مسالة الامساك بمعروف او التسريح باحسان
مسالة الامساك بمعروف او التسريح باحسان

مسالة:
قاعدة نكاحية () : في قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء}[البقرة: 228] الى قوله: { وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}[البقرة: 228] الى قوله تعالى: {الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان}[البقرة: 229] .فجعل المباح احد امرين: امساك بمعروف، او تسريح باحسان.
واخبر ان الرجال ليسوا احق بالرد الا اذا ارادوا اصلاحا؛ وجعل لهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وقال تعالى: {واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف}[البقرة: 231] ، وقال تعالى في الاية الاخرى: {فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف}[الطلاق: 2] .
وقال تعالى: {فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن اذا تراضوا بينهم بالمعروف}[البقرة: 232] .
وقوله هنا: {بالمعروف}[البقرة: 228] ، يدل على ان المراة لو رضيت بغير المعروف لكان للاولياء العضل، والمعروف تزويج الكفء.
وقد يستدل به من يقول: مهر مثلها من المعروف؛ فان المعروف هو الذي يعرفه اوليك.
وقال تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن}[النساء: 19] الى قوله: {وعاشروهن بالمعروف}[النساء: 19] .
فقد ذكر ان التراضي بالمعروف.
والامساك بالمعروف: التسريح بالمعروف، والمعاشرة بالمعروف، وان لهن وعليهن بالمعروف، كما قال: " لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ".
فهذا المذكور في القران هو الواجب العدل في جميع ما يتعلق بالنكاح من امور النكاح وحقوق الزوجين؛ فكما ان ما يجب للمراة عليه من الرزق والكسوة هو بالمعروف؛ وهو العرف الذي يعرفه الناس في حالهما نوعا وقدرا وصفة، وان كان ذلك يتنوع بتنوع حالهما من اليسار والاعسار، والزمان كالشتاء والصيف والليل والنهار؛ والمكان فيطعمها في كل بلد مما هو عادة اهل البلد وهو العرف بينهم.
وكذلك ما يجب لها عليه من المتعة والعشرة، فعليه ان يبيت عندها، ويطاها بالمعروف.
ويختلف ذلك باختلاف حالها وحاله.
وهذا اصح القولين في الوطء الواجب انه مقدر بالمعروف؛ لا بتقدير من الشرع، قررته في غير هذا الموضع.
والمثال المشهور هو النفقة، فانها مقدرة بالمعروف تتنوع بتنوع حال الزوجين عند جمهور المسلمين.
ومنهم من قال: هي مقدرة بالشرع نوعا وقدرا: مدا من حنطة، او مدا ونصفا، او مدين؛ قياسا على الاطعام الواجب في الكفارة على اصل القياس.
والصواب المقطوع به ما عليه الامة علما وعملا قديما وحديثا؛ فان القران قد دل على ذلك، وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال لهند امراة ابي سفيان، لما قالت له: يا رسول الله، ان ابا سفيان رجل شحيح وانه لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» .
فامرها ان تاخذ الكفاية بالمعروف، ولم يقدر لها نوعا ولا قدرا، ولو تقدر ذلك بشرع او غيره لبين لها القدر والنوع، كما بين فرايض الزكاة والديات.
وفي صحيح مسلم عن جابر «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته العظيمة بعرفات: لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» .
واذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف فمعلوم ان الكفاية بالمعروف تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها، ويتنوع الزمان والمكان، ويتنوع حال الزوج في يساره واعساره، وليست كسوة القصيرة الضييلة ككسوة الطويلة الجسيمة، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف، ولا كفاية طعامه كطعامه، ولا طعام البلاد الحارة كالباردة، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير، كالمعروف في بلاد الفاكهة والخمير.
وفي مسند الامام احمد، وسنن ابي داود، وابن ماجه، «عن حكيم بن معاوية النميري، عن ابيه، انه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة احدنا عليه؟ قال: تطعمها اذا اكلت، وتكسوها اذا اكتسيت؛ ولا تضرب الوجه؛ ولا تقبح؛ ولا تهجر الا في البيت» .
