مسالة خوض الناس في اصول الدين مما لم ينقل عن النبي
مسالة خوض الناس في اصول الدين مما لم ينقل عن النبي

مسالة:
ان قال قايل: هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسايل في اصول الدين لم ينقل عن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيها كلام ام لا؟ فان قيل: بالجواز فما وجهه؟ وقد فهمنا منه - عليه السلام - النهي عن الكلام في بعض المسايل.واذا قيل: بالجواز، فهل يجب ذلك؟ وهل نقل عنه - عليه السلام - ما يقتضي وجوبه؟ وهل يكفي في ذلك ما يصل اليه المجتهد من غلبة الظن، او لا بد من الوصول الى القطع؟ واذا تعذر عليه الوصول الى القطع فهل يعذر في ذلك او يكون مكلفا به؟ وهل ذلك من باب تكليف ما لا يطاق - والحالة هذه - ام لا؟ واذا قيل بالوجوب فما الحكمة في انه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع في المهالك وقد كان - عليه السلام - حريصا على هدي امته؟ والله اعلم
الجواب::
الحمد لله رب العالمين.اما المسالة الاولى، فقول السايل: هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسايل في اصول الدين لم ينقل عن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيها كلام ام لا؟ سوال ورد بحسب ما عهد من الاوضاع المبتدعة الباطلة، فان المسايل التي هي من اصول الدين التي تستحق ان تسمى اصول الدين، اعني الدين الذي ارسل الله به رسوله، وانزل به كتابه، لا يجوز ان يقال: لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها كلام، بل هذا كلام متناقض في نفسه، اذ كونها من اصول الدين، يوجب ان تكون من اهم الدين، وانها مما يحتاج اليه.
ثم نفي نقل الكلام فيها عن الرسول يوجب احد امرين، اما ان الرسول اهمل الامور المهمة التي يحتاج الدين اليها فلم يبينها، او انه بينها فلم ينقلها الامة، وكلا هذين باطل قطعا، وهو من اعظم مطاعن المنافقين في الدين، وانما يظن هذا وامثاله من هو جاهل بحقايق ما جاء به الرسول، او جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم، او جاهل بهما جميعا، فان جهله بالاول يوجب عدم علمه بما اشتمل عليه ذلك من اصول الدين وفروعه، وجهله بالثاني يوجب ان يدخل في الحقايق المعقولة ما يسميه هو واشكاله عقليات، وانما هي جهليات.
وجهله بالامرين يوجب ان يظن من اصول الدين ما ليس منها من المسايل والوسايل الباطلة، وان يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي ان يعتقد من ذلك كما هو الواقع لطوايف من اصناف الناس حذاقهم فضلا عن عامتهم.
وذلك ان اصول الدين اما ان تكون مسايل يجب اعتقادها قولا، او قولا وعملا، كمسايل التوحيد، والصفات والقدر، والنبوة والمعاد، او دلايل هذه المسايل.
اما القسم الاول: فكل ما يحتاج الناس الى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسايل، فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر؛ اذ هذا من اعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين، وبينه للناس، وهو من اعظم ما اقام الله الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه، وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه، والحكمة التي هي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي نقلوها ايضا عن الرسول، مشتملة من ذلك على غاية المراد، وتمام الواجب والمستحب.
والحمد لله الذي بعث الينا رسولا من انفسنا يتلو علينا اياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، الذي اكمل لنا الدين، واتم علينا النعمة، ورضي لنا الاسلام دينا، الذي انزل الكتاب تفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يومنون}[يوسف: 111] .
وانما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله وسمعه، ومن له نصيب من قول اهل الكتاب الذين قالوا: {لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير}[الملك: 10] ، وان كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة، وجهال اهل الحديث والمتفقهة والمتصوفة.
واما القسم الثاني: وهو دلايل هذه المسايل الاصولية، فانه وان كان يظن طوايف من المتكلمين والمتفلسفة ان الشرع انما يدل بطريق الخبر الصادق، فدلالته موقوفة على العلم بصدق المخبر، ويجعلون ما يبنى عليه صدق المخبر معقولات محضة، فقد غلطوا في ذلك غلطا عظيما، بل ضلوا ضلالا مبينا في ظنهم ان دلالة الكتاب والسنة انما هي بطريق الخبر المجرد، بل الامر ما عليه سلف الامة وايمتها اهل العلم والايمان من ان الله سبحانه وتعالى بين من الادلة العقلية التي يحتاج اليها في العلم بذلك ما لا يقدر احد من هولاء قدره، ونهاية ما يذكرونه جاء القران بخلاصته على احسن وجه، وذلك كالامثال المضروبة التي يذكرها الله تعالى في كتابه التي قال فيها: {ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل}[الروم: 58] .
فان الامثال المضروبة وهي الاقيسة العقلية، سواء كانت قياس شمول، او قياس تمثيل، ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين، وهو القياس الشمولي المولف من المقدمات اليقينية، وان كان لفظ البرهان في اللغة اعم من ذلك كما سمى الله ايتي موسى برهانين.
