العوامل المؤثرة في مبدأ الشرعية الجنائية وضمانات تطبيقه

مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي

العوامل المؤثرة في مبدأ الشرعية الجنائية وضمانات تطبيقه

الفصل الرابع: العوامل المؤثرة في المبدأ وضمانات تطبيقه

بعد ان تم تحديد شامل لماهية مبدأ الشرعية وتحديد النتائج المترتبة عليه سواء في مجال التجريم والعقاب فان هذا المبدأ كغيره من المبادئ التي تحكم سير الدول يتأثر بعوامل عديدة توسع او تضيق من نطاقه وقد يصاحب هذه العوامل ظرف عادي وفي بعض الاحيان ظرف استثنائي قد يصل تأثيره الى تهديد كيان الدولة ووجودها وهنا تظهر الحاجة الماسة الى وسيلة بيد الافراد لابقاء مبدأ الشرعية ضمن المدى الذي يحقق ضمان حرياتهم وحقوقهم التي ما قرر المبدأ الا لصونها وحمايتها ومن ثم عدم التوسع في التجريم والعقاب او التضييق بصورة تؤدي الى خرق هذا المبدأ تحت ذريعة تأثير هذه العوامل لكي نعرف كيف نحمي مبدأ الشرعية([1]). وبغية ايضاح كل ذلك كان لزاما ان نبحث تلك العوامل لاثبات اثرها على مبدأ الشرعية اتساعا او ضيقا ثم نتكلم عن الضمانات التي تحقق التطبيق السليم لمبدأ الشرعية.

 

المبحث الاول: العوامل المؤثرة في المبدأ

يهدف كل نظام حكم  الى تحقيق اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية في المجتمع الذي يمارس فيه سلطته السياسية مستعينا بالقانون وسيلة لتنظيم وسائل تحقيق هذه الاهداف ومن هنا كان لهذه الاهداف دور مؤثر في مبدأ الشرعية من حيث مضمونه والنتائج المترتبة عليه. فما هو تأثير هذه العوامل على نطاق التجريم والعقاب؟.. للوقوف على حقيقة تأثير هذه العوامل لا بد من التمييز بين تأثير العوامل تحت ظرف عادي وتأثيرها تحت ظرف استثنائي يهدد كيان الدولة ووجودها ومن هذا المنطلق سوف يتم تقسيم هذا المبحث على مطلبين يتم تخصيص الاول لدراسة تأثير العوامل في الظرف العادي على نطاق التجريم والعقاب وفي الاخر تأثير تلك العوامل على نطاق التجريم والعقاب في الظرف الاستثنائي.

 

المطلب الاول: نطاق التجريم والعقاب في الظرف العادي

تتنوع الاهداف التي يبغي المشرع تحقيقها عند ممارسة التجريم والعقاب فهي اما ان تكون سياسية او اقتصادية او اجتماعية فقد نص المشرع العراقي ودعما للجانب السياسي في المادة (156) من قانون العقوبات العراقي النافذ ((يعاقب بالاعدام من ارتكب عمدا فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد او وحدتها او سلامة اراضيها وكان الفعل من شانه ان يؤدي الى ذلك)).

كما نص المشرع اليمني في المادة (125) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ ((يعاقب بالاعدام كل من ارتكب فعلا بقصد المساس باستقلال الجمهورية او وحدتها او سلامة اراضيها ويجوز الحكم بمصادرة كل او بعض امواله)).

ومن خلال استقراء النصين السابقين يتضح دور العامل السياسي في التجريم حيث تمثل باعتباره فعل الاعتداء على استقلال الجمهورية جريمة كما يظهر تأثير العامل السياسي في العقاب من خلال العقوبة التي فرضت على مرتكب الفعل وهي عقوبة شديدة تمثلت بالاعدام على ان هناك اختلاف في منهج المعالجة الذي اتبعه كلٌ من المشرع اليمني من جهة والمشرع العراقي من جهة اخرى وهذا يتضح من اشتراط العمد بصورة صريحة في التشريع العراقي وعدم اشتراطه بتلك الصورة عند المشرع اليمني.

ويظهر اختلاف المنهج في اشتراط المشرع العراقي ان يكون الفعل المرتكب من شانه ان يؤدي الى الاعتداء على سلامة البلاد في حين لم يشترط المشرع اليمني هذا الامر وكان الاولى به ان يشترطه ضمانا لحريات الافراد.

كما اضاف المشرع اليمني عقوبة اخرى غير عقوبة الاعدام وجعلها جوازية تمثلت بمصادرة كل او بعض اموال الجاني وكان الاولى به ان يحدد معيارا لسلطة القاضي في هذا الامر لان عقوبة المصادرة سوف تمس باثرها ورثة الجاني بعد اعدامه، في حين لم ينص المشرع العراقي على هذا الحكم ضمن نص المادة (156) سالفة الذكر وتحت تأثير العامل السياسي المتمثل في الحفاظ على امن الدولة الخارجي فقد نص المشرع العراقي في المادة (158) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((يعاقب بالاعدام او السجن المؤيد كل من سعى لدى دولة اجنبية او تخابر معها او مع احد ممن يعملون لمصلحتها للقيام باعمال عدائية ضد العراق قد تؤدي الى الحرب او الى قطع العلاقات السياسية او دبر لها الوسائل المؤدية الى ذلك)).

كما نص المشرع اليمني وتحت تأثير العامل السياسي ايضاً في المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ على ان ((يعاقب بالاعدام : 1- كل من سعى لدى دولة اجنبية او احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر معها او معه وكان من شان ذلك الاضرار بمركز الجمهورية الحربي او السياسي او الدبلماسي او الاقتصادي.....))

من خلال استقراء النصين السابقين يبدو جليا تأثير العامل السياسي على نطاق التجريم بوصفه السعي او الاتصال مع دولة اجنبية للقيام باعمال عدائية جريمة يعاقب عليها بالاعدام ضمن التشريع اليمني او بالاعدام او السجن المؤبد ضمن التشريع العراقي.

- وتحت تأثير العامل الاقتصادي او رد المشرع العراقي عددا من النصوص التي تهدف الى حماية مصالح اقتصادية من ذلك نص المادة (465) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين من اقرض اخر نقودا باي طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد الاقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونا وتكون العقوبة السجن المؤقت بما لا يزيد على عشر سنوات اذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الاولى خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الاول نهائيا)) وعلى اثر العامل الاقتصادي فقد نص المشرع اليمني على جريمة الربا في المادتين (314) و (315) فنصت المادة (314) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ على ان ((كل قرض جر منفعة فهو ربا ولا يعد كذلك غرامة المطالبة للتأخير بعد المطل ولا ما لحق الدائن من المصاريف بقدر اجرة المثل التي يسمح بها القانون)) ونصت المادة (315) من القانون نفسه على ان ((يعاقب المقرض بالربا بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة)).. من خلال استقراء النصوص السابقة يظهر تأثير العامل الاقتصادي على نطاق التجريم فجرم فعل الاقراض بالفائدة وعوقب فاعله (المرابي) بالحبس او الغرامة على ان اختلاف منهج كل من المشرع اليمني والعراقي كان واضحا في اطلاق التجريم لكل فعل اقراض بفائدة من قبل المشرع اليمني وتحديد فعل الاقراض بفائدة تزايد على الحد الاقصى المقرر للفوائد قانونا عند المشرع العراقي.

