت التعديلات الجديدة بخصوصيات مسطرية خاصة للمنازعات الأسرية، تم منح من خلالها للقضاء الأسري الدور المركزي في تفعيل هذه المقتضيات.
إذ تكتسي المسطرة في قضايا الأسرة أهمية بالغة، سواء من الناحية النظرية أوالعملية.
فمن الناحية النظرية تكمن من خلال جمع شتات المقتضيات القانونية المرتبطة بالموضوع والتنسيق بينها.
أما من الناحية العملية، تتجلى من خلال محاولة التوفيق بين هذه الخصوصية سواء على مستوى الممارسة القضائية من خلال العمل القضائي لأقسام الأسرة، وعلى مستوى احترام المتقاضين لهذه القواعد المسطرية الخاصة.
ونظرا لشساعة الموضوع، فإننا حاولنا أن نقتصر على تناول بعض القضايا فقط بإظهار خصوصياتها، فما هي إذن أهم خصوصيات المسطرة في القضايا الأسرة ؟ وما مدى تفاعل القضاء مع الخصوصيات التي تميز المادة الأسرية؟ وهل يمارس المتقاضون هذه القواعد المسطرية الخاصة؟ وهل تتضمن هذه الخصوصيات حماية أكثر للأسرة والمتقاضين في مقابل الحماية التي تضمنها القواعد المسطرية العامة؟ انطلاقا من هذه التساؤلات، ارتئينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين: المبحث الأول: خصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة قبل صدور الحكم المبحث الثاني: خصوصيات المسطرة على مستوى طرق الطعن في الحكم وتنفيذه -المبحث الأول: خصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة على مستوى رفع الدعوى سنعمل من خلال هذا المبحث على إبراز أهم الخصوصيات المسطرية سواء على مستوى تحريك الدعوى ( كمطلب أول) ثم الحديث عن تجليات هذه الخصوصية على مستوى سير الدعوى ( المطلب الثاني).
-المطلب الأول: خصوصيات المسطرة على مستوى إجراء الدعوى- وعيا من المشرع بخطورة النزاع الأسري، والرغبة إلى فضه في أقرب وقت وبأنجع الوسائل، وتخليص المتقاضين من حيرة الإختصاص القضائي، حدد المشرع من خلال قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ومدونة الأسرة، الإختصاص النوعي والمحلي في قضايا الأسرة الذي جاء قطعيا، داخل أقسام قضاء الأسرة التي أصبحت تمثل محكمة صغيرة داخل المحاكم الإبتدائية (فقرة أولى)، وكذلك ما تتميز به المسطرة من خصوصيات على مستوى الأطراف والأهلية (فقرة ثانية)، وفي الأخير الحديث عن خصوصيات المسطرة على مستوى شكل المسطرة والرسوم القضائية (فقرة ثالثة).
-الفقرة الأولى: على مستوى قواعد الإختصاص- -أولا: بالنسبة للإختصاص النوعي- - الأصل أن المحاكم الإبتدائية في إطار اختصاصها النوعي أنها محاكم ذات ولاية عامة، وهذا من خلال الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974، والفصل 18 من قانون المسطرة المدنية.
فمن خلال منطوق هذين الفصلين يتضح أن المحاكم الإبتدائية يمكن أن تقسم بحسب نوعية القضايا التي لها أن تنظر فيها إلى أقسام قضاء الأسرة وغرف مدنية، غرف الأحوال الشخصية والميراث وغرف عقارية واجتماعية، إلا أن التعديل الذي أدخله المشرع على هذا الفصل بتاريخ 3 فبراير 2004، والذي جاء موازيا لمدونة الأسرة، وضع استثناء على المقتضيات أعلاه، إذ منح الإختصاص لأقسام قضاء الأسرة وحدها دون غيرها من الغرف التي تتكون منها المحاكم الإبتدائية، في كل ماله علاقة بالأسرة سواء كان واردا بالمدونة نفسها شأن الزواج والطلاق والأهلية، والنيابة الشرعية، والوصايا والمواريث، أو واردا بغيرها من النصوص الخاصة كما هو الحال بالنسبة لكفالة الأطفال المهملين وشؤون القاصرين، والتوثيق والحلة المدنية.
فإذا كان المشرع حرص على جعل الإختصاص في مجال الأسرة، وإضفاء عليه خصوصية في كل ماله علاقة بالأسرة وبحمايتها ورعايتها في إطار القانون، فإن هناك إشكالات أصبحت تطرحها بعض النصوص المتعلقة بإحداث هذه الأقسام وخصوصا العبارة الأخيرة التي وردت في الفصل 2 من ظهير التنظيم القضائي حيث جاء فيها أن أٌقسام قضاء الأسرة تختص في "كل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة" مما جعل هذه العبارة تثير العديد من التساؤلات بشأن اختصاص قضاء الأسرة في المادة الجنائية أو بكل تدقيق القضايا الجنائية التي لها علاقة بالأسرة، كالخيانة الزوجية، العلاقة الجنسية الغير مشروعة بين الأصول والفروع وغيرها من الجرائم الأسرية.
فهل يدخل ذلك في اختصاص هذه الأقسام استنادا إلى عبارة "كل ماله علاقة بالأسرة"؟ الأصل أن أقسام قضاء الأسرة، بالرغم من تواجد النيابة العامة بها، واعتبارها طرفا أصليا في قضايا الأسرة طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة تستبعد بثها في القضايا الجنائية والجنحية.
وبالتالي يبقى الإختصاص مخول للغرفة الجنحية بالمحاكم الإبتدائية.
إذ يتعين إعادة النظر في هذه العبارة لأنها تخلق نوعا من اللبس.
