الوديع المركزي في القانون المغربي
مواضيع متنوعة في القانون التجاري و قانون الشركات و مساطر صعوبات المقاولة بما يمثل قانون الاعمال في المغرب
يعتبر الوديع المركزي
مؤسسة مكلفة بحفظ السندات لحساب المنتسبين اليها، وبتدبير نظام تسديد وتسليم السندات. فهو مكون أساسي في تنظيم تدفقات السندات ضمن السوق المالي وخاصة في محيط يتضمن سندات مجردة ماديا، ويوفر الأمان والسيولة الضرورية لحسن سير العمليات لما بعد السوق. فهو يقوم بتدبير نظام اتمام العمليات بالنسبة للمعاملات بالبورصة و العمل بالتراضي من خلال اعتماده لبيانات تخطيطية مضبوطة و منظومات الية موسعة الى حد كبير وضمان سلامة التسديد عبر نظام الأداء لدى بنك المغرب
وتجدر الإشارة إلى أن أهمية الموضوع تتجلى في كون هذه المؤسسة تحقق العديد من المزايا و المنافع العامة و التي تتجلى في:
-القدرة على مراقبة حركة القيم المنقولة ونشاط سوق البورصة
-القدرة على الحد من تهرب المساهمين من الضرائب
-التشجيع على جلب الاستثمارات الأجنبية
-القضاء على محاولات الغش و العبث بالادخار الوطني
اضافة الى تسيير تداول ادارة القيم المنقولة نتيجة التخلص من المهام الادارية و التقليدية
-تخفيف تكاليف ادارة القيم المنقولة بنسبة تصل الى45 بالمئة من التكلفة الاجمالية وهكذا اذا كان الدور الذي أنيط بمؤسسة الوديع المركزي هو دور ثقيل فان الاشكال المطروح هوهل تستطيع هذه المؤسسة بإمكانياتها الحالية و أجهزتها الاستجابة للدور الذي أنشأت
من أجله؟ وما هو النظام القانوني لهذه المؤسسة؟ وماهي الوظائف والمهام التي أسندت لها؟ و هو ما سنحاول معالجته من خلال التصميم التالي:
المبحث الأول : تنظيم وإدارة وآليات الوديع المركزي
المطلب الأول : تنظيم وإدارة الوديع المركزي
المطلب الثاني : آليات عمل الوديع المركزي
المبحث الثاني: وظائف الوديع المركزي و نظام القيد في الحساب العام
المطلب الاول: وظائف الوديع المركزي
المبحث الأول : تنظيم وإدارة وآليات الوديع المركزي
لقد تم إحداث مؤسسة الوديع المركزي لأول مرة بالمغرب بمقتضى القانون رقم 96-35 الصادر في 9 يناير 1997،وإن كانت الانطلاقة الفعلية له لم تبدأ إلا في
21 سبتمبر 1998. وقد اطلق عليها هده المؤسسة اسم ” ماروكلير” . ولما كانت هده المؤسسة تتخذ
شكل شركة مساهمة ،فقد كان من الضروري البحث عن كيفية تنظيمها وإدارتها (المطلب الأول)، لإضافة إلى بيان خصوصية المنتسبين لهده المؤسسة والآثار المترتبة عن هدا الانتساب(المطلب الثاني).
المطلب الأول : تنظيم وإدارة الوديع المركزي
إدا كانت مؤسسة الوديع المركزي تضطلع بدور أساسي من خلال انجازها لكل أعمال الحفظ الملائمة لطبيعة وشكل السندات المعهود إليها بها،إضافة إلى الحسابات الجارية للقيم المنقولة المفتوحة باسم المنتسبين إليها[1]، مع مراقبتها لمسك المحاسبة السندية وتوازناتها،فإنه من أجل دلك كان لزاما أن تتخذ شكل شركة مساهمة كما سبق أن أشرنا.
وعلى هدا الأساس، فإن طرف تسييرها وإدارتها قدتم تحديده بموجب النظام الأساسي الذي يجب أن تكون مقتضياته متطابقة مع القواعد القانونية الواردة في القانون المؤسس لها والخاضع لمصادقة وزير المالية .