وكان الاجدر  بالمشرع العراقي ان لا يتخذ هذا المنهج لانه قد جوز الاقراض بفائدة اذا كانت ضمن الحد القانوني.

ويبدو ان اختلاف منهج المشرع اليمني والعراقي في هذا المجال كان انعكاسا لاختلاف منهج السياسة الاقتصادية لكل من الدولتين باعتماد اليمن على الشريعة الاسلامية مطلقا واعتماد العراق على الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي.

ويظهر اختلاف منهج المشرع اليمني من جهة والمشرع العراقي من جهة اخرى في اعتبار ارتكاب المقرض في القانون العراقي لجريمة الربا مرة ثانية ظرف مشدد يوجب الحكم بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات.

في حين لم ينص على هذا التشديد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ. كما يظهر تأثير السياسة الاقتصادية على نطاق التجريم والعقاب من خلال تقرير مسؤولية الاشخاص المعنوية الجزائية لما تمارسه هذه الاشخاص من دور فعال في المجال الاقتصادي فقررت المادة (80) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((الاشخاص المعنوية فيما عدى مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية مسؤولة جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها او مديروها او وكلاؤها لحسابها او باسمها ولا يجوز الحكم عليها بغير الغرامة والمصادرة والتدابير الاحترازية المقررة للجريمة قانونا فاذا كان القانون يقرر للجريمة عقوبة اصلية غير الغرامة ابدلت بالغرامة ولا يمنع ذلك من معاقبة مرتكب الجريمة شخصيا بالعقوبة المقررة في القانون)).

وقد جاء في المادة (1) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ ((الاشخاص الاعتبارية تشمل الشركات والهيأت والمؤسسات والجمعيات التي تكتسب هذه الصفة وفقا للقانون وتأخذ حكم الاشخاص الطبيعية بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ويكتفي في شانها بالعقوبات التي يمكن تطبيقها عليها)).

وبهذا يتضح اختلاف المنهج في معالجة مسؤولية الشخص المعنوي بين كل من قانون العقوبات العراقي النافذ من جهة وقانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ من جهة اخرى من خلال مساواة المشرع اليمني للاشخاص المعنوية العامة والاشخاص المعنوية الخاصة على خلاف ما ذهب اليه المشرع العراقي من استثناء الاشخاص المعنوية العامة من نطاق المسؤولية الجزائية.

وكان على المشرع اليمني ان ينص على هذا الاستثناء في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ لان الاشخاص المعنوية العامة تهدف الى تحقيق الصالح العام وبالتالي لا يجوز مساءلتها جزائيا خوفا من عرقلة ما تقدمه من خدمات عامة.

- وقد مارس العامل الاجتماعي تأثيره كسابقيه على نطاق التجريم والعقاب فقد نصت المادة (386) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((يعاقب بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير من وجد في طريق عام او محل عام او محل مباح للجمهور في حالة سكر بين بان فقد صوابه او احدث شغبا او ازعاجا للغير)).

ونصت المادة (283) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ على ان ((يعاقب بالجلد ثمانين جلدة حدا كل مسلم بالغ عاقل شرب خمرا فاذا شربها في محل عام جاز تعزيره بعد اقامة الحد بالحبس مدة لا تزيد على سنة)).. ومن خلال استقراء النصين السابقين يظهر تأثير العامل الاجتماعي على نطاق التجريم فجرم فعل السكر كما يظهر تأثير هذا العامل في نطاق العقاب بان فُرض على من يرتكب عقوبة جزائية لما تشكله حالة السكر من خطورة اجتماعية وحالة مستهجنة من قبل افراد المجتمع وعلامة سلبية في غير ان منهج المشرع العراقي يختلف عن منهج المشرع اليمني اذ جرم المشرع العراقي السكر في طريق او محل عام واشترط فيمن يتعاطى المسكر ان يفقد صوابه او يحدث شغبا او ازعاجا للغير بمعنى انه لو تعاطى المسكر في غير الاماكن العامة او انه تعاطاها في هذه الاماكن  دون ان يفقد صوابه او دون ان يزعج الاخرين فلا يعد فعله جريمة على عكس ما ذهب اليه المشرع اليمني الذي جرم شرب الخمر مطلقا وشدد في عقوبة من يشربها في محل عام.

كما ان المشرع اليمني ميز في الحكم بين المسلم وغير المسلم فاشترط في الاخير ان يشربها علانية في احكام لم يوردها المشرع العراقي.

لذا ندعو المشرع العراقي الى الاخذ بما ذهب اليه المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات بهذا الخصوص عملاً باحكام الشريعة الاسلامية الغراء وما توفره من استقرار في حياة المجتمع.

ويظهر تأثير العامل الاجتماعي في نص المادة (377) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي جرمت الزنا في حدود معينة فقد نصت ((1- تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها. 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنا في منزل الزوجية)).

كما نصت المادة (263) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ ((الوطء المعتبر زنا هو الوطء في القبل ويعاقب الزاني والزانية في غير شبهة او اكراه بالجلد مائة جلدة حدا ان كان غير محصن ويجوز للمحكمة تعزيره بالحبس مدة لا تجاوز سنة واذا كان الزاني او الزانية محصنا يعاقب بالرجم حتى الموت)).

فعلى الرغم من ان كلا النصين قد جرما وعاقبا على فعل الزنى الا ان منهج المشرع العراقي قيد الزنى المعتبر جريمة والموجب للعقاب هو زنى الزوجة وايضا قيد التجريم والعقاب على من يمارس الزنى مع الزوجة ان يكون عالما بقيام الزوجية فان ثبت انه لا يعلم ان الزانية هي زوجة لم يعد فعله جريمة ولا عقاب عليه.

كما انه قيد التجريم وعقاب الزوج بان يكون قد زنى في منزل الزوجية فان زنى في غير هذا المكان فان فعله لا يعد جريمة ولا عقاب عليه كما يفهم من نص المادة (377) العراقية سابقة الذكر انه اذا حدث الزنى بين امرأة غير متزوجة وبين رجل ما برضاهما لا تعد جريمة الزنى قائمة ولا عقاب على فعلهما على خلاف ما جاء به المشرع اليمني الذي اطلق التجريم والعقاب على الزانية والزاني اذا تحقق الوطء بالشروط المحددة في المادة (263) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني سالفة الذكر ولهذا ندعو المشرع العراقي للاخذ بما جاء به المشرع اليمني من اجل معالجة فعالة لهذه الجريمة.

هذا وقد يورد المشرع بتأثير عوامل معينة انماطاً من الجرائم لا توجد في قوانين اخرى كما هو الحال في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ الذي اورد جريمة اطلق عليها (جريمة الرق) على وفق المادة (248) منه والتي نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات اولا: كل من اشترى او باع او اهدى او تصرف باي تصرف كان في انسان. ثانيا: كل من جلب الى البلاد او صدر منها انسانا بقصد التصرف فيه)).

كما نص في المادة (268) على جريمة اطلق عليها (السحاق) فقد نصت هذه المادة على ان ((السحاق هو اتيان الانثى للانثى وتعاقب كل من تساحق غيرها بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات فاذا وقع الفعل باكراه يجوز ان يمتد الحبس الى سبع سنوات)).

