مسالة ما تفعله الشياطين الجانة من مسها وتخبيطها

مسالة ما تفعله الشياطين الجانة من مسها وتخبيطها

مسالة ما تفعله الشياطين الجانة من مسها وتخبيطها
367 - 7 -

مسالة:

هل الشرع المطهر ينكر ما تفعله الشياطين الجانة من مسها وتخبيطها وجولان بوارقها على بني ادم، واعتراضها؟ فهل لذلك معالجة بالمخرقات والاحراز، والعزايم، والاقسام، والرقى، والتعوذات، والتمايم؟ وان بعض الناس قال: لا يحكم عليهم؛ لان الجن يرجعون الى الحقايق عند عامرة الاجساد بالبوار، وان هذه الخواتم المتخذة مع كل انسان من سرياني، وعبراني، وعجمي، وعربي، ليس لها برهان، وانها من مختلق الاقاويل، وخرافات الاباطيل، وانه ليس لاحد من بني ادم من القوة، ولا من القبض بحيث يفعل ما ذكرنا من متولي هذا الشان على ممر الدهور، والاوقات؟

الجواب::

الحمد لله، وجود الجن ثابت بكتاب الله، وسنة رسوله، واتفاق سلف الامة، وايمتها.

وكذلك دخول الجني في بدن الانسان ثابت باتفاق ايمة اهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: {الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}[البقرة: 275] وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم» .

وقال عبد الله بن الامام احمد بن حنبل قلت لابي: ان اقواما يقولون: ان الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه.

وهذا الذي قاله امر مشهور، فانه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لاثر به اثرا عظيما.

والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله.

وقد يجر المصروع، وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه.

ويحول الات، وينقل من مكان الى مكان، ويجري غير ذلك من الامور من شاهدها.

افادته علما ضروريا، بان الناطق على لسان الانسي.

والمحرك لهذه الاجسام جنس اخر غير الانسان.

وليس في ايمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن انكر ذلك وادعى ان الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الادلة الشرعية ما ينفي ذلك.

واما معالجة المصروع بالرقى، والتعوذات.

فهذا على وجهين: فان كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناها، ومما يجوز في دين الاسلام ان يتكلم بها الرجل، داعيا لله، ذاكرا له، ومخاطبا لخلقه، ونحو ذلك، فانه يجوز ان يرقى بها المصروع، ويعوذ، فانه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انه اذن في الرقى، ما لم تكن شركا» .

وقال: «من استطاع منكم ان ينفع اخاه فليفعل» وان كان في ذلك كلمات محرمة مثل ان يكون فيها شرك، او كانت مجهولة المعنى يحتمل ان يكون فيها كفر، فليس لاحد ان يرقي بها ولا يعزم، ولا يقسم، وان كان الجني قد ينصرف عن المصروع بها، فانما حرمه الله، ورسوله ضرره اكثر من نفعه، كالسيما وغيرها من انواع السحر، فان الساحر السيماوي وان كان ينال بذلك بعض اغراضه، كما ينال السارق بالسرقة بعض اغراضه، وكما ينال الكاذب بكذبه وبالخيانة بعض اغراضه، وكما ينال المشرك بشركه وكفره بعض اغراضه، وهولاء وان نالوا بعض اغراضهم بهذه المحرمات، فانها تعقبهم من الضرر عليهم في الدنيا والاخرة اعظم مما حصلوه من اغراضهم فان الله بعث الرسل بتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فكل ما امر الله به ورسوله فمصلحته راجحة على مفسدته.

ومنفعته راجحة على المضرة.

وان كرهته النفوس.

كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شييا وهو خير لكم}[البقرة: 216] الاية.

فامر بالجهاد وهو مكروه للنفوس، لكن مصلحته ومنفعته راجحة على ما يحصل للنفوس من المه، بمنزلة من يشرب الدواء الكريه لتحصل له العافية، فان مصلحة حصول العافية له راجحة على الم شرب الدواء.

