دور القاضي في تقييم الأدلة الرقمية لإثبات لمعاملات العقارية

مواضيع وعروض في القانون العقاري و الحقوق العينية في مختلف المواضيع. المحررات الاكترونية في المعاملات العقارية، عروض في القانون العقاري، عروض في الحقوق العينية، الملكية في القانون المغربي، قراراتالمحافظ، التعرضات، النظام العقاري في المغرب، المساطر الخاصة للتحفيظ، المسطرة الادارية للتحفيظ، المسطرة القضائية للتحفيظ

دور القاضي في تقييم الأدلة الرقمية لإثبات لمعاملات العقارية

دور القاضي في تقييم الأدلة الرقمية لإثبات لمعاملات العقارية

تطورت أساليب الإثبات القضائي فأصبح هناك تعاونا وثيقا في الإثبات بين القانون والقاضي والخصوم، فالقانون يبين طرق الإثبات ويحدد قيمة كل منها، والقاضي يطبق القواعد التي يقررها القانون في ذلك ويتمتع في تطبيقيا بشيء من حرية التقدير.

ويقف أمام القاضي خصمان كل منهما يدعي الحق وينسبه إلى نفسه وينازع في ادعاء الآخر فيه، والقاضي يفتقر إلى ما يرجع به جانبا على الآخر ويظهر أثر ذلك خاصة إذا كان الحق المتنازع فيه غير مستقر وإنما في وضع مؤرجح بينهما.

أو كان الحق غير ثابت لأحدهما أو كان محل إثبات صعب المنال فإن تكليف أحد طرفين بإثبات حقه هو تهديد له فيه بحيث إذا عجز عن إقامة البينة أو قصر في تهيئة الدليل المقنع أو فشل في الإثبات الكافي، حكم عليه القاضي وسلب الحق منه، ولهذا اقتضت الضرورة توزيع عبء الإثبات بينهما (المطلب الأول).

المطلب الأول: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات

يقصد بعبء الإثبات تحديد الخصم الذي يجب عليه إثبات الواقعة المتنازع بشأنها، في نطاق الادعاء يوجد من يدعي ومن يدعى عليه وقد لا يكون الحق ثابتا بطريقة واضحة ظاهرة محددة لأي من هذين الطرفين، وإنما قد يكون الحق متراوحا بينهما ولذلك فإنه يتعين تحديد من يكلف بعبء الإثبات إذ يذهب أغلب الفقه إلى أن عبء الإثبات يتوقف عليه مصير الدعوى ولذلك كانت قواعد عبء  الإثبات هي أولى قواعد الإثبات وأهمها[1] ، حيث أن إلقاء عبء الإثبات على أحد الخصمين معناه أن يحكم له أو لخصمه.

وبذلك فالقاضي يمكنه أن يحدد وجهة عبء الإثبات عن طريق السلطة الممنوحة له في القضايا العقارية بخصوص المسائل التي يمكن إثبات عن طريق اليمين التي يوجهها لأحد الخصوم (الفقرة الأولى)، ونفس الأمر يتكرر عندما نعالج مسألة الإثبات في النزاعات القضائية المتعلقة بالتقييد الاحتياطي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: توزيع عبء الإثبات بين الخصوم في النزاعات العقارية

في البداية لا بد أن نقول إن مبدأ حياد القاضي يعتبر أحد أهم المبادئ الأساسية في مادة الإثبات، حيث يقتصر دور القاضي في الإثبات المدني في المنازعات المدنية بشكل عام والمنازعات العقارية بشكل خاص سلبي، غير أن هذا المبدأ لا يجب أن يفهم منه أن القاضي لا يميل لأحد الخصوم على حساب الاخر، بل هذا أمر مسلم به ويعد من وظائفه الأساسية[2] .

تظهر أهمية تحديد المكلف من الخصوم بعبء الإثبات في الصعوبة العملية التي تكتنف الإثبات سواء في تعذر الحصول على الدليل أو في خضوع هذا الدليل للتفنيد والتشكيك من الطرف الآخر في الخصومة أو في السلطة التقديرية المقررة لمحكمة الموضوع في تقدير دلالة الدليل المقدم على الواقعة محل الإثبات كما هو الحال للشهادة والقرائن القضائية.