ومن خصوصيات الإختصاص النوعي في المادة الأسرية أن اختصاص أقسام قضاء الأسرة يعد من النظام العام، ويتعين أن يثار من قبل المحكمة تلقائيا، مادام لايجوز للأطراف عرض نزاعهم على غرفة أخرى وذلك استنادا إلى الصيغة الصريحة للنص الجديد، حيث حسم الجدال ومنع الغرف الأخرى من البث في المادة الأسرية.
-ثانيا: بالنسبة للإختصاص المحلي- يقصد بالإختصاص المحلي مجموع القواعد التي تعين المحكمة المختصة من بين عدة محاكم من نوع واحد موزعة في الدوائر القضائية المختلفة في المملكة للنظر في قضية معينة.
وهكذا تقرر مبدأ واحد وهو أن الإختصاص المكاني يعهد للمحاكم التي يوجد بدائرة نفوذها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار أو محل اقامته في حالة انعدام موطن لديه، لكن هذا الإختصاص يتميز ببعض الخصوصيات على مستوى قضايا الطلاق والتطليق والنفقة.
على مستوى قضايا الطلاق والتطليق يقرر الفص 27 من قانون المسطرة المدنية أنه "يكون الإختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه، خلافا لهذا الفصل نصت المادة 79 من مدونة الأسرة على أنه "يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة للإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو محل اقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب.
بالرجوع إلى المادة 65 من مدونة الأسرة وربط مقتضياتها بالمادة 79 من مدونة الأسرة يتضح أن المقصود بالمحكمة هي المحكمة الإبتدائية التي يوجد فيها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو مكان إبرام عقد الزواج مع مراعاة الترتيب.
ويقصد بعبارة حسب الترتيب الواردة في المادة 79 من (م.
أ) استبعاد الإختيار بين المحاكم الأربع، وانعقاد الإختصاص تبعا لذلك لمحكمة واحدة في كل حالة، بمعنى أنه لايصار إلى المحكمة التي أبرم فيها عقد الزواج إلا إذا انعدم بيت الزوجية أو انعدم موطن الزوجة أو انعدم محل اقامتها.
وهذا فيه حماية للأسرة وضرب إرادة طالب الطلاق.
لكن هناك إشكال يمكن أن يثار في هذا الأمر وهو ما المقصود ببيت الزوجية في حالة تعدد مساكن الأسرة؟ لقد كان العمل في السابق في إطار مدونة الأحوال الشخصية مبني على قواعد المنشور رقم 5 الصادر بتاريخ 04/02/1960، الذي حدد المقصود بالسكنى المعتبر في الإختصاص بالنسبة لدعاوي الأحوال الشخصية.
أما فيما يتعلق بقضايا التطليق فقد نصت المادة 212 من قانون المسطرة المدنية على أنه يقدم وفقا للإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الإبتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيها عقد الزواج.
فبمقارنة المادة 212 من قانون المسطرة المدنية بالمادة 79 من مدونة الأسرة، يلاحظ أن هناك إختلاف في الصياغة بين المادتين، مما يدفع إلى التساؤل عن سر هذا الإختلاف ومبرراته وذلك من خلال مايلي: -أولا: إذا كانت المادة 79 قد نصت على مبدأ الترتيب صراحة بخصوص الإختصاص المحلي في قضايا التطليق حسب ماهو مقرر في هذه المادة، فإن المادة 212 لم تكن لتقر بهذا المقتضى بشكل صريح، مما جعلنا نتساءل عما إذا كان من حق طالب التطليق اختيار المحكمة التي يرغب في تقديم طلبه أمامها حسب الحالات الواردة في هذه المادة.
خاصة وأن المشرع استعمل لفظ "أو" والذي يفد معنى الخيار؟ ومبدأ الخيار هنا لانعتقد أنه يخدم الأسرة في بعض الحالات وخصوصا الطرف الضعيف.
مثال، فقد يبادر الزوج إلى رفع دعوى التطليق للشقاق في وجدة مكان وجود الزوجية في حين الزوجة انتقلت إلى بيت أهلها بعد النزاع الموجود بالدار البيضاء ففي هذه الحالة نجد الزوجة تتضرر من جراء التنقل إلى وجدة.
-على مستوى دعاوى النفقة- إذا كانت القاعدة العامة للإختصاص المحلي قد ورد النص عليها كما سبق الذكر في المادة في المادة 27 من قانون المسطرة المدنية إلا أن المشرع حد من هذه القاعدة بخصوص قضايا النفقة حينما نص في الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية على أنه تقام الدعاوى خلافا لمقتضيات الفصل السابق أمام المحاكم التالية.
في دعاوى النفقة أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه أو موطن أو محل إقامة المدعي باختيار هذا الأخير.
وبهذا يكون المشرع رفع الحرج عن المدعي في إطار دعاوى النفقة، حيث خيره بين اللجوء إلى قضاء القرب، وعدم إلزامه بمقتضيات المادة 27 من قانون المسطرة المدنية وهذه من بين الخصوصيات التي يمتاز بها قضاء الأسرة في مجال النفقة.
-الفقرة الثانية: خصوصيات المسطرة على مستوى الأطراف والأهلية- -أولا: على مستوى أطراف الدعوى- -النيابة العامة- الأصل أن أطراف الدعوى هم المدعي (أو المدعين) ضد المدعى عليه (أو المدعى عليهم) كأطراف أصلية، وأن دور النيابة العامة يكمن في أنها تعتبر طرفا منضما (الفصل 8 من ق.
م.