وكذلك التاجر الذي يتغرب عن وطنه، ويسهر، ويخاف، ويتحمل هذه المكروهات، مصلحة الربح الذي يحصل له راجحة على هذه المكاره.

وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» .

وقد قال تعالى في حق الساحر: {ولا يفلح الساحر حيث اتى}[طه: 69] وقال تعالى: {وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر}[البقرة: 102] - الى قوله - {ولبيس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون}[البقرة: 102] فبين سبحانه ان هولاء يعلمون ان الساحر ما له في الاخرة من نصيب.

وانما يطلبون بذلك بعض اغراضهم في الدنيا: {ولو انهم امنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون}[البقرة: 103] امنوا واتقوا بفعل ما امر الله به، وترك ما نهى الله عنه، لكان ما ياتيهم به على ذلك في الدنيا والاخرة خير لهم مما يحصل لهم بالسحر.

قال الله تعالى: {انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد}[غافر: 51] .

وقال: {من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة}[النحل: 97] .

وقال: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوينهم في الدنيا حسنة}[النحل: 41] الايتين.

وقال: {ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار - اوليك لهم نصيب مما كسبوا}[البقرة: 201 - 202] .

والاحاديث فيما يثيب الله عبده المومن على الاعمال الصالحة في الدنيا والاخرة كثيرة جدا، وليس للعبد ان يدفع كل ضرر بما شاء، ولا يجلب كل نفع بما شاء، بل لا يجلب النفع الا بما فيه تقوى الله، ولا يدفع الضرر الا بما فيه تقوى الله، فان كان ما يفعله من العزايم والاقسام والدعاء والخلوة والسهر ونحو ذلك مما اباحه الله ورسوله فلا باس به، وان كان مما نهى الله عنه ورسوله لم يفعله.

فمن كذب بما هو موجود من الجن والشياطين والسحر، وما ياتون به على اختلاف انواعه: كدعاء الكواكب، وتخريج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الارضية، وما ينزل من الشياطين على كل افاك اثيم، فالشياطين التي تنزل عليهم، ويسمونها روحانية الكواكب وانكروا دخول الجن في ابدان الانس، وحضورها بما يستحضرون به من العزايم والاقسام، وامثال ذلك، كما هو موجود، فقد كذب بما لم يحط به علما.

ومن جوز ان يفعل الانسان بما راه موثرا من هذه الامور من غير ان يزن ذلك بشريعة الاسلام - فيفعل ما اباحه الله، ويترك ما حرم الله - وقد دخل فيما حرمه الله ورسوله، اما من الكفر واما من الفسوق، واما العصيان، بل على كل احد ان يفعل ما امر الله به ورسوله، ويترك ما نهى الله عنه ورسوله.

ومما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التعوذ؛ فانه قد ثبت عنه في الصحيح انه قال: «من قرا اية الكرسي اذا اوى الى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ.

ولم يقربه شيطان حتى يصبح» وفي السنن انه «كان يعلم اصحابه ان يقول احدهم: اعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وان يحضرون» «ولما جاءته الشياطين بلهب من نار، امر بهذا التعوذ: اعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق، وذرا، ومن شر ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرا في الارض، وما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق الا طارقا يطرق بخير يا رحمن» .

فقد جمع العلماء من الاذكار والدعوات التي يقولها العبد اذا اصبح، واذا امسى، واذا نام، واذا خاف شييا، وامثال ذلك من الاسباب ما فيه بلاغ.

فمن سلك مثل هذه السبيل، فقد سلك سبيل اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن دخل في سبيل اهل الجبت والطاغوت الداخلة في الشرك والسحر فقد خسر الدنيا والاخرة، وبذلك ذم الله من ذمه من مبدلة اهل الكتاب.

حيث قال: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون - واتبعوا ما تتلو الشياطين على}[البقرة: 101 - 102] - الى قوله -: {ولبيس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون}[البقرة: 102] .

والله سبحانه وتعالى اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0