وحسب المادة الرابعة من القانون المحدث للوديع المركزي ،فإن نظامه الأساسي يجب أن يتضمن وجوبا أسماء وتسميات شركات كل المساهمين والنسبة المئوية التي يملكها كل واحد منهم في رأسمال الشركة، مع ضرورة مع ضرورة مصادقة الوزير المكلف بالمالية.
يتوفر الوديع المركزي على نظام داخلي يعده بنفسه ويصادق عليه وزير المالية،هدا النظام يحدد بشكل مفصل شكليات وإجراءات عمل هده المؤسسة وكيفية الانتساب إليها.
أما فيما يتعلق برأسمال الوديع المركزي،فهي موزعة على مجموعة من المساهمين وهم الدولة، صندوق الإيداع والتدبير ،وكدا القطاع الخاص ( المتمثلة في المجموعة المهنية لبنوك المغرب، الفيدرالية المغربية لشركات التأمين وإعادته، الشركة المسيرة لبورصة القيم).
أما بالنسبة للهيكل الإداري المكون للوديع المركزي فتتم إدارته من طرف مجلس إدارة ومدير عام. يتشكل مجلس الإدارة من رئيس يتم
تعيينه من طرف وزير المالية بصريح المادة 4 في فقرتها الثانية،عكس ما كان رائجا قبل صدور قانون 96-35 حيث أن وزير المالية هو الذي كان يعتبر رئيسا لمجلس الإدارة،لدلك يطرح تساؤل بخصوص بقائه رئيسا يمارس الرقابة والإدارة والتسيير على مجموع أجهزة الوديع المركزي أم أن صياغة المادة تفيد أنه إلى جانب
رئيس مجلس الإدارة الذي يقوم وزير المالية بتعيينه شخصيا ،يفقد هدا الأخير صفة الرئيس؟ نظن أن نص المادة 4 صريح ماعدا إدا كانت هناك خلفية قانونية وسياسية ما [2]
.
وبالإضافة لرئيس مجلس الإدارة ،هناك نوابا لرئيس ويضمان كل منوالي بنك المغرب ورئيس المجموعة المهنية لأبناك المغرب، إضافة إلى تمثيليات عن وزارة المالية وبنك المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير، والفيدرالية المغربية لشركات التأمين وأيضا عن الشركة المسيرة لبورصة القيم.
وتجب الإشارة إلى أن هناك حضورا قويا للجهات المالية الرسمية في مؤسسة “ماروكلير” ويجسدها هده المرة تنصيب مندوب
للحكومة مكلف بالسهر على ضمان تقييد المؤسسات بمقتضيات نظامها الأساسي و النظام العام المنصوص عليه في المادة الثامنة المحدثة له. ومن أجل تلك الغاية التي نصب من أجلها المندوب يتم تبليغ هدا الأخير بجداول الأعمال والمحاضر والتقارير المزمع تبليغها إلى
المتصرفين.
إدا كان هدا ما يتعلق بالطبيعة القانونية للوديع المركزي وتشكيلته الإدارية،فما هي آلية عمله ؟
المطلب الثاني : آليات عمل الوديع المركزي
تكمن آليات عمل الودوع المركزي في تحديد أصناف الوسطاء الماليين كصندوق الايداع والتدبير، بنك المغرب، المؤسسات الوديعة والهيئات التي يكون غرضها الايداع أو القرض أو الضمان أو تسيير الأموال والمدرجة في قائمة يحرها الوزير المكلف بالمالية.