م) فهي بهذه الصفة لا تكون خصما وإنما تدخل لتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة واستثناء يمكن أن تكون طرفا رئيسيا إذا أعطاها القانون الحق في ممارسة الدعوى بصفة رئيسية كمدعي أو مدعى عليها.
وذلك في أحوال حددها القانون من خلال الفصلين 6 و7 من قانون المسطرة المدنية، وبذلك يجب عليها حضور الجلسات وتبليغ الأحكام (الفصل 9 من ق.
م.
م) بصفة قانونية.
وبالرجوع إلى مدونة الأسرة وخلافا لما كانت عليه مدونة الأحوال الشخصية فإن النيابة العامة أصبحت طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق المدونة، وذلك حسب المادة 3 من مدونة الأسرة.
وبهذا تكتسي النيابة العامة خصوصية من خلال المدونة الجديدة حيث ازداد وزنها بشكل كبير وأصبح حضورها ثقيلا وهذا الحضور يتضمن بالإضافة دلالته المسطرية والإجرائية حمولة رمزية شديدة توضح الإرادة التشريعية المتوجهة نحو وضع قضايا الأسرة في الشؤون العامة المرتبطة بالنظام العام، ويترتب على هذا المقتضى الجديد العديد من الآثار المسطرية كحضور الجلسات لزوما واكتساب صفة الخصم ثم سلوك طرق الطعن المخولة قانونا في قضايا الأسرة عدا التعرض وذلك ضد الأحكام التي ضد ملتمساتها.
هذا فيما يتعلق بخصوصية النيابة العامة كطرف أصلي في قضايا الأسرة، فماذا عن الخصوصية على مستوى الأهلية؟ -ثانيا: على مستوى أهلية وصفة الأطراف- بالتمعن في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية نجده ينص على أنه "لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية والمصلحة، لإثبات حقوقه".
فمن خلال هذا الفصل تعد الأهلية شرط من شروط صحة التقاضي، يترتب عن تخلفها الحكم بعدم قبول الدعوى، وبما أن مدونة الأسرة حددت سن الرشد القانوني في 18 سنة شمسية بموجب المادة 209، وعليه فإن من بلغ هذا السن كان له الحق في أن يباشر جميع التصرفات بدون قيد أو شرط، بما فيها التقاضي ما لم يكن محجورا عليه لسفه أو جنون، فإذا كانت القاعدة المنصوص عليها في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية فإن هذه الأخيرة يطرأ عليها استثناء، وذلك من خلال خصوصية المسطرة في مادة الأسرة، حيث سمح القانون للقاصر بأن يتقاضى شخصيا ودون حاجة إلى نائبه القانوني ويتضح ذلك من خلال بعض الحالات.
-الحالة الأولى: أهلية القاصر المتزوج للتقاضي- نصت المادة 22 من مدونة الأسرة على أنه "يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار الزواج من حقوق والتزامات.
فمن خلال هذا المقتضى يتضح بأن من حق القاصر المتزوج سلوك مسطرة التقاضي المرتبطة بعقد الزواج بمختلف آثارها، وهذا ما يستفاد من المادة 218 من مدونة الأسرة كذلك حيث جاء فيها بأنه "إذا بلغ القاصر السادسة عشر من عمره جاز له أن يطلب من المحكمة ترشيده، إلا أن هناك حالات أخرى أجاز من خلالها المشرع للقاصر أن يترافع باسمه الشخصي، كحالة مطالبته لأبيه بالنفقة إذا امتنع هذا الأخير عن الإنفاق، فبإمكان القاصر أن يطالب أمام القضاء بالنفقة دون حاجة إلى نيابة الغير عنه، بل إن المشرع سمح للقاضي بإلزام الوصي أو المقدم في أي وقت بالإدلاء بحساب عن إدارة أموال القاصر وتقديم كل الحجج اللازمة بناء على طلب القاصر نفسه حسب الفصل 190 من قانون المسطرة المدنية.
-الفقرة الثالثة: خصوصيات المسطرة على مستوى شكل الدعوى في قضايا الأسرة- -أولا: على مستوى شكل الدعوى في قضايا الأسرة- ينص الفصل 45 من ق.
م.
م "أنه تطبق أمام المحاكم الإبتدائية قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الإستئناف وفقا لأحكام الفصل 329 وما بعده.
.
" لكن هناك استثناء على هذه القاعدة في بعض القضايا المتعلقة بمادة الأسرة حيث تكون المسطرة شفوية، وذلك من خلال منطوق الفقرة الثالثة من الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه "غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية: قضايا النفقة والطلاق والتطليق" وبهذه الخصوصية فإن المسطرة الشفوية يكمن دورها في البساطة والسهولة، وبهذا يتم ضرب مقتضيات الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية عرض الحائط، وكذلك الفصل 32 من قانون المحاماة، رغم أن هذا الفصل قصر إمكانية عدم الإستعانة بمحام في قضايا الأسرة وفي قضايا النفقة والحالة المدنية.
لكن من الناحية العملية نجد إمكانية ممارسة الدعوى دون الإستعانة بمحام.
حيث جاء في حكم في قضية تطليق بناء على المقال الإفتتاحي المقدم من طرف المدعي بصفة شخصية إلى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 20/01/2010 والمؤدى عنه الرسوم القضائية، والذي يلتمس من خلال هذا المقال تطليق زوجته من عصمته، هذا على مستوى شكل الدعوى في قضايا الأسرة، فماذا عن الرسوم القضائية.