ومما يوضح هذا ان العلم الالهي لا يجوز ان يستدل فيه بقياس تمثيل يستوي فيه الاصل والفرع، ولا بقياس شمولي تستوي افراده، فان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فلا يجوز ان يمثل بغيره، ولا يجوز ان يدخل هو وغيره تحت قضية كلية تستوي افرادها، ولهذا لما سلك طوايف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الاقيسة في المطالب الالهية، لم يصلوا بها الى يقين، بل تناقصت اداتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب لما يرونه من فساد ادلتهم او تكافيها، ولكن يستعمل في ذلك قياس الاولى، سواء كان تمثيلا او شمولا، كما قال تعالى: {ولله المثل الاعلى}[النحل: 60] ، مثل ان نعلم ان كل كمال ثبت للممكن او المحدث فالواجب القديم اولى به، وكل كمال ثبت للمخلوق المربوب المعلول المدبر، فانما استفاده من خالقه وربه ومدبره: فهو احق به منه، وان كل نقص وعيب وجب نفيه عن شيء ما من انواع المخلوقات والمحدثات والممكنات، فانه يجب نفيه عن الرب تبارك وتعالى بطريق الاولى، وانه احق بالامور الوجودية من كل موجود والامور العدمية الممكن بها احق ونحو ذلك.
ومثل هذه الطرق هي التي كان يستعملها السلف والايمة في مثل هذه المطالب، كما استعمل نحوها الامام احمد ومن قبله وبعده من ايمة اهل الاسلام، وبمثل ذلك جاء القران في تقرير اصول الدين من مسايل التوحيد والصفات ونحو ذلك.
مثال ذلك: انه سبحانه لما اخبر بالمعاد، والعلم به تابع للعلم بامكانه، فان الممتنع لا يجوز ان يكون بين سبحانه امكانه اتم بيان، ولم يسلك في ذلك ما يسلكه طوايف من اهل الكلام، حيث يثبتون الامكان الخارجي بمجرد الامكان الذهني، فيقولون هذا ممكن؛ لانه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال، فان الشان في هذه المقدمة، فمن اين يعلم انه لا يلزم من تقدير وجوده محال، والمجال هنا اعم من المحال لذاته او لغيره، والامكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالامكان الخارجي بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع، ولا معلوم الامكان الخارجي، وهذا هو الامكان الذهني.
فالله سبحانه وتعالى لم يكتف في بيان امكان المعاد بهذا، اذ يمكن ان يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره، وان لم يعلم الذهن امتناعه، بخلاف الامكان الخارجي، فانه اذا علم بطل ان يكون ممتنعا، والانسان يعلم الامكان الخارجي، تارة بعلمه بوجود الشيء، وتارة بعلمه بوجود نظيره، وتارة بعلمه بوجود ما هو ابلغ منه، فان وجود الشيء دليل على ان ما هو دونه اولى بالامكان منه.
ثم انه اذا بين كون الشيء ممكنا، فلا بد من بيان قدرة الرب عليه، والا مجرد العلم بامكانه لا يكفي في امكانه وقوعه ان لم تعلم قدرة الرب على ذلك، فبين سبحانه هذا كله، بمثل قوله: {اولم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض قادر على ان يخلق مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه فابى الظالمون الا كفورا}[الاسراء: 99] .
وقوله: {اوليس الذي خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم}[يس: 81] .
وقوله: {اولم يروا ان الله الذي خلق السماوات والارض ولم يعي بخلقهن بقادر على ان يحيي الموتى بلى انه على كل شيء قدير}[الاحقاف: 33] .
وقوله: {لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس}[غافر: 57] .
فانه من المعلوم ببداهة القول ان خلق السماوات والارض اعظم من خلق امثال بني ادم والقدرة عليه ابلغ، وان هذا الايسر اولى بالامكان والقدرة من ذلك.
وكذلك استدلاله على ذلك بالنشاة الاولى في مثل قوله: {وهو الذي يبدا الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه}[الروم: 27] ، ولهذا قال بعد ذلك: {وله المثل الاعلى في السماوات والارض}[الروم: 27] .
وقال: {ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب}[الحج: 5] الاية.
وكذلك ما ذكره في قوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم}[يس: 78] {قل يحييها الذي انشاها اول مرة}[يس: 79] الايات.
فان قوله تعالى: {من يحيي العظام وهي رميم}[يس: 78] ، قياس حذفت احدى مقدمتيه لظهورها، والاخرى سالبة كلية قرن معها دليلها، وهو المثل المضروب الذي ذكره بقوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم}[يس: 78] ، وهذا استفهام انكار متضمن للنفي، اي لا احد يحيي العظام وهي رميم، فان كونها رميما يمنع عنده احياءها لمصيرها الى حال اليبس والبرودة المنافية للحياة التي مبناها على الحرارة والرطوبة، ولتفرق اجزايها واختلاطها بغيرها ولنحو ذلك من الشبهات.
والتقدير: هذه العظام رميم، ولا احد يحيي العظام وهي رميم، فلا احد يحييها، ولكن هذه السالبة كاذبة ومضمونها امتناع الاحياء، وبين سبحانه امكانه من وجوه ببيان امكان ما هو ابعد من ذلك وقدرته عليه، فقال: {يحييها الذي انشاها اول مرة}[يس: 79] وقد انشاها من التراب، ثم قال: {وهو بكل خلق عليم}[يس: 79] ؛ ليبين علمه بما تفرق من الاجزاء واستحال.
ثم قال: {الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا}[يس: 80] ، فبين انه اخرج النار الحارة اليابسة من البارد الرطب، وذلك ابلغ في المنافاة؛ لان اجتماع الحرارة والرطوبة ايسر من اجتماع الحرارة واليبوسة، فالرطوبة تقبل من الانفعال ما لا تقبله اليبوسة، ثم قال: {اوليس الذي خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم}[يس: 81] ، وهذه مقدمة معلومة بالبديهة، ولهذا جاء فيها باستفهام التقرير الدال على ان ذلك مستقر معلوم عند المخاطب، كما قال سبحانه: {ولا ياتونك بمثل الا جيناك بالحق واحسن تفسيرا}[الفرقان: 33] .
