تفسير العلاقة بين المناخ والظاهرة الإجرامية
مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية
يأخذ الأول منها بالاتجاه الطبيعي ، يلجأ الثاني إلي التفسير الاجتماعي ، أما الثالث فإنه يردها إلي التغييرات الفسيولوجية والنفسية .
1- النظرية الطبيعية : يسلم أنصار هذه النظرية بوجود علاقة مباشرة بين الظاهرة الإجرامية من جهة ، وبين درجات الحرارة ارتفاعا وانخفاضا وبين وكذلك بين الليل والنهار طولا وقصرا من جهة أخرى وذهبوا في بيان ذلك مذاهب شتي : فمنهم من يري أن ارتفاع الحرارة يزيد من حيوية الإنسان ونشاطه فيجعله أكثر استعداد للانفعال والإثارة وأشد رغبة في الجنس الأخر مما يترتب عليه زيادة جرائم العنف وجرائم الآداب .
ويفسر أنصار هذه النظرية سبب ارتفاع نسبة جرائم على الاعتداء على الأموال في فصل الشتاء بأنه يرجع إلي طول ليالي هذا الفصل من السنة ولما كان الظلام من العوامل التي تسهل ارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال كان صحيحا القول بزيادة جرائم الاعتداء على الأموال في فصل الشتاء .
ولقد تعرضت هذه النظرية النقد شديد من عدة زوايا : ناحية أولي ليست دائما حيوية الإنسان يسبب ارتفاع درجة الحرارة دافعا إلي ارتكاب جرائم العنف فهذه الجرائم ترتكب مع هذه الحيوية وبدونها .
ناحية ثانية فإن القول بأن ارتفاع درجة الحرارة يسبب ضعفا في المقاومة يترتب عليه زيادة الدافع إلي ارتكاب كل أنواع الجرائم ، لا جرائم العنف وجرائم الآداب .
ناحية ثالثة لو سلمنا جدلا بمنطق النظرية التي يقضي بزيادة نسبة جرائم العنف والجرائم الأخلاقية في فصل الصيف ، فإن هذا المنطق يكذبه واقع الإحصاءات الجنائية ، إذ أن الجرائم الخلقية تبلغ ذروتها في فصل الربيع وتأخذ في الانخفاض في فصل الصيف .
ناحية رابعة أن الربط بين طول ليالي الشتاء وازدياد نسبة جرائم الاعتداء على الأموال بصفة خاصة جريمة السرقة إذا صدق جزئيا بالنسبة لبعض أنواع السرقات فإنه لا يستقيم مع باقي أنواع السرقات .
يتضح من الانتقادات السابقة أن النظرية الطبيعية فشلت في تفسير تأثير المناخ على الظاهرة الإجرامية ونصيبها من النجاح محدود للغاية بصدد جرائم العنف وبعض أنواع السرقات 2- النظرية الاجتماعية : يعتقد أنصار هذه النظرية بوجود علاقة غير مباشرة بين الظاهرة الإجرامية وبين درجات الحرارة ارتفاعا وانخفاضا ففي فصل الصيف تزداد نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص لأن فيه يحصل جانب كبير ن الأفراد على إجازاتهم لأن ارتفاع درجة الحرارة يجبر الناس على الخروج من منازلهم إلي الأماكن العامة فتزداد فرص الاتصال بينهم وما يتبع ذلك من توافر ظروف متزايدة لتضارب المصالح والرغبات ومن ثم الاحتكاك والتشاجر .
في فصل الشتاء فإن أنصار المدرسة الاجتماعية يقولون أن انخفاض درجة الحرارة والإحساس بالبرودة يؤدي إلي ازدياد احتياجات الناس في هذا الفصل عن فصل الصيف .
وإشباع هذه الحاجات يتطلب وفرة من المال قد لا تكون متحققة لدي بعض الناس مما قد يدفعهم إلي ارتكاب جرائم الأموال .
هذه النظرية تنطوي على قدر من الصحة ، إلا أنها لم تصمد أمام النقد .
فهي لا تقدم تفسيرا لبعض الجرائم مثل الجرائم الخلقية لأن هذا النوع من الجرائم يكثر ارتكابه في فصل الربيع فلا علاقة له بالحياة المفتحة في الصيف أو المنغلقة في الشتاء 3- النظرية العضوية النفسية : يذهب أنصار هذه النظرية إلي وجود علاقة غير مباشرة بين الظاهرة الإجرامية وبين تعاقب فصول السنة .
فعدد الجرائم الخلقية يتغير في نظرهم بتغير الفصول ويبلغ أقصي مداه في فصل الربيع والسبب في ذلك أن تتابع الفصول يقابله تغييرات دورية في وظائف أعضاء الجسم والنفس وأن الغريزة الجنسية تبلغ ذروتها في فصل الربيع وهذا هو السر في ارتفاع عدد الجرائم الجنسية في فصل الربيع عنه في الفصول الأخرى ويؤخذ على هذه النظرية أنها اهتمت بتفسير نوع واحد من الجرائم هو الجرائم الخلقية مما يجعلها قاصرة عن تفسير علاقة المناخ بالأنواع الأخرى من الجرائم .
رأي الدكتور : وحقيقة العلاقة بين المناخ والظاهرة الإجرامية إنما يفسرها اجتماع النظريات الثلاث السابقة مع تحفظ واحد يتعلق بدرجة هذه العلاقة وهو أن لتأثير المناخ على الظاهرة الإجرامية كقاعدة عامة تأثير غير مباشر ، أي عن طريق وسيط وهذا الوسيط قد يكون عاملا اجتماعيا أو عضويا أو نفسيا .