مسالة في بسم الله الرحمن الرحيم هل هي اية من كل سورة

مسالة في بسم الله الرحمن الرحيم هل هي اية من كل سورة

مسالة في بسم الله الرحمن الرحيم هل هي اية من كل سورة
156 - 72

مسالة:

في {بسم الله الرحمن الرحيم} هل هي اية من اول كل سورة افتونا ماجورين؟

الجواب::

الحمد لله.

اتفق المسلمون على انها من القران في قوله: {انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم}[النمل: 30] وتنازعوا فيها في اوايل السور حيث كتبت على ثلاثة اقوال: احدها: انها ليست من القران، وانما كتبت تبركا بها، وهذا مذهب مالك، وطايفة من الحنفية، ويحكى هذا رواية عن احمد ولا يصح عنه، وان كان قولا في مذهبه.

والثاني: انها من كل سورة، اما اية، واما بعض اية، وهذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه -.

والثالث: انها من القران حيث كتبت اية من كتاب الله من اول كل سورة، وليست من السورة.

وهذا مذهب ابن المبارك، واحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وغيرهما.

وذكر الرازي انه مقتضى مذهب ابي حنيفة عنده.

وهذا اعدل الاقوال.

فان كتابتها في المصحف بقلم القران تدل على انها من القران، وكتابتها مفردة مفصولة عما قبلها وما بعدها تدل على انها ليست من السورة، ويدل على ذلك ما رواه اهل السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «ان سورة من القران ثلاثين اية، شفعت لرجل، حتى غفر له.

وهي {تبارك الذي بيده الملك}[الملك: 1] » .

وهذا لا ينافي ذلك؛ فان في الصحيح ان «النبي - صلى الله عليه وسلم - اغفى اغفاءة فقال: لقد نزلت علي انفا سورة.

وقرا بسم الله الرحمن الرحيم، {انا اعطيناك الكوثر}[الكوثر: 1] » ؛ لان ذلك لم يذكر فيه انها من السورة، بل فيه انها تقرا في اول السورة، وهذا سنة، فانها تقرا في اول كل سورة، وان لم تكن من السورة.

ومثله حديث ابن عباس: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم» .

رواه ابو داود، ففيه انها نزلت للفصل، وليس فيه انها اية منها، و {تبارك الذي بيده الملك}[الملك: 1] ثلاثون اية بدون البسملة؛ ولان العادين لايات القران لم يعد احد منهم البسملة من السورة، لكن هولاء تنازعوا في الفاتحة: هل هي اية منها دون غيرها؟ على قولين، هما روايتان عن احمد احدهما: انها من الفاتحة دون غيرها، وهذا مذهب طايفة من اهل الحديث، اظنه قول ابي عبيد، واحتج هولاء بالاثار التي رويت في ان البسملة من الفاتحة، وعلى قول هولاء تجب قراءتها في الصلاة، وهولاء يوجبون قراءتها وان لم يجهروا بها.

والثاني: انها ليست من الفاتحة، كما انها ليست من غيرها، وهذا اظهر.

فانه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها له، ولعبدي ما سال.

يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين}[الفاتحة: 2] يقول الله: حمدني عبدي.

يقول العبد: {الرحمن الرحيم}[الفاتحة: 3] يقول الله: اثنى علي عبدي.

يقول العبد: {مالك يوم الدين}[الفاتحة: 4] يقول الله: مجدني عبدي.

يقول العبد: {اياك نعبد واياك نستعين}[الفاتحة: 5] .

يقول الله: فهذه الاية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سال.

يقول العبد: {اهدنا الصراط المستقيم}[الفاتحة: 6] الى اخرها.

يقول الله: فهولاء لعبدي ولعبدي ما سال» .

فلو كانت من الفاتحة لذكرها كما ذكر غيرها.

وقد روي ذكرها في حديث موضوع، رواه عبد الله بن زياد بن سمعان فذكره مثل الثعلبي في تفسيره، ومثل من جمع احاديث الجهر، وانها كلها ضعيفة، او موضوعة.

ولو كانت منها لما كان للرب ثلاث ايات ونصف، وللعبد ثلاث ونصف.

وظاهر الحديث ان القسمة وقعت على الايات، فانه قال: «فهولاء لعبدي» .

وهولاء اشارة الى جمع، فعلم ان من قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}[الفاتحة: 6] الى اخرها ثلاث ايات على قول من لا يعد البسملة اية منها، ومن عدها اية منها جعل هذا ايتين.

وايضا فان الفاتحة سورة من سور القران، والبسملة مكتوبة في اولها، فلا فرق بينها وبين غيرها من السور في مثل ذلك، وهذا من اظهر وجوه الاعتبار.

وايضا فلو كانت منها لتليت في الصلاة جهرا، كما تتلى ايات السورة، وهذا مذهب من يرى الجهر بها كالشافعي وطايفة من المكيين والبصريين؛ فانهم قالوا: انها اية من الفاتحة يجهر بها: كساير ايات الفاتحة، واعتمد على اثار منقولة بعضها عن الصحابة، وبعضها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فاما الماثور عن الصحابة: كابن الزبير ونحوه، ففيه صحيح، وفيه ضعيف.

واما الماثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ضعيف، او موضوع، كما ذكر ذلك حفاظ الحديث كالدارقطني، وغيره.

ولهذا لم يرو اهل السنن والمسانيد المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهر بها حديثا واحدا؛ وانما يروي امثال هذه الاحاديث من لا يميز من اهل التفسير: كالثعلبي ونحوه، وكبعض من صنف في هذا الباب من اهل الحديث، كما يذكره طايفة من الفقهاء في كتب الفقه، وقد حكي القول بالجهر عن احمد وغيره بناء على احدى الروايتين عنه من انها من الفاتحة، فيجهر بها كما يجهر بساير الفاتحة، وليس هذا مذهبه، بل يخافت بها عنده.

وان قال: هي من الفاتحة لكن يجهر بها عنده لمصلحة راجحة.

مثل ان يكون المصلون لا يقرءونها بحال، فيجهر بها ليعلمهم ان قراءتها سنة، كما جهر ابن عباس بالفاتحة على الجنازة، وكما جهر عمر بن الخطاب بالاستفتاح، وكما نقل عن «ابي هريرة انه قرا بها، ثم قرا بام الكتاب، وقال: انا اشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -» رواه النسايي وهو اجود ما احتجوا به.

وكذلك فسر بعض اصحاب احمد خلافه، انه كان يجهر بها اذا كان المامومون ينكرون على من لم يجهر بها، وامثال ذلك، فان الجهر بها والمخافتة سنة، فلو جهر بها المخافت صحت صلاته بلا ريب، وجمهور العلماء كابي حنيفة ومالك واحمد والاوزاعي لا يرون الجهر؛ لكن منهم من يقروها سرا: كابي حنيفة واحمد وغيرهما، ومنهم من لا يقروها سرا ولا جهرا كمالك.

وحجة الجمهور ما ثبت في الصحيح من «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - وابا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» ، وفي لفظ «لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في اول قراءة، ولا اخرها» .

والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0