مقال بعنوان الأسباب الكامنة وراء تأزم الإدارة العمومية
الأسباب الكامنة وراء تأزم الإدارة العمومية
رابط تحميل المقال اسفل التقديم
إن الوظيفة العمومية المغربية بمعناها الواسع، تعرف عدة تناقضات وفوضى عارمة، وقد تكون هذه الوضعية طبيعية عندما يتعلق الأمر بدولة مقبلة على التغيير الاجتماعي، فهي تكون في حالة مخاض، ومن الطبيعي أن تعرف تلك التناقضات التي لا تلبث أن تتلاشى لتستقر الأوضاع من جديد؛ لأن الأمر يتعلق بأسباب ظرفية ضرورية لجعل البلد يتبنى الاختيارات الصائبة والملائمة من بين الحلول المقدمة والممكنة، فهي وضعية يمكن التحكم فيها على المدى القريب والمتوسط.
ولكن الوضع بالوظيفة العمومية المغربية يتعلق بأزمات هيكلية متجذرة، إنها ليست بظواهر تهم المساطر أو المناهج المتبعة فحسب، ولكنها تنصرف كذلك إلى المكونات الأساسية، فتصيبها في العمق، وتشل حركتها فالوضعيات القائمة أصبحت واقعا والامتيازات حقا مكتسبا لا يمكن التراجع عنها بسهولة، والنظام التعليمي لا يمكن أن نجد له حلا إلا من خلال حلول جذرية، وسياسية قويمة مبنية على أسس واضحة وأهداف مسطرة، تحقق التطابق المنشود بين التكوين وحاجيات سوق الشغل، في إطار تدبير توقعي للموارد البشرية.
وعليه فإن حديثنا عن الأسباب الكامنة وراء تأزم الإدارة العمومية يقتضي منا الحديث عن المحددات السياسية لأزمة الإدارة العمومية المطلب الأول، والمحددات الإدارية والسوسيو - اقتصادية لقصور الإدارة العمومية (المطلب الثاني)، ثم المحددات الاجتماعية والنفسية لأزمة الإدارة المغربية (المطلب الثالث).
440
كوثر رغوي
المطلب الأول: المحددات السياسية لأزمة الإدارة العمومية
من المعلوم أن الإرادة السياسية تلعب دورا مهما في توجيه الإدارة، بل تستخدم هذه الأخيرة لبلوغ أهدافها، وغالبا ما تقوم بدور سلبي إزاء الحياة الإدارية بترك الفراغ في بعض الميادين، وذلك بإغفال تنظيمها وعدم إرساء سياسات واضحة، من شأنها القضاء على الاختلالات التي تطال العمل الإداري كما تلجأ إلى مركزية التسيير وتقف أمام كل إشراك للمدارين والأخذ بآرائهم في مسلسل اتخاذ القرار. وإن غياب الإرادة السياسية، وقصور الإدارة في تسيير الشأن العام وفي ضمان مصالح الأفراد، وتطوير العمل الإداري، يؤدي إلى انعكاسات سلبية خطيرة على المجتمع الذي تؤطره فتحرمه من فرص التطور والاندماج وتزج به في الانعزالية، كما تخلق جوا من التوتر والنفور فتنعكس على فعالية ومردودية القطاع الإداري وتحبط كل محاولات التغيير الهادفة إلى الرفع من مستوى أداء هذا الأخير.
1. غياب سياسة واضحة في مجال الوظيفة العمومية
إن مما تشكو منه إدارتنا هو الافتقار إلى سياسة واضحة المعالم تتوخى تحقيق أهداف مسطرة. فوجود منهج قويم من شأنه أن يطبع الإدارة المغربية بالاستمرارية والموضوعية، ويجنبها الارتجال في اتخاذ القرارات والعشوائية في التسيير.
ومما جاء في مذكرة البنك الدولي (1) أن السؤال الأساسي الذي يطرح على المغرب بصفة عامة، هو غياب إستراتيجية للتنمية منسجمة وشاملة. إنه محتاج لسياسة متوسطة الأمد.
فبالمقارنة مع القطاع الخاص، الذي يعرف تطورا ملحوظا، نجد أن ميادين أخرى لا تستفيد من التوافق ولا من الالتزام القوي الحاصل بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي، فالقطاع العام في حاجة إلى تأطير وإلى تحديد الدور الذي يجب أن يلعبه ليس كمراقب متشدد ولكن كمسهل موجه للتنمية، فوضع سياسة قويمة في المجال الإداري، لن يتأتى إلا عبر تخطيط محكم، مبني على تفكير منهجي سليم، فسياسة التشغيل واستخدام الموارد البشرية بلادنا لا يشكل بالضرورة أداة مندمجة، لوضع إستراتيجية حقيقية للتنمية ناتجة عن تصور شامل مبني على خصوصيات البلد، فالمنهج اللامركزي وحده الكفيل بتشجيع التشغيل وتفعيل الدور الذي يلعبه العامل البشري.
إن المركزية تتضمن مفهوما مرتبطا بالمبادرة الشخصية للفرد والمصالحه، كما تتميز بنزعتها نحو تدبير إداري بأقل تكلفة، وإلى أقصى استغلال للفرد من طرف الدولة: موظفون بأجور دون المستوى يعملون بإرادة الرؤساء، فالأمر يتعلق باستغلال وليس باستخدام أمثل لهذه الموارد (2).
(1) «استراتيجية المساعدة للمغرب، مقال منشور بجريدة العلم عدد 16607، الصادر في 16 أكتوبر 1996.
(2) Hammouda El Caid, L'administration et le problème de l'emploi au Maroc. p. 34.
المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 154، شهر أكتوبر 2020
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1fC0IjuNhFsamdwzhabrbBXqQ-BmLcMWE/view?usp=drivesdk