ثم بين قدرته العامة، بقوله: {انما امره اذا اراد شييا ان يقول له كن فيكون}[يس: 82] .
وفي هذا الموضع وغيره من القران من الاسرار، وبيان الادلة القطعية على المطالب الدينية ما ليس هذا موضعه، وانما الغرض التنبيه.
وكذلك ما استعمله سبحانه في تنزيهه وتقديسه عما اضافوه اليه من الولادة سواء سموها حسية او عقلية، كما تزعمه الفلاسفة الصابيون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها، هل هي جواهر او اعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور، والنفوس بمنزلة الاناث، ويجعلون ذلك اباءهم وامهاتهم والهتهم واربابهم القريبة، وعلمهم بالنفوس اظهر لوجود الحركة الدورية الدالة على الحركة الارادية الدالة على النفس المحركة، وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم الذين جعلوا له بنين وبنات.
قال تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون}[الانعام: 100] .
وقال تعالى: {الا انهم من افكهم ليقولون - ولد الله وانهم لكاذبون}[الصافات: 151 - 152] .
وكانوا يقولون الملايكة بنات الله، كما يزعم هولاء ان النفوس هي الملايكة، وهي متولدة عن الله، فقال تعالى {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}[النحل: 57] {واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم}[النحل: 58] {يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون}[النحل: 59] {للذين لا يومنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم}[النحل: 60] الى قوله {ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون}[النحل: 62] .
وقال تعالى: {ام اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين - واذا بشر احدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم}[الزخرف: 16 - 17] {اومن ينشا في الحلية وهو في الخصام غير مبين}[الزخرف: 18] {وجعلوا الملايكة الذين هم عباد الرحمن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون}[الزخرف: 19] .
وقال تعالى: {افرايتم اللات والعزى}[النجم: 19] ، الى قوله: {الكم الذكر وله الانثى}[النجم: 21] {تلك اذا قسمة ضيزى}[النجم: 22] اي: جايرة، وغير ذلك في القران.
فبين سبحانه ان الرب الخالق اولى بان ينزه عن الامور الناقصة منكم، فكيف تجعلون له ما تكرهون ان يكون لكم، وتستخفون من اضافته اليكم، مع انه واقع لا محالة، ولا تنزعونه عن ذلك وتنفونه عنه، وهو احق بنفي المكروهات المنقصات منكم.
وكذلك قوله في التوحيد: {ضرب لكم مثلا من انفسكم هل لكم من ما ملكت ايمانكم من شركاء في ما رزقناكم فانتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم انفسكم}[الروم: 28] ، اي: كخيفة بعضكم بعضا، كما في قوله: {ثم انتم هولاء تقتلون انفسكم}[البقرة: 85] ، وفي قوله: {لولا اذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بانفسهم خيرا}[النور: 12] وفي قوله: {ولا تلمزوا انفسكم}[الحجرات: 11] .
وفي قوله: {فتوبوا الى باريكم فاقتلوا انفسكم}[البقرة: 54] ، وفي قوله: {ولا تخرجون انفسكم من دياركم}[البقرة: 84] ، فان المراد في هذا كله من نوع واحد.
فبين سبحانه ان المخلوق لا يكون مملوكه شريكه فيما له حتى يخاف مملوكه، كما يخاف نظيره، بل تمتنعون ان يكون المملوك لكم نظيرا، فكيف ترضون لي ان تجعلوا ما هو مخلوقي ومملوكي شريكا لي، يدعى ويعبد كما ادعى واعبد، كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك، الا شريك هو لك تملكه وما ملك.
وهذا باب واسع عظيم جدا ليس هذا موضعه، وانما الغرض التنبيه على ان في القران والحكمة النبوية عامة اصول الدين من المسايل والدلايل التي تستحق ان تكون اصول الدين.
واما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من اصول الدين، وان ادخله فيه، مثل المسايل والدلايل الفاسدة، مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسايل، ومثل الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الاعراض التي هي صفات الاجسام القايمة بها، اما الاكوان، واما غيرها، وتقرير المقدمات التي يحتاج اليها هذا الدليل من اثبات الاعراض التي هي الصفات اولا، او اثبات بعضها، كالاكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، واثبات حدوثها ثانيا بابطال ظهورها بعد الكمون، وابطال انتقالها من محل الى محل، ثم اثبات امتناع خلو الجسم ثالثا، اما عن كل جنس من اجناس الاعراض باثبات ان الجسم قابل لها، وان القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، واما عن الاكوان، واثبات امتناع حوادث لا اول لها.
رابعا: وهو مبني على مقدمتين.
احداهما: ان الجسم لا يخلو عن الاعراض التي هي الصفات.
والثانية: ان ما لا يخلو عن الصفات التي هي الاعراض فهو محدث؛ لان الصفات التي هي الاعراض لا تكون الا محدثة، وقد يفرضون ذلك في بعض الصفات التي هي الاعراض كالاكوان، وما لا يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا تتناهى.
فهذه الطريقة قد اعترف حذاق اهل الكلام كالاشعري وغيره، بانها ليست طريقة الرسل واتباعهم، ولا سلف الامة وايمتها، وذكروا انها محرمة عندهم، بل المحققون على انها طريقة باطلة، وان مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعى بها مطلقا، ولهذا تجد من اعتمد عليها في اصول دينه فاحد الامرين له لازم: اما ان يطلع على ضعفها ويقابل بينها وبين ادلة القايلين بقدم العالم، فتتكافا عنده الادلة، او يرجح هذا تارة، وهذا تارة، كما هو حال طوايف منهم.