كما إن التمييز بين المدعي والمدعى عليه لأمر يبلغ من الأهمية بما كان، إذ أنه قمين بتحديد من يقع عليه عبء الإثبات منهم، وبالتالي يتوجه إليه القاضي بضرورة الإدلاء بصحة ما يدعيه لكي يخلص الى تكوين قناعة تمكنه من إصدار حكم فاصل وعادل في موضوع النزاع. كما أن تحديد من يتحمل عبء الإثبات مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

وتحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة يجب تناولها من حيث المبدأ ثم من ناحية التطبيق

إن عبء الإثبات من حيث المبدأ يحتكم الى القاعدة الفقهية القائلة بأن البينة على من ادعي والمقررة بمقتضى الفصل 399 من ظ.ل.ع[3] ، وهنا يجب التفصيل في مفهوم المدعى على مستوى القواعد الإجرائية والقواعد الموضوعية.

فعلى المستوى الإجرائي فالمدعي هو من يقوم بتسجيل مقال الدعوى، ويبقى مدعيا الى حين صدور الحكم، فإذا تقدم المدعي عليه بمقال مضاد، سمي بدوره مدعيا في هذا المقال، حتى إذا صدر الحكم، اعتبر كل طرف مدعيا ومدعى عليه في نفس الوقت، لوجود دعاوى متقابلة، أما من حيث الموضوع فالأمر مختلف، ذلك أن المدعي ليس هو من يرفع المقال ويحرك الخصومة القضائية، كما أن الطرف الواحد قد يصبح مدعيا في دفع ومدعى عليه في آخر، وبذلك فهو من يجب عليه العمل على تقديم المستندات الرقمية التي تثبت الحق العقاري الذي يدفع باستحقاقه، سواء كان تبعيا أو أصليا.

وبخصوص المسائل العقارية التي تتار امام القضاء في سياق المنازعات العقارية أو المنازعات المرتبطة بالتعرضات العقارية الناجمة عن التحفيظ، فإن المشرع أخد بناصية القاعدة المكرسة بشكل عام في ظ.ل.ع  والمتمثلة في صورة الإثبات بحكم القانون، وذلك من خلال مجموعة من النصوص التي أكدت ضرورة تقديم المدعي للوثائق التي تعزز ادعاءه منها مثلا المتعرض حيت نصت الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي "... يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات والوثائق المثبتة لهويتهم والمدعمة لتعرضهم ويؤدوا الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض..."

وبذلك فالإثبات امام القضاء يشترط تقديم المتعرض في إطار التعرض القضائي الوثائق والمستندات والحجج التي تعزز مزاعمة سواء فيما يتعلق بحق ملكية على العقار المراد تحفيظه او حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري المراد تأسيسه، كما نص بذلك الفصل 24 من ظ.ت.ع[4].

وما تجدر الإشارة إليه هو أن المحكمة لا تقضي بوجود التحفيظ من عدمه وإنما تكتفي بالبت في وجود الحق ومداه.

وهذا المقتضى كرسه القضاء المغربي على مستوياته المختلفة، بداية بقضاء محكمة النقض في قرارا لها  جاء فيه "المتعرض يحمل صفة مدعي وعلى كاهله يقع عبء الإثبات"[5]، وهو ما سارت على هديه العديد من المحاكم[6] منها ابتدائية الراشيدية في قرار لها في ملف عدد 51/1403/2014 بتاريخ 30/12/2015، جاء فيه ما يلي "إن المتعرض في مطلب التحفيظ الذي يعتبر في مركز المدعي الذي يقع عليه عبء إثبات مزاعمه"، بخلاف طالب التحفيظ الذي يكون من حيث المبدأ معفي من الإثبات اللهم إذا أثبت المتعرض حقه بدلائل قوية، حيث في هذا الصدد يجب على طالب التحفيظ المدعى عليه أن يدحضها بدلائل قوية.

ويمكن للأطراف استئناف حكم المحكمة الابتدائية حيث يحال الملف على كتابة الضبط ليعمد بعد ذلك الرئيس الأول تعيين مستشار مقرر ليتولى القيام بإجراءات الفصل في النزاع ويمنع على الأطراف في هذه المرحلة أن يتقدموا بأي طلب جديد كما أن التحقيق الذي ينجزه المستشار المقرر يقتصر على النزاعات التي آثارها مطلب التحفيظ في المرحلة الابتدائية.

