تضارب قرارات محكمة النقض و تأثيرها على الامن القضائي - المادة العقارية نموذجا
يعتبر الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه، لا يمكنه العيش إلا داخل جماعة وفي كنفها، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء روابط وعلاقات بين أفرادها، والتي قد تتضارب فيها المصالح وتتناقض، مما يثمر عن وجود نزاعات وخلافات كان طريق ومنهج حلها قديما القوة والعنف .
رابط تحميل الملف كامل اسفل التقديم
مقدمة
يعتبر الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه، لا يمكنه العيش إلا داخل جماعة وفي كنفها، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء روابط وعلاقات بين أفرادها، والتي قد تتضارب فيها المصالح وتتناقض، مما يثمر عن وجود نزاعات وخلافات كان طريق ومنهج حلها قديما القوة والعنف .
لكن تطور الفكر البشري وتحضره إستشعر ضرورة وجود سلطة عليا لها قوة الالزام، يخضع لها الجميع، يعهد إليها بمهمة تنظيم حياة الجماعة وتسييرها والفصل في النزاعات التي تنشأ بين أفرادها، تفاديا للحروب والانتقام بين عائلات المتنازعين والقبائل.
ومع تعقد الحياة داخل الجماعات وتنوعها، وإنفتاح هذه الأخيرة على بعضها البعض، وتطور القواعد القانونية وتعقدها، إزدادت النزاعات وتعاظمت حدثها، وأصبح البت فيها يستغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا، لذلك تم التفكير في حل لهذه الأزمة وذلك عن طريق عصرنة الجهاز القضائي، وإعادة النظر في طريقة إشتغاله وتأليف محاكمه وتكوينها.
وهو الأمر الذي عمل المستعمر الفرنسي على بلورته مباشرة بعد فرض الحماية على المغرب في 30 مارس 1912 تطبيقا لمقتضيات الفصل الأول من المعاهدة المشؤومة.
وبذلك أصبح المغرب يتوفر على نظام قضائي جمفهومه العصري، يعتمد على وجود درجتين للتقاضي، تلعتان بقضاء الموضوع، تختصان في بعض القضايا دون غيرها وقضاء للنقض غايته مراقبة هذه المحاكم في حسن تطبيقها للقانون من عدمه، والحقيقة أن المغرب في هذه الفترة لم يكن يتوفر على محكمة للنقض، وإنما كانت الأحكام تنقض أمام محكمة النقض الفرنسية.
وبعد حصول المغرب على استقلاله، بادرت الدولة إلى إنشاء محكمة النقض مغربية المبادئ والتأليف والقضاة و ذلك بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957، هدفها الأسمى، تحقيق العدل وصيانة الدماء والأعراض والحقوق والأموال، باعتبارها محكمة قانون مهمتها مراقبة كل محاكم الموضوع داخل المملكة، في حسن تطبيقها للقانون وتفسيره وتأويله، والتدخل في كل مناسبة ترى فيها تضاريا في الأحكام والقرارات المرفوعة إلى نظرها، بغية إيجاد حل موحد ودائم عن طريق الزام محاكم الموضوع بقراراتها، ولو أدبيا. والحقيقة، أن محكمة النقض ومنذ إنشائها، لم تدخر جهدا في إعلاء كلمة الحق
والقانون وحرصت على تحقيق الأمال التي علقت عليها، في تقعيد القواعد، وجلاء الغامض، وسد الفراغ إن وجد غايتها في ذلك إرساء مبدأ الأمن القضائي، وترسيخه داخل المجتمع وإشاعة ثقافته.
بيد أن هذه الأخيرة، وفي سبيل إيجاد حلول لبعض القضايا الخلافية بين محاكم الموضوع، أو معالجة بعض القضايا الآنية، قد تقع في التضارب، سواء بين غرفها أو بين أقسام الغرفة الواحدة أحيانا، وتضارب قرارات محكمة النقض وتناقضها، ليس كتضارب أحكام وقرارات محاكم الموضوع، وذلك لعدة إعتبارات، لعل أبرزها، هو كون محكمة النقض على رأس الهرم القضائي المغربي وظيفتها، مراقبة محاكم الموضوع في حسن تطبيق القانون، ومحاربة كل تناقض في قراراتها وأحكامها، وكذلك لكون قضاء
الحقيقة أن نظام النقض نشأ أول مرة بالمغرب بمقتضى ظهير 14 نونبر 1956 وذلك عن طريق إنشاء غرفة للنقض والإبرام بالمحكمة العليا الشريفة تختص بالطعون بالنظر في الأحكام الصادرة عن القضاء العادي إلى أن تم إحداث محكمة النقض قائمة الذات تحت مسمى المجلس الأعلى وتعيين مقرها بالرباط بموجب الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1.57.223 بتاريخ 2 ربيع الأول 1377 موافق 27 شتنبر 1957 بشأن المجلس الأعلى المنشور 2245 بالجريدة الرسمية عند 2347 ربيع الأول 1377 موافق 18 أكتوبر 1957ء من وجدير بالذكر أن عبارة المجلس الأعلى نسخت اتحل محلها عبارة محكمة النقض وذلك بمقتضى مادة فريدة من القانون 11.58 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 في القعدة 1432(25) أكتوبر (2011) الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28 ذي القعدة 261432 أكتوبر (2011) من 5228 لذلك فإننا سنقتصر على استعمال عبارة محكمة النقض على امتداد صفحات هذا البحث سواء تعلق الأمر بقرارات صادرة عن المجلس الأعلى سلها أو عن محكمة النقض حاليا تفاديا للتكرار غير المنطقي
محكمة النقض، لا يعد فقط مجرد قضاء تطبيقي آلي للقانون، بل هو قضاء إنشائي يعول عليه في وضع النظريات، وإرساء المبادئ، وتقعيد القواعد، كلما دعت الضرورة لذلك.
