الإيمان عند أهل السنة والجماعة
التعريف بعلم الكلام وأثره على الأمة الإسلامية, تعريف الأشاعرة , التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري, تعريف أهل السنة والجماعة, التوحيد عند الأشاعرة, التوحيد عند أهل السنة والجماعة, القرآن عند الأشاعرة, القرآن عند أهل السنة والجماعة, الإيمان عند الأشاعرة, الإيمان عند أهل السنة والجماعة, القدر عند الأشاعرة, القدر عند أهل السنة والجماعة, مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر, عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الأجري في القدر, عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي في القدر,
الإيمان اعتقاد وقول وعمل، قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون)(1).
نرى من هذه الآية أن الإيمان الصادق هو الإيمان بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام، والاعتقاد الذي لا يخالطه ريب، وهو أيضا العمل المترتب في الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله، ذلك لأن الاعتقاد بالقلب وحده لا يكفي لقبول الإيمان، فلقد كان إبليس معتقدا بالله فقد جاء على لسانه في القرآن الكريم : (رب فأنظرني إلى يوم يبعثون)(2) ومع ذلك فقد وصفه الله بالكفر لتكبره عن عمل ما أمره الله به، قال تعالى : (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)(3).
فالإيمان إذن هو اعتقاد وقول وعمل، والعمل أنواع : - عمل القلب، مثل : الخوف من الله، والإنابة إليه، والتوكل عليه.
- عمل اللسان، مثل : نطق الشهادتين، والتسبيح والاستغفار، والدعوة إلى الله.
- عمل الجوارح، مثل :الصلاة، والزكاة، والصوم، والجهاد في سبيل الله، وطلب العلم لله، والتجارة والزراعة والصناعة تحقيقا لأمر الله في استخلاف الأرض طبقا لتعاليم الإسلام.
قال احمد بن حنبل في كتابه السنة : فمالك وشريك وأبو بكر ابن عياش، وعبد العزيز ابن أبي سلمة، وحماد ابن سلمة، وحماد ابن زيد يقولون : الإيمان، المعرفة والإقرار والعمل.
(1) وسئل فضيل ابن عياض عن الإيمان فقال : الإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار باللسان والقبول بالقلب والعمل به(2).
وقال عبيد بن عمير الليثي(3) " ليس الإيمان بالتمني ولكن الإيمان قول يعقل وعمل يعمل.
(4) حصر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- العبارات المستعملة في أربع : قول وعمل، وقول وعمل ونية، وقول وعمل واتباع السنة، وقول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح(5)، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- مقصود السلف في عباراتهم هذه بقوله: (والمقصود هنا، أن من قال من السلف : الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب.
ومن قال : قول وعمل ونية، قال : القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية، فزاد ذلك.
ومن زاد إتباع السنة، فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله بإتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال، والأعمال.
والذين جعلوه أربعة، بينوا مرادهم، كما سئل سهل ابن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو فقال : قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل، فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة(6).
وبهذا البيان الشافي من شيخ الإسلام ابن تيمية يندفع ما قد يتوهم من خلاف بين عبارات السلف، لأنها جميعها تلتقي عند مفهوم واحد، فجميعهم يقولون لابد من تصديق القلب، وإظهار هذا التصديق بالقول باللسان، ثم التصديق العملي لذلك، بالقيام بعمل ما أوجبه الله ورسوله من الأعمال الظاهرة، والباطنة، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه منها، كما قال محمدبن الحسين الآجري : (ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب،و التصديق الا ان يكون معه الايمان باللسان نطقا ،و لا تجزئ معرفة بالقلب و نطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا)(1).
ويقول ابن تيمية –رحمه الله- : (كان من مضى من سلفنا، لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل.
.
.
فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، كان في الآخرة من الخاسرين.
وهذا معروف عن غير واحد من السلف، والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول(2).
قال أبي جعفر الطحاوي : (والإيمان : هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق.
والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى)(3).
هنا اقتصر الطحاوي ـ رحمه الله ـ على الإقرار باللسان والتصديق بالجنان دون العمل، وقد ذكر هذا الكلام عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة اختلاف صوري.
فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءا من الإيمان، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان(4).
ومن القائلين بأن الإيمان قول وعمل : الأئمة الثلاثة: أحمد بن حنبل، محمد بن مالك ين ادريس الشافعي ومالك بن أنس وغيرهم من الأئمة كسفيان الثوري، والأوزاعي وابن جريج ومعمر بن راشد، والإمامين الجليلين، صاحبي أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى، الذين اتفقت الأمة بأسرها على جلالتهما، وعلو قدرهما، قد قالا بهذا القول أيضا، وعولا عليه في كتابيهما واستدلا له استدلالا واضحا جليا.
