الجريمة الاكترونية و إشكالية الإختصاص القضائي - مكان إرتكاب الجريمة نموذجا

مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي

الجريمة الاكترونية و إشكالية الإختصاص القضائي - مكان إرتكاب الجريمة نموذجا

الجريمة الإلكترونية و إشكالية الإختصاص القضائي _مكان إرتكاب الجريمة نموذجا _ المفهوم الجديد لمكان إرتكاب الجريمة الإلكترونية.

 قراءة في قرار محكمة النقض عدد 233/7 في الملف جنحي عدد 14280/6/7/2017 الصادر بتاريخ 14/02/2018.

إنجاز : ذ يوسف قجاج

يجمع مختلف المهتمين على أن الجريمة الإلكترونية قلبت العديد من المفاهيم القانونية السائدة سواء على مستوى القانون الموضوعي من حيث التجريم و العقاب ، و ذلك بفعل ازدواجية طبيعتها بين جريمة إلكترونية محضة تستهدف الأنظمة و البيانات المعلوماتية في حد ذاتها أو كجريمة عادية مرتكبة بواسطة تقنية المعلومات كآلية من أجل التواصل و التخطيط لتنفيذ المشاريع الإجرامية ، أو على مستوى القانون الإجرائي بفعل تغلبها على القواعد المسطرية المقررة كأصل عام للبحث و التحري و ملاحقة مرتكبي الجرائم العادية و ضبطهم و محاكمتهم ، مما يتعين القول معه بأن الجريمة الإلكترونية قد أحدث ثورة في فلسفة التجريم و العقاب و الإجراءات الجنائية.

فإذا كان البحث في مسألة مدى إستيعاب قواعد الإختصاص التقليدية لخصوصية الجريمة الإلكترونية أمرا صعبا ،فإن الصعوبة تنطلق من إعطاء مفهوم للجريمة الإلكترونية ذاتها ، لذلك يذهب معظم المهتمين إلى القول بأن الجريمة الإلكترونية باعتبارها مظهرا جديدا من مظاهر السلوك الإجرامي لا يمكن تصورها إلا من خلال ثلاث مظاهر ، إما أن تتجسد في شكل جريمة تقليدية يتم اقترافها بوسائل إلكترونية أو معلوماتية ، أو في شكل استهداف للوسائل المعلوماتية ذاتها و على رأسها قاعدة المعطيات و البيانات أو البرامج المعلوماتية ، أو أن يتم اقتراف الجرائم العادية في بيئة إلكترونية كما هو الأمر بالنسبة لجرائم الصحافة.

فلما كان الإختصاص القضائي هو سلطة المحكمة للحكم في قضية معروضة عليها ، أو الولاية التي يمنحها المشرع لمحكمة ما للبت في القضايا المعروضة عليها ، فإن طبيعة الجريمة الإلكترونية و الخصوصية التي تمتاز بها ،  أصبحت تشكل أبرز و أهم الإشكاليات و التحديات ، و التي تثير التساؤل حول تحديد المحكمة صاحبة الإختصاص للنظر و البت فيها متى تم ضبط مرتكبيها و تقديمهم للعدالة.

فمن الصعوبات التي تطرحها الجريمة الإلكترونية و علاقتها بموضوع الإختصاص القضائي ، هي الحالات التي يتوزع فيها السلوك المادي للجريمة في أكثر من مدينة كأن يقع السلوك الإجرامي في مدينة معينة ، في حين تتحقق نتيجته الإجرامية في مدينة أخرى ، ويكون بالتالي كل مدينة قد تحقق فيها أحد عناصر الركن المادي للجريمة قابلا للتطبيق ، كما في حالة ارتكاب فعل التهديد عبر الرسائل الإلكترونية حيث قد يرتكب الفعل المادي في مدينة ويتلقاه الضحية في مدينة أخرى بعد أن تمر في كثير من الأحيان بأكثر من مدينة .

