مسالة خير القرون القرن الذي راوا رسول الله ثم الذين يلونهم

مسالة خير القرون القرن الذي راوا رسول الله ثم الذين يلونهم

مسالة خير 
القرون القرن الذي راوا رسول الله ثم الذين يلونهم
1019 - 8

مسالة:

عن قول الشيخ ابي محمد عبد الله بن ابي زيد في اخر عقيدته: وان خير القرون القرن الذي راوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وامنوا به.

ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.

وافضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون ابو بكر وعمر، وعثمان، وعلي.

فما الدليل على تفضيل ابي بكر على عمر، وتفضيل عمر على عثمان، وعثمان على علي.

فاذا تبين ذلك فهل تجب عقوبة من يفضل المفضول على الفاضل ام لا.

بينوا لنا ذلك بيانا مبسوطا ماجورين ان شاء الله تعالى.

الجواب::

الحمد لله رب العالمين.

واما تفضيل ابي بكر، ثم عمر على عثمان وعلي فهذا متفق عليه بين ايمة المسلمين المشهورين بالامامة في العلم والدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو مذهب مالك، واهل المدينة، والليث بن سعد، واهل مصر، والاوزاعي، واهل الشام، وسفيان الثوري، وابي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وامثالهم من اهل العراق وهو مذهب الشافعي واحمد واسحاق وابي عبيد وغير هولاء من ايمة الاسلام الذين لهم لسان صدق في الامة.

وحكى مالك اجماع اهل المدينة على ذلك فقال: ما ادركت احدا ممن اقتدي به يشك في تقديم ابي بكر وعمر.

وهذا مستفيض عن امير المومنين علي بن ابي طالب.

وفي صحيح البخاري: عن محمد بن الحنفية انه قال لابيه علي بن ابي طالب: يا ابت من خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: يا بني اوما تعرف؟ قلت: لا قال: ابو بكر، قلت: ثم من؟ قال عمر.

ويروى هذا عن علي بن ابي طالب من نحو ثمانين وجها، وانه كان يقوله على منبر الكوفة، بل قال: لا اوتى باحد يفضلني على ابي بكر وعمر الا جلدته حد المفتري.

فمن فضله على ابي بكر وعمر جلد بمقتضى قوله - رضي الله عنه - ثمانين سوطا.

وكان سفيان يقول من فضل عليا على ابي بكر فقد ازرى بالمهاجرين، وما ارى انه يصعد له الى الله عمل وهو مقيم على ذلك.

وفي الترمذي وغيره روي هذا التفضيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانه قال: «يا علي هذان سيدا كهول اهل الجنة من الاولين والاخرين الا النبيين والمرسلين» .

وقد استفاض في الصحيحين وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه من حديث ابي سعيد، وابن عباس، وجندب بن عبد الله بن الزبير، وغيرهم «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لو كنت متخذا من اهل الارض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله يعني بنفسه» .

وفي الصحيح: «انه قال على المنبر: ان امن الناس علي في صحبته وذات يده ابو بكر، ولو كنت متخذا من اهل الارض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله الا لا يبقين في المسجد خوخة الا سدت الا خوخة ابي بكر» .

وهذا صريح في انه لم يكن عنده من اهل الارض من يستحق المخالة لو كانت ممكنة من المخلوقين الا ابا بكر، فعلم انه لم يكن عنده افضل منه ولا احب اليه منه، وكذلك في الصحيح «انه قال عمرو بن العاص: اي الناس احب اليك؟ قال عايشة قال: فمن الرجال؟ قال: ابوها» .

وكذلك في الصحيح: انه قال «لعايشة ادعي لي اباك واخاك حتى اكتب لابي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال يابى الله والمومنون الا ابا بكر» .

وفي الصحيح عنه «ان امراة قالت يا رسول الله ارايت ان جيت فلم اجدك، كانها تعني الموت، قال فاتي ابا بكر» .

