صعوبة تنفيذ أحكام القضاء الإداري في مواجهة الإدارة

مجموعة مواضيع في القانون العام منتقات للتحضير للبحوث و المقالات و المباريات القانونية

صعوبة تنفيذ أحكام القضاء الإداري في مواجهة الإدارة

صعوبة تنفيذ أحكام القضاء الإداري في مواجهة الإدارة.

يمكن تأطير هذه الفقرة من خلال التطرق لبعض أسباب امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة ضدها، و بعض صور هذا الإمتناع :

أولا: بعض اسباب امتناع الإدارة عن تنفيذ المقررات القضائية الصادرة ضدها:

يرتبط تنفيذ الأحكام القضائية في جوهره بسيادة القانون و مبدأ حرمة القضاء و مصداقية الدولة، في حسب منطوق المادة 126 من الدستور المغربي ملزمة للجميع، بما في ذلك الإدارة التي لا تستثنى من هذه الإلزامية كما سبق و أكد عليه القضاء في أمر استعجالي عن ابتدائية الرباط الذي جاء فيه "لا يوجد أي نص يستثني الدولة من التنفيذ، بل إن مبدأ المشروعية الذي يعتبر أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي، يجعل تصرفات الدولة خاضعة للقانون .

.

.

فهي ملزمة بتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة ضدها"[1]، لكن في واقع القانون المغربي نجد هناك إشكال كبير في تنفيذ المقررات القضائية الصادرة عن محاكم المملكة خصوصا فيما يتعلق بالمقررات الصادرة عن المحاكم الإدارية ضد الإدارة، الذي من شأنه المساس بحقوق المواطنين، أشخاص ذاتيين أو اعتباريين، و يشكل عقبة في وجه التنمية و تشجيع الإستثمار.

انطلاقا من الخصوصيات التي تتميز بها الإدارة باعتبارها تمثل الصالح العام، بالإضافة إلى أن القاضي لا يمكنه توجيه الأوامر إلى الإدارة، تظهر لنا عدة أسباب و اعتبارات تخلق صعوبة في تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة، يمكن تلخيص أهمها في النظام العام أو نقص الاعتمادات أو غياب وسائل التنفيذ ضد أشخاص القانون العام، إلا انه في أحيان أخرى يكون السبب في مجرد تعنت الادارة عن التنفيذ لأسباب خاصة بالإدارة او لأسباب سياسية تظهر من النية السيئة للإدارة و امتناعها عن التنفيذ المقررات القضائية الصادرة ضدها لأسباب خفية أو تافهة.

ففي ما يخص النظام العام كسبب لامتناع الإدارة عن التنفيذ، فالحفاظ على هذا الاخير فيما يحقق الصحة العامة و السكينة و الأمن العام هو الهدف الأساسي للإدارة، فكل مقرر قضائي من شأنه المساس به أو الاخلال بالسير العام للإدارة و المرفق العام، فإنه لن يتم تنفيذه[2]، و نجد أن القضاء الإداري بدوره اتجه إلى اعتبار أن تنفيذ الأحكام القضائية يمكن تعطيله في حالات استثنائية من قبيل احتمال وقوع اضطرابات جماعية تهدد الأمن و النظام العام.

أما فيما يخص امتناع الإدارة عن التنفيذ بسبب نقص الإعتمادات المالية، فيكون عندما تكون الإدارة في صعوبات مالية ناتجة عن نقص الإعتمادات المالية لديها، و السبب في هذا أن ميزانية الإدارة و المؤسسات العمومية يتم تخصيصها سنويا، فعند مواجهة الإدارة بالتنفيذ تمتنع عنه بحجة أن الأموال الموجودة سبق تخصيصها لاعتمادات أخرى مدرجة في الميزاية السنوية و لا يمكن التنفيذ حتى السنة الموالية بإدراج الاعتمادات اللازمة للتنفيذ في الميزانية المخصصة لها، هذا باستثناء بعض المؤسسات العمومية التي تدرج اعتمادات استباقية مخصصة لتنفيذ الأحكام القضائية التي من الممكن أن تصدر ضدها.