كما اورد المشرع اليمني في المادة (259) جريمة اطلق عليها (الردة) فنصت على ان ((كل من ارتد عن دين الاسلام يعاقب بالاعدام بعد الاستتابة ثلاثا وامهاله ثلاثين يوما ويعتبر رده الجهر باقوال او افعال تتنافى مع قواعد الاسلام واركانه عن عمد او اصرار فاذا لم يثبت العمد او الاصرار وابدى الجاني التوبة فلا عقاب)).

ان النصوص السابقة لا تجد نظيراً لها في قانون العقوبات العراقي النافذ وكان النص عليها ضمن قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ بتأثير العامل الديني المتمثل بوجوب تطبيق احكام الشريعة الاسلامية بعد تقنينها بوصفها مبدءاً يقوم عليه المجتمع اليمني. لذا نهيب بالمشرع العراقي بالنص على هذه الجرائم وعدم اغفاله اياها لكي لا تخرج من نطاق التجريم والعقاب لما لها من تأثير سلبي على امن المجتمع واستقراره.

 

المطلب الثاني: نطاق التجريم والعقاب في الظروف الاستثنائية

تتخلل مسار الدول لتنظيم شؤونها ازمات تؤثر على سياستها الداخلية والخارجية اذ اصبح مرور الدولة بهذه الازمات سمة لهذا العصر فتؤثر على كيانها ووجودها فكان لا بد للهيأت في الدولة ان تمنح الوسائل الكافية لموجهة هذه الازمة اذ تجد الهيأت في الدولة نفسها عاجزة عن مواجهة خطر الازمة اذا ما لجأت الى استخدام الوسائل العادية لحفظ الامن والنظام ورد الخطر والاذى عن مواطنيها فتظهر الحاجة الى وسائل جديدة تستطيع من خلالها تلافي الاثر السلبي للازمة ومن هنا ظهرت فكرة المشروعية الاستثنائية وهي اكثر اتساعا من المشروعية العادية من حيث انها تمنح لهيأت الدولة اختصاصات وسلطات جديدة تضاف الى اختصاصاتها وسلطاتها المقررة في المشروعية العادية، ولا يعد الركون الى مبدأ المشروعية الاستثنائية حيلة قانونية لاضفاء صفة المشروعية على اعمال هيأت الدولة الاستثنائية لان المشروعية الاستثنائية ترتكز على مبدأ قانوني هو (حق الدفاع الشرعي) فالاجراءات الاستثنائية في القانون العام تماثل حق الدفاع الشرعي في القانون الخاص ([2]).

وهيأت الدولة تظل محكومة بما جاء في الدستور حتى وان مارست المشروعية الاستثنائية وهذا ما تؤكده المادة (121) من دستور جمهورية اليمن الحالي التي نصت ((يُعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون ويجب دعوة مجلس النواب لعرض هذا الاعلان عليه خلال سبعة الايام التالية للاعلان فاذا كان مجلس النواب منحلاً ينعقد المجلس القديم بحكم الدستور فاذا لم يدع المجلس للانعقاد او لم تعرض عليه في حالة انعقاده على النحو السابق زالت حالة الطوارئ بحكم الدستور وفي جميع الاحوال لا تعلن حالة الطوارئ الا بسبب قيام الحرب او الفتنة الداخلية او الكوارث الطبيعية ولا يكون اعلان حالة الطوارئ الا لمدة محدودة ولا يجوز مدها الا بموافقة مجلس النواب)).

كما نصت المادة (62) من دستور جمهورية العراق لعام 1971 النافذ على ان ((يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات التالية: ز- اعلان حالة الطوارئ الكلية او الجزئية وانهاؤها وفقا للقانون)) كما نصت المادة (43) من الدستور العراقي الحالي على ((يمارس مجلس قيادة الثورة باغلبية عدد اعضائه الصلاحيات التالية: ب- اعلان التعبئة العامة جزئيا او كليا واعلان الحرب وقبول الهدن وعقد الصلح)).

ومن خلال استقراء النصوص السابقة يتضح السند الدستوري لتطبيق المشروعية الاستثنائية... فما هو اثر المشروعية الاستثنائية على التجريم والعقاب بوصفهما محوري مبدأ الشرعية؟

للاجابة على هذا السؤال سوف يتم بحث اثر الحرب، والفتن الداخلية، والكوارث والازمة الاقتصادية.

اولا: الحرب:

لقد عرفتها المادة (189) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت في الفقرة الثانية منها على ان ((يراد بحالة الحرب حالة القتال الفعلي وان لم يسبق اعلان الحرب وحالة الهدنة التي يتوقف فيها القتال ويعتبر في حكم حالة الحرب الفترة التي يحدث فيها خطر الحرب متى انتهت فعلا بوقوعها)). ولم يورد المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات تعريفا لحالة الحرب كما فعل المشرع العراقي وكان حرياً به ان ينص على ذلك.

غير ان المشرع اليمني وان كان لم يات بتعريف للحرب الا انه اورد مواد عديدة في قانون الجرائم والعقوبات النافذ ميزت في التجريم والعقاب بين ارتكاب الفعل في زمن الحرب وبين ارتكابه في زمن السلم ومنها نص المادة (222) الخاصة بجريمة الهرب من الخدمة في القوات المسلحة الذي قرر ((كل فرد من افراد القوات المسلحة هرب من الخدمة في القوات المسلحة في زمن السلم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات في زمن الحرب)).

كما يظهر تأثير حالة الحرب فيما اوردته المادة (220) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ التي نصت على ان ((أ- كل يمني ارتكب جريمة تخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. ب- اذ كان التخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام يعاقب المتخلف بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات. ج- يعاقب بذات العقوبة الواردة في الفقرة (ب) كل شخص تخلف او رفض القيام بما يقتضيه واجبه او ما كلف به اثناء التعبئة العامة)).

يظهر من الفقرة (ج) من هذه المادة ان نطاق التجريم توسع فشمل كل شخص بعد ان كانت الفقرة (أ) منها مخصصة لكل يمني.

كما انها وسعت من نطاق التجريم بعد ان كانت متعلقة بجريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية اصبحت في الفقرة (ج) منها شاملة لكل الواجبات التي تفرض على الاشخاص في حالة التعبئة العامة.

كما يظهر هذا التأثير فيما قررته المادة (224) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل فرد من افراد القوات المسلحة امتنع عن تنفيذ امر رئيسه او تعمد تنفيذه على وجه سيء او ناقص واذا وقعت الجريمة في مجابهة العدو كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات)).

كما يتايد هذا التأثير من خلال نص المادة (226) التي ميزت في العقوبة بين من يرتكب جريمة مقاومة رئيسة في تنفيذ الواجبات العسكرية في غير اوقات المواجهة مع العدو وبين عقوبة من يرتكب هذه الجريمة  في اثناء مواجهة العدو اذ نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات من قاوم رئيسه باي طريقة في تنفيذ الواجبات العسكرية ويحكم بالحبس الذي لا يجاوز عشر سنوات اذا اقترنت المقاومة باستعمال السلاح او التهديد باستعماله او ارتكبت من عدد من الاشخاص او افضت الى نتائج خطيرة ويجوز الحكم بالاعدام او الحبس الذي لا يزيد على خمس عشرة سنة اذا تسبب عن المقاومة موت رئيسه او أي شخص اثناء تادية وظيفته العسكرية او وقعت الجريمة اثناء مواجهة العدو هذا ويظهر تأثير حالة الحرب على التجريم والعقاب في ظل التشريع العراقي من خلال ما قررته المادة (444) من قانون العقوبات النافذ المتعلقة بجريمة السرقة وضمن الفقرة العاشرة منها التي نصت على ان ((اذا ارتكبت اثناء الحرب على الجرحى حتى من الاعداء.....)).