واما ان يلتزم لاجلها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل، كما التزم جهم لاجلها فناء الجنة والنار، والتزم ابو الهذيل لاجلها انقطاع حركات اهل الجنة، والتزم قوم لاجلها ان الماء والهواء والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك، والتزم قوم لاجلها واجل غيرها ان جميع الاعراض كالطعم واللون وغيرهما لا يجوز بقاوها بحال؛ لانهم احتاجوا الى جواب النقض الوارد عليهم لما اثبتوا الصفات لله مع الاستدلال على حدوث الاجسام بصفاتها، فقالوا: صفات الاجسام اعراض، اي: انها تعرض وتزول، فلا تبقى بحال، بخلاف صفات الله فانها باقية.
واما جمهور عقلاء بني ادم فقالوا: هذه مخالفة للمعلوم بالحس، والتزم طوايف من اهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لاجلها نفي صفات الرب مطلقا، او نفي بعضها؛ لان الدال عندهم على حدوث هذه الاشياء هو قيام الصفات بها، والدليل بحسب طرده، والتزموا حدوث كل موصوف بصفة قايمة به، وهو ايضا في غاية الفساد والضلال، ولهذا التزموا القول بخلق القران، وانكار روية الله في الاخرة، وعلوه على عرشه، الى امثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم اصل دينهم.
فهذه داخلة فيما سماه هولاء اصول الدين، ولكن ليست في الحقيقة من اصول الدين الذي شرعه الله لعباده، واما الدين الذي قال الله فيه: {ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله}[الشورى: 21] .
فذاك له اصول وفروع بحسبه.
واذا عرف ان مسمى اصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه اجمال وابهام لما فيه من الاشتراك بحسب الاوضاع والاصطلاحات، تبين ان الذي هو عند الله ورسوله وعباده المومنين اصول الدين فيه موروث عن الرسول، واما من شرع دينا لم ياذن به الله، فمعلوم ان اصوله المستلزمة له لا يجوز ان تكون منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اذ هو باطل، وملزوم الباطل باطل، كما ان لازم الحق حق.
وهذا التقسيم ينبه ايضا على مراد السلف والايمة بذم الكلام واهله، اذ ذلك يتناول لمن استدل بالادلة الفاسدة، او استدل على المقالات الباطلة، فاما من قال الحق الذي اذن الله فيه حكما ودليلا فهو من اهل العلم والايمان، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
واما مخاطبة اهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم، فليس بمكروه اذا احتيج الى ذلك، وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فان هذا جايز حسن للحاجة، وانما كرهه الايمة اذا لم يحتج اليه، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لام خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص، وكانت صغيرة ولدت بارض الحبشة؛ لان اباها كان من المهاجرين اليها، فقال لها: «يا ام خالد هذا سنا» والسنا بلسان الحبشة الحسن؛ لانها كانت من اهل هذه اللغة.
وكذلك يترجم القران والحديث لمن يحتاج الى تفهيمه اياه بالترجمة، ولذلك يقرا المسلم ما يحتاج اليه من كتب الامم، وكلامهم بلغتهم، ويترجمها بالعربية، كما امر النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد بن ثابت ان يتعلم كتاب اليهود ليقرا له ويكتب له ذلك، حيث لم يامن من اليهود عليه.
فالسلف والايمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة، كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك؛ بل لان المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الادلة والاحكام ما يجب النهي عنه، لاشتمال هذه الالفاظ على معاني مجملة في النفي والاثبات، كما قال الامام احمد في وصفه لاهل البدع، فقال: هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه.
اذا عرفت المعاني التي يقصدونها بامثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة، بحيث يثبت الحق الذي اثبته الكتاب والسنة، وينفى الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة، كان ذلك هو الحق، بخلاف ما سلكه اهل الاهواء من التكلم بهذه الالفاظ نفيا واثباتا في الوسايل والمسايل، من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم، وهذا من مثارات الشبهة، فانه لا يوجد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا احد من الصحابة والتابعين، ولا احد من الايمة المتبوعين، انه علق بمسمى لفظ الجوهر والجسم والتحيز والعرض ونحو ذلك شييا من اصول الدين، لا الدلايل ولا المسايل.
والمتكلمون بهذه العبارات يختلف مرادهم بها، تارة لاختلاف الوضع، وتارة لاختلافهم في المعنى الذي هو مدلول اللفظ، كمن يقول الجسم هو المولف، ثم يتنازعون هل هو الجوهر الواحد بشرط تاليفه، او الجوهران فصاعدا، او الستة او الثمانية، او غير ذلك، ومن يقول هو الذي يمكن فرض الابعاد الثلاثة فيه، وانه مركب من المادة والصورة، ومن يقول هو الموجود، او الموجود القايم بنفسه، وان الموجود لا يكون الا كذلك.
والسلف والايمة الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض، تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي قصدها هولاء بهذه الالفاظ في اصول الدين في دلايله، وفي مسايله نفيا واثباتا، فاما اذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة وغير عنها لمن يفهم بهذه الالفاظ؛ ليتبين ما وافق الحق من معاني هولاء وما خالفه، فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: {كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}[البقرة: 213] ، وهو مثل الحكم بين ساير الامم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعاني التي يعبرون عنها بوضعهم وعرفهم، وذلك يحتاج الى معرفة معاني الكتاب والسنة، ومعرفة معاني هولاء بالفاظهم، ثم اعتبار هذه المعاني بهذه المعاني ليظهر الموافق والمخالف.