-ثانيا: على مستوى الرسوم القضائية- يجرنا الحديث بخصوص هذه النقطة بالتساؤل عن مدى إلزامية الرسوم القضائية في قضايا الأسرة؟ من المعلوم أن المحكمة مرفق عمومي، والإستفادة منه ملك لجميع المواطنين والأصل مجانية القضاء والتقاضي.
لكن دفعا لأي استهتار بالقضاء، وسد الباب أمام الدعوى الكيدية تم إقرار رسوم قضائية تدفع لصندوق المحكمة، لكي تكون هناك جدية لتقديم الطلب، كما أن الرسم القضائي يعتبر شكلا من أشكال قبول الدعوى، حيث نصت المادة الأولى من الملحق الأول بالمرسوم رقم 1151-58-2 الصادر في 24/12/1958 بتدوين النصوص المتعلقة برسوم التسجيل والتمبر المتمم بقانون المالية لسنة 1984.
فإذا كانت القاعدة العامة أعلاه، تستلزم استفاء الرسوم لفائدة الخزينة عن كل إجراء قضائي مهما كان نوعه، والذي حددته بالنسبة للطلبات غير محددة المتعلقة بالأحوال الشخصية المرفوعة أمام المحاكم الإبتدائية في 150 درهما فإن هذه القاعدة تعرف استثناء في بعض قضايا الأسرة، وهذا الإستثناء يكرس بدوره خصوصية المسطرة والتقاضي في قضايا الأسرة، ويمثل هذا الإعفاء من الضرائب والرسوم: الطلبات المتعلقة بالنفقة الدعاوى التي تتقدم بها النساء المطلقات أو المهجورات وهذا مايجعل بعض المحاكم تتوسع في هذا النص والبعض الأخرى تضيق منه.
حيث جاء في حكم قضائي صادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء "بناء على المقال المقدم من طرف المدعية بواسطة نائبها الى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 05/02/2003 والمعفي من الرسوم القضائية.
-ثالثا: على مستوى آجال الدعوى- عمل المشرع من خلال مدونة الأسرة بربط مجموعة من الدعاوي بآجال محددة ودعا الى احترامها، مع مراعاة أجل البث المنصوص عليها في قانون الإجراءات الشكلية أو القوانين الخاصة، مثل البث في طلب النفقة المحددة في شهر من تاريخ تقديم الطلب، وكذلك المادة 63 من مدونة الأسرة التي جعلت أجل طلب فسخ عقد الزواج المشوب بالإكراه أو التدليس في حق الطرفين وهو شهرين.
أما في دعوى الطلاق حددت المادة 83 عند فشل محاولة الصلح بين الطرفين أجل 30 يوم لأداء مستحقات الزوجة والأطفال.
لكن الأمر يختلف في دعوى التطليق للشقاق وعند عدم توصل الحكمان إلى أي نتيجة للإصلاح بين الزوجين، فإن المادة 97 من المدونة حددت للمحكمة آجال ستة أشهر للفصل في دعوى التطليق للشقاق، وهو ما أشارت إليه المادة 113 من مدونة الأسرة في مادة خاصة باستثناء حالة التطليق للغيبة.
-المطلب الثاني: خصوصيات المسطرة على مستوى سير الدعوى والبت فيها- سنعمل من خلال هذا المطلب البحث عن خصوصيات المسطرة في كل ما يتعلق بإجراءات التبليغ والصلح (فقرة أولى) ثم التركيز على مستوى البث في بعض قضايا الأسرة سواء من الناحية النظرية أو العملية، كدعوى ثبوت الزوجية والتعدد (فقرة ثانية).
-الفقرة الأولى: إجراءات التبليغ والصلح- بمجرد إيداع الطلب لدى كتابة الضبط وأداء الرسوم القضائية من طرف الزوج أو الزوجة، تقرر المحكمة استدعاء الطرفين وفق إجراءات معينة وبعد ذلك تحاول إجراء محاولة الصلح بينهما إذا كان لها محل.
-أولا: إجراءات التبليغ- لقد سن المشرع المغربي مجموعة من القواعد المسطرية التي تحدد الطرق والإجراءات الواجب احترامها لتبليغ الإنذارات والإستدعاءات وكذلك القرارات القضائية سواء من حيث البيانات التي يجب أن تتضمنها الإستدعاءات، أو من حيث الجهات المكلفة بالتبليغ.
.
.
وعليه، إذا كانت القواعد العامة للإستدعاء منصوص عليها في إطار قانون المسطرة المدنية في المواد 36- 37- 38- 39، فهل هي نفسها المقتضيات المطبقة على قضايا الأسرة أم أن هذه الأخيرة لها خصوصية معينة؟ بالتمعن في مقتضيات المادتين 43 و 81 من مدونة الأسرة، نجد المشرع المغربي أولى مسطرة التبليغ والإستدعاء في قضايا الأسرة خصوصية مميزة تتجلى في ضرورة التوصل الشخصي للزوجة بالإستدعاء وهو خلاف ما هو منصوص عليه في المادة 38 من قانون المسطرة المدنية، حيث يعتبر هذا الأخير أن التسليم يكون صحيحا إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو خدمه، أو لكل شخص آخر يسكن معه، وهذا الإختلاف بين مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية يثير العديد من المشاكل على مستوى بعض المحاكم، فمنها من يعتبر القواعد العامة في الإستدعاء هي الأصل، حيث إذا توصل أحد أقارب الزوجة بالإستدعاء يعتبر صحيحا.
وعلى عكس هذا الموقف، هناك من المحاكم من تتمسك بحرفية قاعدة التوصل الشخصي للزوجة المنصوص عليها في المادتين 43 و 81.
