مسالة من اوقع العقود المحرمة ثم تاب

مسالة من اوقع العقود المحرمة ثم تاب

مسالة من اوقع العقود المحرمة ثم تاب
1052 - 28 سيل الشيخ - رضي الله تعالى عنه - عن: من اوقع العقود المحرمة ثم تاب ما الحكم فيه؟ فاجاب، بقوله - رضي الله عنه -: قال الله تعالى في الربا: {وان تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}[البقرة: 279] وقد بسط الكلام على هذا في موضعه، وقد قال تعالى لما ذكر الخلع والطلاق فقال في الخلع: {ولا يحل لكم ان تاخذوا مما اتيتموهن شييا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فاوليك هم الظالمون}[البقرة: 229] الى قوله: {واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}[البقرة: 231] .

وقال تعالى: {اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا - فاذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم واقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يومن بالله واليوم الاخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا}[الطلاق: 1 - 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا}[الطلاق: 3] .

فالطلاق المحرم كالطلاق في الحيض، وفي طهر قد اصابها فيه حرام بالنص والاجماع، وكالطلاق الثلاث عند الجمهور، وهو تعد لحدود الله وفاعله ظالم لنفسه كما ذكر الله تعالى انه من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والظالم لنفسه اذا تاب تاب الله عليه لقوله: {ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}[النساء: 110] فهو اذا استغفره غفر له ورحمه وحينيذ يكون من المتقين فيدخل في قوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}[الطلاق: 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب}[الطلاق: 3] .

والذين الزمهم عمر ومن وافقه بالطلاق المحرم كانوا عالمين بالتحريم وقد نهوا عنه فلم ينتهوا فلم يكونوا من المتقين، فهم ظالمون لتعديهم مستحقون للعقوبة، وكذلك قال ابن عباس لبعض المستفتين: ان عمك لم يتق الله فلم يجعل له فرجا ومخرجا، ولو اتقى الله لجعل له فرجا ومخرجا، وهذا انما يقال لمن علم ان ذلك محرم وفعله، فمن لم يعلم بالتحريم لا يستحق العقوبة، ولا يكون متعديا اذا عرف ان ذلك محرم وتاب من عوده اليه والتزم ان لا يفعله.

والذين كان النبي يجعل ثلاثتهم واحدة في حياته كانوا يتوبون فيصيرون متقين، ومن لم يتب فهو الظالم كما قال تعالى: {بيس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاوليك هم الظالمون}[الحجرات: 11] فحصر الظلم فيمن لم يتب، فمن تاب ليس بظالم فلا يجعل متعديا لحدود الله بل وجود قوله كعدمه، ومن لم يتب فهو محل اجتهاد.

فعمر عاقبهم بالالزام لم يكن هناك تحليل فكانوا لاعتقادهم ان النساء يحرمن عليهم لا يقعون بالطلاق المحرم، فانكفوا بذلك عن تعدي حدود الله.

فاذا صاروا يوقعون الطلاق المحرم ثم يردون النساء بالتحليل المحرم صاروا يفعلون المحرم مرتين ويتعدون حدود الله مرتين، بل ثلاثا بل اربعا؛ لان الطلاق الاول كان تعديا لحدود الله، وكذلك نكاح المحلل لها ووطوه لها قد صار بذلك ملعونا هو والزوج الاول، فقد تعديا لحدود الله، هذا مرة اخرى وذاك مرة، والمراة ووليها لما علما بذلك وفعلاه كانا متعديين لحدود الله، فلم يحصل بالالتزام في هذه الحال انكفاف عن تعدي حدود الله بل زاد التعدي لحدود الله، فترك الزامهما بذلك، وان كانا ظالمين غير تايبين خير من الزامهم فذلك الزنا يعود الى تعدي حدود الله مرة بعد مرة، والذي استفتى ابن عباس ونحوه، لو قيل له تب لتاب ولذا كان ابن عباس يفتي احيانا بترك اللزوم كما نقله عنه عكرمة وغيره، وعمر ما كان يجعل الخلية والبرية الا واحدة رجعية، ولما قال عمر {ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا}[النساء: 66] واذا كان الالزام عاما ظاهرا كان تخصيص البعض بالاعانة نقضا لذلك ولم يوثق بتوبة.

