العلاقة بين الوراثة والإجرام
مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية
ولهذا اتجه رأي آخر إلي إهدار كل قيمة للوراثة في إنتاج السلوك الإجرامي والقول بأن هذا السلوك يرجع إلي العوامل البيئية المحيطة بالمجرم فقط ويمثل هذا الاتجاه العالم الأمريكي سذرلاند حيث يري أن تشابه الخصائص الذي نلاحظه بين السلف والخلف لا يرجع إلي الوراثة إنما يرجع إلي تأثر كل منهما بظروف بيئية واحدة .
والحقيقة النقد أن الوراثة ليس خلوا من أي أثر على السلوك الإجرامي كما ذهب أنصار الرأي الثاني كما أنها ليست هي المؤثر الوحيد الدافع إلي هذا السلوك كما رأي أنصار الرأي الأول فإن الإنسان يرث عن أبويه الاستعداد الإجرامي فقط أما السلوك الإجرامي ذاته فلا يورث ويترتب على ذلك أن السلوك الإجرامي يتولد عن التفاعل بين الاستعداد الإجرامي الموروث والظروف البيئية المناسبة يميل غالبية علماء الإجرام إلي هذا الرأي فيتعبرون الوراثة أحد عوامل الإجرام الذي لابد من تفاعله مع عوامل أخرى لانتاج السلوك الإجرامي وأن دورها يقتصر فقط على نقل الاستعداد الإجرامي لإثبات العلاقة بين الوراثة والظاهرة الإجرامية استخدمت طرق ثلاث : 1- دراسة شجرة العائلة : تقوم هذه الدراسة على ملاحظة الإجرام بين أفراد أسرة واحدة على مدى عدة أجيال ومقارنتها بعينه ضابطة تتمثل في أسرة أخرى لم يجرم أفرادها .
ومن أقدم الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص الدراسة المتعلقة بأسرة جوك الأمريكية وفقد ولد ماكس جوك عام 1720 وكان من مدمني الخمر وكانت امرأته لصة رزق من الذرية 709 ابنا وحفيدا بينهم 77 من المجرمين 292 من محترفي الدعارة أو يديرون بيوتا لها 142 من المتشردين وعدد أخر من المصابين بأمراض عقلية وكذلك البلهاء والمصابين ببعض الأمراض التناسلية كالزهري .
وقد أجريت دراسة مقارنة على أسر اشتهر عنها الورع والاستقامة والنقد عليها أنها تنقصها الدقة للأسباب الآتية : 1- أنها تجاهلت قوانين الوراثة ذاتها لأنه كلما بعدنا عن الأصل ضعف دور هذا الأصل ولهذا فإن الرجوع لأصل بعيد ثم إرجاع إجرام الأحفاد أو انحرافهم إلي ما ورثوه عن هذا الأصل من استعداد إجرامي يعد خطأ علميا فادحا .
2- أهملت دور العوامل البيئية التي يعيش فيها أفراد الأسرة وتأثيرها على السلوك الإجرامي 3- أنها استندت إلي حالات فردية ومختارة واستخلصت منها قانونا عاما وهذا خطأ علمي منهجي 2- الدراسة الإحصائية لأسر المجرمين : تتفادي هذه الطريقة الخطأ المنهجي الذي وقعت فيه الطريقة السابقة فلا تكتفي بدراسة حالات منفردة ومنتقاة وإنما تبحث في حالات متعددة وغير منتقاة كما أنها لا تكتفي بدراسة ذرية أحد المجرمين وإنما تمتد لتشمل بجانب الفروع جميع أقرباء المجرم كأبناء العم والعمة وأبناء الخال والخالة .
وتتم هذه الدراسة بأحد أسلوبين : أما باختيار عدد من المجرمين ثم البحث فيما إذا كان لدي أسلافهم أو أقربائهم عيوب وراثية وإما اختيار عدد من الشواذ ثم بحث مدي التكرار الجريمة بين خلقهم وأقربائهم .
ويقصد بالعيوب الوراثية ظهور الأمراض العقلية والنفسية وبعض الأمراض المعدية وإدمان الكحول والمسكرات وكذلك تكرار الإجرام بين الأقرباء يزيد من دقة هذه الدراسة مقارنتها بمجموعة ضابطة من غير المجرمين أو من غير الشواذ وقد أجريت دراسة على 477 من المجرمين تبين منها أن 88 من الأسلاف سبق ارتكابهم جرائم وأن 85 كانوا مصابين بأمراض عقلية وأن 85 آخرين كانوا مصابين بأمراض نفسية وأن 33 كانوا مصابين بالصرع وقد أسفرت الدراسات الإحصائية عن نتيجتين : الأولي أن أغلب المجرمين ينتمون إلي أسر ينتشر فيها الإدمان على تناول المسكرات والشذوذ العقلي والنفسي والانحراف على اختلاف صوره والثانية أن الأسر التي ينتشر فيها الشذوذ يسلك أغلب أفرادها سبيل الجريمة أي أن هناك علاقة بين الإجرام والشذوذ من جهة وبين الوراثة من جهة أخري .