فهذه ثلاثة احاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ان للزوجة مرة ان تاخذ كفاية ولدها بالمعروف، وقال في الخطبة التي خطبها يوم اكمل الله الدين في اكبر مجمع كان له في الاسلام: «لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» .
وقال للسايل المستفتي له عن حق الزوجة: «تطعمها اذا اكلت، وتكسوها اذا اكتسيت» ، لم يامر في شيء من ذلك بقدر معين؛ لكن قيد ذلك بالمعروف تارة، وبالمواساة بالزوج اخرى.
وهكذا قال في نفقة المماليك؛ ففي الصحيحين، عن ابي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هم اخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت ايديكم فمن كان اخوه تحت يده، فليطعمه مما ياكل؛ وليلبسه مما يلبس؛ ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فان كلفتموهم فاعينوهم» .
وفي صحيح مسلم، عن ابي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل الا ما يطيق» .
ففي الزوجة والمملوك امره واحد: تارة يذكر انه يجب الرزق والكسوة بالمعروف.
وتارة يامر بمواساتهم بالنفس.
فمن العلماء من جعل المعروف هو الواجب، والمواساة مستحبة.
وقد يقال احدهما تفسير للاخر.
وعلى هذا فالواجب هو الرزق والكسوة بالمعروف في النوع، والقدر، وصفة الانفاق.
وان كان العلماء قد تنازعوا في ذلك.
اما النوع، فلا يتعين ان يعطيها مكيلا كالبر، ولا موزونا كالخبز، ولا ثمن ذلك كالدراهم؛ بل يرجع في ذلك الى العرف.
فاذا اعطاها كفايتها بالمعروف، مثل ان يكون عادتهم اكل التمر والشعير فيعطيها ذلك.
او يكون اكل الخبز والادام فيعطيها ذلك.
وان كان عادتهم ان يعطيها حبا فتطحنه في البيت فعل ذلك.
وان كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت فعل ذلك.
وان كان يخبز في البيت فعل ذلك.
وان كان يشتري خبزا من السوق فعل ذلك.
وكذلك الطبيخ ونحوه فعلى ما هو المعروف، فلا يتعين عليه دراهم، ولا حبات اصلا؛ لا بشرع، ولا بفرض؛ فان تعين ذلك دايما من المنكر ليس من المعروف، وهو مضر به تارة وبها اخرى.
وكذلك القدر، لا يتعين مقدار مطرد؛ بل تتنوع المقادير بتنوع الاوقات.
واما الانفاق، فقد قيل: ان الواجب تمليكها النفقة، والكسوة.
وقيل: لا يجب التمليك، وهو الصواب؛ فان ذلك ليس هو المعروف؛ بل عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الى يومنا هذا ان الرجل ياتي بالطعام الى منزله، فياكل هو وامراته ومملوكه: تارة جميعا، وتارة افرادا.
ويفضل منه فضل تارة فيدخرونه، ولا يعرف المسلمون انه يملكها كل يوم دراهم تتصرف فيها تصرف المالك؛ بل من عاشر امراة بمثل هذا الفرض كانا عند المسلمين قد تعاشرا بغير المعروف وتضارا في العشرة؛ وانما يفعل احدهما ذلك بصاحبه عند الضرر؛ لا عند العشرة بالمعروف.
وايضا فان النبي - صلى الله عليه وسلم - اوجب في الزوجة مثل ما اوجب في المملوك.
تارة قال: «لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ، كما قال في المملوك.
وتارة قال: «تطعمها اذا اكلت وتكسوها اذا اكتسيت» .
كما قال في المملوك.
وقد اتفق المسلمون على انه لا يجب تمليك المملوك نفقته، فعلم ان هذا الكلام لا يقتضي ايجاب التمليك.
واذا تنازع الزوجان فمتى اعترفت الزوجة انه يطعمها اذا اكل ويكسوها اذا اكتسى وذلك هو المعروف لمثلها في بلدها فلا حق لها سوى ذلك.
وان انكرت ذلك امره الحاكم ان ينفق بالمعروف؛ بل ولا له ان يامر بدراهم مقدرة مطلقا، او حب مقدار مطلق؛ لكن يذكر المعروف الذي يليق بهما.
What's Your Reaction?