فالمراتب اربعة: اما اذا كانوا يتقون الله ويتوبون، فلا ريب ان ترك الالزام كما كان في عهد النبي وابي بكر خير، وان كانوا لا ينتهون الا بالالزام فينتهون حينيذ، ولا يوقعون المحرم، ولا يحتاجون الى تحليل، فهذا هو الدرجة الثانية التي فعلها فيهم عمر، والثالثة ان يحتاجوا الى التحليل المحرم فهنا ترك الالزام خير، والرابعة انهم لا ينتهون بل يوقعون المحرم ويلزمونه بلا تحليل، فهنا ليس في الزامهم به فايدة الا اصر واغلال لم يوجب لهم تقوى الله وحفظ حدوده، بل حرمت عليهم نساوهم وخربت ديارهم فقط، والشارع لم يشرع ما يوجب حرمة النساء، وتخريب الديار، بل ترك الزامهم بذلك اقل فسادا وان كانوا اذنبوا فهم مذنبون على التقديرين، لكن تخريب الديار اكثر فسادا، والله لا يحب الفساد، واما ترك الالزام فليس فيه الا انه ذنب بقوله فلم يتب منه، وهذا اقل فسادا من الفساد الذي قصد الشارع دفعه ومنعه بكل طريق.

واصل المسالة ان النهي يدل على ان المنهي عنه فساده راجح على صلاحه، فلا يشرع التزام الفساد من يشرع دفعه ومنعه.

واصل هذا ان كل ما نهى الله عنه، وحرمه في بعض الاحوال، واباحه في حال اخرى، فان الحرام لا يكون صحيحا نافذا كالحلال يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال، ويحصل به المقصود كما يحصل، وهذا معنى قولهم النهي يقتضي الفساد، وهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم باحسان وايمة المسلمين وجمهورهم.

وكثير من المتكلمين من المعتزلة والاشعرية يخالف في هذا لما ظن ان بعض ما نهى عنه ليس بفاسد: كالطلاق المحرم، والصلاة في الدار المغصوبة، ونحو ذلك، قالوا: لو كان النهي موجبا للفساد لزم انتقاض هذه العلة، فدل على ان الفساد حصل بسبب اخر غير مطلق النهي.

وهولاء لم يكونوا من ايمة الفقه العارفين بتفصيل ادلة الشرع، فقيل لهم: باي شيء يعرف ان العبادة فاسدة والعقد فاسد؟ قالوا: بان يقول الشارع هذا صحيح وهذا فساد، واما هذا فشرطه في صحته كذا وكذا فاذا وجد المانع انتفت الصحة.

وهولاء وامثالهم لا يتكلمون في الادلة الشرعية الواقعة، وهي الادلة التي جعلها الله ورسوله ادلة على الاحكام الشرعية، بل يتكلمون في امور يقدرونها في اذهانهم انها اذا وقعت هل يستدل بها ام لا يستدل، والكلام في ذلك لا فايدة فيه، ولهذا لا يمكنهم ان ينتفعوا بما يقدرونه من اصول الفقه في الاستدلال بالادلة المفضلة على الاحكام فانهم لم يعرفوا نفس ادلة الشرع الواقعة بل قدروا اشياء قد لا تقع واشياء ظنوا انها من جنس كلام شارع، وهذا من هذا الباب.

فان الشارع لم يدل الناس قط بهذه الالفاظ التي ذكروها، ولا يوجد في كلامه شروط البيع، او النكاح، كذا، وكذا، ولا هذه العبادة، او العقد صحيح؛ او ليس بصحيح، ونحو ذلك مما جعلوه دليلا على الصحة والفساد، بل هذه كلها عبارات احدثها من احدثها من اهل الراي والكلام.

وانما الشارع دل الناس بالامر والنهي والتحليل والتحريم، بقوله في عقود هذا لا يصلح فيقال الصلاح المضاد للفساد، فاذا قال لا يصلح علم انه فاسد، كما قال في بيع مدين بمد تمرا لا يصلح.

والصحابة والتابعون وساير ايمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي، كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القران، وكذلك على فساد عقد الجمع بين الاختين، ومنهم من توهم ان التحريم فيها تعارض فيها نصان فتوقف، وقيل: ان بعضهم اباح الجمع، وكذا نكاح المطلقة ثلاثا استدلوا على فساد بقوله: {فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}[البقرة: 230] .

وكذلك الصحابة استدلوا على فساد نكاح الشغار بالنهي عنه، وكذلك عقود الربا وغيرها.