ونقد بعض العلماء الدراسة الإحصائية لأنها لم تقطع بأن الوراثة وحدها هي التي تؤدي إلي إجرام الفروع ومثل هذا النقد مقبول لأن الوراثة لا يمكن أن تكون كذلك فالعوامل البيئية المختلفة تساهم مع الوراثة في توجيه الأبناء إلي المسلك الإجرامي بل أن ما يؤخذ على هذه الدراسة هو عدم بحثها في أثر العوامل البيئية – بجانب الوراثة – على السلوك الإجرامي 3- دراسة التوائم : التوائم هم الأبناء الذين يجمعهم حمل واحد ووضع واحد والتوائم نوعان : أ- توائم متماثلون أو متطابقون وطبقا لقوانين الوراثة فإن التوائم المتماثلين أو المتطابقين يولدون متساويين تماما في خصائصهم الوراثية فيتشابهون في ملامحهم الخارجية ويشمل التشابه بينهم جميع الصفات والخصائص العضوية والنفسية .
ب- أما التوائم غير المتماثلين أو غير المتطابقين لا يصل التشابه بينهم فهم لا يختلفون عن بقية الأخوة والأخوات الأكبر أو الأصغر منهم سنا .
وتقوم دراسة التوائم على أساس التمييز بين التوائم المتطابقين من ناحية والتوائم غير المتطابقين من ناحية أخرى وفي نطاق كل فئة تتم مقارنة سلوك كل زوج من التوائم فبالنسبة لفئة التوائم المتماثلة إذا كان أحدهما لديه ميل أو استعداد إجرامي فلابد أن يتوافر هذا الميل أو الاستعداد لدي الآخر فإذا ثبت – عن طريق الدراسة – أن إجرامهما متماثلا دل ذلك علي انتقال الميل الإجرامي بالوراثة من السلف إلي الخلف أما إذا كان إجرامهما غير متماثل فإن ذلك يعني انعدام الصلة بين الوراثة والإجرام .
أول من أجري مثل هذه الدراسة العالم لانج عام 1929 على 13 زوج من التوائم المتماثلين 17 زوج من التوائم غير المتماثلين وانتهي من دراسته إلي أنه يوجد من بين التوائم المتماثلين 10 متوافقين في مسلكهم الإجرامي و3 غير متوافقين وأن من بين التوائم غر المتماثلين يوجد 2 فقط متوافقين في مسلكهم الإجرامي و15 غير متوافقين .
وتبين من نتائج الدراسات السابقة أن الوراثة تلعب دورا حاسما في الدفع إلي الجريمة بدليل توافق أغلب التوائم المتماثلين في سلوكهم الإجرامي أولا : من حيث المنهج : 1- فقد اعتمدت دراسة التوائم على حالات قليلة ومنتقاة وهذا يخالف أسلوب الإحصاء العلمي السليم الذي يتطلب الرجوع إلي عدد كبير من الحالات .
2- كما أن تصنيفها للتوائم مشكوك فيه إذ من الصعب تحديد ما كانت التوائم ناتجة عن بويضة واحدة أو أكثر من بويضة 3- يضاف إلي ذلك أن الاعتماد على عدد ضئيل من الحالات واستخلاص نتائج عامة تحكم الظاهرة ليس بالمنهج العلمي السليم ثانيا : من حيث الموضوع : أثبتت الدراسات السابقة عدم التوافق التام في المسلك الإجرامي بين التوائم المتماثلة فقد دلت الإحصائيات على أن ما يقرب من ثلث التوائم المتماثلين غير متشابهين في مسلكهم الإجرامي فكيف يفسر ذلك ؟ إذ من المعلوم أن هذا النوع من التوائم – وفقا لقوانين الوراثة يتشابه أفراده في كل شيء .
من أجل ذلك يكون صحيحا القول بأن الوراثة ليست هي العامل الوحيد الحاسم في ظاهرة الإجرام وإنما لابد أن تتفاعل معها عوامل أخرى بيئية وغير بيئية لإنتاج هذه الظاهرة .
فالوراثة دورها محدد بأنها تنتقل من السلف إلي الخلف الاستعداد الإجرامي.