إلا أن هناك خصوصية أيضا على مستوى المادة 81 من مدونة الأسرة تتجلى في حالة توصل الزوجة شخصيا ولم تحضر، هنا تخطر عن طريق النيابة العامة بأنه سوف يتم البث في الملف في غيبتها.
وما يلاحظ هو أن الإستدعاء الشخصي للزوجة يثير أيضا العديد من الإشكالات، خاصة إذا كانت الزوجة تقطن خارج أرض الوطن، حيث أن إجراءات التبليغ على هذا المستوى يتم بصعوبات كثيرة، منها كون بعض القنصليات لاترجع شواهد التسليم إلى المحكمة التي وجهتها وإنما تقتصر بإرسال الطي إلى المعنية بالأمر عن طريق البريد المضمون، وتقوم بالإتصال بالزوجة لتخبرها بمضمون مراسلة المحكمة.
وهذا الإشهاد المرسل من طرف القنصلية يمكن الطعن فيه مادام لا يحمل ما يفيد توصل الزوجة شخصيا.
-ثانيا: خصوصيات إجراءات الصلح- نظرا لما يسبب الطلاق أو التطليق من آثار سلبية وخيمة على الأسرة والمجتمع، عمل المشرع على خلق مؤسسة الصلح لتفادي واقعة الطلاق أو التطليق وفق مسطرة محددة.
إذ يعتبر الصلح من النظام العام ولا يجوز للمحكمة مخالفته أو التغاضي عنه.
والملاحظ أن مسطرة الصلح قد تم إخراجها من نصوص المسطرة المدنية، بحيث تم إلغاء المادتين 178 و 121 وتم استبدالهما بمقتضيات واضحة تم التنصيص عليها بشكل واضح من خلال مدونة الأسرة.
حيث نصت المادة 82 من مدونة الأسرة على أنه: "عند حضور الطرفين تجري المناقشات بغرفة المشورة، وكذا الإستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الإستماع إليه، وتقوم المحكمة بكافة الإجراءات بما فيها إنتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مناسبا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال تحاول المحكمة القيام بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما.
ومن خصوصية مسطرة الصلح أنها قيدت ذلك بحضور الطرفين بغرفة المشورة.
ونظرا لأهمية الصلح فإن المشرع جعل له جهة مختصة لتقوم به، وهذه المسطرة يمكن أن تقوم بها المحكمة، أو الحكمين، أو عن طريق مجلس العائلة.
-الفقرة الثانية: خصوصيات المسطرة على مستوى البث في الدعوى- سنعمل من خلال هذه الفقرة على الحديث عن خصوصيات المسطرة على مستوى البث في دعوى ثبوت الزوجية أولا ثم دعوى دعوى تعدد الزوجات ثانيا.
-أولا: بالنسبة لدعوى ثبوت الزوجية- تتمثل هذه الخصوصية من خلال المادة 16 من مدونة الأسرة، التي جاءت مقررة لقاعدة أساسية مفادها أن إثبات العلاقة الزوجية، تتم أساسا عن طريق وثيقة عقد الزواج المنصوص عليها في المواد السابقة للمادة 16، إلا أنه ومراعاة لبعض الحلات التي يعرفها المجتمع المغربي وخصوصا بعض الأشخاص الذين لم يتسن لهم إبرام عقد الزواج نظرا لظروف قاهرة، فإن المشرع تدخل من خلال المادة 16 في فقرتها الثانية وأجاز للمحكمة إمكانية سماع دعوى الزوجية عن طريق وسائل الإثبات من شهادة الشهود وغيرها من القرائن، كما يمكن اللجوء إلى الخبرة الطبية إن اقتضى الحال ذلك، أو بطلب من أحد الأطراف، وللمحكمة قبل البث في دعوى ثبوت الزوجية أن تراعي وجود الأولاد أو الحمل من عدمه.
فالمادة 16 تعتبر أهم مستجد مسطري، من خلالها يمكن القول بأن المشرع الأسري خالف القواعد العامة للمسطرة المدنية، فإذا كان الأصل هو عدم تحديد فترة محددة لتقديم الدعوى، فإن المشرع جعل دعوى ثبوت الزوجية استثناء.
-ثانيا: بالنسبة لدعوى التعدد- تتميز دعوى التعدد بخصوصية على مستوى البث فيها، وتتجلى من خلال مستويين، المستوى الأول استدعاء الزوجة، والمستوى الثاني مناقشة الإذن بالتعدد.
-على مستوى استدعاء الزوجة- تتضح خصوصية استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها من خلال المادة 43 من مدونة الأسرة، حيث جاءت هذه المادة مخالفة لما هو منصوص عليه في قانون المسطرة المدنية (الفصل 37 – 38)، حيث نصت المادة 43 على وجوب استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها للحضور.
.
ووجوب توصلها الشخصي بالإستدعاء الموجه إليها.
ولعل الحكمة من مخالفة المشرع للفصل 38 من ق.
م.
م هو إحاطة الزوجة علما بنية زوجها التزوج عليها، وإعطاءها حق الإختيار بين استمرار العلاقة الزوجية وموافقتها على منح زوجها الإذن بالتعدد، أو رفضها لهذا المقتضى وإنهائها بذلك الرابطة الزوجية.
-على مستوى مناقشة الإذن بالتعدد- تكمن الخصوصية في هذا الإطار في أمرين: الأمر الأول هو مكان إجراء المناقشة، نظرا لطبيعة الطلب فإن المشرع أكد على ضرورة إجراء مناقشة الإذن بالتعدد بغرفة المشورة، وهذا يعتبر من النظام العام لايمكن للمحكمة ولا للأطراف الإتفاق على مخالفته.