وانهم قد علموا ان ما نهى الله عنه فهو من الفساد ليس من الصلاح فان الله لا يحب الفساد ويحب الصلاح، فلا ينهى عما يحبه وانما ينهى عما لا يحبه، فعلموا ان المنهي عنه فاسد ليس بصلاح، وان كانت فيه مصلحة فمصلحة مرجوحة بمفسدته.

وقد علموا ان مقصود الشرع رفع الفساد ومنعه لا ايقاعه والالزام به، فلو الزموا بموجب العقود المحرمة لكانوا مفسدين غير مصلحين والله لا يصلح عمل المفسدين، وقوله تعالى: {واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض}[البقرة: 11] .

اي لا تعملوا بمعصية الله فكل من عمل بمعصية الله فهو مفسد والمحرمات معصية الله فالشارع ينهى عنها ليمنع الفساد ويدفعه.

ولا يوجد قط في شيء من صور النهي صورة ثبتت فيها الصحة بنص ولا اجماع، فالطلاق المحرم، والصلاة في الدار المغصوبة فيها نزاع، وليس على الصحة نص يجب اتباعه، فلم يبق مع المحتج بهما حجة.

لكن من البيوع ما نهي عنها لما فيها من ظلم احدهما للاخر: كبيع المصراة، والمعيب، وتلقي السلع، والنجش، ونحو ذلك، ولكن هذه البيوع لم يجعلها الشارع لازمة كالبيوع الحلال، بل جعلها غير لازمة والخيرة فيها الى المظلوم ان شاء ابطلها وان شاء اجازها فان الحق في ذلك له، والشارع لم ينه عنها لحق مختص بالله كما نهى عن الفواحش، بل هذه اذا علم المظلوم بالحال في ابتداء العقد مثل ان يعلم بالعيب والتدليس والتصرية، ويعلم السعر اذا كان قادما بالسلعة ويرضى بان يغبنه المتلقي جاز ذلك، فكذلك اذا علم بعد العقد ان رضي اجاز، وان لم يرض كان له الفسخ، وهذا يدل على ان العقد يقع غير لازم بل موقوفا على الاجازة، ان شاء اجازه صاحب الحق وان شاء رده، وهذا متفق عليه في مثل بيع المعيب مما فيه الرضا بشرط السلامة من العيب فاذا فقد الشرط بقي موقوفا على الاجازة، فهو لازم ان كان على صفة، وغير لازم ان كان على صفة، واما اذا كان غير لازم مطلقا بل هو موقوف على رضا المجيز فهذا فيه نزاع واكثر العلماء يقولون بوقف العقود، وهو مذهب مالك، وابي حنيفة، وغيرهما، وعليه اكثر نصوص احمد، وهو اختيار القدماء من اصحابه: كالخرقي، وغيره، كما هو مبسوط في موضعه.

اذ المقصود هنا ان هذا النوع يحسب طايفة من الناس انه من جملة ما نهي عنه، ثم تقول طايفة: وليس بفاسد فالنهي لا يجب ان يقتضي الفساد، وتقول طايفة: بل هذا فاسد، فمنهم من افسد بيع النجش اذا نجش البايع او واطا، ومنهم من افسد نكاح الخاطب على خطبة اخيه، وبيعه على بيع اخيه، ومنهم من افسد بيع المعيب المدلس فلما عورض بالمصراة توقف، ومنهم من صحح نكاح الخاطب على خطبة اخيه مطلقا، وبيع النجش بلا خيار.

والتحقيق ان هذا النوع لم يكن النهي فيه لحق الله كنكاح المحرمات، والمطلقة ثلاثا، وبيع الربا، بل لحق الانسان، بحيث لو علم المشتري ان صاحب السلعة ينجش ورضي بذلك جاز، وكذلك اذا علم ان غيره ينجش، وكذلك المخطوبة متى اذن الخاطب الاول فيها جاز.

ولما كان النهي هنا لحق الادمي لم يجعله الشارع صحيحا لازما كالحلال، بل اثبت حق المظلوم وسلطه على الخيار، فان شاء امضى وان شاء فسخ، فالمشتري مع النجش ان شاء رد المبيع، فحصل بهذا مقصوده، وان شاء رضي به اذا علم بالنجش.