وفي السنن عنه: «انه قال اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر» .

وفي الصحيح عنه «انه كان في سفر فقال ان يطع القوم ابا بكر وعمر يرشدوا» .

وفي السنن عنه: قال «رايت كاني وضعت في كفة والامة في كفة فرجحت بالامة ثم وضع ابو بكر في كفة والامة في كفة فرجح ابو بكر، ثم وضع عمر في كفة والامة في كفة فرجح عمر» .

وفي الصحيح انه: «كان بين ابي بكر وعمر كلام، فطلب ابو بكر من عمر ان يستغفر له فلم يفعل، فجاء ابو بكر الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك فقال اجلس يا ابا بكر يغفر الله لك وندم عمر فجاء الى منزل ابي بكر فلم يجده، فجاء الى النبي فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا ايها الناس اني جيت اليكم فقلت اني رسول الله، فقلتم كذبت، وقال ابو بكر صدقت، فهل انتم تاركو لي صاحبي فهل انتم تاركو لي صاحبي فهل انتم تاركو لي صاحبي» فما اوذي بعدها.

فقد تواتر في الصحيح والسنن: «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مرض قال: مروا ابا بكر فليصل بالناس مرتين او ثلاثا حتى قال: انكن لانتن صواحب يوسف، مروا ابا بكر ان يصلي بالناس» .

فهذا التخصيص والتكرير والتوكيد في تقديمه في الامامة على ساير الصحابة مع حضور عمر وعثمان وعلي وغيرهم مما بين للامة تقدمه عنده على غيره.

وفي الصحيح: ان جنازة عمر لما وضعت جاء علي بن ابي طالب يتخلل الصفوف ثم قال: لارجو ان يجعلك الله مع صاحبيك فاني كثيرا ما كنت اسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " دخلت انا وابو بكر وعمر، وخرجت انا وابو بكر وعمر، وذهبت انا وابو بكر وعمر " -: فهذا يبين ملازمتهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - في مدخله ومخرجه وذهابه.

ولذلك قال مالك للرشيد لما قال له: يا ابا عبد الله اخبرني عن منزلة ابي بكر وعمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا امير المومنين منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، فقال شفيتني يا مالك وهذا يبين انه كان لهما من اختصاصهما بصحبته وموازرتهما له على امره ومباطنتهما مما يعلمه بالاضطرار كل من كان عالما باحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - واقواله وافعاله وسيرته مع اصحابه، ولهذا لم يتنازع في هذا احد من اهل العلم بسيرته وسنته واخلاقه وانما ينفي هذا او يقف فيه من لا يكون عالما بحقيقة امور النبي - صلى الله عليه وسلم - وان كان له نصيب من كلام او فقه او حساب او غير ذلك، او من يكون قد سمع احاديث مكذوبة تناقض هذه الامور المعلومة بالاضطرار عند الخاصة من اهل العلم، فتوقف في الامر او رجح غير ابي بكر.

وهذا كساير الامور المعلومة بالاضطرار عند اهل العلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وان كان غيرهم يشك فيها او ينفيها كالاحاديث المتواترة عندهم في شفاعته وحوضه، وخروج اهل الكباير من النار، والاحاديث المتواترة عندهم في الصفات والقدر والعلو والروية وغير ذلك من الاصول التي اتفق عليها اهل العلم بسنته لما تواترت عندهم عنه، وان كان غيرهم لا يعلم ذلك، كما تواترت عند الخاصة من اهل العلم عنه الحكم بالشفعة وتحليف المدعى عليه ورجم الزاني المحصن، واعتبار النصاب في السرقة، وامثال ذلك من الاحكام التي ينازعهم فيها بعض اهل البدع.

ولهذا كان ايمة الاسلام متفقين على تبديع من خالف في مثل هذه الاصول بخلاف من نازع في مسايل الاجتهاد التي لم تبلغ هذا المبلغ في تواتر السنن عنه، كالتنازع بينهم في الحكم بشاهد ويمين، وفي القسامة والقرعة، وغير ذلك من الامور التي لم تبلغ هذا المبلغ.

