القاعدة الخراج بالضمان
القواعد الكلية المتفق عليها

والضمان: هو التزام بتعويض مالي عن ضرر للغير، و"الخراج بالضمان " أي بمقابلة دخوله في ضمان من سلم له خراجه، هما لم يدخل في ضمانه لم يسلم له خراجه، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن، رواه الطبراني عن حكيم بن حزام رضي الله عنه؛ ورمز السيوطي إلى حسنه.
وهذه القاعدة نص حديث نبوي صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي بعض طرقه ذكر السبب.
وهو أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده (مدة) ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيباً، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردّه عليه، فقال الرجل: يا رسول الله، قد استعمل غلامي؟ فقال: "الخراج بالضمان "، لأنه لو كان تلف في يده، قبل الرد، لكان من ماله.
قال أبو عبيد: " الخراج في هذا الحديث غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زماناً، ثم يعثر منه على عيب دلسه (أخفاه) البائع، فيرده، ويأخذ جميع الثمن، ويفوز بغلته كلها، لأنه كان في ضمانه، ولو هلك هلك من ماله "، وكذا قال الفقهاء: "معناه ما خرج من الشيء من غَلة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك، فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه، فالغَلة له، ليكون الغنم (المصلحة) في مقابلة الضمان ".
فخراج الشيء يستحقه من يكون هلاك ذلك الشيء على ضمانه، وحسابه، في مقابلة الضمان، وستأتي قاعدة "الغُرْم بالغنم " (م/ 87) .
التطبيقات 1 - لو رد المشتري المبيع بعد قبضه بخيار العيب، وكان قد استعمله مدة، لا يلزمه أجرته؛ لأنه لو كان قد تلف في يده قبل الرد لكان يتلف من ماله.
(الزرقا ص 429، اللحجي ص 68، الروقي 330،.
(ابن رجب 2/ 191) .
2 - لو اشترى المبيع، وآجره، فإن الأجرة تطيب للمشتري ولو ردَّ المبيع بعد ذلك.
(الزرقا ص 429، اللحجي ص 68، (ابن رجب 1/ 166) .
3 - لو اشترى شخص شاة، وولدت عنده، ثم ردها للبائع بعيب، فالولد للمشتري.
(اللحجي ص 68، (ابن رجب 2/ 191) .
4 - لو وجد شخص ركازاً، واستعمله، أو آجره، ثم ظهر صاحبه، فلا ضمان على الواجد.
(اللحجي ص 68) .
5 - لو وهب شخص لآخر عيناً فاستعملها، أو استغلها وأجرها، بعد قبوله وقبضه، ثم رجع الواهب عن هبته، فالغلة والخراج والثمرة للموهوب له.
(اللحجي ص 68) .
6 - لو شرطا في شركة الوجوه مناصفة المشتري، أو مثالثته، وشرطا الربح على خلاف ذلك، فالشرط باطل.
(الزرقا ص 430) 7 - لو استأجر داراً مثلاً ببدل، ثم آجرها بأكثر منه من جنس ذلك البدل، فإن الزيادة لا تطيب له إلا إذا أصلحها بإحداث ما تشاهد عينه فيها، كبناء وتجصيص، وجعل الخصاف كري النهر من ذلك، بخلاف كنس الدار وإلقاء التراب من الأرض ولو تيسرت الزراعة فيها.
(الزرقا ص 430) 8 - من فروع هذه القاعدة عند المالكية أن المبيع المتعين المتميز إذ ضاع قبل القبض فهو من ضمان المشتري، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي اللذين أوجبا الضمان على البائع، قال القاضي عبد الوهاب المالكي: "سائر المبيعات التي ليس القبض من شروط صحة بيعها، كالعبيد والعروض وغيرهما مما يكال أو يوزن إذا كانت متعينة ومتميزة ليس فيها حق توفية، فضمانها من المشتري قبل القبض.
وقال أبو حنيفة والشافعي: ضمانها من البائع حتى يقبضها، فدليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخراج بالضمان " فجعل الخراج لمن يكون ضمانه منه، وقد ثبت أن خراج هذا المبيع قبل القبض يكون للمشتري، فيجب أن يكون ضمانه منه، ولأنه مبيع متعين، لا يتعين به حق توفية، فخراجه للمشتري، فكان تلفه منه، أصله إذا قبض ".
9 - المفلس إذا اتَّجر بالعروض من أمواله، بعد الحجر عليه من الغرماء، فإن الربح له؛ لأن ضمانها عليه.