واما قول السايل: فان قيل بالجواز فما وجهه، وقد فهمنا منه - عليه السلام - النهي عن الكلام في بعض المسايل؟ فيقال: قد تقدم الاستفسار والتفصيل في جواب السوال، وان ما هو في الحقيقة اصول الدين الذي بعث به الله رسوله، فلا يجوز ان ينهى عنها بحال، بخلاف ما سمي اصول الدين وليس هو اصولا في الحقيقة، لا دلايل ولا مسايل، او هو اصول الدين لم يشرعه الله، بل شرعه من شرع من الدين ما لم ياذن به الله.
واما ما ذكره السايل من نهيه، فالذي جاء به الكتاب والسنة النهي عن امور، منها القول على الله بلا علم، كقوله: {قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون}[الاعراف: 33] ، وقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم}[الاسراء: 36] ، ومنها ان يقال عليه غير الحق كقوله: {الم يوخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق}[الاعراف: 169] ، وقوله {لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق}[النساء: 171] .
ومنها الجدل بغير علم، كقوله: {ها انتم هولاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم}[ال عمران: 66] ، ومنها الجدل في الحق بعد ظهوره، كقوله: {يجادلونك في الحق بعدما تبين}[الانفال: 6] ، ومنها الجدل في الباطل، كقوله: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق}[غافر: 5] ، ومنها الجدل في اياته، كقوله: {ما يجادل في ايات الله الا الذين كفروا}[غافر: 4] ، وقوله: {الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا}[غافر: 35] ، وقوله: {ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه}[غافر: 56] ، وقوله: {ويعلم الذين يجادلون في اياتنا ما لهم من محيص}[الشورى: 35] ، ونحو ذلك قوله: { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم}[الشورى: 16] وقوله: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}[الرعد: 13] ، وقوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير}[الحج: 8] .
ومن الامور التي نهى الله عنها في كتابه الفرقة والاختلاف، كقوله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}[ال عمران: 103] ، الى قوله: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واوليك لهم عذاب عظيم}[ال عمران: 105] {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}[ال عمران: 106] ، قال ابن عباس تبيض وجوه اهل السنة والجماعة، وتسود وجوه اهل البدعة والفرقة، وقال تعالى: {ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}[الانعام: 159] ، وقال تعالى: {فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}[الروم: 30] الى قوله: {ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}[الروم: 31 - 32] .
وقد ذم اهل التفرق والاختلاف، في مثل قوله: {وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة}[البينة: 4] ، وفي مثل قوله: {ولا يزالون مختلفين}[هود: 118] {الا من رحم ربك ولذلك خلقهم}[هود: 119] .
وفي مثل قوله: {وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}[البقرة: 176] .
وكذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توافق كتاب الله، كالحديث المشهور عنه، الذي رواه مسلم بعضه، عن عبد الله بن عمرو، وسايره معروف في مسند احمد وغيره، من حديث عمرو بن شعيب، عن ابيه، عن جده، «ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على اصحابه وهم يتناظرون في القدر؛ ورجل يقول: الم يقل الله كذا، ورجل يقول: الم يقل الله كذا، فكانما فقا في وجهه حب الرمان فقال: ابهذا امرتم، انما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وانما نزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضا لا ليكذب بعضه بعضا، انظروا ما امرتم به فافعلوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه» هذا الحديث او نحوه، وكذلك قوله «المراء في القران كفر» ، وكذلك ما اخرجاه في الصحيحين، عن عايشة «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قرا قوله: {هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات}[ال عمران: 7] الى قوله {فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله}[ال عمران: 7] ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اذا رايتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاوليك الذين سمى الله فاحذروهم» .
واما ان يكون الكتاب او السنة نهى عن معرفة المسايل التي تدخل فيما يستحق ان يكون من اصول دين الله، فهذا لا يكون، اللهم الا ان ننهى عن بعض ذلك في بعض الاحوال، مثل مخاطبة شخص بما يعجز عنه فهمه فيضل، كقول عبد الله بن مسعود: ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان فتنة لبعضهم، وكقول علي - عليه السلام -: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، اتحبون ان يكذب الله ورسوله، او مثل قول حق يستلزم فسادا اعظم من تركه، فيدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان» رواه مسلم.
واما قول السايل: اذا قيل بالجواز، فهل يجب؟ وهل نقل عنه - عليه السلام - ما يقتضي وجوبه؟ فيقال: لا ريب انه يجب على كل احد ان يومن بما جاء به الرسول ايمانا عاما مجملا، ولا ريب ان معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية، فان ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله، وداخل في تدبر القران وعقله وفهمه، وعلم الكتاب والحكمة، وحظ الذكر والدعاء الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء الى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي احسن، ونحو ذلك مما اوجبه الله على المومنين، فهو واجب على الكفاية منهم.
واما ما يجب على اعيانهم، فهذا يتنوع بتنوع قدرهم ومعرفتهم وحاجتهم، وما امر به اعيانهم، فلا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم، او عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك، ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والمحدث والمجادل ما لا يجب على من ليس كذلك.
واما قوله: هل يكفي في ذلك ما يصل اليه المجتهد من غلبة الظن، او لا بد من الوصول الى القطع؟ فيقال: الصواب في ذلك التفصيل، فانه وان كان طوايف من اهل الكلام يزعمون ان المسايل الخبرية التي قد يسمونها مسايل الاصول يجب القطع فيها جميعها، ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين، وقد يوجبون القطع فيها على كل احد، فهذا الذي قالوه على اطلاقه وعمومه خطا مخالف للكتاب والسنة واجماع سلف الامة وايمتها.