وكذلك قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1133 في 2/9/1982 والمنشور في الوقائع العراقية في العدد 2902 في 20/9/1982 الذي شددت بموجبه عقوبة مرتكبي جرائم السرقة المنصوص عليها في المادتين (444) و (445) فجعلتها عقوبة الاعدام بدلا عن عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس تحت تأثير مرور العراق بحالة حرب مع ايران. والقرار رقم 58 لعام 1982 والمنشور في الوقائع العراقية رقم 2868 لعام 1982 والتي عاقبت بالسجن المؤبد كل من يثبت قيامه بتهريب امواله الى خارج العراق لغرض الاستثمار.

كما يظهر تأثير حالة الحرب على نطاق التجريم والعقاب ما قرره قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1370 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بعدد 2974 لعام 1983 والذي فرض عقوبة الاعدام لجرائم الهروب الى جانب العدو او الهروب من الخدمة العسكرية او التخلف عنها او التامر على الدولة، كما قرر عقوبة الاعدام على كل من يثبت تعامله بتهريب العملات العراقية او الاجنبية او الذهب مع (العدو الفارسي) وذلك بموجب قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 313 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 2986 لعام 1984، كما قرر مجلس قيادة الثورة في قراره المرقم 930 والمنشور في الوقائع العراقية برقم 3128 ان يعتبر ظرفا مشددا للجريمة المنصوص عليها في المادة (393) من قانون العقوبات والخاصة بمواقعة انثى بغير رضاها او لاط بذكر او انثى بغير رضاه اذا كان من وقعت عليه الجريمة ممن يعيلهم المقاتل او من المقيمين معه في دار واحد وكل هذه القرارات تبرز تأثير التجريم والعقاب بحالة الحرب.

ثانيا: الفتن الداخلية:

اذ تؤثر هذه الفتن على نطاق التجريم والعقاب فنلاحظ ان المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ قد عاقب على إثارة او الشروع في إثارة الحروب الاهلية والعصيان المسلح وقضت المادة (132) منه على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات: 5- كل من اثار او شرع في اثارة حرب اهلية فقام بتوزيع السلاح على طائفة من السكان او دعاها الى حمله لاستعماله ضد طائفة اخرى)).

كما نص في المادة (194) على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة: ثانيا من حرض علنا على ازدراء طائفة من الناس او تغليب طائفة وكان من شان ذلك تكدير السلم العام)).

كما قررت المادة (136) تجريم إذاعة اخبار لغرض تكدير الامن العام او القاء الرعب بين الناس بما يكون سببا لحدوث فتن داخلية فنصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من اذاع اخبارا او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة او أي دعاية مثيرة وذلك بقصد تكدير الامن العام او القاء الرعب بين الناس او الحاق ضرر بالمصلحة العامة)).

فكل هذه النصوص قررت تجريم افعال والمعاقبة عليها لتجنب حدوث الفتن والحروب الداخلية لما تلحقه هذه الحروب من ضرر بالغ بحياة المجتمع في كافة جوانبه ولهذا نجد ان قانون العقوبات العراقي النافذ قد عاقب على اثارة الحروب الاهلية والاقتتال الطائفي ايضا اذ نصت المادة (195) منه على ان ((يعاقب بالسجن المؤبد من استهدف اثارة حرب اهلية او اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين او يحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الاخر او بالحث على الاقتتال وتكون العقوبة الاعدام اذا تحقق ما استهدفه الجاني)).

ثالثا: الكوارث:

تعرف الكوارث بانها (وضع خطير قد نشأ اما بفعل الطبيعة كالفيضانات والزلازل واما بفعل الانسان كالحرائق مثلا)([3])وشكلت الكوارث كالعوامل السابقة اثرا واضحا في نطاق التجريم والعقاب اذ قررت المادة (141) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة اذا نتج عن وضع المواد السامة او الضارة كارثة تتمثل في تعطيل أي مرفق عام او ضرر جسيم بالاموال او حدوث عدد من الاصابات الجسيمة كما قررت المادة (321) من القانون نفسه تشديد العقاب على من يرتكب جرائم الاضرار بالاموال اذ ما ارتكب في وقت هياج او فتنة او كارثة فنصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من هدم او خرب او اعدم او اتلف عقارا او منقولا او نباتا غير مملوك له او جعله غير صالح للاستعمال او اضر به او عطله باي كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات اذا اقترفت الجريمة بالقوة او التهديد او ارتكبها عدد من الاشخاص او وقعت في وقت هياج او فتنة او كارثة او نشأ عنها تعطيل مرفق عام ....)).

وانطلاقا من ضرورة حماية وجود الدولة وضرورة مواجهة الكوارث فقد اهتم قانون العقوبات العراقي النافذ بتحقيق حماية المجتمع والافراد عن طريق تثبيت الامن خصوصا عند حدوث الكوارث فقد اعتبر الكوارث ظرفا مشددا لجريمة السرقة على وفق ما قررته المادة (444) الفقرة السابعة منها والتي نصت على ان ((اذا انتهز الفاعل لارتكاب  السرقة فرصة قيام حالة هياج او فتنة او حريق او غرق سفينة او اية كارثة اخرى)).

كما قرر القانون ذاته في المادة (370) الخاصة بجريمة الامتناع عن الاغاثة ما نصه

((1-يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او باحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع او توانى بدون عذر في تقديم معونة طلبها موظف او مكلف بخدمة عامة مختص عند حصول حريق او غرق او كارثة اخرى. 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من امتنع او توانى بدون عذر عن اغاثة ملهوف في كارثة او مجني عليه في جريمة)).

كما قررت المادة (478) من قانون العقوبات العراقي النافذ الخاصة بجرائم التخريب والاتلاف في الفقرة الثالثة منها على ان ((واذا انتهز الفاعلون لارتكاب الجريمة فرصة قيام هياج او فتنة او كارثة فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين)).

كما ان المشرع قد جرم افعالا من شانها ان تؤدي الى حدوث كارثة من ذلك ما قررته المادة (342/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة كل من اشعل النار عمدا في مال منقول او غير منقول ولو كان مملوكا له اذا كان من شان ذلك تعريض حياة الناس او اموالهم للخطر.....)).

وقد صدر قرار لمجلس قيادة الثورة في العراق برقم 15 لسنة 1992 الخاص بخدمات اغاثة المنكوبين من جراء الحرب والكوارث الطبيعية من خلاله الزم جمعية الهلال الاحمر وفروعها بوضع خطة مبرمجة لتامين مستلزمات اغاثة المنكوبين وتقديم الخدمات لضحايا الحرب والكوارث من المدنيين ومنها الخدمة الطبية وقرر في البند الخامس منه الفقرة ل - بان ((يعاقب المخالف لاحكام هذا القرار وفق القوانين النافذة)).