معطى لا بد منه ، جاء في قرار محكمة النقض عدد 233/7 في الملف جنحي عدد 14280/6/7/2017 الصادر بتاريخ 14/02/2018" حيث إن المحكم المؤيد حكمها بالقرار المطعون فيه عندما ردت الدفع بعدم الإختصاص المكاني  و عللت قرارها بالقول : '' حيث لئن كان الثابت فعلا أن محل إقامة الأظناء و مكان إلقاء القبض عليهم بمدينة واد زم فإن مكان إقتراف الجرائم موضوع المتابعة و هي الإبتزاز و المشاركة فيه طبقا للفصلين 538 و 129 من القانون الجنائي هي جرائم تقليدية فإن الوسائل التي إعتمدها الأظناء و المتمثلة في الاتصالات الهاتفية و الرسائل النصية و شبكة الأنترنيت و تسليم و تسلم المقابل المادي لعدم إفشاء الأمر الشائن ، نقلت مكان الجريمة من إطار مادي محدود جغرافيا إلى بيئة إفتراضية غير ملموسة ، و أنه لما كان من العناصر التكوينية للجريمة موضوع المتابعة الحصول على مبالغ مالية أو تسليم ورقة... بواسطة "التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة ...."و كان التهديد قد تم عبر وسائل إتصال عن بعد و التي رفعته (أي التهديد) من نطاق جغرافي محدد من مدينة واد زم إلى بيئة إفتراضية غير ملموسة  فتم سماع التهديد هاتفيا و مشاهدته نصيا إلكترونيا من طرف الضحية و هو بمدينة سلا كما أن هذا الأخير قد أرسل المقابل المادي من مدينة سلا من خلال تعبئات هاتفية عبر رسائل نصية ، الأمر الذي يفهم منه أن الركن المادي للجريمة -و الذي يعتبر معيارا للقول بمكان إرتكاب الفعل-قد إرتكب في نطاق إفتراضي و في ظروف آنية وحدا مدينة واد زم و سلا في مكان واحد ، مما يجعل المحكمة الإبتدائية بسلا صاحبة ولاية هي الأخرى مكانيا للنظر في الجرائم موضوع المتابعة ، تكون المحكمة قد خرقت إجراء من الإجراءات المسطرية و فسرت المادة 259 أعلاه التي حددت نطاق إختصاص المحكمة للنظر في مثل نازلة الحال تفسيرا خاطئا و عرضت بذلك قرارها للنقض."

نظرة عن الوقائع المرتبطة بالقرار : يظهر من خلال القرار موضوع الدراسة أن الأمر يتعلق بالتهديد بإفشاء أو نشر أمور شائنة (الإبتزاز) ، عرض على المحكمة الإبتدائية بسلا ، إرتكبت من طرف المتهمون موضوع المتابعة و الذي ينحدرون من مدينة واد زم في حق الضحية الذي يقطن بمدينة سلا ، و أن وسائل أداة إرتكاب الجريمة إنحصرت في وسائل التواصل و الإتصال، و المتمثلة في الاتصالات الهاتفية و الرسائل النصية و شبكة الأنترنيت ، مما تكون معه الجريمة قد إنتقلت من جريمة عادية تقليدية إلى جريمة إلكترونية تم اقترافها بوسائل إلكترونية و هو ما يتماشى مع مفهوم الجريمة الإلكترونية كما أشرنا إليه سابقا، كما يستشف أيضا من خلال وقائع القضية على أن السلوك المادي للجريمة توزع بين مدينتين واد زم و سلا ، ويكون بالتالي كل مدينة قد تحقق فيها أحد عناصر الركن المادي للجريمة ،ذلك أن الفعل المادي إرتكب في بيئة إفتراضية غير ملموسة ، وتلقاه الضحية في مدينة سلا.

هذا ، فالبرجوع إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع الإجرائي قد عالج مسألة الإختصاص في مواد عدة من خلال القاعدة الثلاثية :مكان ارتكاب الجريمة ، محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مشاركته في ارتكابها ، مكان إلقاء القبض على أحد هؤلاء الأشخاص ولو تم هذا القبض لسبب آخر -المواد 44 و55  و 259 بإختلاف الجهة القضائية ، نيابة عامة ، قاضي تحقيق ، محكمة -.

