القاعدة لا عبرة للتوهم

القواعد الفقهية الأساسية

القاعدة لا عبرة للتوهم
التوضيح التوهم: هو إدراك الطرف المرجوح من طرفي أمر متردد فيه.

والمراد من التوهم: الاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول، وهذا لا يبنى عليه حكم شرعي، ولا يمنع القضاء، ولا يؤخر الحكم، لأن الأمر الموهوم يكون نادر الوقوع، ولذلك لا يعمل به في تأخير صاحب حق؛ لأن الثابت قطعاً ويقيناً أو ظاهراً لا يُؤخر لأمر موهوم.

ولا تكرار بين هذه القاعدة وقاعدة "لا عبرة بالظن البيق خطؤه " (م/ 72) ؛ لأن الظن هو إدراك الطرف الراجح، والوهم: إدراك المرجوح، ولكن يمكن أن يقال: إن حكم هذه القاعدة يفهم من تلك بالأَوْلى، وليس كذلك؛ لأن قاعدة "لا عبرة بالظن البيّن خطؤه " موضوعة فيما إذا تبين خطأ الظن، فجزم بعكسه، فلا يفيد حكم الوهم بالأَوْلى.

ولا عبرة للتوهم في الأحكام بخلاف المتوقع، فإنه كثير الوقوع، فيعمل بتأخير الحكم، كما جوزوا للحاكم تأخير الحكم للمدعي بعد استكمال أسبابه لرجاء الصلح بين الأقارب، لأن ذلك متوقع بخلاف غيرهم، وإذا ادعى شخص ديناً على ميت بمواجهة أحد الورثة فأقرَّ الوارث، او ادعى ديناً بوكالة أو وصاية، فأقرَّ المدعى عليه بالوكالة أو الوصاية، أو ادعى المستحق على المشتري العين المبيعة أنها ملكه، فأقرَّ المشتري له بالملك، جاز تأخير الحكم إلى إقامة البينة، دفعاً للضرر المتوقع بإنكار الوكل الوكالة، أو الوارث الوصاية، ولأجل التعدي في الإقرار على المدعى عليه من المدينين، ولأجل التعدي في الإقرار لبقية الورثة في دعوى الدين على الميت، وللتعدي للبائع وتمكن المشتري من الرجوع عليه في دعوى الاستحقاق، لأن الإنكار متوقع.

ويقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى عند الحنابلة "ينزل المجهول منزلة المعدوم " كما سيأتي.

التطبيقات 1 - لو أثبت الورثة إرثهم بشهود، وانحصار الإرث بهم، وقالوا: لا نعلم له وارثاً غيرهم، فيقضى لهم بالإرث، ولا عبرة لاحتمال ظهور وارث آخر يزاحمهم؛ لأن ذلك موهوم فلا يعوق القضاء.

(الزرقا ص 363، الدعاس ص 19، الروقي ص 289، السدلان ص 92 1،.

(ابن رجب 2/ 432) .

2 - إذا شهد الشهود الثقات المعدلون على أحد بحق وجب الحكم بشهادتهم فوراً، ويفسق الحاكم بتأخيره، ولا عبرة لاحتمال خطئهم أو كذبهم؛ لأنه من المحتمل كذب الشهود والمعدلين.

لأن هذا الاحتمال مجرد توهم لا دليل عليه.

(الزرقا ص 364، الدعاس ص 9 1، الروقي ص 289، السدلان 195) .

3 - لو اشتبهت عليه القبلة، فصلى إلى جهة بدون تحرٍ واجتهاد، لا تصح صلاته، لابتنائها على مجرد الوهم، بخلاف ما لو تحرى وصلى مع غلبة الظن فإنه تصح صلاته وإن أخطأ القبلة.

(الدعاس ص 19، السدلان ص 193) .

4 - لو أثبت الغرماء ديونهم بشهود قالوا: لا نعلم له غريماً غيرهم، فإنه يقضى لهم في الحال، ولا عبرة لما عسى أن يظهر من الديون، لأنه وهم مجرد.

(الزرقا ص 363) .

5 - لو كان للدار المبيعة شفيعان، غائب وحاضر، وطلب الحاضر الشفعة، فإنه يقضى له بها عند تحققها، ولا يتأخر حقه لما عسى أن يحدث من طلب الشفيع الآخر عند حضوره؛ لأنه موهوم (الزرقا ص 363، السدلان ص 193) .

6 - لو كان لزيد جدار ملاصق لدار جاره، فأراد أن يفتح فيه كوة فوق قامة الرجل، فله ذلك، وليس لجاره منعه عن فتحها بحجة أنه يطل على مقر نسائه إذا استعلى على شيء، لأنه موهوم.

(الزرقا ص 363) .

7 - لا يجوز الرهن بالدَّرك؛ لأن استحقاق المبيع أمر موهوم، بخلاف الرهن بالدين الموعود، فإنه صحيح، ويضمن ضمان الرهن، لأن الدَّين الموعود ليس موهوماً بل متوقع الحصول، وكذلك المشتري بخيار لو أعطى الثمن رهناً جاز؛ لأن الإجازة متوقعة الحصول لا متوهمة.

(الزرقا ص 363) .

8 - يكتفى في تعريف المشهود عليه إن كان غائباً عن مجلس الحكم بذكر اسمه واسم أبيه وجده، واحتمال مشاركة سواه في اسمه واسم أبيه وجده مجرد توهم لا عبرة له.

(الزرقا ص 364) .

9 - لو دفع ماله مضاربة لرجل جاهل جاز أخذ ربحه ما لم يعلم أنه اكتسب الحرام.