رابعا: الازمة الاقتصادية:

قد تمر الدولة بهذه الازمة نتيجة لعوامل داخلية تتعلق بعملية ادارة السوق وتداول السلع والخدمات  والاوراق المالية او لعوامل خارجية تتعلق بعلاقة الدولة مع غيرها من الدول في المجال الاقتصادي وللدولة عند مرورها بهذه الازمة ان تتخذ كافة الاجراءات التي تضمن لها حسن مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب ونجد ان في التجربة العراقية تحت وطأة الحصار الاقتصادي قرارات عديدة صدرت عن مجلس قيادة الثورة في العراق لمواجهة ما نجم عن الحصار من ازمة اقتصادية فقد قرر هذا المجلس بالقرار رقم 315 لسنة 1990 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 3320 في 13/8/1990 تجريم فعل الاحتكار للمواد الغذائية لاغراض تجارية وعده عملا تخريبيا يمس كيان الامن الوطني والقومي ومعاقبة مرتكبه بالاعدام ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة.

كما قرر هذا المجلس بالقرار المرقم 365 في 5/9/1990 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3324 في 10/9/1990م عقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لكل من امتنع عن بيع سلعة بسعرها المحدد او باعها بسعر يزيد على السعر المحدد من دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي او المختلط او اية جهة مخولة صلاحية التسعير وكل من تعاطى البيع او الشراء او التوسط في اية صفقة خلافا لاحكام قانون تنظيم التجارة ذي الرقم 20 لسنة 1970 المعدل او الشراء بالمواد المحضور التعامل بها بالقطاع الاشتراكي او الممنوع المتاجرة بها لغير المجازين المسجلين كما عاقب كل من حرض او ساعد او اتفق مع الحدث على ارتكاب تلك الجرائم.

ونظراً للاستقرار النسبي في الاقتصاد اليمني مقارنة بالاقتصاد العراقي في ظل الحصار الاقتصادي فان التجربة اليمنية جاءت خلوا من مثل هذه التطبيقات العراقية.

وبعد هذا الاستعراض للعوامل المؤثرة على نطاق التجريم والعقاب يتبين لنا كيف يتاثر نطاقهما اتساعا وتشديدا بحسب العوامل المؤثرة العادية والاستثنائية، مما يعني تاثر مبدأ الشرعية بها على اعتبار ان التجريم والعقاب يدوران حول محور واحد هو مبدأ شرعية التجريم والعقاب،.. وهذا يتطلب ايجاد الضمانات اللازمة لتطبيق هذا المبدأ بالاتجاه السليم والذي يحقق لهذا المبدأ نتائجه.. ولهذا فسوف يتم بحث هذه الضمانات ضمن المبحث الثاني من هذا الفصل.

 

المبحث الثاني: ضمانات تطبيق المبدأ

مما لا شك فيه ان مجرد النص على مبدأ شرعية التجريم والعقاب سواء كان ذلك في صلب الدستور او القانون العادي او حتى في الاتفاقيات الدولية لا يكون كافيا لضمان تطبيقه ومن ثم جني ثماره، اذ لا بد من وجود وسيلة نتمكن من خلالها من ضمان تطبيق هذا المبدأ وتتجسد هذه الوسيلة بما يعرف (بالرقابة) فما هي الرقابة؟ وكيف نضمن حسن تطبيق مبدأ الشرعية؟ للحديث عن هذا الامر سوف يتم تقسيم هذا المبحث على ثلاثة مطالب يخصص الاول منها للرقابة السياسية والثاني للرقابة القضائية والثالث للضمانات الدولية لتطبيق هذا المبدأ.

 

المطلب الاول: الرقابة السياسية ضمانة لتطبيق المبدأ

تعرف الرقابة السياسية بانها (اناطة مهمة الرقابة الى هيأة سياسية من اجل التحقق من مدى مطابقة احكام القانون للدستور)([4]). كما عرفت ايضا بانها (الرقابة التي تقوم بها هيأة سياسية نص الدستور عليها وعلى اختصاصها بالرقابة) ([5]).

والرقابة السياسية تنصب على التحقق فيما اذا كان مشروع قانون ما يخالف او يناقض الدستور فهي رقابة وقائية لانها تمارس على القانون المراد اصداره وقد اختلفت الدساتير في بيان الهيأة التي تتولى هذه الرقابة فاما ان تعهد هذه الرقابة الى هيأة متخصصة للنظر في دستورية مشروعات القوانين كما هو الحال في دستور الجمهورية الرابعة الفرنسية الصادر عام 1946 واما ان تعهد مهمة الرقابة الى هيأة متخصصة تمارس عدة اختصاصات من بينها ممارسة الرقابة على دستورية القوانين وهذا ما حدث في الدستور الفرنسي لعام 1799.

وتمتاز هذه الرقابة بان تحريكها يعود الى من يساهمون في تحضير القوانين فان اثيرت قضية دستورية مشروع القانون فان عملية تشريعه لن تستمر اذا ما ثبت مخالفة المشروع للدستور وهذا ما قرره دستور عام 1958 الفرنسي في المادة (61) منه التي نصت على ان  ((يجوز لرئيس الجمهورية او الوزير الاول او رئيس الجمعية الوطنية او رئيس مجلس الشيوخ ان يطلب قبل موافقة رئيس الجمهورية على مشروع القانون من المجلس الدستوري ان ينظر في دستورية مشروع القانون))([6] ).

هذا وقد يتم تشكيل هذه الهيأة اما عن طريق التعيين سواء من قبل السلطة التنفيذية ام من قبل السلطة التشريعية واما عن طريق الانتخاب وقد يتم اختيار اعضاء هيأة الرقابة من قبل هيأة الرقابة ذاتها ومن هنا يمكن ضمان تطبيق مبدأ شرعية التجريم والعقاب عن طريق هذه الرقابة فاذا ما كان مشروع القانون المزمع اصداره مخالفاً لما يقرره مبدأ الشرعية بوصفه مبدأ دستورياً فانه يمكن اثارة عدم دستورية هذا المشروع ومن ثم الحيلولة دون اصداره فنحافظ على مبدأ الشرعية ونضمن تطبيقه.

الا ان هذه الرقابة قد اثير بشأنها انتقاد تمثل في ان اعطاء الرقابة الى هذه الهيأة قبل اكتمال التشريع انما هو تدخل في صنع القوانين ومن ثم فان هيأة الرقابة هذه ستصبح القابض الحقيقي والسيد المطلق في الدولة اذ على ارادتها وعلى المعنى الذي تعطيه لهذه الارادة يتوقف مصير العملية التشريعية ([7]).

وللرقابة السياسية اجهزة متعددة تتمثل في الاتي([8]):

اولا: البرلمان: اذ تاخذ اغلب البرلمانات بفكرة تشكيل اللجان البرلمانية التي تختص بموضوعات معينة حيث تُرسل اليها كل مشروعات واقتراحات القوانين ومن ثم فهي تستطيع ان تبت في مدى اتفاق هذه المشروعات مع الدستور فاذا ما كانت هذه المشروعات مخالفة لما يقرره مبدأ الشرعية بينت هذه اللجان البرلمانية رايها في عدم دستورية هذه المشروعات.