الأمر الثاني يتعلق بالزمان، فقد يثبت للمحكمة أثناء مناقشة طلب الإذن بالتعدد تعذر استمرار العلاقة الزوجية، كما تصر الزوجة على رفضها وكذا طلبها للتطليق.
في هذه الحالة تشهذ المحكمة على فشل محاولة الصلح، وتثبت ذلك بمحضر وتنتقل إلى النظر في طلب التطليق حيث تحدد المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادها الملزم الزوج بالإنفاق عليهم، بعد ذلك يكون الزوج ملزم بإيداع المبلغ داخل أجل 7 أيام وإلا اعتبر متراجعا عن طلب التعدد.
هذا الأجل يتسم بالقصر إلا أنه يعتبر من النظام العام، وهنا تتجلى الخصوصية لأنه لايقبل النقاش ولا التأجيل.
-المبحث الثاني: خصوصيات المسطرة على مستوى طرق الطعن في الحكم وتنفيذه- القاعدة هو أنه عادة يمكن أن تنتهي الخصومات في قضايا الأسرة بصدور أحكام فاصلة في النزاع، ولذلك تعتبر الأحكام هي الخاتمة الطبيعية للتقاضي، ولايبقى إلا تنفيذ هذه الأحكام بعد السماح للمحكوم عليه بممارسة حقه في الطعن فيها.
ولدراسة هذه الخصوصية أكثر، ارتأينا أن نخصص المطلب الأول للحديث عن خصوصية الطعن في قضايا الأسرة، ثم في المطلب الثاني الحديث عن خصوصية التنفيذ في قضايا الأسرة.
-المطلب الأول: على مستوى طرق الطعن- إن طرق الطعن هي الوسائل التي وضعها المشرع المغربي في متناول أطراف النزاع أو في متناول الغير للتظلم من حكم أضر بحقوقه أو بمصالحه وذلك ابتغاء إزالة أو تخفيف الضر الذي ألحقه به الحكم المطعون فيه.
وطرق الطعن قد توجه إلى الحكم ذاته لعلة تشوبه، وقد توجه للإجراءات التي سبقت صدوره.
والقانون المغربي حدد هذه الوسائل من خلال قانون المسطرة المدنية في التعرض والإستئناف والتعرض الغير الخارج عن الخصومة وإعادة النظر ثم الطعن بالنقض.
وإذا كانت قضايا الأسرة كغيرها من القضايا الأخرى التي أخضع المشرع أحكامها لطرق الطعن المحددة قانونا، فإن هناك خصوصيات ربطها المشرع بنوع هذه القضايا على مستوى طرق الطعن بالنسبة للطعن بالإستئناف (الفقرة الأولى)، والطعن بالنقض (الفقرة الثانية).
-الفقرة الأولى: خصوصية الطعن بالإستئناف- تتجلى خصوصيات الطعن بالإستئناف في القضايا الأسرية في عدة مستويات.
على مستوى تقديم الطلب: من المعلوم أن طلب الإستئناف يتم بواسطة مقال أمام كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، لكن قضايا النفقة يمكن استئناف أحكامها بواسطة تصريح وفق ما قرره الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية.
على مستوى آجال الإستئناف: يختلف آجال الإستئناف باختلاف المحكمة مصدرة الحكم المستأنف فيه ونوع القضية، والأصل أن أجل الطعن بالإستئناف هو 30 يوما، لكن الأمر يختلف بالنسبة لقضايا الأسرة حيث تم تحديد الأجل في 15 يوما، وذلك من أجل تسريع البث في قضايا الأسرة.
وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 14/ 9/ 2006 استئنفت السيدة (.
.
.
.
.
.
) بواسطة نائبها الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء تحت عدد 8345 بتاريخ 31 /7 /2006 في الملف الشرعي عدد 251/06.
وهو الحكم الذي ثبت من خلال طي التبليغ المرفق بالمقال أنه بلغ المستأنفة بتاريخ 31 /8/2006 مما يجعل الإستئناف قدم داخل الأجل القانوني.
-الفقرة الثانية: خصوصية الطعن بالنقض- الطعن بالنقض هو طريق من الطرق غير العادية، يمارس لأسباب حددها الفصل 359 من ق.
م.
م، ويقدم الطعن بالنقض على شكل عريضة كتابية موقعة من طرف أحد المدافعين المقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى، ومن ثم يجوز للمجلس أن يشطب على القضية تلقائيا ومن غير استدعاء الطرف المعني إذا كانت العارضة موقعة من طرف الطاعن نفسه، أو موقعة من طرف محام لا تتوفر فيه الشروط اللازمة للترافع أمام المجلس الأعلى، كما أن الإجراءات تمارس داخل أجل 30 يوما من تاريخ التبليغ، حيث جاء في الفصل 365 من قانون المسطرة المدنية أنه: "يجب على الأطراف المعنية بالأمر أن يقدموا مذكرات جوابهم وكذا المستندات التي يريدون استعمالها في ظرف 30 يوما من تاريخ التبليغ، هذا بصفة عامة، أما الطعن بالنقض في قضايا الأسرة نجد المشرع خاصها ببعض الخصوصيات، وهذه الأخيرة تتجلى فيما يلي: -أولا- على مستوى الآجال: نظرا لخصوصية الأحكام في المادة الأسرية عمل المشرع المسطري على تخفيظ آجال ممارسة الطعن بالنقض إلى النصف مع إتاحة المجال أمام المستشار المقرر أن يحدد أجلا أقل إن تطلب نوع القضية ذلك.
جاء في الفصل 367 من ق.
م.