وبناء على ما سبق، فإن الأصل في الحقوق الشخصية أي الالتزامات هو براءة الذمة من أي التزام ومن تم فإن من يدعي بخلاف الظاهر ويدعي دينا على أحد الخصوم يكون مدعيا لخلاف الثابت أصلا وبالتالي يتعين عليه إقامة الدليل علة ما يدعيه، لكن في المنازعات العقارية والحقوق العينية فإن الأصل فيها هو احترام الوضع الثابت نظرا لكون الحق العيني هو سلطة مباشرة على شيء معين، وبالتالي من يعدي خلاف ذلك وجب عليه أن يثبت ما يدعيه وهو ما أكدت عليه مدونة الحقوق العينية في المادة 242 والتي جاء فيها ما يلي " لا يكلف الحائز ببيان وجه مدخله إلا إذا أدلى المدعي بحجة على دعواه"[7].

وعليه من يريد أن يثبت حقا عقاريا وجب عليه أن يتوفر على مستند رسمي تتوفر فيه كل الشروط القانونية التي سبق أن وقفنا عليها بنوع من التفصيل، سواء كانت وثائق الكترونية أو مراسلات رقمية أو توقيعا رقميا.

الفقرة الثانية: التقييدات القضائية المؤقتة واثباتها عن طريق السند الرقمي

يعد الإشهار العقاري من أفضل ما أفرزته الصياغة التشريعية كنظام يكفل للعقار حماية قانونية في مواجهة الأطراف المتعاملين بشأنه، وكذا في مواجهة الأغيار محققا بذلك الاطمئنان إلى البيانات الواردة بالرسوم العقارية.

 إذا كان للتسجيل بالرسم العقاري أثر إنشائي للحق بين الأطراف والغير، فإن هناك تقييدات مؤقتة تكتسي أهمية بالغة في القانون العقاري أوجب إشهارها في الرسم العقاري من أجل حفاظ أصحابها على مراكزهم القانونية وكذا من أجل ضمان استيفاء حقوقهم في مواجهة الأطراف والغير.

وتتنوع هذه التقييدات المؤقتة حسب الحق الذي ترمي إلى ضمانه أهو حق شخصي أم عيني حيث إن الحجز العقاري سواء منه التحفظي أو التنفيذي يضمن استيفاء الحق الشخصي للدائن تجاه مدينه كما يمنع من إجراء أي تسجيل جديد على العقار المحجور، أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي، فهو شرع أساسا من أجل أن يضمن مؤقتا الحق العيني الوارد على الرسم العقاري المتعلق به[8] .

كما إن للتقييد الاحتياطي دور هام في حماية الحقوق الغير القابلة للتسجيلات النهائية، بواسطته يقع إشهار أولي وتحفظي للحق المزمع تسجيله بعد رفع الإشكال الحائل دون التقييد حاليا، الغاية منه المحافظة المؤقتة إما على حق موجود لكن منازع فيه وينتظر من القضاء أن يعطي كلمته وإما حق تعذر استكماله لتأخر توفره على شكلية من الشكليات.

وبخصوص دور القاضي في التقييدات الاحتياطية، فإنه ينهض على مستوى وسائل الإثبات عند المنازعة في الحق موضوع التقييد حيت يتمتع بسلطات واسعة في هذا المضمار تتمثل في مراقبة مدى طلبات التقييد على المستندات والوثائق التي تثبت الحقوق المراد تقييدها احتياطيا، حيت نجد الفصل 65 من ظ.ت.ع الذي جاء فيه ما يلي " يجب على كل شخص يطلب تقييدا أو بيانا أو تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري أن يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية طلبا مؤرخا وموقعا من طرفه أو من طرف المحافظ في حالة جهله أو عجزه عن التوقيع. يجب أن يتضمن هذا الطلب بيان وتعيين ما يلي: ...

  1. أصل التملك وكذا نوع وتاريخ العقد الذي يثبته؛

...".