فالثابت من خلال القرار أعلاه موضوع الدراسة ، أنه تأثر بغياب إطار قانوني إجرائي يحكم و ينظم موضوع الإختصاص في الجريمة الإلكترونية ، الأمر الذي يحتم إعمال قواعد الإختصاص المحلي التي أشرنا إليها و هذا ما يطرح جملة من الصعوبات ، خصوصا أن مكان ارتكاب الجريمة الإلكترونية و الذي يكون دائما في البيئة الإفتراضية غير الملموسة يختلف عن مكان ارتكاب باقي الجرائم التقليدية الأخرى في العالم المادي الملموس ، و هو الأمر الذي فطنت إليه محكمة الدرجة الأولى و التي تم تأييد حكمها القاضي برد الدفع بعدم الإختصاص المكاني من طرف محكمة الإستئناف موضوع الطعن بالنقض ، و ذلك عندما  إعتبر أن الجرائم موضوع المتابعة و هي الإبتزاز و المشاركة فيه طبقا للفصلين 538 و 129 من القانون الجنائي هي جرائم تقليدية ، و أن الوسائل التي إعتمدها المتهمون و المتمثلة في الاتصالات الهاتفية و الرسائل النصية و شبكة الأنترنيت و تسليم و تسلم المقابل المادي لعدم إفشاء الأمر الشائن ،  قد نقلت مكان الجريمة من إطار مادي محدود جغرافيا إلى بيئة إفتراضية غير ملموسة ، و أنه لما كان من العناصر التكوينية للجريمة موضوع المتابعة الحصول على مبالغ مالية بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة ، و كان  هذا التهديد قد تم عبر وسائل إتصال عن بعد و التي رفعته من نطاق جغرافي محدد من مدينة واد زم إلى بيئة إفتراضية غير ملموسة  فتم سماع التهديد هاتفيا و مشاهدته نصيا إلكترونيا من طرف الضحية و هو بمدينة سلا ، مما يجعل المحكمة الإبتدائية بسلا صاحبة ولاية هي الأخرى مكانيا للنظر في الجرائم موضوع المتابعة .

و عليه ،  فإن تطبيق قاعدة مكان إرتكاب الجريمة بمفهومها التقليدي لا تتلاءم مع طبيعة الجريمة الإلكترونية و خصوصيتها حيث يصعب تحديد مكان وقوع الفعل الجرمي في هذه الجرائم، و على إعتبار أن  هذه القاعدة  صيغت لكي تحدد الإختصاص المتعلق بجرائم قابلة للتحديد المكاني و بالتالي لا ينبغي إعمالها بشأن الجريمة الإلكترونية و التي ترتكب في فضاء مادي غير ملموس يبقى معه أمر تحديد مكان ارتكاب الجريمة في غاية الصعوبة ، و يجعلها تستعصي على الخضوع للقوالب القانونية التي تحكم مسألة الإختصاص المكاني.

نظرة عن بعض الأحكام القضائية : إن تأثر القضاء المغربي في تعامله مع الجريمة الإلكترونية و الذي نلمسه من خلال العديد من الأحكام القضائية، و إحتكامه لقاعدة مكان إرتكاب الجريمة بمفهومها التقليدي في تعاملها معها، راجع لا محالة إلى غياب قواعد إجرائية خاصة تنظم معايير انعقاد الإختصاص  في الجريمة الإلكترونية ، فلابأس أن نستشهد ببعض الأحكام القضائية التي تجسد هذا المعطى ، و نذكر منها ما جاء في الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط  في الحكم عدد640  ، ملف جنحي اعتقال رقم14-2105-660  ، بتاريخ 2014-04-25 غير منشور  ، و الذي توبع من خلاله المتهمون من أجل الحصول على مبالغ مالية عن طريق التهديد بإفشاء أمور شائنة و الدخول عن طريق الإحتيال إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات و تزييف وثائق معلوماتية تزييفا ألحق ضررا بالغير و استعمالها و التقديم لأنظار العموم عن طريق العرض لأفلام خليعة و صور شائنة للأخلاق و الآداب العامة للأول و الثاني و الثالث و الرابع ، حيث جاء فيه " و حيث إن المحكمة بعد تمحيصها لوقائع النازلة و أطوارها اتضح لها بجلاء أن الدفع المثار جاء مرتكزا و مؤسسا و مؤصلا تأصيلا قانونيا و صرفا ذلك أن كل مقومات الإختصاص المحلي الثلاثي الواردة تحديدا في المادة  259  من قانون المسطرة الجنائية تنطبق برمتها على وقائع هذه النازلة ذلك أن محل ارتكاب الفعل الجرمي محل المتابعة يعود إلى دائرة نفوذ المحكمة الإبتدائية بوادي زم ومحل سكنى المتهمين هو نفس المحكمة المذكورة هذا فضلا على أن مكان إيقاف المتهمين هو دائرة نفوذ تلك المحكمة و عليه تكون المحكمة المختصة قانونا للبت في هذه القضية هي المحكمة الإبتدائية بوادي زم بحكم و بعلة ما سلف بيانه و بالتالي يبقى الإختصاص المذكور منعقدا إليها مما يتعين معه التصريح بعدم الإختصاص المحلي و بإحالة الملف برمته على المحكمة الإبتدائية المشار إليها."