ثم هم مع ذلك من ابعد الناس عما اوجبوه، فانهم كثيرا ما يحتجون فيها بالادلة التي يزعمونها قطعيات، وتكون في الحقيقة من الاغلوطات، فضلا عن ان تكون من الظنيات، حتى ان الشخص الواحد منهم كثيرا ما يقطع بصحة حجة في موضع، ويقطع ببطلانها في موضع اخر، بل منهم من غاية كلامه كذلك، وحتى قد يدعي كل من المتناظرين العلم الضروري بنقيض ما ادعاه الاخر.
واما التفصيل فما اوجب الله فيه العلم واليقين وجب فيه ما اوجبه الله من ذلك، كقوله: {اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم}[المايدة: 98] ، وقوله: {فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك}[محمد: 19] ، ولذلك يجب الايمان بما اوجب الله الايمان به، وقد تقرر في الشريعة ان الوجوب معلق باستطاعة العبد، كقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: 16] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم» .
اخرجاه في الصحيحين.
فاذا كان كثير مما تنازعت فيه الامة من هذه المسايل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه على دليل يفيده اليقين لا شرعي ولا غيره، لم يجب على مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه، وليس عليه ان يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوي غالب على ظنه؛ لعجزه عن تمام اليقين، بل ذلك هو الذي يقدر عليه، لا سيما اذا كان مطابقا للحق، فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه، ويسقط به الفرض اذا لم يقدر على اكثر منه.
لكن ينبغي ان يعرف ان عامة من ضل في هذا الباب او عجز فيه عن معرفة الحق، فانما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول وترك النظر والاستدلال الموصل الى معرفته، فلما اعرضوا عن كتاب الله ضلوا، كما قال تعالى لبني ادم: {فاما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}[طه: 123] {ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى}[طه: 124] .
قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرا القران وعمل بما فيه ان لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الاخرة، وقرا هذه الاية.
وكما في الحديث الذي رواه الترمذي، وغيره عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «انه قال: ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال كتاب الله، فيه نبا ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره اضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الاهواء، ولا تلتبس به الالسنة، ولا تنقضي عجايبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تشبع منه العلماء، وهو الذي لم تنته الجن اذ سمعته ان قالوا: {انا سمعنا قرانا عجبا}[الجن: 1] {يهدي الى الرشد}[الجن: 2] ، من قال به صدق، ومن عمل به اجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم» .
قال تعالى: {وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}[الانعام: 153] ، وقال تعالى: {المص - كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج}[الاعراف: 1 - 2] الى قوله: {اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء}[الاعراف: 3] ، وقال تعالى: {وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون - ان تقولوا انما انزل الكتاب على طايفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين}[الانعام: 155 - 156] {او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن اياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}[الانعام: 157] .
وقوله سبحانه انه سيجزي الصادف عن اياته مطلقا، سواء كان مكذبا او لم يكن {سوء العذاب بما كانوا يصدفون}[الانعام: 157] ، يبين ذلك ان كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر، سواء اعتقد كذبه، او استكبر عن الايمان به او اعرض عنه اتباعا لما يهواه، او ارتاب فيما جاء به، فكل مكذب بما جاء به فهو كافر، وقد يكون كافرا من لا يكذبه اذا لم يومن به، ولهذا اخبر الله في غير موضع من كتابه بالضلال والعذاب لمن ترك اتباع ما انزله، وان كان له نظر وجدل واجتهاد في عقليات وامور غير ذلك، وجعل ذلك من نعوت الكفار والمنافقين، قال تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافيدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افيدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزيون}[الاحقاف: 26] .
وقال تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزيون}[غافر: 83] {فلما راوا باسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين - فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا باسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}[غافر: 84 - 85] .
وقال تعالى: {الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا}[غافر: 35] ، وقال تعالى: {ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله}[غافر: 56] .
والسلطان هو الحجة المنزلة من عند الله، كما قال تعالى: {ام انزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون}[الروم: 35] .
وقال تعالى: {ام لكم سلطان مبين - فاتوا بكتابكم ان كنتم صادقين}[الصافات: 156 - 157] ، وقال تعالى: {ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباوكم ما انزل الله بها من سلطان}[النجم: 23] ، وقد طالب سبحانه لمن اتخذ دينا بقوله: {ايتوني بكتاب من قبل هذا او اثارة من علم}[الاحقاف: 4] .
فالكتاب الكتاب، والاثارة، كما قال من قال من السلف: هي الرواية والاسناد، وقالوا: هي الخط ايضا، اذ الرواية والاسناد يكتب بالخط؛ وذلك لان الاثارة من الاثر فالعلم الذي يقوله من يقبل قوله يوثر بالاسناد، ويقيد بالخط، فيكون كل ذلك من اثاره.
وقال تعالى في نعت المنافقين: {الم تر الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا - واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رايت المنافقين يصدون عنك صدودا}[النساء: 60 - 61] {فكيف اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم جاءوك يحلفون بالله ان اردنا الا احسانا وتوفيقا}[النساء: 62] {اوليك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم في انفسهم قولا بليغا}[النساء: 63] وفي هذه الايات انواع من العبر من الدلالة على ضلال من يتحاكم الى غير الكتاب والسنة، وعلى نفاقه وان زعم انه يريد التوفيق بين الادلة الشرعية، وبين ما يسميه هو عقليات من الامور الماخوذة عن بعض الطواغيت، من المشركين واهل الكتاب، وغير ذلك من انواع الاعتبار.
