مسالة الاقضية هل هي مقتضية الحكمة ام لا

مسالة الاقضية هل هي مقتضية الحكمة ام لا

مسالة الاقضية هل هي مقتضية الحكمة ام لا
833 - 2 -

مسالة:

في الاقضية، هل هي مقتضية الحكمة ام لا؟ فاذا كانت مقتضية الحكمة اراد ربك من الناس ما هم فاعلوه.

وجوب القدر والحالة هذه افتونا ماجورين.

الجواب::

الحمد لله رب العالمين، قد احاط ربنا سبحانه وتعالى بكل شيء علما، وقدرة وحكما، ووسع كل شيء رحمة وعلما، فما من ذرة في السموات والارض ولا معنى من المعاني الا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة.

وكمال القدرة والحكمة.

وما خلق الخلق باطلا ولا فعل شييا عبثا، بل هو الحكيم في افعاله واقواله سبحانه وتعالى، ثم من حكمته ما اطلع خلقه بعضهم - ومنه ما استاثر سبحانه بعلمه.

وارادته قسمان: ارادة امر وتشريع، وارادة قضاء وتقدير.

فالقسم الاول: انما يتعلق بالطاعات دون المعاصي، سواء وقعت او لم تقع، كما في قوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم}[النساء: 26] وقوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة: 185] .

واما القسم الثاني: وهو ارادة التقدير فهي شاملة لجميع الكاينات، محيطة بجميع الحادثات، وقد اراد من العالم ما هم فاعلوه بهذا المعنى لا بالمعنى الاول، كما في قوله تعالى: {فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}[الانعام: 125] وفي قوله: {ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم}[هود: 34] .

وفي قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن، ونظايره كثيرة.

وهذه الارادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدث، كما ان الاولى تتناول الطاعات، حدثت او لم تحدث، والسعيد من اراد منه تشريعا ما اراد به تقديرا.

والعبد الشقي من اراد به تقديرا ما اراد به تشريعا، والحكم يجري على وفق هاتين الارادتين.

فمن نظر الى الاعمال بهاتين العينين كان بصيرا، ومن نظر الى القدر دون الشرع، او الشرع دون القدر، كان اعور، مثل قريش الذين قالوا: {لو شاء الله ما اشركنا ولا اباونا ولا حرمنا من شيء}[الانعام: 148] قال الله تعالى: {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون}[الانعام: 148] فان هولاء اعتقدوا ان كل ما شاء الله وجوده وكونه، وهي الارادة القدرية، فقد امر به ورضيه دون الارادة الشرعية ثم راوا ان شركهم بغير شرع مما قد شاء الله وجوده، قالوا فيكون قد رضيه وامر به، قال الله: هكذا كذب الذين من قبلهم بالشرايع من الامر والنهي حتى ذاقوا باسنا، قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا بان الله شرع الشرك وتحريم ما حرمتوه، ان تتبعون في هذا الا الظن، وهو توهمكم ان كل ما قدره فقد شرعه، وان انتم الا تخرصون، اي تكذبون وتفرون بابطال شريعته.

{قل فلله الحجة البالغة}[الانعام: 149] على خلقه حين ارسل الرسل اليهم فدعوهم الى توحيده وشريعته، ومع هذا فلو شاء هدى الخلق اجمعين الى متابعة شريعته، لكنه يمن على من يشاء فيهديه فضلا منه واحسانا، ويحرم من يشاء؛ لان المتفضل له ان يتفضل وله ان لا يتفضل، فترك تفضله على، من حرمه عدل منه وقسط، وله في ذلك حكمة بالغة، وهو يعاقب الخلق على مخالفة امره وارادته الشرعية وان كان ذلك فارادته القدرية، فان القدر كما جرى بالمعصية جرى ايضا بعقابها، كما انه سبحانه قد يقدر على العبد امراضا تعقبه الاما فالمرض بقدره والالم بقدره.

فاذا قال العبد: قد تقدمت الارادة بالذنب فلا اعاقب، كان بمنزلة قول المريض: قد تقدمت الارادة بالمرض فلا اتالم، او قد تقدمت الارادة باكل الحار فلا يحم مزاجي، او قد تقدمت بالضرب فلا يتالم المضروب، وهذا مع انه جهل فانه لا ينفع صاحبه، بل اعتلاله بالقدر ذنب ثان يعاقب عليه ايضا، وانما اعتل بالقدر ابليس حيث قال: { بما اغويتني لازينن لهم في الارض}[الحجر: 39] .

واما ادم فقال: {ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}[الاعراف: 23] .

فمن اراد الله سعادته الهمه ان يقول كما قال ادم، او نحوه، ومن اراد شقاوته اعتل بعلة ابليس، او نحوها، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ومثله مثل رجل طار الى داره شرارة نار، فقال له العقلاء: اطفيها ليلا تحرق المنزل، فاخذ يقول: من اين كانت، هذه ريح القتها وانا لا ذنب لي في هذه النار، فما زال يتعلل حتى انتشرت وانتثرت الدار وما فيها، هذه حال من شرع يحيل الذنوب على المقادير.

ولا يردها بالاستغفار والمعاذير.

بل حاله اسوا من زلات الذنب، فعله ان كان الله.

بخلاف الشررة فانه لا فعل له فيها، والله سبحانه يوفقنا واياكم وساير اخواننا لما يحبه ويرضاه، ولا تنال طاعته الا بمعونته، وتترك معصيته الا بعصمته، والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0