ثانيا: الراي العام: نتيجة للتطور الحاصل داخل الجماعات الانسانية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ظهرت تجمعات هدفها الدفاع عن شرعية القوانين وحسن سير الادارة في اعمالها فاصبحت معبرا حقيقيا عن ارادة الشعب بما يعرف بالراي العام فاذا ما صدر قانون يخالف مبدأ الشرعية في مضمونه او في نتائجه قامت هذه الجماعات كالاحزاب والنقابات والاتحادات بمهمة التصدي لهذا القانون غير الدستوري مستعينة بوسائل الاعلام المختلفة من صحف يومية او وسائل مسموعة او مرئية فتدعو الى الغاء هذا القانون غير الدستوري.

غير ان هذه الرقابة تبقى محصورة في مشروعات القوانين دون القوانين النافذة، فاذا فرض ان صدر قانون يخالف مضمون او نتائج مبدأ الشرعية فانه لا يمكن اللجوء الى هذه الرقابة لانها سوف تكون غير فعالة ولهذا فهناك نوع اخر من الرقابة هو الرقابة القضائية.

 

المطلب الثاني

الرقابة القضائية ضمانة لتطبيق المبدأ

وتعني الرقابة القضائية على دستورية القوانين (ان البت في مصير قانون ما من حيث كونه يخالف او لا يخالف الدستور يعود الى هيأة قضائية أي الى محكمة)([9])كما عرفت بانها (هي الرقابة التي يقوم بها القضاء سواء كان ذلك بواسطة المحاكم العادية او محكمة مخصصة للرقابة) ([10])حيث يتمتع القضاء بالحياد والاستقلال وتوفر ضمانات مهمة تحقق حسن سير القضاء كما فعل دستور جمهورية اليمن الحالي في المادة (147) بالنص على ان ((القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا واداريا .....)) كما نص على هذا المبدأ دستور جمهورية العراق لعام 1970 وذلك في المادة (63/أ) التي نصت على ((القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون)) اذ يجب ان يستقل القضاء في ممارسته لاختصاصه عن الهيأة التنفيذية فلا تتدخل هذه الاخيرة في ترقية القضاة مثلا او في امكانية عزلهم او نقلهم كما يجب ان تستقل الهيأة القضائية عن الهيأة التشريعية بان لا تتدخل الاخيرة في قضية مطروحة امام القضاء او ان تنتقد حكما قضائيا او ان تعطله([11] ).

لقد عرفت الاتجاهات الدستورية نوعين من الرقابة القضائية([12])فالاولى سميت بـ (رقابة امتناع) حيث يمتنع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري في نزاع يعرض عليه فليس لحكمة الامتناع اثر الا بين المتخاصمين دون غيرهم، ولا يؤدي امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري الى انها الوجود القانوني له وقد تكون الرقابة القضائية على دستورية القوانين (رقابة الغاء) اذ يطعن بعدم دستورية القانون في هذا النوع من الرقابة امام محكمة مختصة فاذا تبين للمحكمة صحة الطعن وثبت لها عدم دستورية القانون عمدت الى الغائه فيسري حكم الالغاء على الجميع وليس في مواجهة الخصوم فقط فيؤدي ذلك الى انهاء الوجود القانوني للنص وبالتالي الغاء النص الذي اصدرته الهيأة التشريعية ولهذا فان هذا النوع من الرقابة يمتاز بخطورته لذلك فان اغلب الاتجاهات الدستورية التي اخذت بهذا النوع جعلت مهمة الرقابة معقودة بمحكمة واحدة دستورية وقد اخذ بهذا الاتجاه دستور جمهورية اليمن النافذ بنص المادة (151) التي نصت على ان ((المحكمة العليا للجمهورية هي اعلى هيأة قضائية ويحدد القانون كيفية تشكيلها ويبين اختصاصاتها والاجراءات التي تُتّبع امامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي: أ- الفصل في الدعاوى والدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات)).

كما اخذ بهذا الاتجاه دستور العراق الصادر في 21 ايلول عام 1968 بموجب المادة (87) منه وكما فعل دستور سوريا لعام 1950 وعام 1953 ودستور عام 1973([13] )... فاذا ما حدث وان صدر قانون يخالف مضمون مبدأ الشرعية او احدى نتائجه فانه يمكن الطعن بعدم دستورية هذا القانون امام المحكمة الدستورية المختصة ولكن من له حق الطعن؟

يختلف الطاعن بعدم دستورية القوانين تبعا لاختلاف نوع الرقابة القضائية فاذا كانت رقابة الغاء فان غالبية الدساتير لم تعطي حق الطعن للافراد بل قصرته على بعض هيأت الدولة كما فعل دستور العراق الصادر 1968 الذي اسند مهمة تحريك الرقابة الى جهات حكومية لا الى الافراد اذ حددت المادة الرابعة من قانون تكوين المحكمة الدستورية العليا رقم 159 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 1653 في 2 كانون الاول 1968 ان الجهات التي لها حق الطعن امام المحكمة الدستورية العليا هي رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير العدل، الوزير المختص واخيرا محكمة تمييز العراق([14] ).

اما الطاعن في ظل دستور جمهورية اليمن فيلاحظ من خلال قانون السلطة القضائية رقم [1] لسنة 1990 الذي نص في الفصل الثاني من الباب الثاني الخاص بدرجات المحاكم وتشكيلها واختصاصاتها بيانا للمحكمة العليا فعرفتها المادة (10) منه ((المحكمة العليا هي اعلى هيأة قضائية في الجمهورية ومقرها العاصمة صنعاء)).

ونص في المادة (12) منه على ان ((تمارس المحكمة العليا المهام التالية: 1- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والانظمة)).

كما نص في المادة (19) منه (( تفصل الدائرة الدستورية فيما يلي: أ- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات وذلك بطريق الفصل في الطعون التي ترفع اليها بعدم دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات سواء عن طريق الدعوى المبتدأة او الدفع)).

ومن جملة هذه النصوص يمكن القول بان للافراد ان يقدموا طعنا بعدم الدستورية وذلك اما مباشرة بدعوى امام المحكمة العليا / الشعبة الدستورية حيث يكون الخصم في هذه الدعوى هو القانون ذاته المطعون فيه بعدم الدستورية.

كما يكون للافراد الطعن بعدم دستورية القوانين عن طريق الدفع الفرعي امام أي من المحاكم المختصة حيث ترفع هذه الاخيرة هذا الطعن الى المحكمة العليا للبت في دستورية القانون ومن ثم اصدار قرارها على ضوء ذلك.

ونعتقد ان في اعطاء الافراد حق الطعن امام المحكمة الدستورية انما يشكل ضمانة لاحترام نصوص الدستور وحماية اوفر لمبدأ الشرعية اما اذا كانت رقابة امتناع فان الطاعن فيها هم الاطراف في الدعوى سواء أكانت جزائية او مدنية فيقدم الخصوم فيها دفعا بان القانون المراد تطبيقه هو قانون غير دستوري فتفحص المحكمة دستورية هذا القانون وتصدر قراراها على ضوء ذلك([15]).

