القاعدة هل النطر إلى المقصود، أو إلى الموجود؟
القواعد المختلف فيها في فروع المذهب المالكي

فإن العلماء اختلفوا في الاعتداد بالمقصود.
فقال بعضهم: يُبْنى الحكم وفقاً لما قصده، بأن يبرأ ويثاب إن قصد الصواب والمصلحة وإن خالف الواقع.
ويلام ويبطل عمله إن قصد الفساد والخطأ.
وإن وافق عمله واقع الحال الذي آل إليه فعله من صلاح وغيره (1) .
وقال آخرون: يكون الاعتداد بما آل إليه الفعل في واقع الأمر من صلاح وفساد، فيمدح إن كان الفعل الحاصل صلاحاً.
ولو قصد صاحبه الخطأ فيه، ويذم إن كان الفعل فساداً.
ولو قصد به صاحبه الإصلاح بداية (2) .
ويختلف الحكم في الفروع، فأحياناً يرجح القصد على الموجود بمرجحات خارجية.
وأحياناً يكون العكس.
التطبيقات 1 - من ظن فراغ الإمام بعد أن خرج لغسل دم الرعاف، فأتمَّ مكانه، ثم تبين خطؤه، فقيل: تصح صلاته نظراً إلى قصده، وهو الصحيح.
وقيل: لا تصح، نظراً إلى ما انكشف وتبين من أنه خرج من الصلاة قبل إمامه.
(الغرياني ص 118) .
2 - المحرِم إذا أرسل كلبه فقتل صيداً، أو وضع شَرَكاً لسبع، فوقع فيه صيد.
فقيل: يجب عليه الجزاء نظراً إلى الموجود، وهو الإرسال الذي أدى إلى قتل الصيد.
وهو المشهور، وقيل: لا جزاء عليه نظراً إلى المقصود، وهو السبع.
3 - من قصد إلى الزواج بخمر جعله صداقاً، فتبين أنه خل، ففي صحة النكاح خلاف، بالنظر إلى المقصود أو إلى الموجود.
وفصل المالكية في ذلك، فقالوا: يثبت النكاح إن رضي الطرفان بالخل، فإن لم يرضيا فسخ قبل الدخول بطلاق، وبعده يثبت بصداق الكل.
ويتوقف ثبوت النكاح على رضاهما في مسألة الخمر هذه، ولا يتوقف على رضاهما فيمن نكح امرأة على أنها في العدة فظهر انقضاؤها؛ لأن المرأة المعتدة هي العين التي وقعت عليها المعاوضة.
وإنما ظُن تعلق حق الله تعالى بها فبان خلافه، وهي محل العقد، وفي مسألة الخمر فالعقد لم يقع عليها.
(الغرياني ص 119) .
4 - من افتتح الصلاة متيقناً الطهارة، ثم حصل له الشك في أثنائها، وتمادى عليها، ثم تبين أنه متطهر، ففي قول: تجزئه صلاته، وهو الصحيح، نظراً للموجود.
وفي قول: لا تجزئه، لأنه صلى على شك.
(الغرياني ص 119) .
5 - من افتتح الصلاة شاكاً في دخول الوقت، ثم تبين أنه أوقعها في الوقت.
فالصحيح أنها لا تجزئه؛ لأنه صلاها غير عالم بوجوبها عليه، ولتردد النية وعدم التيقن من براءة الذمة، وقيل: تجزئه، نظراً للموجود، وهو صلاتها في الوقت.
(الغرياني ص 120) .
6 - من افتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، ثم شك فيها، وتمادى حتى أكمل، ثم تبين أنه أصاب، ففي صحة صلاته خلاف، بناء على المقصود لا تصح، وعلى: الموجود صلاته صحيحة.
(الغرياني ص 120) .
7 - من قام إلى خامسة عمداً في صلاة رباعية، فإذا به قد فسدت عليه ركعة يجب قضاؤها، ففي قول تجزئ صلاته، والمشهور أنها لا تجزئه؛ لأنه متلاعب، فنظر إلى المقصود.
(الغرياني ص 120) .
8 - من سلَّم شاكاً في إكمال صلاته، ثم تبين الكمال، ففي قول: صلاته فاسدة؛ لأنه قاصد إبطالها، والجاري على القاعدة الخلاف في صحة صلاته.
(الغرياني ص 120) .
9 - من انحرف عن القبلة عامداً، ثم تبين أنه مستقبلها.