وبذلك فحسب مقتضيات الفصل السالف ابرازه يمكن القول ان القضاء يراقب في إطار دعوة البطلان المرفوعة ضد التقييد الاحتياطي الذي لم يحترم الشكليات المقررة قانوننا مدى اهتداء المحافظ للأملاك العقارية لأصل الحق المراد تقييده لضمان حق الرتبة الذي يمنحها هذا النظام.

وبذلك فتقييد الحق في إطار الدعاوى التي ترفع للمحكمة تمنح القاضي صلاحية مراقبة الوسائل المستدل بها من أجل تعزيز الحق العيني الواجب تقييده، سيما أن الحق العيني الواجب تقييده يجب أن يكون واردا على عقار محفظ[9].

وبذلك فالمحكمة يتعين عليها كلما ثبت لها أن طلب التقييد الاحتياطي قدم بصفة تعسفية أو كيدية أو عن سوء نية، أن تقضي تلقائيا لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بغرامة مدنية لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به، والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في المطالبة بالتعويض، وهو ما يمنحها صلاحية في تقدير مدى جدية وسائل الإثبات المعتمدة من قبل الطرف الطالب للتقييد.

المطلب الثاني: دور القاضي في تقدير وسائل الإثبات

انطلاقا من خصائص الإثبات المختلط وما يخوله للقاضي من صلاحيات تمكنه من التعامل بمرونة مع القضية المعروضة عليه، وتمكنه من تجاوز جمود النص القانوني الذي قد يكون في بعض الأحيان قاصرا أو عائقا أمام إنتاج الحقائق القضائية في انسجام مع الحقائق الواقعية، فقد أجاز المشرع للقاضي المساهمة على وجه الاستثناء في جمع الأدلة[10]، وهو ما ينص عليه المشرع في مقتضى الفصل 71 من ق.م.م الذي جاء فيه "يجوز الأمر بالبحث في شأن الوقائع التي يمكن معاينتها من طرف الشهود والتي يبدو التثبت منها مقبولا ومقيدا في تحقيق الدعوى".

وقد أكد الفصل 55 من ق.م.م هو الآخر على هذا الاستثناء "يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق".

وقد عبر عن ذلك الفصل 143 من ق م م الفرنسي بقوله إن الوقائع التي يتوقف عليها حل النزاع يمكن أن تكون بناء على طلب الأطراف أو تلقائيا محل جميع إجراءات التحقيق الجائز قبولها قانونا.

فانطلاقا مما سبق يتضح أن للقاضي صلاحيات مهمة في المنازعات العقارية فيما يتعلق بتقدير حجية وسائل الإثبات الالكتروني سواء من خلال اللجوء إلى اليمين القانونية (الفقرة الأولى)، أو عن طريق دعوى الزور الفرعي (الفقرة الثانية)، أو عن طريق تحقيق الخطوط (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: اليمين

اليمين في القضاء يراد بها تقوية أحد طرفي الخبر في الادعاء (الإثبات أو النفي) بالصيغة التي تقررها المحكمة وفق وقائع الدعوى، وتكون تأدية اليمين بأن يقول الحالف (أقسم) ويؤدي الصيغة التي أقرتها المحكمة.

وإذا كنا أمام اليمين القانونية القضائية التي تدخل في نطاق الإثبات وإقامة الدليل أمام المحاكمة والتي تفيد الكشف عن الحق المتنازع فيه ويشترط فيها أن تكون منصبة على وقائع الدعوى المطلوب الحلف عليها، ويشترط في هذه اليمين أيضا أن تكون في صيغتها التي أقرتها المحكمة موجهة على مصدر الحق الذي نشأ عنه الالتزام، فهي إما أن تكون منصبة على تصرف قانوني قام به الخصم ونشأ عنه الحق المطالب به، وإما أن تكون على واقعة قانونية معلومة للخصم وبالحق الذي نشأ عنها.