و أيضا الحكم الصادر عن نفس المحكمة  عدد 1967 ، ملف جنحي تلبسي رقم 2103-2105-1866 ، بتاريخ 2013/12/09 غير منشور ، و الذي تم من خلال متابعة المتهم من أجل السرقة و الحصول على مبالغ مالية عن طريق التهديد بإفشاء أمور شائنة و الدخول عن طريق الإحتيال إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات و تزييف وثائق معلوماتية تزييفا ألحق ضررا بالغير و استعمالها و التقديم لأنظار العموم عن طريق العرض لأفلام خليعة و صور منافية للأخلاق و الآداب العامة ، و الذي جاء فيه  " و حيث إن الثابت من وقائع الملف ، أن الظنين ألقي عليه القبض بمدينة واد زم و سكنه بنفس المدينة كما أن الأفعال المنسوبة إليه ارتكبت بمدينة خريبكة ، وحيث تأسيسا على قاعدة الإختصاص الثلاثي المنصوص عليها ضمن مقتضيات المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية ، و التي يسند بموجبها الإختصاص للمحاكم الجنحية على أساس مكان ازدياد الظنين أو مكان إلقاء القبض عليه أو مكان إقتراف الفعل ، فإن المحكمة تكون غير مختصة مكانيا للبت في نازلة الحال ، وحيث تبعا للتفصيل المشار إليه فإنه يتعين إحالة الملف على المحكمة الإبتدائية بواد زم."

المفهوم الجديد لمكان إرتكاب الجريمة الإلكترونية :لقد أصبح الحديث عن الإحتكام إلى معيار مكان إرتكاب الجريمة بمفهومه التقليدي متجاوزا أمام الطبيعة الخاصة التي تتميز بها الجرائم الإلكترونية ، و ذلك في ظل ظهور معايير أخرى مرتبطة ببعض الفئات المستهدفة من الجريمة الإلكترونية كما هو الحال في جرائم الصحافة و الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية و الجرائم المتعلق بحقوق المؤلف و الجرائم المتعلقة بالأحداث و المرتكبة بوسائل إلكترونية عبر شبكة الأنترنيت.

حيث إنه من بين المعايير التي ظهرت إلى الوجود ، نذكر المعيار الذي يعطي الإختصاص لمحل تمركز الموقع الذي نشرت الأقوال أو المعلومات بواسطته كلما تعلق الأمر بجرائم الصحافة المرتكبة عبر شبكة الإنترنيت، و كذا المعيار الذي يرجع الإختصاص إما لمحكمة المكان الذي ارتكب فيه التقليد و إما لمكان نشره ،  كلما تعلق الأمر بجريمة التقليد المرتبطة بالملكية الفكرية ، أو معيار إمكانية الوصول للموقع كأساس لإختصاص المحكمة في حالة الإعتداء على حق من حقوق المؤلف عبر الأنترنيت[1] .

بالإضافة إلى هذه المعايير تم إيجاد معايير أخرى مرتبطة أيضا بالجرائم المرتكبة ضد الأحداث حيث أن الإختصاص في هذا النوع من الجرائم ينعقد لمكان ارتكاب الجريمة ، و مكان ارتكاب الجريمة هذا يأخذ المعايير التالية و التي يتم تقديمها بالأسبقية وهي [2] :

  • المكان الذي شوهد فيه وجود الموقع غير المشروع أو الذي تم فيه مشاهدة الصور و النصوص ذات الطبيعة غير المشروعة.
  • المكان الذي يوجد فيه خادم الإيواء إذا ظهر بعد المعاينات الأولى أن الموقع يمكن تحديده من خلال التراب الإقليمي.

 نظرة عن بعض الأحكام القضائية المقارنة:فبإلقاء نظرة على الأحكام الصادرة عن القضاء المقارن ، و نذكر بالخصوص القضاء الفرنسي نجده قد أوجد معايير أخرى للإختصاص المحلي و لمكان ارتكاب الجريمة عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإلكترونية و إن كانت هذه الأحكام ذات طبيعة دولية ، إلا أنه إرتأينا الإستدلال بها على سبيل الإستئناس على إعتبار أنه أعطت مفهوما جديدا لمكان إرتكاب الجريمة يتماشى و ينسجم مع طبيعة و خصوصية الجريمة الإلكترونية ، حيث صدرت عن محكمة النقض الفرنسية مجموعة من الإجتهادات القضائية و التي تبنت تصورا واسعا لمحل ارتكاب الجريمة عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإلكترونية المرتبطة بالصحافة و في هذا الصدد صدر قرار عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 8 ديسمبر 2009 اعتبر فيه  " أن مكان ارتكاب الجريمة هو المكان الذي تم فيه التلفظ بالتهديد (توجيه التهديد) و ليس في الدول التي نقل الخبر فيها عبر التلفاز أو الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية و التي من خلالها علم الشخص "[3]