قال الباجي: صلاته فاسدة، فنظر إلى المقصود.
(الغرياني ص 120) .
10 - من حلف على ما لا يتيقنه، ثم تبين الصدق، فلا شيء عليه، وهو من النظر إلى الموجود دون المقصود، قال ابن الحاجب: وفيها من حلف على ما يشك فيه، فتبين خلافه، فغموس، وإلا فقد سَلِم.
قال ابن الحاجب وغيره: والظاهر أن الظن كذلك.
(الغرياني ص 120) .
11 - من أفطر يوم ثلاثين من رمضان جرأة، ثم ثبت أنه العيد، فلا كفارة عليه؛ لأن اليوم لم يكن من رمضان بالنظر إلى الموجود، ولا قضاء، وفي قول فيه خلاف على مقتضى القاعدة.
(الغرياني ص 121) .
12 - من اشترى عنباً على أن يعصرها خمراً، فصرفه إلى غير الخمر من خل أو زبيب، أو أكرى داراً ممن يبيع فيها الخمر، فلم يبع حتى انقضت المدة، أئم بقصده.
وهو أحد قولين في المذهب.
ومن نظائرها: منع بيع الدار وكرائها لمن يتخذها كنيسة.
وبيع الخشبة لمن يعملها صليباً، وبيع السلاح لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق.
أو إثارة الفتنة.
والمذهب في "هذا سدّ الذرائع، وهو النظر إلى المقصود.
(الغرياني ص 121) .
13 - من له زوجتان واحدة حفصة، والأخرى عمرة، فنادى عمرة، فأجابته حفصة، فقال: أنت طالق، وقال: حسبتها عمرة، فتطلق عليه عمرة؛ لأنه قصد طلاقها، وفي طلاق حفصة خلاف، قيل: تطلق عليه نظراً للموجود لوقوع الخطاب عليها ظاهراً، وقيل: لا تطلق، نظراً للقصد.
(الغرياني ص 122) .
14 - لو مرت امرأة برجل في ظلام، فوضع يده عليها يظنها زوجته.
وقال لها: أنت طالق إن وطئتك الليلة، ووطئها، فإذا هي غير امرأته.
فقيل: تطلق عليه زوجته لقصده، وقيل: لا تطلق عليه، نظراً للموجود؛ لأن اليمين لم تقع عليها في الخارج.
وإنما وقعت على امرأة أجنبية.
(الغرياني ص 122) .
المستثنى 1 - من تزوج امرأة يظنها معتدة، فتبين أنه عقد عليها بعد خروجها - من العدة، فهل يفسخ النكاح نظراً لقصده، أو لا يفسخ نظراً لحقيقة الحال؟ هذا هو مقتضى القاعدة.
والمشهور: أن من نكح امرأة على أنها في العدة، فظهر انقضاؤها، ثبت النكاح، ولا خيار لواحد منهما، وقيل: إنه غَرَّ وسلِم.
(الغرياني ص 122) .
2 - من تزوج امرأة وزوجها غائب لم يعلم بموته، وكان الواجب فسخ هذا النكاح، لكنه لم يفسخ حتى ثبت أن الزوج الغائب مات بالفعل، وأن امرأته خرجت من العدة قبل أن يعقد عليها الزوج الثاني، فمقتضى القاعدة الخلاف في صحة النكاح نظراً للمقصود أو للموجود.
ولكن نقل العلماء: صحة النكاح ولم يذكروا خلافاً.
(الغرياني ص 123) .
3 - من دخل خلف من يصلي الظهر، فإذا هو يصلي العصر، فمقتضى القاعدة أن صلاته مختلف في صحتها، ولكن المنقول: أنه يقطع فور علمه، ويستأنف الصلاة خارج المسجد للظهر والعصر، وهو الراجح.
وفي قول: إنه يتمادى فيخرج عن شفع، وأنه إذا عقد الثالثة شفعها بأخرى، دون ذكر لصحة صلاته، وذلك لاختلاف النية.
(الغرياني ص 123) .
4 - من صام يوم الشك احتياطاً، فإذا هو رمضان، فمقتضى القاعدة الخلاف في صحة صيامه، لكن الإمام مالك قال في (المدونة) : إن من صامه احتياطاً أو تطوعاً، ثم ثبت أنه من رمضان، فليقضه.
(الغرياني ص 123) .
What's Your Reaction?