واليمين القضائي في موضوع الإثبات نوعان، حاسمة ومكملة والتي يلعب فيها القاضي دوره الطلائعي في تقدير السندات الرقمية المستدل بها هي اليمين المتممة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن اليمين الحاسمة هي الأخرى تلعب دورا مهما في حسم النزاع لفائدة أحد الخصوم رغم انها ملك لهما، لكن يبقى للقاضي فيها دور مهم لتطويع الدليل من أجل تذليل الحقيقة بحيث يمكنه رفضها إذا كانت في الأصل غير منتجة في الدعوى، لكن اليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي أطراف الخصومة في الدعوى بغرض اتمام اقتناعه بقرينة معينة، وهذه اليمين المتممة لا أثر لها، لأن القاضي له أن يأخذ بها وله ان يلتفت عنها حتى بعد قيام الخصم بحلف اليمين. ومن المعلوم أن للخصم أن يحلف اليمين المتممة إذا طلبها القاضي وله أن يمتنع عن أداء اليمين، حيث لا يتقرر حتما بأدائها أو النكول عنها حسم النزاع إيجابيا أو سلبيا[11] .

إذا هي ليست صلحا ولا حتى تصرفا قانونياً أو دليلاً إنما هي إجراء يتخذه القاضي رغبة منه في تحري الحقيقة والاحتكام إلى ذمة أحد الخصوم الذي قدم دليلا غير كاملا.

ويشترط في توجيه اليمين الا يكون في الدعوى دليل كامل والا تكون الدعوى خالية من أي دليل.

الشرط الاول الا يكون في الدعوى دليل كامل، وتحلف اليمين المتممة من اجل استكمال الدليل الناقص وامر تحليفها متروك لتقدير قاضي الموضوع، والا تكون الدعوى خالية من أي دليل وهذا هو الشرط الثاني.

ومن اثار اليمين المتممة ولكونها حق للقاضي فإنه يمكن له الرجوع عنها مادامت هناك ادلة أخرى يمكن أن يقدمها الخصوم لإثبات مزاعمهم منها مثلا حجة رقمية من الخصم لدحض حجة الخصم الذي وجهت له اليمين المتممة.

فهذه اليمين لا تكمل الحجة الناقصة، وإنما تكمل النصاب إذا عجزت الحجة عن تمامه وفي هذا الصدد ورد في قرار لمحكمة النقض جاء في حيثياته ما يلي "لأن اليمين المكملة لا تجبر الخلل والنقض الحاصل في الحجة إذا كانت الحجة باطلة وغير معتبرة شرعا وإنما تكمل النصاب اذا عجزت الحجة عن تمامه إذا أقيمت بشاهد واحد وستة من اللفيف في الدعاوي المالية والآئلة الى المال"[12] .

الفقرة الثانية: رقابة القاضي للدفع بزورية السند الرقمي

كما رأينا تعتبر الدعاوى القضائية المجال الخصب والطبيعي للمقارعة بين الأدلة، ففيها يتهافت كل طرف من أطرافها للإدلاء بما له من أدلة وحجج طمعا في إقناع القضاء بصحة ادعائه والاستئثار بموضوع الدعوى، فيسعى جاهدا إلى طرح أقوى ما لديه من أدلة ورد أقوى ما لدى خصمه، ولما كانت الكتابة الرقمية هي أقوى أدلة اثبات المعاملات العقارية على الإطلاق، فإن السعي إلى هدم قوتها والنيل من حجية الدليل الكتابي يعد أبرز مظاهر سعي الأطراف إلى رد أدلة الخصم، وأهم تجليات مساهمتهم في تحقيق الدعوى.

هذا، وان تحقيق غاية هدم الدليل الكتابي المدلى به في الدعوى المدنية خاصة ورده على صاحبه يبدو صعب المنال دون سلوك الطريق المحدد قانونا لذلك إما في القوانين الموضوعية أو الإجرائية المنظمة لأدلة الإثبات الكتابية وهي أساسا في قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية. هذه المقتضيات منحت كذلك للقاضي صلاحية مناقشة الدليل المستدل به والتثبت من صحته وقوته من خلال دعوى الزور الفرعية.

وتعتبر دعوى الزور الفرعي من الاليات القانونية التي تمكن القاضي من بسط رقابته على المستندات الرقمية التي يعتمدها الخصوم لإثبات مزاعمهم، وقد نص عليها المشرع في الفصل 92 من ق.م.م الذي جاء فيه " إذا طعن أحد الأطراف أثناء سريان الدعوى في أحد المستندات المقدمة بالزور الفرعي صرف القاضي النظر عن ذلك إذا رأى أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على هذا المستند.