فمن كان خطوه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القران والايمان مثلا، او لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، او لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه وهو من اهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا، الذي يطلب الحق باجتهاده كما امره الله ورسوله، فهذا مغفور له خطوه، كما قال تعالى: {امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمومنون كل امن بالله وملايكته وكتبه ورسله}[البقرة: 285] ، الى قوله: {لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تواخذنا ان نسينا او اخطانا}[البقرة: 286] ، وقد ثبت في صحيح مسلم ان الله قال: قد فعلت.
وكذلك ثبت فيه، من حديث ابن عباس، ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقرا بحرف من هاتين الايتين، ومن سورة الفاتحة الا اعطي ذلك، فهذا يبين استجابة هذا الدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمومنين، وان الله لا يواخذهم ان نسوا او اخطيوا.
واما قول السايل: هل ذلك من باب تكليف ما لا يطاق والحال هذه.
فيقال: هذه العبارة وان تنازع الناس فيها نفيا واثباتا، فينبغي ان يعرف ان الخلاف المحقق فيها نوعان: احدهما: ما اتفق الناس على جوازه ووقوعه، وانما تنازعوا في اطلاق القول عليه بانه لا يطاق.
والثاني: ما اتفقوا على انه لا يطاق، لكن تنازعوا في جواز الامر به، ولم يتنازعوا في عدم وقوعه، فاما ان يكون امر اتفق اهل العلم والايمان على انه لا يطاق، وتنازعوا في وقوع الامر به فليس كذلك.
فالنوع الاول: كتنازع المتكلمين من مثبتة القدر ونفاته في استطاعة العبد، وهي قدرته وطاقته، هل يجب ان تكون مع الفعل، او يجب ان تكون متقدمة على الفعل؟ فمن قال بالاول لزمه ان يكون كل عبد لم يفعل ما امر به قد كلف ما لا يطيقه اذا لم يكن عنده قدرة الا مع الفعل، ولهذا كان الصواب الذي عليه محققو المتكلمين واهل الفقه والحديث والتصوف وغيرهم ما دل عليه القران، وهو ان الاستطاعة التي هي مناط الامر والنهي، وهي المصححة للفعل، لا يجب ان تقارن الفعل.
واما الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل فهي مقارنة له.
فالاول: كقوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا}[ال عمران: 97] .
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن الحصين: «صل قايما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب» ، ومعلوم ان الحج والصلاة يجب على المستطيع سواء فعل او لم يفعل، فعلم ان هذه الاستطاعة لا تجب ان تكون مع الفعل.
والثانية: كقوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}[هود: 20] ، وقوله تعالى: {وعرضنا جهنم يوميذ للكافرين عرضا}[الكهف: 100] {الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا}[الكهف: 101] ، وهذه حال من صده هواه، ورايه الفاسد، عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها، فقد اخبر انه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة للفعل الموجبة له.
واما الاولى: فلولا وجودها لم يثبت التكليف، بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: 16] ، وقوله تعالى: {والذين امنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا الا وسعها}[الاعراف: 42] ، وامثال ذلك، فهولاء المفرطون والمعتدون في اصول الدين اذا لم يستطيعوا سمع ما انزل الى الرسول فهم من هذا القسم.
وكذلك ايضا تنازعهم في المامور به الذي علم الله انه لا يكون، او اخبر مع ذلك انه لا يكون، فمن الناس من يقول ان هذا غير مقدور عليه، كما ان غالية القدرية يمنعون ان يتقدم علم الله وخبره وكتابه بانه لا يكون، وذلك لاتفاق الفريقين على ان خلاف المعلوم لا يكون ممكنا ولا مقدورا عليه، وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس، وقالوا: هذا منقوض عليهم بقدرة الله تعالى، وقالوا: ان الله يعلمه على ما هو عليه، فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد، غير واقع ولا كاين لعدم ارادة العبد له او لبغضه اياه ونحو ذلك، لا لعجزه عنه، وهذا النزاع يزول بتنويع القدرة كما تقدم، فانه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل، وان كان مقدورا القدرة المصححة للفعل التي هي مناط الامر والنهي.
واما النوع الثاني: فكاتفاقهم على ان العاجز عن الفعل لا يطيقه، كما لا يطيق الاعمى والاقطع والزمن نقط المصحف وكتابته والطيران، فمثل هذا النوع قد اتفقوا على انه غير واقع في الشريعة، وانما تنازعوا في جواز الامر به عقلا، حتى نازع بعضهم في الممتنع لذاته، كالجمع بين الضدين والنقيضين، هل يجوز الامر به من جهة العقل، مع ان ذلك لم يرد في الشريعة؟ .
ومن غالى فزعم وقوع هذا الضرب في الشريعة، كمن يزعم ان ابا لهب كلف بان يومن بانه لا يومن، فهو مبطل في ذلك عند عامة اهل القبلة من جميع الطوايف، بل اذا قدر انه اخبر بصليه النار المستلزم لموته على الكفر، وانه اسمع هذا الخطاب، ففي هذا الحال انقطع تكليفه، ولم ينفعه الايمان حينيذ كايمان من يومن بعد معاينة العذاب، قال تعالى: {فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا باسنا}[غافر: 85] ، وقال تعالى: {الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}[يونس: 91] .
والمقصود هنا التنبيه على ان النزاع في هذا الاصل يتنوع تارة الى الفعل المامور به، وتارة الى جواز الامر، ومن هنا شبه من شبه من المتكلمين على الناس حيث جعل القسمين قسما واحدا، وادعى تكليف ما لا يطاق مطلقا لوقوع بعض الاقسام التي لا يجعلها عامة المسلمين من باب ما لا يطاق، والنزاع فيها لا يتعلق بمسايل الامر والنهي، وانما يتعلق بمسايل القضاء والقدر.