واما عثمان وعلي، فهذه دون تلك، فان هذه كان قد حصل فيها نزاع، فان سفيان الثوري وطايف من اهل الكوفة رجحوا عليا على عثمان، ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره، وبعض اهل المدينة توقف في عثمان وعلي، وهي احدى الروايتين عن مالك، لكن الرواية الاخرى عنه تقديم عثمان على علي كما هو مذهب ساير الايمة كالشافعي وابي حنيفة واصحابه واحمد بن حنبل واصحابه، وغير هولاء من ايمة الاسلام حتى ان هولاء تنازعوا فيمن يقدم عليا على عثمان هل يعد من اهل البدعة، على قولين هما روايتان عن احمد، وقد قال ايوب السختياني، واحمد بن حنبل، والدارقطني: من قدم عليا على عثمان فقد ازرى بالمهاجرين والانصار.

وايوب هذا امام اهل السنة، وامام اهل البصرة، روى عنه مالك في الموطا، وكان لا يروي عن اهل العراق، وروي انه سيل عن الرواية عنه فقال ما حدثتكم عن احد الا وايوب افضل منه، وذكره ابو حنيفة فقال: لقد رايته مقعدا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرته الا اقشعر جسمي.

والحجة لهذا ما اخرجاه في الصحيحين وغيرهما: عن «ابن عمر انه قال: كنا نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنا نقول ابو بكر، ثم عمر، ثم عثمان» وفي بعض الطرق: يبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره.

وايضا فقد ثبت بالنقل الصحيح في صحيح البخاري، وغير البخاري، ان امير المومنين عمر بن الخطاب لما جعل الخلافة شورى في ستة انفس: عثمان، وعلي وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، ولم يدخل معهم سعيد بن زيد، وهو احد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان من بني عدي قبيلة عمر، وقال عن ابنه عبد الله: يحضركم عبد الله وليس له في الامر شيء، ووصى ان يصلي صهيب بعد موته حتى يتفقوا على واحد، فلما توفي عمر واجتمعوا عند المنبر قال طلحة: وما كان من هذا الامر فهو لعثمان وقال الزبير: ما كان لي من هذا الامر فهو لعلي، وقال سعد: ما كان لي من هذا الامر فهو لعبد الرحمن بن عوف، فخرج ثلاثة وبقي ثلاثة، فاجتمعوا فقال عبد الرحمن: انا اخرج.

وروي انه قال: عليه عهد الله وميثاقه ان يولي افضلهما ثم قام عبد الرحمن بن عوف ثلاثة ايام بلياليها يشاور المهاجرين، والانصار، والتابعين لهم باحسان، ويشاور امهات المومنين، ويشاور امراء الامصار، فانهم كانوا في المدينة حجوا مع عمر، وشهدوا موته، حتى قال عبد الرحمن: ان لي ثلاثا ما اغتمضت بنوم، فلما كان اليوم الثالث قال لعثمان: عليك عهد الله وميثاقه ان وليتك لتعدلن، ولين وليت عليا لتسمعن ولتطيعن، قال: نعم.

وقال لعلي: عليك عهد الله وميثاقه ان وليتك لتعدلن ولين وليت عثمان لتسمعن ولتطيعن، قال: نعم، فقال: اني رايت الناس لا يعدلون بعثمان.

فبايعه علي وعبد الرحمن وساير المسلمين بيعة رضى واختيار من غير رغبة اعطاهم اياها ولا رهبة خوفهم بها.

وهذا اجماع منهم على تقديم عثمان على علي، فلهذا قال ايوب، واحمد بن حنبل، والدارقطني: من قدم عليا على عثمان فقد ازرى بالمهاجرين والانصار، فانه لو لم يكن هو احق بالتقديم وقد قدموه كانوا جاهلين بفضله، واما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني، ومن نسبهم الى الجهل والظلم فقد ازرى بهم.