وعليه فانه لا يكفي الانتماء لأحد هذه الأصناف لصلاحية مسك حساب السندات المقبولة في عمليات الوديع ، بل إن الانتساب لهذه المؤسسة يشترط بالاضافة إلى الانتماء إلى أحد هذه الأصناف ضرورة الحصول على ترخيص مسبق بهذه العمليات وهو ما
تأكده المادة 24 من قانون 96. 35
وتجب الإشارة إلى أن كل شخص معنوي مصدر لإحدى القيم المنقولة المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 19 أو
المادة 20 يعتبر تلقائيا مكلفا بمسك حساب أصحاب السندات الإسمية غير المودعة لدى وسيط مالي في إطار حساب الادارة. 35
وإذا كان الاشخاص المعنويون المصدرون للقيم الخاضعة للنظام العام للقيد في الحساب ملزمون فيما يخص القيم التي أصدروها بأان يفتحوا حسابا للسندات الإسمية في اسم كل مالك لتلك السندات (المادة 23) فإن الوسطاء الماليين المؤهلين يلزمون بدورهم بفتح حسابات السندات لكل من يطلب ذلك في حدود ما هو مسموح به في التأهيل.على أن الوسطاء الماليين المؤهلين وكذا الهيآت المصدرة للقيم المنقولة الخاضعة للنظام العام للقيد في الحساب يمكن أن يقوموا بهذه المهمة بنفسهم أو عن طريق تكلييف شخص آخر أو هيأة أخرى مؤهلة لمسك حسابات السندات للقيام بتلك المهمة، وذلك عن طريق منح توكيلات وهي نوعان :
ـ التوكيل الوارد في المادة 27(التوكيل المعطى لمسك حسابات السندات)
جاء استجابة لحاجة بعض ماسكي الحسابات وخاصة منهم بعض الأشخاص المعنويين المصدرين غير المهيئين بحكم طبيعة الأنشطة التي تدخل في غرضهم لمواجهة متطلبات مسك حسابات السندآت الإسمية التي يصدرونها لفائدة أصحابها،وهذا التوكيل لا
يمكن أن يمنح من طرف وسيط مالي مؤهل إلا لوسيط مالي آخر يشترط المشرع فيه على كل وسيط مالي أن يفصح عن رغبته في منحه أثناء تقديم طلب التأهيل المشار إليه في المادة 24.
ـ التوكيل الوارد في المادة 11 (التوكيل المعطى لتسيير الحساب الجاري)
ويقصد بداية بالحساب الجاري للسندات أو اختصارا الحساب الجاري هو ذلك الحساب المفتوح لدى الوديع المركزي باسم المنتسبين إليه والتي تجرد مجموع الموجودات الخاصة بهم وبعملائهم وذلك بحسب القيم أو بحسب أشكال السندات، وفي حالة تعيين أحد ماسكي الحسابات لوكيل عنه لمسك حسابات أصحاب السندات المقيدة لديه فإن من يعينه لمسك هسابه الجاري لدى الوديع المركزي وفقا لأحكام المادة 11 لا يجوز أن يكون وكيلا آخر غير الوكيل الذي تم تعيينه بموجب أحكام المادة 27.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوكيل قد يأتي بشكل تلقائي من صاحب الحساب الجاري أو في إطار إجراء تأديبي،وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تعطى الوكالة إلا لمنتسب آخر يكون مؤهل بحكم طبيعة غرضه للقيام بهذه المهام ، كما هو الحال بالنسبة لشركات البورصة ومؤسسات الائتمان والشركات التي يكون غرضها إيداع الأموال وإدارتها.
الفقرة الثانية : آثار اكتساب صفة المنتسب
لا تكتسب صفة المنتسب إلى الوديع المركزي بمجرد الحصول على التأهيل من طرف الوسطاء الماليين أو القيام بمسك حسابات السندات الإسمية من قبل الأشحا'ص المعنوية المصدرين بل لا بد من فتح حسابات جارية للسندات لدى الوديع المركزي حسب المادة 26 من قانون 96. 35
أولا : أثر فتح الحساب الجاري بالنسبة للمنتسب
المنتسب للوديع المركزي ملزم بتسليم أو تبليغ القيم المنقولة المقيدة لديه إلى الوديع المركزي.هذا الأخير يلتزم بحفظها وإدارة الحسابات الجارية التي تقيد فيها بالكيفية المنصوص عليها في النظام، ويمكن لكل منتسب الحصول على شهادات تثبت حقوقهم وذالك لتسهيل عمية أداء هذه القيم المنقولة خاصة وأن الادلاء بهذه الشهادات هو بمثابة تقديم السندات المقيدة في الحسابات أو القسائم المرتبطة بها.
وبصفة عامة فإن كل المنتسبين بجميع أصنافهم ملزمون بالتقيد بقواعد مسك حسابات أصحاب السندات ، وللتصميم المحاسبي للهيآت الماسكة للحسابات خاصة في ظل الرقابة التي يجريها الوديع المركزي وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 39.
وفي إطار هذه المراقبة فقد أقر المشرع المغربي لوزير المالية إمكانية فرض مجموعة من العقوبات التأديبية تتراوح بين الإنذار أو التوبيخ ووقف أو سحب التأهيل الذي غالبا ما يطبق في حالة استمرار الانذار أو التوبيخ المنصوص عليهما في
المادة 68 بدون جدوى.