لكل هذه الأسباب وغيرها، كان تضارب قرارات محكمة النقض وتناقضها، أخطر من تناقض قرارات محاكم الموضوع وأكبر وقعا وأثراء الشيء الذي انعكس سليا على مبدأ الأمن القضائي ببلادناء والذي كان متوقعا من هذه الأخيرة، أن تخدمه وتكرسه وتشيع ثقافته، بحكم مكانتها وعظمة شأنها.
وإذا كان فيروس التضارب، قد أصاب جميع فروع القانون ومجالاته، فإن بعضها قد إستأثر بحصة الأسد من ذلك، ونعني هنا مجال العقار، والذي كان بحق مرتعا خصيا، لكل أنواع التضارب وصوره، وسبب ذلك، هو إزدواجية الأنظمة العقارية بالمغرب موتعدد القواعد المطبقة، وإختلاف طبيعة العقارات، وعدم وجود قانون عقاري موحد، حيث عان القضاء، من تشتت القواعد المنظمة للعقار في أمهات كتب الفقه الإسلامي وغموض وتشعب ما قنن منها، الأمر الذي أدى إلى ظهور مجموعة من القضايا الخلافية التي لم يستقر الرأي بشأنها. لذلك، وإيمانا منا بضرورة حصر الموضوع حتى نتمكن من ملامسة أهم
ثالثا : إشكالية الموضوع
تعد مسألة تضارب أحكام وقرارت محاكم الموضوع، أمرا مستصاغا و مقبولا، مادامت أنها تخوض في أمور الواقع و القانون معا ، و كذلك لوجود محكمة عليا على رأس الهرم القضائي، تراقب عمل هذه المحاكم و تسهر على توحيده.
بيد، أن محكمة النقض وهي بصدد مراقبة محاكم الموضوع في شأن التطبيق السليم للقانون، قد تقع في نفس خطأ هذه الاخيرة، الشيء الذي يؤدي إلى صدور قرارات متناقضة ، و يزداد الأمر إستشكالا عندما يكون هذا التضارب صادرا عن نفس الغرفة وبين أقسامها، في قضايا متشابهة من حيث الوقائع ، مما يسهم في المساس بالأمن القضائي للمتقاضين و الامن العقاري بالنسبة للمتعاملين بالعقار، و ما أكثرهم.
الحة، فإنه يفضي إلى فقد المواطنين عامة والمتقاضين خاصة، الثقة في مؤسسة 163 / 14 روض أن تكرس هذه الثقة و تعمل على تعزيزها، خصوصا عندما يكون مرسى ما التضارب، الأحكام المنظمة للعقار ، و ذلك لعدة إعتبارات : أولها، أن الإنسان بطبعه مرتبط بالأرض روحيا وأي إعتداء عليها، إلا ويعتبره إعتداء على شخصه وكيانه، خصوصا إذا انتقلت إليه ملكيتها عن طريق الإرث، فعندها تعتبر الأرض إرث الأجداد وإمتدادهم. وثانيها، هو إرتفاع القيمة الإقتصادية للعقارات بإعتبارها مجالا للمضاربة من أجل الربح وذلك لكثرة الطلب عليها، سواء للسكن أو لإنشاء المشاريع الإقتصادية المربحة ، وبإعتبارها آلية لجلب الإستثمارات الأجنبية و تشجيع الوطنية منها.
لذلك، فإنه يمكن القول أن هذا الموضوع، يثير إشكالا رئيسيا، وهو مدى تأثير تضارب قرارات محكمة النقض في المادة العقارية على الأمنين القضائي والعقاري للمتعاملين في العقار، سواء المستهلكين العاديين أو المستتمرين.
رابعا : منهج البحث
إيمانا منا بضرورة الاعتماد على مناهج البحث العلمي المتعارف عليها في حقلا لعلوم الإنسانية، واستحضارا منا لطبيعة الموضوع وخصوصياته النظرية والعملية، فقد اعتمدنا في هذا البحث على المنهج الوصفي بغرض التعريف بكل عنصر يراد تعريفه
وضبط مفهومه، بغية تسهيل وتيسير فهمه، ولما كان الموضوع يتعامل مع قرارات قضائية كثيرة تحتاج إلى تفكيك وتحليل للإلمام بها، وفهم مرجعيتها، وأسباب تبنيها لقاعدة دون أخرى، فإنه من الطبيعي أن تتم الإستعانة بالمنهج التحليلي على طول صفحات هذا البحث.
ومادام أن الموضوع يعالج مسألة التضارب في القرارات، فإنه ما من بد من إعتماد المنهج المقارن، وذلك لمقارنة القرارات المتناقضة مع بعضها البعض، ومحاولة تقييم كل واحد منها على حدة، بغية ترجيح أحدها على الآخر كل ما دعا المقام إلى ذلك.
خامسا : خطة البحث
اقتضت منا طبيعة الموضوع أن نقسمه إلى فصلين نتناول في الأول تضارب القرارات الصادرة عن محكمة النقض في المجال الإجرائي، على أن نتناول في الثاني تضارب هذه القرارات في المجال الموضوعي، وذلك وفق التصميم التالي:
_________________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1AFQWiJkP3KTxE1CYDmA3xSXla1E6N2PG/view?usp=drivesdk