(الغرياني ص 440) .
15 - الغاصب إذا اتّجر بالمال المغصوب يكون ربحه له، لأنه في ضمانه، والخراج بالضمان.
(الغرياني ص 440) .
11 - المودع إذا اتجر بالمال المودع عنده يكون ربحه له؛ لأنه ضامن للمال بالتصرف فيه.
(الغرياني ص 440) .
12 - غَلة الرهن للراهن؛ لأن الضمان عليه.
(الغرياني ص 441) .
13 - تكون الغلة للمشتري في أربعة مواضع إذا رُدَّ منه المبيع؛ لأن ضمانه كان عليه، وهي: أ - لا يرد المشتري الغلة إذا رد المبيع لفساد العقد، أو لعيب فيه إذا أزهت الثمرة؛ لأن الضمان عليه، ويردها قبل ذلك.
(الغرياني ص 441) .
ب - لا يرد المشتري الغلة للشفيع مع الشقص إذا يبست الثمرة؛ لأن الضمان كان عليه، ويردها قبل ذلك.
(الغرياني ص 441) .
جـ - لا يرد المشتري الغلة إذا استحق منه المبيع إن يبست الثمرة؛ لأن الضمان كان عليه، ويردها قبل ذلك.
(الغرياني ص 414) .
د - لا يرد المشتري الغلة إذا أفلس البائع، وأخذ منه المبيع إذا جذ الثمرة، وترد منه قبل ذلك.
(الغرياني ص 441) .
14 - يجوز للمستأجر أن يوجر العين بأكثر مما استأجرها به؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر، بمعنى أنه إذا سلَّم إليه العين المؤجرة، ولم ينتفع بالعين تلفت على ملكه، بخلاف ما إذا تلفت العين المؤجرة، فإن هذا بمنزلة تلف الثمر قبل صلاحه.
(ابن تيمية، الحصين 2/ 261) .
15 - إذا وهب رجل لآخر فرساً، وبعد مدة طلب الواهب أجرتها، فعرض الموهوب له ردّها، فامتنع الواهب من أخذها إلا مع الأجرة، فإن ردها الموهوب له فلا شيء غير ذلك، وليس للواهب المطالبة بالأجرة، لأن الموهوب له كان ضامناً لها، وكان يطعمها بانتفاعه بها مقابل ذلك (ابن تيمية، الحصين 2/ 262) .
16 - إذا اشترى طعاماً، ومكنه البائع من قبضه، بأن ميّزه وأفرزه، ولم يقبضه المشتري، فهلك، فهو من ضمان المشتري، لأن خراجه له، فيكون ضمانه عليه.
(ابن تيمية، الحصين 2/ 265) .
17 - المردود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صناعة، ففي رواية: الزيادة للمشتري، تطبيقاً للقاعدة، والمشهور أن الزيادة للبائع تبعاً لأصلها، ولا يستحق المشتري عليه شيئاً، وهذا استثناء من القاعدة ".
(ابن رجب 2 / 153، 192) .
18 - الإقالة، إذا قلنا: هي فسخ، وهو الراجح، فالنماء للمشتري في الراجح، مقابل الضمان، وفي وجه: أنه يرده مع أصله، فيكون ذلك استثناء.
(ابن رجب 2/ 191) .
المستثنى 1 - اختلف الفقهاء في المبيع قبل القبض إذا حدثت الزيادة المنفصلة غير المتولدة ثم رُدّ بالعيب، فعند محمد هي للمشتري بلا ثمن، وعندهما: هي للبائع، واتفقوا على أنها لا تطيب لمن هي له، لأن طيبها إنما يكون بالملك والضمان، وقبل القبض لم يجتمعا في أحدهما، بل الملك للمشتري، والضمان على البائع، حتى لو هلك المبيع.
والحالة هذه يهلك من ماله، فعلى قول محمد فالمثال استثناء، وعلى قول الشيخين فالمثال تطبيق القاعدة.
2 - لو أعتقت المرأة عبداً، فإن ولاءه (ميراثه) يكون لابنها، ولو جنى العبد جناية خطأ فالعقل (الدية) على عصبتها دونه، وقد يجيء مثله في بعض العصبات يعقل ولا يرث،.
(اللحجي ص 68) .