أو فيما يخص الإختصاص في الجرائم المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية حيث صدر قرارين عن محكمة النقض الفرنسية الأول بتاريخ 9 ديسمبر 2003 قبلت من خلاله اختصاص محكمة فرنسية للنظر في إصلاح الضرر الناتج عن جريمة تقليد علامة تجارية في موقع إسباني و لكنه قابل للوصول إليه من فرنسا و رفضت الدفع المثار من أجل عدم إختصاص القضاء الفرنسي"[4] ، و الثاني بتاريخ 5 أبريل 2012 اعتبرت فيه أن التقليد المتنازع بشأنه تم نشره على موقع للأنترنيت يمكن الوصول إليه من فرنسا و بالتالي فإن القضاء الفرنسي هو صاحب الإختصاص في النازلة "[5] ، و في نفس الإتجاه ذهبت محكمة الإستئناف بباريس من خلال القرار الصادر عنها بتاريخ 25 شتنبر 2007 إلى القول " بأن القانون الجنائي الفرنسي هو المطبق و القضاء الفرنسي هو المختص في واقعة التقليد التي قام بها موقع إيطالي و رفضت الدفع المثار بعد إختصاص المحاكم الفرنسية على اعتبار غياب أي فعل مكون للجريمة تحقق في الأراضي الفرنسية و أن الطرف المدني الوحيد هو من جنسية إيطالية"[6].

كما اعتبرت محكمة باريس في إحدى أحكامها الصادرة بتاريخ 13 نونبر1998 أنها صاحبة الإختصاص في إحدى الجرائم المرتبطة بالصحافة و المرتكبة عبر الإنترنيت حيث جاء " وحيث إن النص المخالف قد تم نشره على موقع أجنبي يمكن الوصول إليه و رؤيته من خلال الولاية الإقليمية لمحكمة باريس و بالتالي فهي من لها الولاية في التحقيق و المتابعة "[7]

إستنتاج عام: وتأسيسا على هذا كله يمكن القول أن مختلف هذه الإجتهادات القضائية قد أوجدت معايير جديدة للإختصاص القضائي في الجريمة الإلكترونية تتجاوز مختلف المعايير الكلاسيكية ، و التي وضعت أساسا لتنظيم ضوابط الإختصاص في جرائم تقليدية ترتكب في العالم المادي ، و أعطت مفهوم جديد لقاعدة مكان إرتكاب الجريمة الإلكترونية.

و عليه ، فإن إشكالية الإختصاص القضائي في الجريمة الإلكترونية قد أدت إلى الوعي بضرورة إيجاد الحلول الكفيلة لها و بشكل يضمن ضبط هذا النمط المستحدث من الجرائم ، فلما كانت هذه الجرائم ذات خصوصية و ذاتية تميزها عن باقي الجرائم التقليدية كان من الضروري إعادة النظر في بعض المفاهيم القانونية و الآليات الإجرائية ، لضمان الفعالية في محاربة هذا النوع من الجرائم ، و لمحاولة تعزيز هذه الآليات حتى لا يستفيد المجرمون من عجز و قصور التشريعات الداخلية .

 و بالتالي ، فإنه لا يمكن لأي دولة مجابهة الجريمة الإلكترونية و إشكالية الإختصاص التي تطرحها و التي تتخطى إمكانياتها القضائية دون وضع آليات إجرائية فعالة من أجل إزالة مختلف هذه الإشكاليات ، الأمر الذي أصبح يفرض على التشريعات الوطنية البحث عن وسائل أكثر ملاءمة لطبيعتها و تضييق الثغرات القانونية التي برع مرتكبوها في استغلالها للتهرب من العقاب و لنشر نشاطهم في مناطق مختلفة من أنحاء العالم، لذلك أصبح من الضروري العمل على تبني حلول أكثر مرونة تأخذ في الحسبان النطاق الجغرافي لهذه الجرائم ، و سهولة ارتكابها و التخلص من أثارها و ما إلى ذلك من اعتبارات يفرضها الطابع التقني المتطور لها.