م "تحفظ الآجال المنصوص عليها في الفصول 364، 366 إلى النصف فيما يخص طلبات النقض المرفوعة ضد الأحكام التالية: الأحكام الصادرة في قضايا النفقة أو قانون الأحوال الشخصية أو الجنسية بحيث يجوز للمستشار المقرر أن يحدد أجلا أقل إن تطلب الأمر ذلك حسب ظروف القضية ونوعها.
-ثانيا- على مستوى إيقاف التنفيذ: نص الفص 361 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي: "لا يوقف الطعن أمام المجلس الأعلى على التنفيذ إلا في الأحوال التالية: الأحوال الشخصية الزور الفرعي التحفيظ العقاري".
انطلاقا من الفصل أعلاه يلاحظ أن الأصل في الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ، بمعنى أن هناك مبدأ احترام قوة الشيء المقضي به ثم تجسيد مبدأ الحق في التنفيذ، لكن الإستثناء أن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ.
وبالمقابل نجد المشرع سمح بالخروج من القاعدة العامة إلى الإستثناء، وسمح كذلك في حالات بعينها بحصول التنفيذ رغم وجود الطعن بالنقض أو لغاية أخرى.
هناك حالات يرتب فيها المشرع للنقض الأثر الواقف للتنفيذ، كالقضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية.
فمثلا لو صدر حكم يقضي بفسخ عقد الزواج وطعن الزوج أو الزوجة في هذا الحكم أمام المجلس الأعلى فإن هذا الطعن يوقف تنفيذ الحكم القاضي بفسخ الزواج، وبذلك لاتستطيع الزوجة باعتبار نفسها منحلة من الرابطة الزوجية، وعقد زواجها من زوج آخر مادام المجلس الأعلى لم يطعن بالنقض ويقض برده.
من هنا نجد المشرع المغربي في هذه الحالة ينغمس في الضبابيات، عكس المشرع الفرنسي الذي كان أكثر دقة حيث نص على الأثر الواقف للطعن بالنقض يرتب الأحكام الصادرة في مادة الطلاق وفصل الأبدان، ويقتصر على تلك التي تتطرق منها إلى جوهر النزاع.
لكن المشرع المغربي تجاوز هذه الصعوبة من خلال مدونة الأسرة، حيث قرر عدم قابلية الجزء المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية لأي طعن، حيث نجد المحكمة تحدد مبلغا كافيا يتعين على الزوج إيداعه بصندوق المحكمة داخل أجل 30 يوما، وذلك لتغطية مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالنفقة عليهم حسب الترتيب الوارد في المادتين 84 و85 من مدونة الأسرة وذلك لتجاوز الآثار السلبية التي يحدثها إيقاف التنفيذ بسبب الطعن بالنقض[24].
وتجدر الإشارة إلى أن الطعن بإعادة النظر والتعرض الخارج عن الخصومة لايمكن تصوره في مدونة الأسرة، بحيث لا نجد أي نص يقرر ذلك سواء في قانون المسطرة المدنية أو مدونة الأسرة.
بعد أن تحدثنا عن خصوصيات طرق الطعن في المادة الأسرية من خلال المطلب الأول، سوف نعالج هذه الخصوصية على مستوى تنفيذ الأحكام وذلك من خلال المطلب الثاني.
-المطلب الثاني: خصوصيات تنفيذ الأحكام في قضايا الأسرة- يعتبر التنفيذ المرحلة المهمة في التقاضي، إذ بواسطته يتم ترجمة الأحكام إلى واقع عملي ملموس، ويعطي للقضاء هيبته وقدرته على تحقيق أحكامه إلى وقائع.
من هنا سوف نعمل على الحديث عن خصوصية تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية في بعض القضايا الأسرية (الفقرة الأولى)، ثم نتناول في (الفقرة الثانية) خصوصية تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية.
-الفقرة الأولى: تنفيذ الأحكام الوطنية في قضايا الأسرة- سنعمل من خلال هذه الفقرة أخذ نموذجين من الأحكام المتعلقة بقضايا الأسرة، كتنفيذ أحكام التطليق ومقررات الطلاق وكذلك تنفيذ الأحكام الصادرة في مادة النفقة.
-أولا: على مستوى أحكام التطليق ومقررات الطلاق- بعد صدور الحكم بالتطليق أو مقرر الطلاق تأتي مرحلة تنفيذ الحكم أو المقرر، وبعد ذلك تنفيذ آثار الحكم والشق المتعلق بالمستحقات.
فبالنسبة لمرحلة تنفيذ مقرر الطلاق وحكم التطليق، فإنه يتم على مستوى الشق المتعلق بانحلال ميثاق الزوجية بتوجيه ملخص وثيقة الطلاق أو التطليق إلى ضابط الحالة المدنية قصد تضمين بيانات ملخص وثيقة الطلاق بهامش رسم ولادة الزوجين وفق ما قررته المادة 147 من مدونة الأسرة "توجه المحكمة ملخص وثيقة الطلاق أو الرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو ببطلانه إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين.
إذا لم يكن للزوجين محل إقامة بالمغرب فيوجه الملخص إلى وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بالرباط.
وتجدر الإشارة أنه إذا كان التطليق ينفذ بمجرد صدور الحكم دون الحاجة إلى توثيقه لدى عدلين، فإن الطلاق يطرح إشكالية تتعلق بتهاون العديد من الأزواج في تنفيذ الطلاق، وذلك بعدم توثيق الطلاق لدى عدلين، مما يجعل الزواج لازال قائم وبالتالي يعطل مفعول المادتين 87 و 88 من مدونة الأسرة.
وهذا الأمر يقتضي من المشرع إعادة النظر في هذه المقتضيات وذلك بإسناد مهام مسطرة توثيق الإذن بالطلاق للمحكمة بدلا من اسنادها للزوج.