إذا كان الأمر بخلاف ذلك أنذر القاضي الطرف الذي قدمها ليصرح بما إذا كان يريد استعمالها أم لا.

إذا صرح الطرف بعد إنذاره أنه يتخلى عن استعمال المستند المطعون فيه بالزور الفرعي أولم يصرح بشيء بعد ثمانية أيام نحي المستند من الدعوى".

ولذلك فللقاضي مجموعة من الصلاحيات التي يباشرها من خلال الزور الفرعي والتي تعكس رقابته على الوثيقة الرسمية منها أنه يجب أن تكون دعوى الزور مجدية في النزاع، ومعنى ذلك أن حسم النزاع متوقف على تلك الوثيقة الالكترونية المعدة للإثبات، ونقصد بالورقة الرقمية هنا الأوراق الرسمية فقط، دون الأوراق الرقمية العرفية والتي يمكن أن تكون موضوع تحقيق خطوط، وهو ما أكده القضاء المغربي في قرار له على مستوى محكمة النقض جاء فيه ما يلي "إذا طعن احد الأطراف في أحد المستندات المقدمة في الدعوى بالزور الفرعي، صرفت المحكمة النظر عن ذلك إذا رأت أن الفصل في القضية لا يتوقف على المستند المطعون فيه[13] "

كما أن تقدير ما إذا كان الادعاء بالزور الفرعي في موضوع الدعوى منتج هو مسألة يستقل بها القاضي الناظر في النزاع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في هذا الصدد، وبذلك فيحق له مناقشة الوثيقة الرقمية كما يمكنه أن يستعيض عن ذلك، وهو أمر أكده قضاء المغرب في عديد المرات، منها ما قضت به محكمة النقض الذي جاء فيه ما يلي "...حيث صح ما عاب به الطالب القرار المطعون فيه، ذلك أنه صرف النظر عن دعوى الزور الفرعي في رسم الملكية، ومع ذلك اعتمدهما في الاثبات رغم تمسك الطالب بالزور الفرعي مما يكون معه مشوبا بخرق الفصل 92 من ق.م.م"[14] .

وبعدما يتبين للقاضي أن الوثيقة المستدل بها منتجة وهناك منازعة جدية بأن تكون مزورة يقوم حينئذ بمجموعة من الإجراءات وقد تم التنصيص عليها في المادتين 92 و93 من قانون المسطرة المدنية، على رأسهاـ توجيه إندار لمستعمل الوثيقة الرقمية، حيث بعد حسم المحكمة موقفها من إنتاجية الوثيقة الرقمية المطعون فيها في إطار الدعوى الأصلية، تكون ملزمة بتوجيه انذار الى الخصم مستعمل لهاته الورقة ليعبر عما إذا كان ينوي استعمال هاته الورقة أو أنه يتنازل عن ذلك، وهو ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي "...محكمة الاستئناف التي نشرت العوى امامها من جديد لما ظهر لها عكس ما انتهت اليه المحكمة الابتدائية واقتنعت بان الرسم المطعون فيه يتوقف عليه الفصل في النزاع كان عليها أن تنذر بصفة قانونية من استدل به ليصرح بما إذا كان يريد استعماله أم لا ..."[15] .

وتجدر الإشارة بأن الدعوى الخاصة بالزور في محرر توثيقي يفرض على المحكمة أو هيئة التحقيق الأمر بإجراء تحقيق على الوثيقة موضوع الطعن بالتزوير للتأكد من حصوله أو عدمه، ما لم يعترف العدلان أو الغير بارتكاب عملية التزوير أو يوجد شهود يشهدون بذلك خاصة عندما يتعلق الأمر بالتزوير المعنوي.

الفقرة الثالثة: دور القاضي في إنكار الخط أو التوقيع في السند الرقمي

نظم المشرع المغربي تحقيق الخطوط بموجب نصوص قانون المسطرة المدنية، بحيث نص الفصل 89 على ما يلي "إذا أنكر خصم ما نسب إليه من كتابة أو توقيع أو صرح بأنه لا يعترف بما ينسب إلى الغير أمكن للقاضي صرف النظر عن ذلك إن رأى أنه غير ذي فائدة في الفصل في النزاع.

إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإنه يؤشر بتوقيعه على المستند ويأمر بتحقيق الخطوط بالسندات أو بشهادة الشهود أو بواسطة خبير عند الاقتضاء. تطبق القواعد المقررة بالنسبة إلى الأبحاث والخبرة في تحقيق الخطوط"، وكذلك الفصل 431 من ق.ل.ع الذي جاء فيه ما يلي "يجب على من لا يريد الاعتراف بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه، أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه، فإن لم يفعل اعتبرت الورقة معترفا بها". وهو

وتحقيق الخطوط لا يمكن تصوره إلا في الوثيقة الرقمية المحررة عرفيا[16] التي لم يقع الاعتراف بها من طرف الخصم [17]، دون الوثيقة الرسمية التي تخضع لمسطرة الزور الفرعي، التي سبق لنا أن توقفنا عندها.

وبخصوص المستندات الرقمية فكما هو مبين أعلاه، فهي إما رسمية أو عرفية، وهذا الأمر تأكد بموجب قانون الالتزامات والعقود، وبذلك فالعقود الرقمية العرفية يمكن أن تكون موضوعا لهاته المسطرة التي نظم احكامها المشرع بمجموعة من الفصول أبرزها 89 و90 و91 من ق.ل.ع.

فمن خلال هذا الفصل يتضح لنا أن إنكار الخصم لما نسب إليه من كتابة الوثيقة المدلى بها ضده أو بتوقيعه عليها وتمسك بها من قدمها بعد إنذاره من طرف القاضي، وقع هذا الأخير على الوثيقة وأمر بتحقيق خط هذه الوثيقة، أو التوقيع عليها بعد أن يؤشر القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية على هذه المستنتجات كي لا يقع استبدالها بأخرى، ومضاهاتها بمكتوبات أخرى للمنسوبة إليه الوثيقة ومقارنة توقيعه بعدة توقيعات أخرى يؤمر بها من طرف القاضي، أو من طرف الخبير في الخطوط الذي يعينه القاضي لذلك.

وإذا ثبت من تحقيق الخطوط صحة توقيع المستند أو من طرف من أنكره اعتبر السند صحيحا، وحكم على المنكر بغرامة من مائة إلى ثلاثمائة درهم لفائدة الخزينة، دون أن يمنع هذا الحكم من إقامة دعوى التعويض التي يمكن لمقدم الوثيقة والمستفيد منها أن يقيمها.

وإذا لم يثبت أن الخط أو التوقيع له، اعتبرت الوثيقة لاغية بالنسبة لهذه القضية وأبعدت من الملف، واعتبرت كأن لم تكن[18] ، وفي هذا الصدد ذهب القضاء المغربي في إحدى قراراته، أنه إذا أنكر الخصم توقيعه على الكمبيالة المطلوبة منه أداء قيمتها، وأكد هذا الإنكار بتوكيل خاص إلى محاميه مشهود على إمضائه، ولم تقم المحكمة بمسطرة التحقيق الخطوط بعلة أن الدعوى لم توجه ضد شخص معين تكون قد خرقت مقتضيات الفصول 89 و 92 من قانون المسطرة المدنية وعرضت قضاءها للنقض.

 والملاحظ من خلال هذا القرار أن تحقيق الخطوط هو إجراء مهم يجب أن تآمر فيه المحكمة خصوصا إذا تعلق بوثيقة رقمية هي موضوع النزاع أو التي ستؤدي إلى الفصل فيه، وعموما فتحقيق الخطوط هو إجراء مهم لا يجب على المحكمة أن تغض الطرف عنه وإلا تعرض قضاءها للنقض.

وهو ما أكده القضاء المغربي في قرار له على مستوى محكمة النقض بتاريخ 25 مارس 2014 إذ جاء فيه ما يلي "بناء على الفصل 431 من ق.ل.ع وبمقتضاه يجب على من لا يريد الاعتراف بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه أن ينكر صراحة خطه أو توقعه وإلا اعتبرت غير معترف بها وللورثة أن يقتصروا على التصريح بأنهم لا يعرفون خط أو توقيع من تلقوا الحق منه.