3 - يستثنى من هذه القاعدة عند المالكية ما ثبت بالنص في المصراة، وهي الشاة أو الناقة التي يجمع في ضرعها اللبن إيهاماً للمشتري أنها حلوب وكثيرة اللبن، فإذا ردّت للبائع فإنها تردّ مع صاع من تمر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصرّواً الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعاً من تمر".
وهذا الاستثناء محصور بالتصرية للحديث، دون سائر العيوب فيها.
(الروقي ص 338) .
4 - مستأجر العين الذي يفرط فيها، فتضيع، فإنه يضمنها.
(الروقي ص 339) .
5 - يضمن الغاصب الغلة المتولدة من الشيء المغصوب إذا كانت على هيئته وصورته، كنسل الحيوان.
(الغرياني ص 441) ، ويضمن العين المغصوبة مطلقاً ابن رجب 3/ 334) .
6 - المار بغنمه على زرع غيره فتفسده، وهو معها، فإنه يضمنه.
(الروقي ص 339) .
7 - المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن، ووجده البائع قد نما نماء متصلاً فيرجع به، ولا شيء للمفلس.
(ابن رجب 2 / 155) .
فائدة 1: ما لا يضمن بالاتلاف قال ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: "ما لا يضمن بالإتلاف أشياء: الخمر، وآلة اللهو، وألة الخمر إذا لم ينتفع بها في غيره،.
(ونص أحمد على إحراق بيت الخمر) وكتب السحر والتنجيم والكلب ".
فائدة 2: أسباب الضمان عند المالكية إن ضمان المتلفات عند المالكية يكون بأحد الأسباب الثلاثة، وهي: 1 - التفويت المباشر: كقتل الحيوان، وإحراق الثوب، وهدم الدار، وأكل الطعام، وغير ذلك من صور إتلاف الأموال، لأنها اعتداء على مال الغير.
2 - التسبب للإتلاف: كحفر الطريق العامة التي يمر بها الحيوان، ووضع السم في الطعام، وايقاد النار قريباً من زرع الغير، وإغراء الظالم بسلب مال الغير، وتمزيق وثيقة تثبت حقاً مالياً أو غيره، أو غير ذلك من صور التسبب في إتلاف مال الغير "، ويدخل هنا التفريط الذي هو موضوع القاعدة؛ لأن المفرط في الشيء متسبب في إتلافه.
3 - وضع اليد: سواء كان ذلك بالاعتداء كالسرقة والغصب والاختلاس، أو بغير اعتداء كقبض العين المبيعة، والمرهونة، والمقترضة، وغير ذلك.
فائدة 3: أسباب الضمان عند الشافعية يجب الضمان بأربعة أشياء: اليد، والمباشرة، والتسبب، والشرط.
1 - الضمان باليد، كالغصب والأيدي الضامنة من غير كسب.
2 - الضمان بالمباشرة وهي إيجاد علة الهلاك، كالذبح والإحراق والإغراق وإيجاد السموم المذففة والحبس مع المنع من الطعام والشراب، والجراحات السارية.
3 - الضمان بالتسبب، وهو إيجاد علة المباشرة، كالإكراه على القتل، فالضمان على المكرِه، وشهادة الزور للقتل، والحكم الجائر بالقتل.
4 - الضمان بالشرط، وهو إيجاد ما يتوقف عليه الإتلاف، وليس بمباشرة ولا تسبب، كالممسك مع المباشر أو المتسبب، لأنه لم يصدر منه شيء من أجزاء القتل، وإنما هو ممكِّن للقاتل من القتل، ومثل تقديم الطعام المسموم إلى الضيف، وتقديم الطعام المغصوب للضيف.
فائدة 4: أسباب الضمان عند الحنابلة أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف.
1 - الضمان بالعقد، كعقد البيع يُضمن به، وعقد الضمان، والكفالة يضمن بهما، وعقد الإجارة، وعقد العارية، وتسمى عقود الضمان.
2 - الضمان باليد، كاستيلاء الغاصب والسارق وغيرهما من الأيدي الضامنة بخيانة أو تفريط.
3 - الضمان بالإتلات في الأنفس والأموال، إما بفعل آدمي بأن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه، كالقتل والإحراق، أو ينصب سبباً عدواناً فيحصل به الإتلاف كحفر بئر في غير ملكه عدواناً، أو تأجيج نار في يوم ريح عاصف فيتعدى إلى إتلاف مال الغير، أو إزالة احتباس الماء، أو الزلق بما رماه، أو العثور بما وضعه.
What's Your Reaction?