فقد رتب الإمام البخاري كتاب الإيمان من صحيحه ترتيبا ينم عن عقيدته في القول بركنية العمل في الإيمان، وفضلا عن ذلك فقد استهل كتاب الإيمان بقوله: وهو قول وفعل، ويزيد وينقص ثم سرد أدلته على ذلك من الكتاب والسنة.
سيرا على طريق الحق السوي والمنهج القويم، فإن السلف رحمهم الله تعالى أي أهل السنة والجماعة لم يقولوا آراءهم التي سبق ذكرها في حقيقة الإيمان، إلا بعد استقراء لنصوص الكتاب والسنة، وسبرا لأغوارهما، حيث انتهوا إلى القول به واعتقاده، وإبطال ما سواه، لأنه هو الرأي الذي يسنده الدليل، ويرشد إليه الوحي الإلهي دون ما سواه.
فمن أدلتهم في الكتاب قول الله تعالى : (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)(1).
وقال سبحانه : (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(2).
وقال تعالى : (قالت الأعراب ءامنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)(3) الآية.
وغير ذلك من الآيات التي تضيف الإيمان إلى القلب.
وهذه الآيات دالة على ما لزم القلب من فرض الإيمان، وهو التصديق الجازم، ولا ينفع القول به إذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل.
وأما الأدلة على وجوب الإيمان باللسان نطقا، فقوله تعالى في سورة البقرة (قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط)(1).
وقال سبحانه : (قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على ابراهيم واسماعيل)(2).
وقال عليه الصلاة والسلام : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.
.
.
الحديث)(3).
ومن أبرز الأدلة على أن الأعمال من الإيمان : تسميته سبحانه وتعالى للصلاة إيمانا في قوله عز وجل : (وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم)(4).
أورد أبو عبيد القاسم بن سلام قول الله تعالى : (آلم(1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون(2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين(3))(5) كدليل على أن العمل من الإيمان، وقال بعد ذلك : أفلست تراه تبارك وتعالى، قد امتحنهم بتصديق القول بالفعل، ولم يكتف منهم بالإقرار دون العمل، حتى جعل أحدهما من الآخر ؟ فأي شيء يتبع بعد كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ومنهاج السلف بعده، الذين هم موضع القدوة والإمامة؟ !(6).
إن أدلة السلف على أن الأعمال ركن في الإيمان من القرآن الكريم كثيرة، لكني ذكرت بعضها أرى أنها تبين المراد وتفي بالغرض، وقد حصرها الآجري في كتابه الشريعة في ستة وخمسين موضعا، وسيطول بنا الحديث إن ذكرناها كاملة(7).
وأما الأدلة من السنة المطهرة، فهي كثيرة يصعب حصرها كذلك، أكتفي بذكر بعضها.
وإن من أبرزها وأوضحها دلالة حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- المتفق عليه : (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)(1).
ووجه الدلالة في هذا الحديث : أنه جعل الإسلام الذي هو الإيمان كما يشهد له حديث وفد عبد القيس الآتي هو مجموع هذه الأمور الخمسة، وهي أعمال، فدل ذلك على أن الأعمال من الإيمان.
ومن أدلة السلف أيضا على دخول الأعمال في الإيمان، وأن الإيمان والإسلام اسمان لمسمى واحد، حديث وفد عبد القيس الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : ("آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟" قالوا : "الله ورسوله أعلم".
قال : "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما عنتم")(2).
قال شارح العقيدة الحاوية :ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيمانا بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل ؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود.
(3) وهناك حديث جبريل المشهور الذي فسر فيه الإسلام والإيمان تفسيرين مختلفين وهنا في حديث وفد عبد القيس فسر الإيمان بما فسر به الإسلام في حديث جبريل، وقد يتوهم الاختلاف بينهما، ولكن توهم الاختلاف، يزول، إذا علمنا أن الإسلام والإيمان، إن وردا مجتمعين كما في حديث جبريل فإنه يراد من أحدهما غير ما يراد من الآخر، أما إن ورد أحدهما منفصلا عن الآخر، فإن الآخر يدخل فيه، كما في حديث وفد عبد القيس وحديث بني الإسلام على خمس.
ويتضح لنا مما تقدم أن السلف عليهم رحمة الله، أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، لم يكتفوا في الإيمان بجانب واحد بل يرون أنه لابد من الاعتقاد بأن الإيمان مكون من أمور ثلاثة، لا غنى عن أحدهما، فهو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وكلهم مجمعون على ذلك، لأنهم رأوا أن الكتاب والسنة يؤيدان هذا المعتقد، بل يشتملان على ما يوجب الأخذ به دون سواه.