 أما فيما يخص الصعوبات القانونية التي تدفع بها الإدارة للإمتناع عن تنفيذ المقررات الصادرة ضدها، فيتجلى أهمها في غياب مسطرة خاصة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، إلا ما تم التنصيص عليه في المادة 49 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية[3] بأن التنفيذ يتم عن طريق كتابة ضبط المحاكم الإدارية التي أصدرة الحكم، بالإضافة إلى المادة 7 التي تنص أنه تطبق على المحاكم الإدارية القواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، بمعنى إمكانية تطبيق مساطر التنفيذ الجبري للأحكام، فيطرح لنا سؤال مدى تلاؤم قواعد المسطرة المدنية مع خصوصيات الأحكام الصادرة من المحاكم الإداري، فتطبيق مقتضيات التنفيذ الجبري على الأحكام الإدارية الصادرة ضد الإدارة فيه صعوبة، خصوصا المادة 440 من ق.

م.

م الذي ينص " يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه، الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ .

إذا طلب المدين آجالا أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز أموال المدين تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة على حقوق المستفيد من الحكم.

إذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك اتخذ عون التنفيذ الإجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ".

فهذه مقتضيات ذات طبيعة مالية يستحيل تطبيقها في قضاء الإلغاء الذي يروم إلى إلغاء قرار إداري و ليس أداء مبلغ مالي[4] ، و حتى في القضاء الشامل الذي يمكن أن يضم الحكم أو القرار الإداري تعويضا ماليا و امتنعت الإدارة عن التنفيذ، فلا يمكن سلك المسطرة النصوص عليها في المادة 440 التي سبق و ذكرنها لأن الأموال العامة غير قابلة للحجز كيف ماكان نوع هذا الحجز تحفظيا، تنفيذيا أو حجزا بين يدي الغير[5].

تعتبر الغرامة التهديدية المنصوص عليها في الفصل 448 من ق.

م.

م و التي تنص على " إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف إلزاما بالامتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها.

يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب علاوة على ذلك التعويض من المحكمة التي أصدرته"، محدودة التطبيق فيما يخص تنفيذها في الأحكام الصادرة ضد الإدارة، لأن الغرامة التهديدية تتنافى مع قاعدة القاضي يقضي و لا يدير، بالإضافة إلى المبدأ الذي يحرم على القضاء توجيه أي أوامر للإدارة، و لهذين السببين سبق أن اصدرت المحكمة الإدارية بوجدة على أن إعمال مقتضيات المادة 448 من ق.

م.

م تجاه الإدارة لا يقوم على أي أساس قانوني[6].

و يبرر أيضا بعض رجال الإدارة رفضهم لتنفيذ الأحكام القضائية بالرجوع للفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الذي يمنع على المحاكم عرقلة أعمال السلطة العمومية، و الذي تم تأكيده بمقتضى المادة 50 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية[7]، احتراما لمبدأ الفصل السلطة القضائية و التنفيذية، و حتى لا تعتبر القرارات القضائية تدخلا في شؤون الإدارة[8].

وبالتالي يمكن القول بأن التنفيذ الجبري لا يمكن أن يستخدم في مواجهة الإدارة لسبب بسيط هو أن الإدارة هي من تملك القوة المادية التي يستعان بها على التنفيذ، و هذا ما يفسر خلو الصيغ التنفيذية لأحكام المحاكم الإدارية أو للأحكام الصادرة ضد الإدارة بصفة عامة عن الأمر الموجه إلى القوة العمومية بأن تمد المعونة إلى المحكوم له وتقوم بالتنفيذ باستعمال القوة عند الإقتضاء[9].

و من الأسباب الشخصية التي تدفع ا��إدارة إلى التعنت في تنفيذ المقررات الصادرة ضدها ما يظهر في عقلية المشرفين على الإدارة التي تعتبر أن الدعاوى القضائية و المقررات القضائية الصادرة عنها تشكل ضدا في قراراتهم التي لا يريدون التنازل عنها بسبب العقلية السلطوية لديهم، كما أن بعض مشرفي الإدارة يعتبرون هذه الدعاوى أنها موجه ضدهم بشكل شخصي و ليس ضد الإدارة فيقابلها بالتعنت في التنفيذ.