وبناء على الفصل 89 من ق.م.م وبمقتضاه إذا صرح خصم بأنه لا يعترف بما نسب إلى الغير من كتابة أو توقيع أمكن للقاضي صرف النظر عن ذلك إن رأى أنه غير ذي فائدة في الفصل في النزاع، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك فإنه يأمر بتحقيق الخطوط بالسندات أو بشهادة الشهود او بخبرة"[19] .

وبهذا يمكن القول إن القاضي لديه العديد من الصلاحيات التي يمكن أن يفعلها من أجل تقدير المستندات الرقمية في إطار المنازعات العقارية التي تستعمل فيها هاته الوثائق.

 

[1] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني –دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الرابع –، م س، ص 31

[2] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني –دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الرابع ، م س، ص22.

[3]  ينص الفصل 399 من ق.ل.ع على ما يلي " إثبات الالتزام على مدعيه".

[4] ينص الفصل 24 من التحفيظ العقاري على ما يلي " يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إن لم يكن قام بذلك من قبل وذلك:

1- في حالة المنازعة في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار؛

2- في حالة الادعاء باستحقاق حق عيني قابل للتقييد بالرسم العقاري الذي سيقع تأسيسه؛

3- في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون."

[5] قرار صادر عن المجلس الأعلى في ملف مدني رقم 71-07-67 بتاريخ 15-4-81 منشور بمجلة رسالة المحاماة عدد 8، ص 307.

[6] منها اجتهاد قضائي لمحكمة النقض عدد: 5202 المؤرخ في: 30/07/1998 ملف عقــاري عدد: 1966/1/9/95 جاء فيه ما يلي "إن موضوع النزاع هو استحقاق المدعى للمدعى فيه، والمحكمة عندما ردت تلك الدعوى مع يمين المدعى عليه باعتبار أن حجة المدعي - التي هي رسم الشراء المجرد عن أصل التملك ناقصة عن درجة الاعتبار، تكون قد طبقت تطبيقا سليما القاعدة الفقهية: ''البينة على المدعي واليمين على من أنكــر''.

أنظر الرابط الاتي: https://adala.justice.gov.ma/production/jurisprudence/ar/cour_supreme/fes/ %D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1.htm

تاريخ الزيارة 08-08-2021 على الساعة 14:00

[7] القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011). الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص 5587.

[8] حسن فتوح، م س، ص 196.

[9] حسن فتوخ، التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجوز والانذارات العقارية، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات –مراكش-، الطبعة الأولى، 2018، ص 195.

[10]  العلوي العبدلاوي ادريس، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، مطبعة فضالة –المحمدية-، الطبعة الأولى 1977 ص 4 و5.

[11] عبد الرحمان الشرقاوي، الجزء الرابع، مرجع سابق، ص167.

[12] قرار عدد 792 الصادر بتاريخ 14 دجنبر 1982 في الملف ع رقم 92279 مجلة القضاء والقانون العدد 132

[13] قرار عدد 403 بتاريخ 7 شتنبر 2005 الصادر عن غرفتين في ملف شرعي عدد 482-2-1-2002 منشور ب

[14] قرار عدد 1086 بتاريخ 14 أبريل 2014، ملف مدني عدد 2539-1-4-2000، أنظر: سعيد بواطاس، الطعن بالزور الفرعي بين النص القانوني والعمل القضائي، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، الفوج 39، فترة 2013-2015، ص35.

[15] قرار عدد 4023 بتاريخ 25 يونيو 1997 ملف مدني عدد 2456-1-5-94. أنظر: سعيد بواطاس، الطعن بالزور الفرعي بين النص القانوني والعمل القضائي، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، الفوج 39، فترة 2013-2015، ص36.

[16] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني –دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الرابع –إثبات الالتزام، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2020، ص 98.

[17] لأن الوثيقة الرقمية العرفية التي تم الاعتراف بها تنزل منزلة المستند الرقمي الرسمي، وبالتالي لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.

أنظر، عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني –دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الرابع –إثبات الالتزام، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2020، ص126.

[18] عبد العزيز توفيق، شرح ق.م.م والتنظيم القضائي، الجزء الثاني، المكتبة القانونية، الطيعة الثانية، طبعة 1998 ص200.

[19] القرار عدد 218 من الملف المدني عدد 2191-1-2-2013. انظر، عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني –دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الرابع –إثبات الالتزام، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2020، ص 129.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0