ثم انه جعل جواز هذا القسم مستلزما لجواز القسم الذي اتفق المسلمون على انه غير مقدور عليه، وقاس احد النوعين بالاخر، وذلك من الاقيسة التي اتفق المسلمون، بل وساير اهل الملل، بل وساير العقلاء على بطلانها، فان من قاس الصحيح المامور بالافعال لقوله ان القدرة مع الفعل، او ان الله علم انه لا يفعل على العاجز الذي لو اراد الفعل لم يقدر عليه، فقد جمع بين ما علم الفرق بينهما بالاضطرار عقلا ودينا، وذلك من مثل الاهواء بين القدرية واخوانهم الجبرية، واذا عرف هذا فاطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من البدع الحادثة في الاسلام، كاطلاق القول بان الناس مجبورون على افعالهم، وقد اتفق سلف الامة وايمتها على انكار ذلك وذم من يطلقه، وان قصد به الرد على القدرية الذين لا يقرون بان الله خالق افعال العباد، ولا بانه شاء الكاينات، وقالوا: هذا رد بدعة ببدعة، وقابل الفاسد والباطل بالباطل، ولولا ان هذا الجواب لا يحتمل البسط لذكرت من نصوص اقوالهم في ذلك ما يبين ردهم لذلك.
واما اذا فصل مقصود القايل وبين بالعبارة التي لا يشتبه فيها الحق بالباطل ما هو الحق، وميز بين الحق والباطل، كان هذا من الفرقان، وخرج المبين حينيذ مما ذم به امثال هولاء الذين وصفتهم الايمة بانهم مختلفون في كتاب الله، مخالفون لكتاب الله، متفقون على ترك كتاب الله، وانهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم.
ولهذا كان يدخل عندهم المجبرة في مسمى القدرية المذمومين لخوضهم في القدر بالباطل، اذ هذا جماع المعنى الذي ذمت به القدرية، ولهذا ترجم الامام ابو بكر الخلال في كتاب السنة فقال: الرد على القدرية، وقولهم ان الله اجبر العباد على المعاصي، ثم روى عن عمرو بن عثمان، عن بقية بن الوليد، قال: سالت الزبيدي والاوزاعي عن الجبر، فقال الزبيدي: امر الله اعظم، وقدرته اعظم من ان يجبر او يعضل، ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبده على ما احب، وقال الاوزاعي: ما اعرف للجبر اصلا في القران ولا في السنة، فاهاب ان اقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل، فهذا يعرف في القران والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانما وضعت هذا مخافة ان يرتاب رجل من اهل الجماعة والتصديق.
فهذان الجوابان اللذان ذكرهما هذان الامامان في عصر تابعي التابعين من احسن الاجوبة.
اما الزبيدي فمحمد بن الوليد صاحب الزهري، فانه قال: امر الله اعظم وقدرته اعظم من ان يجبر او يعضل، فنفى الجبر؛ وذلك لان الجبر المعروف في اللغة هو: الزام الانسان بخلاف رضاه، كما تقول الفقهاء في باب النكاح: هل تجبر المراة على النكاح او لا تجبر؟ واذا عضلها الولي ماذا تصنع، فيعنون بجبرها انكاحها بدون رضاها واختيارها، ويعنون بعضلها منعها مما ترضاه وتختاره، فقال: الله اعظم من ان يجبر او يعضل؛ لان الله سبحانه قادر على ان يجعل العبد محبا راضيا لما يفعله، ومبغضا وكارها لما يتركه، كما هو الواقع، فلا يكون العبد مجبورا على ما يختاره ويرضاه ويريده، وهي افعاله الاختيارية، ولا يكون معضولا عما يتركه فيبغضه ويكرهه ولا يريده، وهي تروكه الاختيارية.
واما الاوزاعي، فانه منع من اطلاق هذا اللفظ، وان عنى به هذا المعنى، حيث لم يكن له اصل في الكتاب والسنة فيفضي الى اطلاق لفظ مبتدع ظاهر في ارادة الباطل وذلك لا يسوغ، وان قيل انه اريد به معنى صحيح.
قال الخلال: انبانا المروزي، قال: سمعت بعض المشيخة يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: انكر سفيان الثوري الجبر وقال: الله تعالى جبل العباد.
قال المروزي: اظنه اراد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لاشج عبد القيس، يعني: قوله الذي في صحيح مسلم: «ان فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والاناة.
فقال اخلقين تخلقت بهما ام خلقين جبلت عليهما، فقال: بل خلقين جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى» .
ولهذا احتج البخاري وغيره على خلق الافعال، بقوله تعالى: {ان الانسان خلق هلوعا}[المعارج: 19] {اذا مسه الشر جزوعا}[المعارج: 20] {واذا مسه الخير منوعا}[المعارج: 21] فاخبر تعالى انه خلق الانسان على هذه الصفة.
وجواب الاوزاعي اقوم من جواب الزبيدي؛ لان الزبيدي نفى الجبر، والاوزاعي منع اطلاقه اذ هذا اللفظ يحتمل معنى صحيحا، فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل، كما ذكر الخلال ما ذكره عبد الله بن احمد في كتاب السنة، فقال لنا محمد بن بكار، ثنا ابو معشر، عن محمد بن كعب، انه قال: انما سمي الجبار، لانه يجبر الخلق على ما اراد.
فاذا امتنع من اطلاق اللفظ المجمل المشتبه زال المحذور، وكان احسن من نفيه، وان كان ظاهرا في المعنى الفاسد خشية ان يظن انه ينفي المعن?
What's Your Reaction?