أما الأسباب السياسية فهي ناتجة عن الصراعات السياسية التي تساهم في عرقلة تنفيذ المقررات الصادرة في حق الإدارة، خصوصا إذا علمنا أن أكثر الجهات الممتنعة عن التنفيذ هي الهيئات المحلية، حيث تكون المنازعات ناتجة لوجود خلافات شخصية أو حزبية تجعل عملية التنفيذ معقدة عبر وضع عقبات مادية و قانونية في وجه التنفيذ الأحكام الصادرة ضد إدارتهم[10].

 ثانيا: بعض صور امتناع الإدارة عن تنفيذ المقررات القضائية الصادرة ضدها.

تتعدد مظاهر امتناع الإدارة عن تنفيذ المقررات القضائية الصادرة عنها، منها ما يمكن إثارته من المحافظ على الأملاك العقارية أثناء تنفيذ المقررات القضائية عندما تصدر في مواجهته، خصوصا و أن أغلب الطعون الموجهة ضده تكون لدى المحاكم الإدارية، فدور المحافظ بمناسبة تقييد الأحكام القضائية ليس بالهين، فهو أمام معادلة صعبة بين ما يمليه عليه التشريع العقاري، وبين ما يحمله الحكم القضائي من قوة تنفيذية، ولذلك في الغالب ما نجده يتردد، بل قد يمتنع في بعض الأحيان عن تقييد الأحكام القضائية في السجلات العقارية، لكن هذا الامتناع لا يحمل في طياته الرغبة في تحقير الأحكام القضائية أو تحجيم سلطة القضاء، بل هو راجع بالأساس إلى الإكراهات العديدة التي تصادف المحافظ بمناسبة تقييد الأحكام منها الصعوبات المادية والقانونية التي قد تثيرها بعض الأحكام القضائية ويكون المحافظ أمام صعوبة في التنفيذ[11].

و بالتالي فالمحافظ العقاري كثييرا ما يمتنع عن تنفيذ المقررات القضائية (الصادرة عن القضاء الإداري بما يهمنا في الموضوع) لعدم مطابقتها للمقتضيات القانونية العقارية لوجود استحالة  قانونية تتجلى في التعارض مع مضمون الوعاء العقاري[12]، خصوصا أن المحافظ العقاري أعلم بمجال عمله و له مسؤولية كبيرة يمكن أن تثار عند اي خطأ منه لذا فهو يفعل ما يناسب تطبيقا للقانون العقاري وواجبه المهني.

[1]  أمر استعجالي رقم 1206 بتاريخ 16/12/1985، راجع حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي، الطبعة الثانية 2019، سلسلة دراسات و أبحاث في الإدارة و القانون، العدد الثالث، 2019، ص 614.

[2] حميد أملال، إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة في مواجهة الإدارة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي الرباط، 2008/2009، ص 20.

[3]  القانون 41.

90 المحدث بموجبه للمحاكم الإدارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.

91.

225 صادر في 22 ربيع أول 1414 (10سبتمبر 1993)، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3نوفمبر 1993)، ص 2168.

[4]  حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي، الطبعة الثانية 2019، سلسلة دراسات و أبحاث في الإدارة و القانون، العدد الثالث، 2019، ص 615.

[5]  المرجع نفسه.

[6]  المحكمة الإدارية بوجدة  في الحكم رقم 98/32 بتاريخ 18 فبراير 1998، ملف رقم 571/97، مأحوذ من حسن صحيب، م.

س 2019، ص 616.

[7]  القانون 41.

90 المحدث بموجبه للمحاكم الإدارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.

91.

225 صادر في 22 ربيع أول 1414 (10سبتمبر 1993)، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3نوفمبر 1993)، ص 2168.

[8]  حسن صحيب، م.

س، ص 614.

[9]  العبدلاوي ادريس العلوي، القضاء الإداري المغربي الجديد: المحاكم الإدارية، مجلة أكاديمة المملكة المغربية، عدد 9، 1992،  ص 150.

[10]  أسماء مقاس، تحديث الإدارة القضائية بين إكراهات الواقع و رهانات الإضلاح، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية سطات، 2009/2010، ص 61.

[11]  أنس راي، الإختصاص القضائي في المنازعات العقارية بين القضاء العادي و القضاء الإداري، رسالة لنيل دبلوم الماسر في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية فاس، 2020/2021، ص 70.

[12]  أنس راي، م.

س، ص 70.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0