فاما كونه فاسدا مردودا، وان رضي به فهذا لا وجه له، وكذلك الرد بالعيب، والمدلس، والمصراة، وغير ذلك، وكذلك المخطوبة ان شاء الخاطب ان يفسخ نكاح هذا المتعدي عليه ويتزوجها برضاها فله ذلك، وان شاء ان يمضي نكاحه فله ذلك، وهو اذا اختار فسخ نكاحه عاد الامر الى ما كان فان شاءت نكحته، وان شاءت لم تنكحه، اذ مقصوده حصل بفسخ نكاح الخاطب، واذا قال: هو غير قلب المراة علي، قيل: ان شيت عاقبناه على هذا بان نمنعه من نكاحها فيكون هذا قصاصا لظلمه اياك، وان شيت عفوت عنه فانفذنا نكاحه.

وكذلك الصلاة في الدار المغصوبة، والذبح بالة مغصوبة، وطبخ الطعام بحطب مغصوب، وتسخين الماء بحطب مغصوب، كل هذا انما حرم لما فيه من ظلم الانسان.

وذلك يزول باعطاء المظلوم حقه فاذا اعطاه بدل ما اخذه من منفعة ماله او من اعيان ماله فاعطاه كراء الدار وثمن الحطب وتاب هو الى الله من فعل ما نهاه عنه فقد بري من حق الله وحق العبد وصارت صلاته كالصلاة في مكان مباح، والطعام بوقود مباح، والذبح بسكين مباحة.

وان لم يفعل ذلك كان لصاحب السكين اجرة ذبحه ولا تحرم الشاة كلها، وكان لصاحب الدار اجرة داره لا تحبط صلاته كلها لاجل هذه الشبهة، وهذا اذا اكل الطعام ولم يوفه ثمنه كان بمنزلة من اخذ طعاما لغيره فيه شركة ليس فعله حراما، ولا هو حلالا محضا فان نضج الطعام لصاحب الوقود فيه شركة، وكذلك الصلاة يبقى عليه اسم الظلم ينقص من صلاته بقدره فلا تبرا ذمته كبراءة من صلى صلاة تامة ولا يعاقب كعقوبة من لم يصل بل يعاقب على قدر ذنبه، وكذلك اكل الطعام يعاقب على قدر ذنبه والله تعالى يقول: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}[الزلزلة: 7] {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}[الزلزلة: 8] .

وانما قيل في الصلاة في الثوب النجس، وبالمكان كذلك: بالاعادة بخلاف هذا لانه هناك لا سبيل له الى براءة ذمته الا بالاعادة، وهنا يمكنه ذاك بارضايه المظلوم ولكن الصلاة في الثوب الحرير هي من ذلك القسم، الحق فيها لله، لكن نهي عن ذلك في الصلاة وغير الصلاة، ولم ينه عنه في الصلاة فقط، فقد تنازع الفقهاء في مثل هذا، فمنهم من يقول: النهي هنا لمعنى في غير المنهي عنه.

وكذلك يقولون في الصلاة في الدار المغصوبة، والثوب المغصوب، والطلاق في الحيض، والبيع وقت النداء، ونحو ذلك، وهذا الذي قالوه لا حقيقة له، فانه ان عنى بذلك ان نفس الفعل المنهي عنه ليس فيه معنى يوجب النهي فهذا باطل، فان نفس البيع اشتمل على تعطيل الصلاة ونفس الصلاة اشتملت على الظلم والفخر والخيلاء، ونحو ذلك مما اوجب النهي، كما اشتملت الصلاة في الثوب النجس على ملابسة الخبيث، وان ارادوا بذلك ان ذلك المعنى لا يختص بالصلاة، بل هو مشترك بين الصلاة وغيرها، فهذا صحيح فان البيع وقت النداء لم ينه عنه الا لكونه شاغلا عن الصلاة، وهذا موجود في غير البيع لا يختص بالبيع، لكن هذا الفرق لا يجيء في طلاق الحايض فانه ليس هناك معنى مشترك، وهم يقولون انما نهي عنه لاطالة العدة، وذلك خارج عن الطلاق، فيقال: وغير ذلك من المحرمات كذلك انما نهي عنها لافضايه الى فساد خارج عنها، فالجمع بين الاختين نهي عنه لافضايه الى قطيعة الرحم، والقطيعة امر خارج عن النكاح، والخمر والميسر حرما وجعلا رجسا من عمل الشيطان لان ذلك يقضي الى الصد عن الصلاة وايقاع العداوة والبغضاء وهو امر خارج عن الخمر، والربا والميسر حرما لان ذلك يفضي الى اكل المال بالباطل وذلك خارج عن نفس عقد الربا والميسر.