ولو زعم زاعم انهم قدموا عثمان لضغن كان في نفس بعضهم على علي وان اهل الضغن كانوا ذوي شوكة ونحو ذلك مما يقوله اهل الاهواء، فقد نسبهم الى العجز عن القيام بالحق، وظهور اهل الباطل منهم على اهل الحق هذا وهم في اعز ما كانوا واقوى ما كانوا، فانه حين مات عمر كان الاسلام من القوة والعز والظهور والاجتماع والايتلاف فيما لم يصيروا في مثله قط.

وكان عمر اعز اهل الايمان واذل اهل الكفر والنفاق الى حد بلغ في القوة والظهور مبلغا لا يخفى على من له ادنى معرفة بالامور.

فمن جعلهم في مثل هذه الحال جاهلين او ظالمين او عاجزين عن الحق فقد ازرى بهم وجعل خير امة اخرجت للناس على خلاف ما شهد الله به لهم.

وهذا هو اصل مذهب الرافضة، فان الذي ابتدع الرفض كان يهوديا اظهر الاسلام نفاقا ودس الى الجهاد دسايس يقدح بها في اصل الايمان، ولهذا كان الرفض اعظم ابواب النفاق والزندقة.

فانه يكون الرجل واقفا ثم يصير مفضلا ثم يصير سبابا ثم يصير غاليا ثم يصير جاحدا معطلا، ولهذا انضمت الى الرافضة ايمة الزنادقة من الاسماعيلية، والنصيرية، وانواعهم من القرامطة، والباطنية، والدرزية، وامثالهم من طوايف الزندقة، والنفاق، فان القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول قدح في الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال مالك وغيره من ايمة العلم: هولاء طعنوا في اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انما طعنوا في اصحابه ليقول القايل رجل سوء كان له اصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان اصحابه صالحين.

وايضا فهولاء الذين نقلوا القران والاسلام وشرايع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم الذين نقلوا فضايل علي وغيره.

فالقدح فيهم يوجب ان لا يوثق بما نقلوه من الدين، وحينيذ فلا تثبت فضيلة لا لعلي ولا لغيره، والرافضة جهال ليس لهم عقل ولا نقل ولا دين ولا دنيا منصورة، فانه لو طلب منهم الناصبي الذي يبغض عليا ويعتقد فسقه او كفره كالخوارج وغيرهم ان يثبتوا ايمان علي وفضله لم يقدروا على ذلك، بل تغلبهم الخوارج فان فضايل علي انما نقلها الصحابة الذين تقدح فيهم الرافضة، فلا يتيقن له فضيلة معلومة على اصلهم، فاذا طعنوا في بعض الخلفاء بما يفترونه عليهم من انهم طلبوا الرياسة وقاتلوا على ذلك، كان طعن الخوارج في علي بمثل ذلك واضعافه اقرب من دعوى ذلك على من اطيع بلا قتال، ولكن الرافضة جهال متبعون الزنادقة.

القران قد اثنى على الصحابة في غير موضع كقوله تعالى: {والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}[التوبة: 100] .

وقوله تعالى: {لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اوليك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}[الحديد: 10] .

وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار}[الفتح: 29] .

وقال تعالى: {لقد رضي الله عن المومنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا}[الفتح: 18] .

وقد ثبت في صحيح مسلم: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال «لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة» .

وفي الصحيحين عن ابي سعيد «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسبوا اصحابي، فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه» .

وقد ثبت عنه في الصحيح من غير وجه: انه قال: «خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» .

وهذه الاحاديث مستفيضة بل متواترة في فضايل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون، فالقدح فيهم قدح في القران والسنة، ولهذا تكلم الناس في تكفير الرافضة بما قد بسطناه في غير هذا الموضع والله سبحانه وتعالى اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0