كتاب بعنوان الحكامة الجيدة في النظام الدستوري المغربي
دخل مفهوم "الحكامة" - أو "الحكامة الجيدة" - مؤخرا قاموسنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي... وقد تداولته أقلام كثيرة، وتم الزج به بمناسبة ومن دون مناسبة، في الكتابات الصحفية، والدراسات الأكاديمية، والخطب السياسية ... وفي نظرنا إن لجدة كل مفهوم دخيل سحرا وإغراء يجعل
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
دخل مفهوم "الحكامة" - أو "الحكامة الجيدة" - مؤخرا قاموسنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي... وقد تداولته أقلام كثيرة، وتم الزج به بمناسبة ومن دون مناسبة، في الكتابات الصحفية، والدراسات الأكاديمية، والخطب السياسية ... وفي نظرنا إن لجدة كل مفهوم دخيل سحرا وإغراء يجعل
الاختيار يقع عليه، ويوقع به، في أحيان كثيرة، خاصة عندما لا يتم حصر إطاره الذي نشأ فيه، وحقله المفهومي الدال عليه، وسياقه التداولي المناسب له.
والحكامة، أو الحكامة الجيدة، مفهوم أشكل على الباحثين إيجاد تعريف جامع مانع له، حيث يرد تارة بمعنى «الرقابة على المنظمات والهيئات من طرف الذين أوكلوا إليهم إدارتها ؛ ويرد تارة أخرى بوصفه تعبيرا عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية 3 ؛ بينما يرد تارة ثالثة بمعنى الحكم الذي
تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفؤة لتحسين وتجويد نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم وتأمينهم من
-2 عبد العزيز أشرقي الحكامة الجيدة الدولية - الوطنية - الجماعية ومتطلبات
الإدارة المواطنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2009، ص 28 - 3- محمد المصطفى الإدريسي
في الحاجة إلى الحكامة الجيدة، ضمن مجلة فكر ونقد، السنة 10، عدد 93 ديسمبر، 2007، ص 21
11
الخوف والفقر وتنمية قدراتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم
ودعمهم.» ويرد في تعريفات أخرى بصيغ ومضامين مختلفة
سنعرض لها في حينها، مما يجعلنا ننتهي إلى أن ضبطه بالحد أو الماهية أمر متعذر للغاية ويحسن تعريفه في ضوء شبكة من
المفاهيم المرتبطة به والمعايير والمؤشرات المكونة له، والتي
تجعله يشتغل من خلالها.
من الناحية التاريخية الصرف، نحن مدينون للحضارة
الإغريقية التي نحتت المفهوم، منذ أواسط القرن الخامس (5)
ق.م، لكن استعمال مضامينه المرتبطة بتخليق الحياة العامة والعدالة، والحكم الفاضل أو الرشيد، واقتران المسؤولية بالمحاسبة...) ظهر عند حضارات أخرى قبل الإغريق أنفسهم
كما ظهر عند حضارات أخرى عاصرتهم أو جاءت بعدهم؛ ورغم هذا التوغل في القدم فإن بناء مكتبة وظفت المفهوم وربطته بمضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعتبر
أمرا جديدا نسبيا، حيث لا يعود إلى أكثر من أربعة عقود خلت لكن ينبغي الإقرار بأنه منذ إعادة إحيائه أواخر ثمانينيات القرن الماضي) فإنه لم يتوقف عن اكتساب أراض جديدة كل يوم على
المستويين النظري والملموسة. وهكذا فإن البيبليوغرافيا المعاصرة التي تناولت موضوع
الحكامة الجيدة وحية حداء خاصة على المستوى العالمي، حيث
وهكذا فإن البيبليوغرافيا المعاصرة التي تناولت موضوع الحكامة الجيدة رحبة جدا، خاصة على المستوى العالمي، حيث
-4 كريم لحرش مغرب الحكامة - التطورات المقاربات والرهانات، ط. 2 طوب بريس الرباط 2011 ، ص. 13.
- سيتم تخصيص فرع كامل ضمن هذا الكتاب للمتابعة التاريخية لمفهوم الحكامة الجيدة، كما سيتم تأصيلها إيتيمولوجيا في فرع آخر مواز له. -6 دون إثارة المواضيع التي تناولت مضامين المفهوم دون استعماله باللفظ.
12
تناولته أقلام كثيرة إلى درجة تجعل ادعاء الإحاطة بها أمرا مستحيلا، وتتضاعف هذه الاستحالة عندما يتم استحضار كون معظم المجتمعات والدول، وبالذات المعاصرة منها، باتت تراهن عليه للمرور إلى تدبير الشأن العام بما لا يعرض عورتها السياسية للانكشاف، فأصبح بالتالي مقترنا بمبدأي الشرعية
والمشروعية ضمن تنزيل التصور الديمقراطي في الحكم. أما على المستوى الوطني فقد راجت الكتابة حول الموضوع بكثافة بعد سنة 2000 - بالفرنسية أولا ثم باللغة العربية بعد ذلك 8 - حتى إن بعض المؤسسات التابعة للجامعات المغربية قد
لكن ينبغي التنبيه - رغم كل هذا الكم من الكتابة والاهتمام - إلى أنه ليس هناك، فيما نعلم من تناول الحكامة الجيدة في علاقتها مع النظام الدستوري المغربي 11، موضوع هذه الدراسة.
وربما يرجع تزايد هذا الاهتمام إلى طبيعة الموضوع وراهنيته التي تتكئ على القيمة العملية للحكامة الجيدة بما هي مبدأ بات يهيمن على تدبير جميع المرافق العامة والخاصة عبر الاحتكام إلى معاييرها ومؤشراتها ... الشيء الذي جعل المشرع الدستوري المغربي على ما يبدو، ينتهي إلى الاقتناع بجعلها إحدى الأسس أو المرتكزات التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي عندما ضمنها في دستور فاتح يوليو 2011 بالتنصيص عليها في الفصل الأول: «... يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ
الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة . » 12
وعليه فهذا الموضوع لا يكتسب أهميته فقط من جدته، أي
من حيث قيمته العلمية، بما يمكن أن يقدمه من إضافات نوعية للبحث الدستوري والعلوم السياسية عامة، وبما أن مجال البحث فيه - على ضوء المستجدات الدستورية - ما زال خصبا؛ لكن أيضا من حيث الأهمية العملية حيث بات ضروريا حضور وتفعيل آليات الحكامة الجيدة بما هي ركيزة من ركائز المؤسسات الدستورية المكونة للدولة.
غير أن الحديث عن الحكامة الجيدة كإحدى ركائز هذا النسق يستوجب استدعاء شبكة من المفاهيم المرتبطة به، منها: الشفافية والنجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس دولة الحق والقانون... ويستوجب قبل ذلك كله توفير مناخ ديمقراطي لتفعيل مضامين هذه المفاهيم، وتنزيلها تنزيلا سليما؛ بينما نعلم بأن النظام الدستوري، والسياسي المغربي جرى توصيفه منذ مدة طويلة بأنه تقليداني 13 فكيف يمكن استنبات الحكامة الجيدة
في نظام دستوري بهذا الوصف؟
.....
_____________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1PFd7ZrReNYPBFznMEcGpa486YKblg0uI/view?usp=drivesdk