(الزرقا ص 356) .

10 - لو ادعى ثمنين، أوثلاثة أثمان، بسبب بيع هذا الشيء منه، لا يجب إلا ثمن واحد، وإن احتمل أنه باع، فإنه لا يعتبر هذا الاحتمال.

(الزرقا ص 356) .

11 - إذا توفي المفلس تباع أمواله، وتقسم بين الغرماء، وإن تُوهم أنه ربما ظهر غريم آخر جديد، والواجب ألا تقسم محافظة على حقوق ذلك الدائن المجهول، ولكن لا اعتبار للتوهم، وتقسم الأموال على الغرماء، فإن ظهر غريم جديد يأخذ حقه منهم حسب الأصول الشرعية.

(السدلان ص 192) .

12 - إذا كان لدار شخص نافذة على أخرى لجاره تزيد على طول الإنسان، فجاء الجار طالباً سدَّ تلك النافذة بداعي أنه من اليمكن أن يأتي صاحب النافذة بسُلّم، ويشرف على مقر النساء، فلا يلتفت لطلبه، وكذا لا يلتفت لطلبه إذا وضع جاره في غرفة مجاورة له تبناً، وطلب رفعه بداعي أنه فمن المحتمل أن تعلق به النار فتحترق داره.

(السدلان ص 193) .

13 - إذا جرح شخص آخر، ثم شفي المجروح من جرحه تماماً وعاش مدة ثم توفي، فادعى ورثته بأنه من الجائز أن يكون والدهم مات بتأثير الجرح فلا تسمع دعواهم.

(السدلان ص 193) .

14 - إذا غاب الشهود أو ماتوا بعد أداء الشهادة في المعاملات، فللحاكم أن يزكيهم ويحكم بشهادتهم، ولا يؤخر الحكم لتوهم رجوعهم عن شهادتهم.

(السدلان ص 193) .

15 - إذا ولدت المرأة ونفست، ثم طهرت قبل الأربعين، اغتسلت وصلت بناء على الظاهر؛ لأن معاودة الدم موهوم، فلا يترك المعلوم بالموهوم.

(السدلان ص 194) .

16 - لو أقرَّ المريض بدين لوارثه، فخاصمه الوارث في ذلك، أمره القاضي بأن يوفيه حقه؛ لأن السبب الموجب للمال عليه ظاهر، والمبطل له وهو موته من مرضه موهوم، والموهوم لا يعارض المعلوم.

(السرخسي 25/ 50) .

المستثنى خرج عن القاعدة مسائل: 1 - لو استأجر مُبَانتَه لإرضاع ولده منها، ثم تزوجها، لا تبطل الإجارة، وإن كانت لم يبق لها فائدة متيقنة، وذلك لأن حكم العقد، وهو هنا لزوم الأجر للمستأجر، وإن كان لا يثبت ابتداء بوهم ثبوت فائدة لها، لكنه يبقى ما بقي توهم الفائدة، وتوهم الفائدة هنا ثابت بأن يطلقها بعد ذلك، فتظهر فائدتها.

(الزرقا ص 365) .

2 - لو انهدم بناء الدار المأجورة كله فإن الإجارة لا تبطل وإن سقطت الأجرة؛ لأن توهم الفائدة بإعادة البناء ثابت، حتى لو بناها المؤجر والمدة باقية لم تنقض بعد ظهور فائدتها، ولزمت المستأجر الأجرة لما بقي من المدة.

(الزرقا ص 356) .

ويتفرع عليها لو آجر مشاعاً فإنه لا يصح سواء كان يقبل القسمة أو لا، ولكن لو طرأ الشيوع بعد العقد بأن آجر عقاراً بتمامه، ثم استُحِق جزء منه شائع، أو تفاسخ العاقدان الإجارة في بعض شائع منه، تبقى الإجارة في الباقي، وإن كان شائعاً.

(الزرقا ص 366) وهذا يدخل في قاعدة "يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء " (م/ 53) .

3 - لو دفع المشتري من الفضولي الثمن له على رجاء إجارة المالك، ثم أراد استرداده منه لم يملك استرداده قبل أن يفسخ المالك البيع، فيمنع من استرداد الثمن مع أن الإجازة موهومة الحصول.

(الزرقا ص 366) .

4 - يمنع أن يرجع الباعة بعضهم على بعض الثمن إذا ظهر المبيع مستحقاً، قبل أن يفسخ المستحق البيع، أو يقضي القاضي بالرجوع بالثمن؛ لأنه بالاستحقاق ظهر أن عقود الباعة كانت بالفضول، وأنها تقبل الإجازة، وفي عقد الفضولي لو دفع المشتري الثمن له لا يملك الاسترداد قبل انفساخ العقد، هما لم ينتف احتمال الإجازة بفسخ المستحق أو بقضاء القاضي بالرجوع لا يرجع الباعة بالثمن، وإجازة البيع توهم واحتمال بعيد.

(الزرقا ص 366) .

5 - لو دفع المدين الدَّين إلى فضولي على رجاء أن يجيز المالك، فليس له أن يسترده منه لاحتمال الإجازة، لأن الفضولي قبض فضولاً عن الدائن رجاء الإجازة منه لقبضه، ولم يقبض بطريق الوكالة عن المديون ليدفع إلى الدائن، ولو كان قبضه بطريق الوكالة عنه لم يكن فضولياً، فحيث كان قبضه عن الدائن رجاء الإجازة لم يكن للدافع حق استرداد ما دفع إليه.

(الزرقا ص 366) .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0