 

الهوامش :

1 - هذا المعيار تبناه رجال القانون في فرنسا انطلاقا من مجموعة من الإجتهادات القضائية الفرنسية ، للإطلاع عليه عبر الموقع التالي :

http://www.lepetitjuriste.fr/propriete- intellectuelle/laccessibilite-du-site-internet-comme-fondement-de-la-competence-du-juge-dans-le-cas-datteinte-au- droit-dauteur-par-le-biais-dinternet  

- 2 Myriam Quéméner &Yves charpenel , cybercriminalité – droit pénal appliqué- Economica paris France , 2010, p .161

3 - Attendu que, pour confirmer l’ordonnance de refus d’informer rendue par le juge d’instruction, au motif de l’absence de réalisation d’un élément constitutif du délit sur le territoire français, les juges retiennent que le lieu de commission de l’infraction est celui où les menaces ont été proférées et non pas les pays où elles ont ensuite été rapportées par la voie télévisée ou de presse écrite ou électronique et par lesquelles l’intéressé a pu en prendre connaissance  http://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/chambre_criminelle_578/6960_8_14734.html

4 - Attendu que la société Champagne Louis Roederer, s’estimant victime de contrefaçon du fait des agissements de la société espagnole Castellblanch qui présentait sur son site internet situé en Espagne la promotion de vins mousseux sous la marque "Cristal", a fait constater par acte d’huissier de justice du 12 juin 1998 que ce site était, en France, accessible aux internautes qui en connaissaient l’adresse, puis, a fait assigner la société Castellblanch devant le tribunal de grande instance de Reims pour obtenir la cessation de cette diffusion et la réparation du préjudice subi ; que l’arrêt attaqué (Reims, 22 novembre 2000) a rejeté l’exception d’incompétence des juridictions françaises opposée par la société Castellblanch et a renvoyé l’affaire devant le tribunal http://www.legalis.net/spip.php?page=jurisprudence- decision&id_article=1017 

 5 -Attendu que M. X... fait grief à l'arrêt de déclarer le tribunal de grande instance de Toulouse incompétent pour connaître de ses demandes alors, selon le moyen, qu'en matière de contrefaçon, le demandeur peut saisir les tribunaux de l'Etat dans lequel le défendeur a son domicile ou le tribunal du lieu où le fait dommageable s'est produit ou risque de se produire, ce dernier lieu étant soit celui où l'auteur de la contrefaçon est établi, soit celui où l'objet de la contrefaçon se trouve diffusé ; qu'en relevant, pour juger que la contrefaçon invoquée par M. X... ne relevait pas de la compétence du tribunal de grande instance de Toulouse, qu'il était indifférent que les contrefaçons aient pu être achetées sur Internet en France et que cette juridiction était celle du domicile du demandeur, quand il était essentiel de déterminer, pour statuer sur la compétence des juridictions françaises, si les objets litigieux étaient diffusés sur un site Internet accessible en France et avaient pu être vendus dans ce pays, de sorte que le dommage était susceptible de s'y réaliser, voire s'y était d'ores et déjà réalisé. http://www.legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do? oldAction=rechJuriJudi&idTexte=JURITEXT000025662199&fastReqId=134247145&fastPos=1

6-  soulevé l'incompétence des juridictions françaises au motif qu'aucun élément constitutif du délit de contrefaçon qui lui est reproché n’a été réalisé en France et que la seule partie civile est de nationalité italienne

Contrairement à ce qui est soutenu par le prévenu en matière de contrefaçon sur le réseau internet est compétente la juridiction dans le ressort de laquelle il est possible d’avoir accès au site litigieux.

En conséquence, la loi pénale française est applicable et les juridictions françaises compétentes, il y a lieu dès lors de confirmer le jugement en ce qu’il a rejeté l’exception d’incompétence soulevée par le prévenu.http://www.legalis.net/spip.php?page=jurisprudence- decision&id_article=2465 

7 en matière de presse, il est constant que le délit est réputé commis partout où l'écrit a été diffusé, l'émission entendue ou vue. En l'espèce, dès lors que le texte incriminé, diffusé depuis un site étranger, a été reçu et vu dans le ressort territorial du Tribunal de Paris, ainsi qu'il ressort de l'enquête, celui-ci est compétent pour connaître de la poursuite  http://www.vho.org/aaargh/fran/polpen/justice/1998/rf981113a.html 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0