ثانيا : آثار الحساب على القيم المنقولة
استثناء من المبادئ والقواعد العامة المطبقة على القيم المنقولة قرر القانون مجموعة من الأحكام القانونية، فبالإضافة إلى مبدأ انتقال القيم المنقولة في عمليات الوديع المركزي عن طريق التحويل فيما بين الحسابات الجارية المفتوحة من طرفه باسم المنتسبين إليه، فقد أوجب الشرع سقوط الحق في التعرض على السندات المفقودة أو المسروقة، وكذا عدم جواز الحجز لدى الغير على الحسابات الجارية للقيم المنقولة.
1ـ سقوط الحق في التعرض على السندات المفقودة أو المسروقة
استثناء من المبادئ العامة المنصوص عليها في ق ل ع (المادة
456) والتي تعطي الحق لكل من ضاع له أو سرق منه شيء في أن يسترده خلال ثلاث سنوات من يوم الضياع أو السرقة ممن يكون هذا الشيء موجودا بين يديه، جاءت المادة 13 من
قانون 96. 35
والخلاصة هو أنه في جميع الأحوال يبقى لمن سقط حقه في مواجهة الشخص حامل السندات أن يرجع على المتسبب في الضرر بالتعويض.
2ـ عدم جواز الحجز لدى الغير على الحسابات الجارية
تنص المادة 14 من قانون 96. 35
وعلى هذا الأساس فالدائن يقوم بتبليغ أمر الحجز إلى ماسك حساب لسندات المدين وبمجرد وصول هذا التبليغ تصبح هذه القيم غير قابلة للتصرف.
المبحث الثاني: وظائف الوديع المركزي و نظام القيد في الحساب العام
المطلب الاول: وظائف الوديع المركزي
لقد حددت المادة 3 من القانون 96-35 المتعلق باحداث الوديع المركزي المهام التي يقوم بها. ويمكن تصنيف هذه المهام الى صنفين يتعلق الاول بحفظ و ادارة القيم المنقولة(الفقرة الاولى)، ويتعلق الثاني
بالمراقبة على المحاسبة السندية للمنتسبين اليه(الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: حفظ القيم المنقولة وادارة الحسابات الجارية
1-حفظ القيم المنقولة
إن عملية حفظ ومسك حسابات السندات، وكذا عمليات إدارة محفظات القيم المنقولة ليست بالسهلة. إذ ان تعقيد الاجراءات والتكاليف التي تتطلبها كان يساهم في تصعيب مامورية الوسطاء الماليين في هذا
المجال،فضلا عما ينجم عن ذلك من تحمل للمسؤولية بسبب المخاطر التي اصبحت تواجهها.
ويقصد بحفظ القيم مجرد قيد القيم المنقولة المقبولة في عمليات الوديع المركزي. فهذه القيم لم تعد قابلة للتجسيد المادي الا عن طريق القيد في الحساب. وعبارة الحفظ التي
استعملها المشرع من شانها خلق نوع من الالتباس في الاذهان. لانها قد تقترن بنظام الوديعة التي يكون محلها اشياء مادية او وديعة السندات التي يلتزم بموجبها المودع لديه او المؤسسة الوديعة بضمان حراسة السندات مع الالتزام بردها عندما يطلب منه المودع
ذلك.
لقد ميز المشرع من خلال القانون المتعلق باحداث الوديع المركزي بين مستويين من العمليات المسندة الى الوديع المركزي:
-اعداد الاجراءات اللازمة لتسهيل ممارسة الحقوق المرتبطة بالسندات تحصيل الفوائد التي تدرها.
-ادارة القيم المنقولة المقبولة في عملياته في اطار العمليات على السندات المقررة من طرف الأشخاص المعنويين المصدرين كعمليات التجميع او الاستبدال.
2-إدارة الحسابات الجارية
يعهد للوديع المركزي بإدارة الحسابات الجارية للقيم المنقولة باسم المنتسبين إليه. وذلك بواسطة قاعدة معطيات تتضمن جميع المعلومات المتعلقة بالقيم المنقولة والعمليات المجراة عليها وتخول له مهمة الإدارة،
والقيام بانجاز كل عمليات التحويل فيما بين الحسابات الجارية، وذلك بناءا على تعليمات المنتسبين إليه إما مباشرة أو في إطار نظام للتسديدات مقابل تسليم السندات.