ونعتقد ضرورة اعمال كل من الرقابتين لضمان تطبيق مضمون مبدأ الشرعية ونتائجه وعلى هذا الاساس لا بد من تعزيز عناصر الرقابة السياسية وزيادة تفعيل دور الافراد والاحزاب والتجمعات الاجتماعية المختلفة في تحقيق التوافق بين القوانين وبين مبدأ شرعية التجريم والعقاب ويكون ذلك عن طريق رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي لهذه التجمعات وضرورة اعتبار ما تقدمه من اقتراحات واراء في العملية التشريعية او في مضمون التشريع كما لا بد من الاخذ بالرقابة القضائية لما توفره من مواجهة فعالة للقانون غير الدستوري بعد صدوره ولما توفره الرقابة من رأي ملزم ومؤثر في القانون ذاته غير الدستوري على ان تكون هذه الرقابة رقابة الغاء امام هيأة خاصة تتكون من اعضاء بعضهم من البرلمان والبعض الاخر من القضاة على ان يكونوا من ذوي الخبرة والحياد والكفاءة ومن ثم نضمن عدم اعلوية القضاء على الهيأة التشريعية فيما اذا كانت هذه الهيأة مكونة من القضاة فقط ولهذا ندعو المشرع اليمني للاخذ بهذا الاسلوب عند تشكيله لمحكمة دستورية مستقلة.

كما ندعو المشرع العراقي الى تشكيل محكمة دستورية عليا على وفق الاسلوب نفسه وذلك للبت في دستورية القوانين لما تشكله هذه المحكمة من ضمانة لتطبيق المبادئ الدستورية ومنها مبدأ شرعية التجريم والعقاب.

 

المطلب الثالث: الضمانات الدولية لتطبيق المبدأ

سبقت الاشارة الى صيرورة هذا المبدأ مبداً دوليا([16])نظمته اتفاقيات دولية منها الاتفاقية الدولية في شان الحقوق المدنية والسياسية التي سبقت الاشارة اليها، ومن هنا يظهر التساؤل الاتي:

ما هي الضمانات التي يمكن من خلالها الزام الدول بالاخذ بهذا المبدأ وما يترتب عليه من نتائج فيما اذا نص عليه في الاتفاقيات الدولية؟ يمكن اجمال هذه الضمانات بنوعين اولها عام والاخر خاص.

اولا: الضمانات الدولية العامة:

لقد عرف القانون الدولي مبدأ مهماً يتعلق بالمعاهدات الدولية هو مبدأ الالتزام الصارم وبحسن نية في تنفيذ الالتزامات التعاقدية الدولية من قبل جميع اعضاء الاسرة الدولية فقد ثبت هذا المبدأ في ميثاق منظمة الامم المتحدة بموجب الفقرة الثانية من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة.

كما ورد هذا المبدأ في المادة (26 )،(27) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات الدولية. وجاء ذكر هذا المبدأ ضمن اعلان مبادئ القانون الدولي لعام 1970 الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول استنادا لميثاق منظمة الامم المتحدة بالنص ((كل دولة ملزمة بتنفيذ التزاماتها التي اخذتها على نفسها بحسن نية استناداً لميثاق منظمة الامم المتحدة .....))([17]). وانطلاقا من هذا المبدأ يمكن ضمان تطبيق ما ورد في المعاهدات الدولية وما استقر عليه العرف الدولي وذلك لان هذا المبدأ يجعل تصرفات الدول وسياساتها متناسبة مع القواعد الدولية سواء أكانت مكتوبة ام عرفية عن طريق التزام الدول بالاخذ بما ورد فيها.

وعلى هذا فاذا كان ما ورد في النص الدولي هو مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب ونتائجه وجب على الدول الالتزام به طبقا لمبدأ احترام المعاهدات الدولية.

وينبري لنا سؤال اخر بخصوص هذا الموضوع يتمثل بالسند القانوني الذي يلزم الدول غير الموقعة على المعاهدة بالالتزام بما ورد فيها؟ بمعنى لو فرضنا وجود اتفاقية بين دول معينة واحتوت هذه الاتفاقية على ما قرره مبدأ شرعية التجريم والعقاب فهل تلزم الدول الاخرى بما ورد بهذه الاتفاقية؟

يسمي الفقه هذه الدول التي لم تكن طرفا في المعاهدة (بالدول الثالثة)([18])ولغرض بيان التزامات الدولة الثالثة بما ورد في المعاهدات لا بد من ملاحظة الاتي:

  1. ان من الضروري معرفة هل ان هذه الدولة الثالثة هي عضو في الامم المتحدة ام لا؟ فان كانت عضواً في الامم المتحدة فانها ملزمة بما يرد في المعاهدة من التزامات طالما كانت هذه المعاهدات موقعة ضمن ميثاق الامم المتحدة على ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة ((لكي يكفل اعضاء الهيأة لانفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات الواردة التي اخذوها على انفسهم بهذا الميثاق)).

وبهذا فان الدول الاعضاء في الامم المتحدة ملزمة بالاخذ بما ورد بالاتفاقيات المبرمة في ظل هذا الميثاق.

2- اما اذا لم تكن الدولة الثالثة عضوا في منظمة الامم المتحدة فلا بد من معرفة موضوع الاتفاقية المبرمة فاذا كان موضوعها متعلقا بحفظ السلم والامن الدوليين سرت على الدولة الثالثة وان لم تكن عضوا في الامم المتحدة طبقا لما قررته الفقرة (6) من المادة الثانية من الميثاق التي نصت على ان ((تعمل الدول على ان تسير الدول غير الاعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والامن الدولي)) ومن هنا يظهر تأثير موضوع المعاهدة على سريانها.

3- فاذا لم يكن موضوع الاتفاقية متعلقا بالسلم والامن الدوليين فان ما ورد في القاعدة المذكورة في المعاهدة الدولية يمكن ان تصبح ملزمة للدولة الثالثة على اعتبار ان ما ورد في القاعدة الدولية المكتوبة يمكن ان يعد مبدأ عرفيا من مبادئ القانون الدولي ومن ثم فهي ملزمة للغير بهذا الاعتبار([19])وهذا ما نعتقده بالنسبة للسند القانوني الذي يلزم الدولة الثالثة بمبدأ شرعية التجريم والعقاب الوارد في الاتفاقيات الدولية.

ثانيا: الضمانات الدولية الخاصة:

لقد اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية بقرارها المرقم 2200 اثناء اجتماعاتها في دور الانعقاد العادي الحادي والعشرين بتاريخ 16 من ديسمبر عام 1966 ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ طبقا لحكم المادة (49) منها اعتبارا من 15 يوليو 1967، وصدرت اعترافا لكرامة الانسان وصيانةً لحقوق المدنية والسياسيةتعزيزا للاحترام العالمي لحقوق الانسان وحرياتهم ومراعاتها([20]). وقد تضمنت هذه الاتفاقية نصا احتوى على مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب بقولها في المادة التاسعة منها ((.... كما لا يجوز حرمان احد من حريته على اساس من القانون وطبقا للاجراءات المقررة فيه)).

