مسالة تلاوة القران لمن يحفظه

مسالة تلاوة القران لمن يحفظه

مسالة تلاوة القران لمن يحفظه
321 - 9 -

مسالة:

فيمن يحفظ القران: ايهما افضل له تلاوة القران مع ان النسيان او التسبيح وما عداه من الاستغفار والاذكار في ساير الاوقات، مع علمه بما ورد في الباقيات الصالحات، والتهليل، ولا حول ولا قوة الا بالله، وسيد الاستغفار، وسبحان الله، وبحمده سبحان الله العظيم؟

الجواب::

الحمد لله.

جواب هذه المسالة ونحوها مبني على اصلين: فالاصل الاول: ان جنس تلاوة القران افضل من جنس الاذكار، كما ان جنس الذكر افضل من جنس الدعاء، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «افضل الكلام بعد القران اربع وهن من القران: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله الا الله، والله اكبر» .

وفي الترمذي، عن ابي سعيد، عنه - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «من شغله قراءة القران عن ذكري ومسالتي اعطيته افضل ما اعطي السايلين» وكما في الحديث الذي في السنن، في الذي سال النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اني لا استطيع ان اخذ شييا من القران، فعلمني ما يجزيني في صلاتي، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله الا الله، والله اكبر» .

ولهذا كانت القراءة في الصلاة واجبة، فان الايمة لا تعدل عنها الى الذكر الا عند العجز، والبدل دون المبدل منه.

وايضا فالقراءة تشترط لها الطهارة الكبرى دون الذكر والدعاء.

وما لم يشرع الا على الحال الاكمل فهو افضل، كما ان الصلاة لما اشترط لها الطهارتان كانت افضل من مجرد القراءة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استقيموا ولن تحصوا، اعلموا ان خير اعمالكم الصلاة» ولهذا نص العلماء على ان افضل تطوع البدن الصلاة.

وايضا: فما يكتب فيه القران لا يمسه الا طاهر، وقد حكى اجماع العلماء على ان القراءة افضل، لكن طايفة من الشيوخ رجحوا الذكر، ومنهم من زعم انه ارجح في حق المنتهي المجتهد، كما ذكر ذلك ابو حامد في كتبه، ومنهم من قال: هو ارجح في حق المبتدي السالك، وهذا اقرب الى الصواب.

وتحقيق ذلك يذكر في الاصل الثاني، وهو ان العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره افضل من ذلك، وهو نوعان: احدهما ما هو مشروع لجميع الناس.

والثاني: ما يختلف باختلاف احوال الناس.

اما الاول: فمثل ان يقترن اما بزمان، او بمكان، او عمل يكون افضل، مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من اوقات النهي عن الصلاة، فان القراءة والذكر والدعاء افضل في هذا الزمان، وكذلك الامكنة التي نهي عن الصلاة فيها كالحمام، واعطان الابل، والمقبرة، فالذكر والدعاء فيها افضل، وكذلك الجنب الذكر في حقه افضل، فاذا كره الافضل في حال حصول مفسدة كان المفضول هناك افضل بل هو المشروع.

وكذلك حال الركوع والسجود، فانه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «نهيت ان اقرا القران راكعا او ساجدا، اما الركوع فعظموا فيه الرب، واما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ان يستجاب لكم» .

وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود، وتنازعوا في بطلان الصلاة بذلك على قولين، هما وجهان في مذهب الامام احمد، وذلك تشريفا للقران، وتعظيما له ان لا يقرا في حال الخضوع والذل، كما كره ان يقرا مع الجنازة، وكما كره اكثر العلماء قراءته في الحمام.

وما بعد التشهد، هو حال الدعاء المشروع بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وامره.

والدعاء فيه هو افضل بل هو المشروع دون القراءة والذكر، وكذلك بالطواف، وبعرفة، ومزدلفة، وعند رمي الجمار.

والمشروع هناك هو الذكر والدعاء.

وقد تنازع العلماء في القراءة في الطواف: هل تكره ام لا تكره؟ على قولين مشهورين.

والنوع الثاني: ان يكون العبد عاجزا عن العمل الافضل، اما عاجزا عن اصله، كمن لا يحفظ القران ولا يستطيع حفظه، كالاعرابي الذي سال النبي - صلى الله عليه وسلم - او عاجزا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال.

ومن هنا قال من قال: ان الذكر افضل من القران، فان الواحد من هولاء قد يخبر عن حاله، واكثر السالكين، بل العارفين منهم انما يخبر احدهم عما ذاقه ووجده، لا يذكر امرا عاما للخلق، اذ المعرفة تقتضي امورا معينة جزيية.

والعلم يتناول امرا عاما كليا، فالواحد من هولاء يجد في الذكر من اجتماع قلبه، وقوة ايمانه، واندفاع الوسواس عنه، ومزيد السكينة، والنور والهدى، ما لا يجده في قراءة القران، بل اذا قرا القران لا يفهمه، او لا يحضر قلبه وفهمه، ويلعب عليه الوسواس والفكر، كما ان من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القران وفهمه وتدبره ما لا يجتمع في الصلاة، بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك.

وليس كل ما كان افضل يشرع لكل احد، بل كل واحد يشرع له ان يفعل ما هو افضل له.

فمن الناس من تكون الصدقة افضل له من الصيام وبالعكس، وان كان جنس الصدقة افضل، ومن الناس من يكون الحج افضل له من الجهاد، كالنساء، وكمن يعجز عن الجهاد، وان كان جنس الجهاد افضل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحج جهاد كل ضعيف» ونظاير هذا متعددة.

اذا عرف هذان الاصلان عرف بهما جواب هذه المسايل.

اذا عرف هذا، فيقال الاذكار المشروعة في اوقات متعينة مثل: ما يقال عند جواب الموذن هو افضل من القراءة في تلك الحال، وكذلك ما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يقال عند الصباح والمساء، واتيان المضطجع هو مقدم على غيره.

واما اذا قام من الليل فالقراءة له افضل اذا اطاقها، والا فليعمل ما يطيق، والصلاة افضل منهما، ولهذا نقلهم عند نسخ وجوب قيام الليل الى القراءة فقال: {ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطايفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القران}[المزمل: 20] الاية.

والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0