كما يأمر عند الاقتضاء بتسديد قيمة السندات نقدا بتزامن مع تسلسلها، وتتم هذه التسديدات عبر الحسابات الجارية النقدية المفتوحة لدى بنك المغرب باسم المنتسبين. وفضلا عن هذا، فإن الوديع المركزي يقوم بكل
الإجراءات التي تسهل على المنتسبين اليه ممارسة الحقوق المرتبطة بالسندات و تحصيل الصوائر التي تدرها.
الفقرة الثانية: المراقبة على المحاسبة السندية للمنتسبين إليه
عهد المشرع إلى الوديع المركزي بمراقبة مسك المحاسبة السندية لماسكي الحسابات وكذا بالتحقق من التوازنات المحاسبية المحددة في المادة 38 من القانون المحدث للوديع المركزي.
ولتحقيق هذا الغرض، جاءت المادة 39 تقضي بانه"لهذه الغاية يؤهل الوديع المركزي للقيام بالمراقبة الميدانية ومراقبة الوثائق المتعلقة بالمنتسبين اليه ماسكي الحسابات عن طريق وكيل منتدب لهذا الغرض".
إذا كان وضع ذا المخطط المحاسبي ضروريا لتوحيد قواعد المحاسبة السندية المتبعة من طرف مجموع ماسكي الحسابات، فإن ضمان تحقيق هذا الهدف والحفاظ على سلامة عمليات الوديع المركزي، تستلزم إعطاء الصلاحيات اللازمة لهذه الهيئة بقصد تمكينها من السهر على تقييد ماسكي الحسابات بالتصميم المحاسبي الذي يحدده النظام العام.
ولضمان فعالية هذه الرقابة، فإن المشرع خول للوديع المركزي في مجال العقوبات التأديبية حق الاقتراح على وزير المالية وقف التأهيل الممنوح لكل وسيط مالي خالف الإجراءات القانونية، كما خول له صلاحيات واسعة في إلزام كل
ماسك للحسابات قد يلاحظ عليه أي إخلال بالتزاماته بمنح التوكيلين المنصوص عليهما في المادتين 11 و72، أو التوكيل المنصوص عليه في المادة 11 فقط في حالة ما إذا لم يصحح الاخلالات المعلن فيها، وتهدف هذه المراقبة الى الحفاظ على التوازن العام للسوق المالية.
المطلب الثاني : النظام العام لقيد بعض القيم في الحساب
في إطار تحديث وملاءمة منتوجات السوق المالية،تم إحداث النظام العام لقيد بعض القيم في الحساب، الذي أثر بشكل ملموس على شكل هذه القيم وعلى طرق حفظها وإدارتها وانتقالها وذلك بموجب القانون رقم 96/35.
وللتعرف على أهم المستجدات التي جاء بها هذا القانون ،سنتطرق بداية إلى تحديد مفهوم هذا النظام (الفقرة الأولى)،وأحكام التعامل في القيم المقولة الخاضعة لها (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى :مفهوم النظام العام للقيد في الحساب
أحدث القانون رقم 96/35 نظاما خاصا لحفظ ومسك القيم المنقولة وإدارتها أضفى عليه تسمية النظام العام لقيد بعض القيم المنقولة في الحساب . وقد أحدث النظام الجديد طفرة حقيقية في
هذا المجال بإنشائه لما يصطلح عليه بالسند الكتابي ،الذي قلص الهوة الفاصلة بين شكلي السندات للحامل والسندات الإسمية . فهذا النظام الجديد يقوم على السند الكتابي الذي هو شكل جديد للقيم المنقولة ،إذ يسمح بقدر أكبر من المرونة في التداول والشفافية مع تفادي الضياع والسرقة وارتفاع
كلفة الحفظ التي كانت مرتبطة بالقيم المنقولة لحاملها وبالسندات الإسمية. فهذا النظام يقوم على عدم التجسيد المادي إلا في شكل قيد السند في الحساب باسم مالكه ،إما لدى المصدر إذا كان السند إسميا (1)،وإما لدى وسيط مالي مؤهل إذا كان لحامله (2)،ثم نتطرق بعد ذلك للسند الكتابي
(3).