وضمانا لتنفيذ ما جاء في هذه الاتفاقية فقد تشكلت بموجب المادة (28) من الاتفاقية لجنة لحقوق الانسان تضم ثمانية عشر عضواً من بين مواطني الدول الاطراف في هذه الاتفاقية من ذوي الصفات الاخلاقية العالية والمشهود باختصاصهم في ميدان حقوق الانسان منتخبين بطريقة الاقتراع السري بعد ان يتم ترشيحهم من قبل الدول الاطراف في هذه الاتفاقية حيث ينتخب اعضاء اللجنة لمدة اربع سنوات ويجوز ان يعاد انتخابهم عند ترشيحهم على ان يلتزم الامين العام للامم المتحدة بتزويد اللجنة بما يلزمها من الموظفين والتسهيلات التي تمكنها من اداء اعمالها بشكل فعال وتصدر اللجنة قراراتها باغلبية اصوات الاعضاء الحاضرين على ان يكون النصاب القانوني للجنة متكونة من اثني عشر عضوا([21])وتتولى اللجنة دراسة التقارير المقدمة لها من الدول الاطراف وتحيل تقاريرها بعد دراستها وما تراه مناسبا من التعليقات مع نسخ من التقارير التي استلمتها من الدول الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. غير ان الدور الرقابي المهم الذي تمارسه هذه اللجنة يتمثل بما قررته المادة (41) من هذه الاتفاقية والمتمثل باختصاص اللجنة في استلام التبليغات التي تتضمن ادعاءات دولة طرف بان دولة اخرى لا تقوم باداء التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية بما في ذلك مسألة شرعية التجريم والعقاب فتعرض اللجنة مساعيها الحميدة على الدول المعنية املا في الوصول الى حل ودي على اساس احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية المقررة في هذه الاتفاقية ويجوز للجنة ان تطلب من الدول المعنية ان تزودها باي معلومات تتصل باي موضوع محال اليها ويجوز للجنة عند عدم التوصل الى حل يرضي الدول المعنية ان تعين لجنة توفيق خاصة تسمى (بلجنة التوفيق) طبقا لما قررته المادة (42) من الاتفاقية تعرض هذه اللجنة مساعيها الحميدة على الدول الاطراف المعنية لتسوية المسألة ودياً فاذا لم يتم التوصل الى حل فتقدم هذه اللجنة تقريرا يضم كافة الوقائع المتصلة بالمسائل القائمة بين الدول المعنية كما يشمل وجهات نظرها حول امكانية التوصل الى حل ودي وعلى الدول المعنية ان تخطر رئيس لجنة الحقوق الانسانية خلال ثلاثة اشهر من تاريخ استلامها لذلك التقرير وتبلغه فيما اذا كانت موافقة ام لا على محتويات تقرير لجنة التوفيق، على ان لجنة حقوق الانسان ملزمة بموجب المادة (45) من الاتفاقية على تقديم تقرير سنوي عن نشاطاتها الى الجمعية العامة للامم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وانطلاقا من نص الفقرة الاولى من المادة (13) من ميثاق الامم المتحدة فان على الجمعية العامة القيام بدراسات وتوصيات تستهدف الاعانة على تحقيق حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس كافة كما تنص المادة (62) في الفقرة الثانية منها ان للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ((ان يقدم توصيات فيما يختص باشاعة احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية ومراعاتها))([22])، وبهذا فان ما تقوم به لجنة حقوق الانسان واللجنة التوفيقية من اعداد تقارير عن المسائل المشار اليها سابقا يصبح توصيات ملزمة للاعضاء عن طريق تبنيها من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة او المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيها فتتحقق بذلك ضمانة اكيدة لتطبيق ما ورد في المادة التاسعة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية سابقة الذكر.

 


([1] ) Jean-Claude Soyer, droit penal et procedure penale, 1976 L.G.D.J. 20 et 24, rue soufflot, Quatrieme edition, p. 66-67.

([2] ) سعدون عنتر الجنابي، احكام، الظروف الاستثنائية في التشريع العراقي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1981، ص80.

([3] ) باسم عبد الزمان الربيعي، سياسة التجريم والعقاب في الظروف الاستثنائية في التشريع العراقي، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1997، ص124.

([4] ) د. احسان حميد المفرجي واخرون، المرجع السابق، ص171.

([5] ) احمد العزي النقشبندي، الرقابة على دستورية القوانين وتطبيقها في الدولة العربية، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1989، ص35.

([6] ) د. منذر الشاوي، القانون الدستوري، نظرية الدستور، منشورات مركز البحوث القانونية بغداد، 1981، ص83-87.

([7] ) د. منذر الشاوي، المرجع السابق، ص90.

([8] ) ينظر للتوسع في هذه الوسائل، د. فاروق احمد خماس، الرقابة على اعمال الادارة دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1988، ص67-75.

([9] ) د. منذر الشاوي، المرجع السابق، ص58.

([10] ) احمد العزي النقشبندي، المرجع السابق، ص35.

([11] ) ينظر للمزيد د. محمد عصفور، استقلال السلطة القضائية، مطبعة اطلس، القاهرة، بلا سنة طبع.

([12] ) حسين جميل، حقوق الانسان والقانون الجنائي، معهد البحوث والدراسات العربية، بلا سنة طبع، ص21.

([13] ) نصرت منلا حيدر، الرقابة على دستورية القوانين، بحث منشور في مجلة المحامون السورية العدد 10،11،12، سنة اربعون، 1975، ص286.

([14] ) اختلف الفقه الدستوري في العراق بشان وجود المحكمة الدستورية في ظل دستور العراق الحالي فذهب البعض الى ان المحكمة الدستورية التي جاء بها دستور عام 1968 قد فقدت السند الدستوري لانشائها وذلك لالغاء دستور عام 1968. ينظر هذا الراي د. احسان المفرجي واخرون، المرجع السابق، ص402. بينما يرى اخرون ان المحكمة الدستورية العليا ما تزال قائمة عملا بنص المادة (69) من دستور عام 1970 العراقي الحالي الذي جاء فيه ((تبقى جميع القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المعمول بها قبل صدور هذا الدستور سارية المفعول ولا يجوز تعديلها او الغائها الا بالطريقة المبينة في هذا الدستور)) وبما ان قانون انشاء المحكمة الدستورية لم يتم الغائه اذن فان هذه المحكمة ما تزال موجودة. ينظر هذا الرأي، باسم عبد الزمان، المرجع السابق، ص160- 161.

([15] ) د. منذر الشاوي، المرجع السابق، ص65.

([16] ) Claude Lombois, droitpenal international, dalloz 1971, p. 47- 48.

([17] ) دكتور أ.ن. طلالايف، ترجمة الدكتور صالح مهدي العبيدي، قانون المعاهدات الدولية، نفاد وتطبيق المعاهدات، الكتاب الثاني، مطبعة العاني، بغداد، 1987، ص7-9.

([18] ) ايمن سبعاوي ابراهيم، تطبيق المعاهدات الدولية وسريانها من حيث الزمان والمكان، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، 1999، ص218.

([19] ) ايمن سبعاوي ابراهيم، المرجع السابق، 220.

([20] ) ينظر ما ورد في ديباجة الاتفاقية، محمد وفيق ابو اتله، مراجعة الدكتور جمال العطيفي، موسوعة حقوق الانسان، المجلد الاول، الجمعية المصرية للاقتصاد والسياسة والاحصاء والتشريع، القاهرة، 1970، ص18.

([21] ) ينظر المواد من 28-41 من الاتفاقية الدولية في شان الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.

([22] ) د. صالح جواد الكاظم، دراسة في المنظمات الدولية، مطبعة الارشاد، بغداد، 1975، ص131.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0