مسالة عظم الميتة وقرنها وظفرها وريشها
مسالة عظم الميتة وقرنها وظفرها وريشها

مسالة:
في عظم الميتة، وقرنها وظفرها، وريشها: هل هو طاهر، ام نجس؟ افتونا ماجورين؟الجواب::
اما عظم الميتة، وقرنها وظفرها، وما هو من جنس ذلك: كالحافر، ونحوه، وشعرها، وريشها ووبرها: ففي هذين النوعين للعلماء ثلاثة اقوال.احدها: نجاسة الجميع كقول الشافعي في المشهور، وذلك رواية عن احمد، والثاني: ان العظام ونحوها نجسة، والشعور ونحوها طاهرة، وهذا هو المشهور من مذهب مالك، واحمد.
والثالث: ان الجميع طاهر: كقول ابي حنيفة، وهو قول في مذهب مالك، واحمد، وهذا القول هو الصواب؛ لان الاصل فيها الطهارة، ولا دليل على النجاسة.
وايضا فان هذه الاعيان هي من الطيبات، ليست من الخبايث، فتدخل في اية التحليل؛ وذلك؛ لانها لم تدخل فيما حرمه الله من الخبايث لا لفظا، ولا معنى اما اللفظ فكقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}[المايدة: 3] لا يدخل فيها الشعور وما اشبهها؛ وذلك؛ لان الميت ضد الحي، والحياة نوعان: حياة الحيوان وحياة النبات، فحياة الحيوان خاصتها الحس، والحركة الارادية، وحياة النبات النمو والاغتذاء.
وقوله: {حرمت عليكم الميتة}[المايدة: 3] انما هو بما فارقته الحياة الحيوانية، دون النباتية، فان الزرع والشجر اذا يبس لم ينجس باتفاق المسلمين، وقد تموت الارض ولا يوجب ذلك نجاستها باتفاق المسلمين، وانما الميتة المحرمة: ما كان فيها الحس والحركة الارادية، واما الشعر فانه ينمو، ويغتذي، ويطول كالزرع، والزرع ليس فيه حس ولا يتحرك بارادة، ولا تحله الحياة الحيوانية حتى يموت بمفارقتها، ولا وجه لتنجيسه.
وايضا: فلو كان الشعر جزءا من الحيوان، لما ابيح اخذه في حال الحياة، فان «النبي - صلى الله عليه وسلم - سيل عن قوم يجبون اسنمة الابل، واليات الغنم فقال: ما ابين من البهيمة وهي حية فهو ميت» رواه ابو داود، وغيره، وهذا متفق عليه بين العلماء، فلو كان حكم الشعر حكم السنام والالية، لما جاز قطعه في حال الحياة، فلما اتفق العلماء على ان الشعر والصوف اذا جز من الحيوان كان حلالا طاهرا علم انه ليس مثل اللحم.
وايضا: فقد ثبت «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - اعطى شعره لما حلق راسه للمسلمين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستنجي ويستجمر» ، فمن سوى بين الشعر، والبول، والعذرة فقد اخطا خطا مبينا، واما العظام ونحوها: فاذا قيل: انها داخلة في الميتة؛ لانها تنجس، قيل لمن قال ذلك: انتم لم تاخذوا بعموم اللفظ، فان ما لا نفس له سايلة كالذباب، والعقرب، والخنفساء لا ينجس عندكم وعند جمهور العلماء، مع انها ميتة موتا حيوانيا.
وقد ثبت في الصحيح: ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اذا وقع الذباب في اناء احدكم فليغمسه فان في احد جناحيه داء، وفي الاخر شفاء» ، ومن نجس هذا قال في احد القولين: انه لا ينجس المايعات الواقعة فيه لهذا الحديث، واذا كان كذلك علم ان علة نجاسة الميتة انما هو احتباس الدم فيها، فما لا نفس له سايلة ليس فيه دم سايل، فاذا مات لم يحتبس فيه الدم فلا ينجس، فالعظم ونحوه اولى بعدم التنجيس من هذا، فان العظم ليس فيه دم سايل، ولا كان متحركا بالارادة الا على وجه التبع.
فاذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالارادة لا ينجس، لكونه ليس فيه دم سايل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سايل ومما يبين صحة قول الجمهور: ان الله سبحانه انما حرم علينا الدم المسفوح كما قال تعالى: {قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دما مسفوحا}[الانعام: 145] .
فاذا عفى عن الدم غير المسفوح، مع انه من جنس الدم، حيث علم ان الله سبحانه فرق بين الدم الذي يسيل، وبين غيره، فلهذا كان المسلمون يصنعون اللحم في المرق، وخيوط الدم في القدر تبين، وياكلون ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما اخبرت بذلك عايشة - رضي الله عنها -، ولولا هذا لاستخرجوا الدم من العروق كما يفعل اليهود.
والله تعالى حرم ما مات حتف انفه، او لسبب غير جارح محدد: كالموقوذة، والمتردية، والنطيحة، «وحرم - صلى الله عليه وسلم - ما صيد بغيره من المعراض، وقال: انه وقيذ» .
والفرق بينهما انما هو سفح الدم، فدل على ان سبب التنجيس هو: احتقان الدم واحتباسه، واذا سفح بوجه خبيث: بان يذكر عليه غير اسم الله، كان الخبث هنا من وجه اخر، فان التحريم تارة لوجود الدم، وتارة لفساد التذكية: كذكاة المجوسي، والمرتد، والذكاة في غير المحل.
فاذا كان كذلك فالعظم والظفر، والقرن والظلف، وغير ذلك، ليس فيه دم مسفوح، فلا وجه لتنجيسه، وهذا قول جمهور السلف.
قال الزهري: كان خيار هذه الامة يتمشطون بامشاط من عظام الفيل، وقد روي في العاج حديث معروف، لكن فيه نظر ليس هذا موضعه، فانا لا نحتاج الى الاستدلال بذلك.
وايضا فقد ثبت في الصحيح: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال في شاة ميمونة: هلا اخذتم اهابها فانتفعتم به.
قالوا: انها ميتة.
قال: انما حرم اكلها» .
وليس في البخاري ذكر الدباغ، ولم يذكر عامة اصحاب الزهري عنه، ولكن ذكره ابن عيينة، ورواه مسلم في صحيحه، وقد طعن الامام احمد في ذلك، واشار الى غلط ابن عيينة فيه، وذكر ان الزهري وغيره كانوا يبيحون الانتفاع بجلود الميتة بلا دباغ، لاجل هذا الحديث.
وحينيذ فهذا النص يقتضي جواز الانتفاع بها بعد الدبغ بطريق الاولى، لكن اذا قيل: ان الله حرم بعد ذلك الانتفاع بالجلود حتى تدبغ، او قيل: انها لا تطهر بالدباغ، لم يلزم تحريم العظام ونحوها؛ لان الجلد جزء من الميتة فيه الدم كما في ساير اجزايه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ذكاته دباغه؛ لان الدبغ ينشف رطوباته، فدل على ان سبب التنجيس هو الرطوبات، والعظم ليس فيه نفس سايلة، وما كان فيه منها فانه يجف وييبس، وهي تبقى وتحفظ اكثر من الجلد، فهي اولى بالطهارة من الجلد، والعلماء تنازعوا في الدباغ هل يطهر؟ فذهب مالك، واحمد في المشهور عنهما: انه لا يطهر، ومذهب الشافعي، وابي حنيفة، والجمهور: انه يطهر، والى هذا القول رجع الامام احمد كما ذكر ذلك عند الترمذي، عن احمد بن الحسن الترمذي عنه.
وحديث ابن عكيم يدل على ان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم ان ينتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب، بعد ان كان اذن لهم في ذلك، لكن هذا قد يكون قبل الدباغ، فيكون قد رخص، فان حديث الزهري بين انه قد رخص في جلود الميتة قبل الدباغ، فيكون قد رخص لهم في ذلك ثم لما نهاهم عن الانتفاع بها قبل الدباغ نهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولهذا قال طايفة من اهل اللغة ان الاهاب اسم كما لا يدبغ، ولهذا قرن معه العصب، والعصب لا يدبغ.
What's Your Reaction?