-
مفهوم السند الإسمي :
تنشأ السندات الإسمية من الناحية القانونية ،بقيد أسماء أصحابها ،وكذا عدد السندات التي يملكوها في سجل خاص يمسكه الشخص المعنوي المصدر لهذا الغرض ويسمى سجل التحويلات . ومن الناحية العملية
يسلم الشخص المعنوي المصدر شهادة بالسندات المقيدة في سجلاتها للأشخاص المقيدة بأسمائهم . وعلى هذا الأساس فإن كل تفويت أو انتقال لهذه القيم الإسمية يتم بناء على أوامر مكتوبة من الشخص المقيدة باسمه وذلك دون الحاجة إلى الحصول على موافقة المفوتإليه . وبالرغم مما يميز انتقال السندات الإسمية ورهنها من بطء وتعقيد فإنها توفر لحامليها الأمان ضد مخاطر الضياع والسرقة.
-
السندات للحامل :
يجسد السند للحامل بواسطة وثيقة مطبوعة تمثل حقوق الشريك في الشركة أو حق الدين العام في ذمة الهيئة المصدرة ،وبمجرد الإدلاء بهذا السند يمكن لصاحبه أن يمارس جميع الحقوق المرتبطة به .
وقد اعتبر الاجتهاد القضائي الفرنسي القيم المنقولة المجسدة في شكل سندات للحامل بمثابة مال مادي منقول تنتقل ملكيته عن طريق التداول بالتسليم من يد إلى يد . وبعد إلغاء السندات القابلة
للتظهير بقيت السندات للحامل دائما مصدر جذب للمدخرين وللمستثمرين بفضل ما توفره من مرونة في طرق الإنتقال وميزة البقاء في الخفاء.
-
السند الكتابي:
يعتبر السند الكتابي مستحدثا في القانون المغربي, إذ لم يسبق الأخذ به في اي قانون اخر قبل احداث النظام العام للقيد في الحساب المؤسس بموجب القانون رقم 96/35 و يقوم على عدم التجسيد المادي الا في شكل قيد السند في الحساب باسم مالكه, اما لدى المصدر اذا كان السند اسميا و اما لدى وسيط مالي اذا كان لحامله[3].
الفقرة الثانية :طرق تطبيق نظام القيد في الحساب .
إذا كانت بداية التسعينات قد شهدت انتعاشا في مؤشرات البورصة إلا أنه لم ترق بعد إلى القيام بالدور المنوط بها لأنه مازالت هناك عدة عوامل تعيق دورها في تعبئة المدخرات طويلة الأمد ،والتي منها الجذور الفكرية
والثقافية للعقلية العربية عموما ،التي تجعل المدخر والمستثمر العربي يفضل توظيف موجوداته في المجالات التقليدية كالعقار والبناء ،وفي تمويل الاقتصاد المهيكل[4] خوفا
من المنافسة وما يلازم ذلك من مخاطر ،ومن الطبيعي أن لا يتلاءم هذا السلوك مع منطق سوق البورصة . إضافة إلى ذلك فلقد كان للطابع العائلي لمعظم المقاولات المغربية ورفضهم كل انفتاح على الجمهور إما بسبب عدم القدرة على الاستجابة لمتطلبات السوق ،أو خوفا من إفشاء أسرارها
أو فقدان الشركاء القدامى لسيطرتهم على المشروع وخضوعهم للمراقبة الحقيقية التي سيمارسها الشركاء الجدد على الإدارة والتسيير ،وخصوصا عندما تفتقد هذه المقاولة إلى الشفافية المطلوبة أو تعتمد على بعض الأساليب التقليدية المتوارثة التي لا تقوى معها على الخضوع لآليات السوق ومراقبة الجمهور والأجهزة الكلفة
بالمراقبة . فكان لهذه العوامل وغيرها أن تكون عائقا أمام سوق البورصة للنهوض إلى المستوى المطلوب . وعلى مستوى آخر فالملاحظ أن نشر المعلومات عن الشركات المدرجة أسهمها في البورصة لا يتم بصورة دورية ومستمرة لضمان وصول
المعلومات على نحو يمكنه من معرفة المعطيات على حياة الشركة، والتي ستعمل على زيادة الإقبال على التعامل مع الشركات[5] وهم على بينة من وضعيتها المالية
والقانونية.
