مقال حول موضوع الأمن الصحى ورهان تحقيق السيادة الصحية
الأمن الصحى ورهان تحقيق السيادة الصحية

رابط تحميل المقال اسفل التقديم
مقدمة
حظي موضوع الأمن الصحي باهتمام بالغ من قبل مختلف الفاعلين في المجال الصحي سواء الدوليين أو الاقليمين أو الوطنيين، وذلك لارتباطه بحياة الأفراد والمجتمعات، وباعتباره حقا من حقوق الإنسان التي يظل تحقيقها مرتبطا بمدى توافر الإمكانيات الاقتصادية والبنى التحتية والكفاءات البشرية بالإضافة إلى مواكبة التحولات المرتبطة بظاهرة انتشار الأوبئة والمخاطر الصحية عبر العالم.
وبهذا الصدد، يولي الأمن الصحي أهمية بالغة للمنظومة الصحية، وهي أهمية تابعة من كونها نهجا يتمحور حول احتياجات وأولويات الأفراد، ويهتم بصحتهم بجوانبها البدنية والنفسية والاجتماعية، كما ترتكز على ضمان الحصول
على العلاج وتيسير الولوج إلى الخدمات الصحية، وعلى الاعتراف بالحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، كما ورد في العديد من الوثائق الدولية والإقليمية والوطنية.
ومن جانب آخر، بعد الأمن الصحي مكونا أساسيا من مكونات الأمن الاستراتيجي للمغرب، حيث يعتبر من العناصر الجوهرية المكونة لسيادة الدولة المغربية. وهذا ما أكد عليه ملك البلاد بشكل واضح في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة يوم 31 يوليوز 2021 بمناسبة عيد العرش، وبالتالي تكمن أهمية تعزيز الأمن الصحي للمغرب في كونه مدخلا لتعزيز السيادة الصحية التي تعد أساس الأمن الاستراتيجي.
وفي هذا الإطار، فرضت جائحة كورونا، ضغوطا ومسؤوليات جديدة على الدول، كما شكلت تحديا على مفهوم السيادة، باعتبارها الركن الأساسي الذي تبنى عليه الدولة قوتها وسلطتها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي أي في علاقتها بالمواطنين فوق ترابها الإقليمي، أو فيما يتعلق بعلاقاتها الدولية مع باقي الكيانات المستقلة وذات السيادة.
وضمن هذا التوجه المنهجي، تجد إشكالية الموضوع جذورها في فكرة أساسية تتمثل في كون مقاربة موضوع الأمن الصحي ورهان تحقيق السيادة الصحية، أمرا في غاية التعقيد لكونه خاضعا لسقف مطالب واحتياجات المواطنين المرتبطة بأمنهم وسلامتهم، وخاضعا لمتطلبات التغير الذي تمر به الدولة الوطنية في عالم اليوم، وما تفرضه البيئة العالمية من تحديات، وبالتالي، ما هي مداخل تعزيز الأمن الصحي بالمغرب؟
ولتفكيك هذه الإشكالية، فإنه من الضروري الاعتماد على مقتربات منهجية مختلفة، لا سيما المنهج التحليلي الوصفي الذي سيمكننا من تحليل العناصر المعرفية المفهوم الأمن الصحي، ثم المنهج القانوني من أجل رصد المرجعيات المؤطرة للأمن الصحي، وتوضيح فلسفة المشرع دوليا ووطنيا)، الرامية إلى تكريس الحماية القانونية للمواطنين الضمان أمنهم الصحي، وذلك بهدف الكشف عن الجهود الوطنية لتحقيق السيادة الصحية. بالإضافة إلى المنهج الوظيفي، بهدف دراسة التغير في وظائف وأولويات الدول، والأولوية الاستراتيجية التي بات يحظى بها موضوع الأمن الصحي بالمغرب. وذلك دون إحداث أي قطيعة مع المناهج الأخرى.
وفي ضوء ذلك، سيتم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاث محاور، يعالج الأول مفهوم الأمن الصحي، فيما يخصص الثاني للبحث في المرجعيات المؤطرة له دوليا ووطنيا. أما المحور الثالث، فيرصد الرهانات الاستراتيجية لتعزيز الأمن الصحي للمغرب، باعتباره مدخلا لتعزيز سيادته الصحية.
المحور الأول: مفهوم الأمن الصحي
ظهر مفهوم الأمن الصحي، وذاع استخدامه في الخطابات السياسية والأكاديمية خلال السنوات الأخيرة، حيث برزت مجموعة من التصورات المتداولة حول مفهوم الأمن الصحي، بيد أنه لا يوجد اتفاق على نطاق المفهوم ومضمونه. وفي ضوء هذا الجدل المفاهيمي، فإنه لا مناص من تقديم تعريفات للمفهوم وتحليل أبعاده.
ويعتبر مفهوم الأمن من أصعب وأعقد المفاهيم التي يتناولها البحث العلمي والتحليل السياسي، باعتباره مفهوما مركبا ومتغيرا من حيث المحتوى والدلالة . وقبل التطرق إلى مفهوم الأمن الصحي في سياقاته المعرفية والأكاديمية، فإنه لا بد من التأكيد أولا على صعوبة إعطاء تعريف محدد لما يعنيه مفهوم الأمن، لكونه مفهوما معقدا، ومتنازع عليه. بشكل أساسي 410، حيث تشير كلمة أمن إلى معنى الشعور بالاطمئنان وعدم الخوف الله. ولا شك أن أبرز المعاني المرتبطة بمفهوم الأمن ما أوضحه باري بوزان (Barry Buzan)، حيث يعرفه بأنه العمل على التحرر من التهديد 112، وهو الوصف الأكثر تداولا لمفهوم الأمن في الدراسات الأمنية المتخصصة.
وإذا كان المقترب التقليدي للأمن يركز على حماية أمن الدولة من الأخطار الداخلية والخارجية باستخدام القوة العسكرية، فإن هذا التصور أصبح متجاوزا أمام التحولات العميقة التي أخذت تشهدها البيئة الأمنية في عالم اليوم (41) سيما مع بروز مشكلات أمنية جديدة ومعقدة ناجمة عما بات يعرفه العالم من أزمات القتصادية واضطرابات اجتماعية وكوارث طبيعية واختلالات مناخية وجوائح وبائية، وما تشكله هذه الأخيرة من تحديات جمة على الأمن القومي عامة وعلى وجود وبقاء الانسان بصفة خاصة.
ولعل الفضل في تقديم أول إطار تحليلي لفهم طبيعة العلاقة بين الأمن والصحة يعود إلى إسهامات مدرسة كوينها عن 114، وتحديدا للأعمال النظرية التي قادها باري بوزان وأولى وايفر (Ole Waver)، ويتلخص التصور الأمني المدرسة كوبنهاغن في فكرة تجاوز التركيز الحصري على الدولة كموضوع مرجعي للأمن، وتوسيعه ليمتد لقطاعات أخرى من غير القطاع العسكري، وتعميقه ليشمل أمن الأفراد والجماعات 15. وهو الأمر الذي أتاح إمكانية
. سليمان عبد الله الحربي "مفهوم الأمن مستوياته وصيغه و تهديداته، دراسة للعلوم السياسية، العدد 19، صيف 2008، ص 9 Barry Buzan, People, States and Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-Cold War, (Boulder: Lynne Rienner Publishers, 1991), p. 7..
نظرية في المفاهيم والأطر"، المجلة المغربية
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1ehxY0oODzMTXsaHBCPfdMJRFdKN4sSMw/view?usp=drivesdk
What's Your Reaction?