أما بخصوص تنفيذ آثار الحكم بالتطليق أو مقرر الطلاق، فإن السقف المتعلق بالمستحقات المالية يكون قابل للطعن فإن تنفيذها يبقى نسبي رغم شمول العديد من الأحكام بالنفاذ المعجل.
والنسبية تتجلى في أن الطعن في الشق المتعلق بالمستحقات يوقف التنفيذ وذلك بغل يد الزوجة من تحصيل المستحقات من صندوق المحكمة بالرغم من أن الزوج قام بإيداعها داخل أجل 30 يوما.
إلا أن هذا الأمر فيه تناقض، وكان الأجدر على المشرع الأسري أن يترك هذه المسألة للقواعد العامة للتنفيذ.
-ثانيا: على مستوى طرق تنفيذ النفقة- تنص المادة 191 من مدونة الأسرة على أنه: "تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة وتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه أو اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه وتقرر عند الإقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة".
كما تنص المادة 102 من مدونة الأسرة على أنه "للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه وفق الحالات والأحكام التالية: إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه، قررت المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب لطلب التطليق.
.
.
" فإذا كانت القاعدة العامة أن المحكمة لا تنص غالبا في الأحكام التي تصدرها على طرق ووسائل التنفيذ لموضوع الحكم ومنطوقه، فإن المادة 111 من مدونة الأسرة تبرز خصوصية على مستوى تنفيذ الأحكام الخاصة بقضايا النفقة، نظرا للدور المعيشي للنفقة وما تقتضيه من طابع الإستعجال فقد نصت على الدور الأساسي للمحكمة في إيجاد وسائل وطرق لتنفيذ الحكم الصادر بخصوص النفقة، ألزمت بخصمها من أموال المحكوم عليه سواء كانت هذه الأموال منقولات أو عقارات، أو باقتطاع قدر النفقة من منبع الربح كمبالغ الكراء أو الأجرة التي يتقاضاها الملزم من الدولة أو من المقاولة.
لكن أمر تنفيذ الحكم المتعلق بالنفقة يكون سهلا على المحكمة بالنسبة للموظفين والأجراء، ويكون صعبا عليها إذا كانت لا تتوفر على الوسائل المادية والقانونية مما يؤدي إلى إفراغ المادة 191 من محتواها.
وفي هذا الصدد قضت محكمة الإستئناف بالرباط بما يلي: "وحيث أن هناك اختلافا بينا وأساسيا بين الأساس القانوني للصعوبة في التنفيذ وإيقاف التنفيذ وحيث أن الأحكام بالنفقة إذا كانت مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني، لايمكن إيقاف تنفيذها فإن ذلك لايمنع من تقديم طلب الصعوبة في التنفيذ في حالة ما إذا كانت هناك أسباب جدية.
كما نصت المادة 121 من مدونة الأسرة على أنه في حالة عرض النزاع بين الزوجين على القضاء وتعذرت المساكنة بينهما، للمحكمة أن تتخذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة للزوجة والأطفال وذلك في انتظار صدور الحكم في الموضوع، وجاء فيها أن هذه التدابير تنفذ فورا عن طريق النيابة العامة.
-الفقرة الثانية: خصوصية مسطرة تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية- متى تضمن المقال الإفتتاحي لطلب تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية، لابد من الإشارة إلى منطوق الحكم الأجنبي ولأسماء الأطراف وجب على المحكمة استدعاء أطراف النزاع من أجل تقديم دفوعاتهم، ليتم بعد ذلك للمحكمة التأكد من توفر الشروط المنصوص عليها قانونا (الفصول 430 – 431 – 432 من ق.
م.
م) وعدم مخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام المغربي.
وإذا تأكدت المحكمة من ذلك أمرت بتذييل الحكم داخل المغرب.
ومادام الأمر الذي يهمنا هنا هو دراسة خصوصية المسطرة بتنفيذ الأحكام المتعلقة بمدونة الأسرة المغربية، حسب نص المادة 128 من م.
أ تتعلق بالمقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو الفسخ، فإن المحكمة المصدرة للحكم القاضي بتنفيذ الحكم الأجنبي بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، تعطي الأمر لضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الطرفين بتضمين ملخص الحكم بالسجلات الممسوكة لديه، من أجل التمتع بمراكز قانونية جديدة، تخول للمعني بالأمر ممارسة عدة حقوق نتيجة الوضع الجديد وذلك حتى ينتج الحكم الأجنبي آثاره القانونية.
وتجدر الإشارة أن العبرة في تقرير أحكام التذييل بالصيغة التنفيذية في صلب المسطرة المدنية تكمن في احترام مبدأ سيادة الدولة التي من مقوماتها الأساسية عدم تنفيذ الأحكام الأجنبية فوق أراضيها ما لم تقضي بذلك اتفاقية دولة موقعة من طرفها أو مبدأ التعامل بالمثل.
وقد يطرح التساؤل حول ما إذا كان المقرر الصادر بمنح الحكم الأجنبي الصيغة التنفيذية قابل للطعن فيه بطرق الطعن المقررة قانونا، العادية منها وغير العادية، أم يمكن تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 128 من مدونة الأسرة التي قضت بأن الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق والتطليق والفسخ تكون ابتدائية ونهائية.
نعتقد أنه لابد من تدخل المشرع من أجل إيجاد حل صريح يتماشى مع الحكمة من قواعد التذييل بالصيغة التنفيذية ويراعي الظروف الواقعية للجالية المغربية المقيمة بالخارج.