والملاحظ أن المشرع المغربي استثنى من مجال تطبيق نظام القيد في الحساب لدى الوديع المركزي القيم الأخرى التي لا تتداول إلا نادرا مثل أسهم الشركات ذات الطابع العائلي. وتعتبر تقنية القيد
في الحساب لدى الوديع المركزي ، مؤشرا على التحول الجذري الذي انتهجه المشرع المغربي بالتحول من النظام التقليدي الذي كان يحكم القيم المنقولة إلى الدخول في نظام جديد يفرض تمثيل القيم المنقولة المسعرة التي يتم تداولها في سوق البورصة ،في تقييدات في حساب لفائدة مالكيها يمسك من طرف الشركة المصدرة ،إن كانت
القيم إسمية أو يمسكه وسيط مالي معتمد من طرف وزير المالية ، إن كانت هذه القيم للحامل ،ويعتبر القيد في الحساب بالنسبة لمجموعة من السندات حددها القانون وجوبيا (1)،بينما يعتبر القيد بالنسبة لمجموعة أخرى قيدا اختياريا (2).
-
القيد الوجوبي في الحساب لدى الوديع المركزي .
تمثل القيم المنقولة عن طريق قيدها في الحساب لفائدة مالكيها وتمسكه الشركة المصدرة إن كانت غير إسمية أو يمسكه وسيط مؤهل إن كانت هذه القيم للحامل. ويعتبر نظام الإيداع الإيداع
المركزي للأوراق المالية نظاما يهدف إلى تجميع الأوراق المالية وحفظها مركزيا ،والتعامل معها من خلال قيود دفترية وليس من خلال صكوك ورقية ،حيث يفتح حساب أوراق مالية لكل مودع للأوراق المالية تمسكه الشركة المصدرة إن كانت القيم المنقولة إسمية أو وسيط مالي إن كانت هذه القيم
للحامل.
وقد قرر المشرع المغربي أن يكون القيد في الحساب إجباريا قبل أي تداول في بورصة القيم وذلك بالنسبة لسندات معينة وهي :
-السندات التي تصدرها الخزينة العامة عن طريق الدعوة للمنافسة وكذلك أسهم شركات الإستثمار ذات رأس المال المتغير وحصص صناديق التوظيف المشترك ،والحصص المملوكة لهيئات توظيف الأموال ،وسندات الديون القابلة للتحويل النصوص عليها في القانون( رقم 94-35 المادة الأولى ) وكذا القيم المصدرة في إطار دعوة الجمهور للإكتتاب .
وقد حدد المشرع المغربي الطريقة التي يمسك الحساب بها والتي تختلف بحسب نوع السندات ،فإذا كانت السندات إسمية فيمسك الحساب في إسم المالك المصدر ،وإن كانت السندات للحامل فتمسك لدى وسيط مالي[6] . وقد صدر بعد ذلك قرار لوزير الاقتصاد والمالية في 26 مارس 1999
يتم بموجبه تأهيل الوسطاء الماليين الآتي ذكرهم :ورد في المادة 24 من القانون 96-31 "يجب على الوسطاء الماليين لأجل مسك حساب السندات أن يكونوا مؤهلين لذلك بقرار من الوزير الكلف بالمالية بعد استشارة رأي الوديع المركزي.
واستثناء من أحكام الفقرة الأولى من هذه المادة يؤهل تلقائيا بنك المغرب والخزينة العامة للمملكة لمسك حسابات السندات.
وقد صدر قرار لوزير الإقتصاد والمالية في 26 مارس 1999 يتم بموجبه تأهيل الوسطاء الماليين الآتي ذكرهم :
1)الوسطاء الماليون الذين تم تحديدهم في القانون رقم 96-35
2)الأشخاص المعنويون المصدرون لإحدى القيم المشار إليها في المادة 19 و 20
3)الهيئات الأجنبية ذات غرض مماثل لغرض الوديع المركزي ومن بين المستجدات التي جاء بها القانون رقم 02-43 لسنة 2004 هو أنه فرض على الأشخاص المعنويون المصدرين وعلى مؤسسات تدبير القيم المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة (19-1) العمل على إدراج هذه القيم في عمليات الوديع المركزي الذي وضعته هذه الأخيرة بعد موافقة الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي مجلس القيم المنقولة (المادة الثالثة من القانون رقم 02-43 لسنة 2004).
2- القيد الاختياري في الحساب لدى الوديع المركزي.
تنص المادة 20 من القانون رقم 96-35 بأنه يجوز لأي شخص معنوي يسمح له القانون بإصدار القيم المنقولة بغض النظر عن القيم المسعرة أو غير المسعرة ،وسواء اتخذ هذا الشخص التي يصدرها للنظام العام للقيد في الحساب لدى الوديع المركزي شريطة أن يحصل على موافقة هذا الأخير.
والملاحظ أن المشرع منح امتيازات هامة لفائدة المنتسبين إلى الوديع المركزي أوردتها المواد (14-15 من القانون رقم 96-35) وذلك لتشجيع مصدري القيم المنقولة للانتساب إلى الوديع المركزي، وهي أنه :
-
-
يمكن للوديع المركزي قصد تسهيل إدارة القيم المنقولة في عملياته أن يسلم إلى المنتسبين إليه شهادات تثبت حقوقهم ،وتعد هذه الشهادات بمثابة تقدير للسندات المقيدة في الحساب والقسائم المرتبطة بها[7] .
-
لا يقبل أي حجز لدى الغير على الحسابات الجارية للقيم المنقولة المفتوحة في سجلات الوديع المركزي(المادة14).
-
خاتمة :
لقد أحاط المشرع النظام العام للقيد في الحساب بمختلف أشكال الحماية والتي تتجسد في فرض تأهيل الوسطاء الماليين وفي إخضاع مختلف ماسكي الحسابات لمراقبة الوديع المركزي في مجال مسك المحاسبة السندية.
كما أوجد صيانة حقوق أصحاب السندات إزاء الوسطاء الماليين الموجودين في حالة التوقف عن الدفع .
[1] - تنص المادة 2 من قانون 96-35 على أنه تحدث شركة مساهمة تخول وحدها صلاحية حفظ القيم
المنقولة في عملياتها ،وتسهيل انتقالها وتبسيط إدارتها لفائدة المنتسبين إليها، وقد حددت المادة الثالثة اختصاصات هده المؤسسة بشكل مفصل وهو ما سيكون محلا للفرع الثاني هدا الموضوع.
[2] -هناك تناقض على مستوى المواد المنظمة في إطار 96-35 خاصة ما يتعلق بهده النقطة ،رئيس مجلس الإدارة هل هو وزير المالية أم الرئيس الذي يتم تعيينه من طرف وزير المالية بموجب المادة 4 ،خاصة وأنه بالرجوع إلى المادة 6 يتضح عودة المشرع المغربي للقول بأن الرئيس هو وزير المالية ما دام أنه بإمكانه طلب إجراء تقييم من طرف مدققين مستقلين من طرف الوديع المركزي ودلك فيما يخص الوسائل والإجراءات المتبعة.
[3]الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون رقم 96-35
[4] محمد السنوني: القيم المالية الجديدة المتفرعة عن السهم، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط،2003-2004 ص 34.
[5] محمد العربي بن عثمان ،النظام المحاسبي بالمغرب، مداخلة في ندوة حول أهمية المعلومات والإفصاح عنها في البورصات العربية، الاتحاد العربي للبورصات العربية، القاهرة 1987 ص 510.
[6] يراد بالوسيط المالي الاشخاص التالية: بنك المغرب, الخزينة العامة, البنوك المعتمدة وفق الاحكام التشريعية و التنظيمية, شركات التمويل, الشركة المسيرة للقيم, صندوق الايداع و التدبير, المؤسسات التي يكون غرضها الايداع او القرض او تسيير الاموال المدرجة في قائمة يحددها الوزير المكلف بالمالية.
[7] يسلم الوديع المركزي الى المنتسبين شهادات تتثبت حقوقهم, تتضمن بيانات مثل نوع القيم المنقولة, و الكمية المودعة و تاريخ الايداع, و ما اذا كانت القيم المنقولة مرهونة او محجوزا عليها و يقوم هذا البيان مقام صكوك الاوراق المالية, في جميع التعاملات بما في ذلك حضور الجمعيات العامة للشركات المصدرة, و الحصول على الأرباح و غير ذلك من الحقوق.