فكل ما نهى الله عنه لا بد ان يشتمل على معنى فيه يوجب النهي، ولا يجوز ان ينهى عن شيء لا لمعنى فيه اصلا بل لمعنى اجنبي عنه فان هذا من جنس عقوبة الانسان بذنب غيره والشرع منزه عن ذلك فكما لا تزر وازرة وزر اخرى في العمال فكذلك في الاعمال، لكن في الاشياء ما ينهى عنه لسد الذريعة فهو مجرد عن الذريعة لم يكن فيه مفسدة كالنهي عن الصلاة في اوقات النهي قبل طلوع الشمس وغروبها ونحو ذلك.

وذلك لان هذا الفعل اشتمل على مفسدة الافضاء الى التشبه بالمشركين وهذا معنى فيه.

ثم من هولاء الذين قالوا: ان النهي قد يكون لمعنى في المنهي عنه وقد يكون لمعنى في غيره من قال: انه قد يكون لوصف في الفعل لا في اصله فيدل على صحته كالنهي عن صوم يومي العيدين.

قالوا هو منهي عنه لوصف العيدين لا لجنس الصوم، فاذا صام صح لانه سماه صوما فيقال لهم: وكذلك الصوم في ايام الحيض.

وكذلك الصلاة بلا طهارة والى غير القبلة جنسه مشروع.

وانما النهي لوصف خاص وهو الحيض والحدث واستقبال غير القبلة ولا يعرف بين هذا وهذا فرق معقول له تاثير في الشرع.

فانه اذا قيل: الحيض والحدث صفة في الحايض والمحدث، وذلك صفة في الزمان.

قيل: والصفة في محل الفعل زمانه ومكانه كالصفة في فاعله فانه لو وقف في عرفة في غير وقتها او في غير عرفة لم يصح وهو صفة في الزمان والمكان.

وكذلك لو رمى الجمار في غير ايام منى او في غير منى وهو صفة في الزمان والمكان، واستقبال غير القبلة هو الصفة في الجهة لا فيه ولا يجوز.

ولو صام بالليل لم يصح وان كان هذا زمانا، فاذا قيل: الليل ليس بمحل للصوم شرعا.

قيل: ويوم العيد ليس بمحل للصوم شرعا كما ان زمان الحيض ليس بمحل للصوم شرعا، فالفرق بين فعلين لا بد ان يكون فرقا شرعيا فيكون معقولا.

ويكون الشارع قد جعله موثرا في الحكم.

فحيث علق به الحل او الحرمة الذي يختص باحد الفعلين، وكثير من الناس يتكلم بفروق لا حقيقة لها ولا تاثير له في الشرع ولهذا يقولون في القياس: انه قد يمنع في الوصف لا في الاصل او الشرع او يمنع تاثيره في الاصل، وذلك انه قد يذكر وصفا يجمع به بين الاصل والفرع ولا يكون ذلك الوصف مشتركا بينهما، بل قد يكون منفيا عنهما او عن احدهما، وكذلك الفرق قد يفرق بوصف يدعي انتقاضه باحدى الصورتين ليس هو مختصا بها بل هو مشترك بينهما وبين الاخرى كقولهم النهي لمعنى في المنهي عنه وذلك لمعنى في غيره او ذاك لمعنى في وصفه دون اصله.

ولكن قد يكون النهي لمعنى يختص بالعبادة والعقد.

وقد يكون لمعنى مشترك بينها وبين غيرها كما ينهى المحرم عما يختص بالاحرام مثل حلق الراس، ولبس العمامة، وغير ذلك من الثياب المنهي عنها، وينهى عن نكاح امراته، وينهى عن صيد البر، وينهى مع ذلك عن الزنا، وعن ظلم الناس فيما ملكوه من الصيد.

وحينيذ فالنهي لمعنى مشترك اعظم ولهذا لو قتل المحرم صيدا مملوكا وجب عليه الجزاء لحق الله ووجب عليه بدله لحق المالك، ولو زنى لافسد احرامه كما يفسده بنكاح امراته ولاستحق حد الزنا مع ذلك.

وعلى هذا فمن لبس في الصلاة ما يحرم فيها وفي غيرها كالثياب التي فيها خيلاء، وفخر: كالمسبلة، والحرير، كان احق ببطلان الصلاة من الثوب النجس، وفي الحديث الذي في السنن: «ان الله لا يقبل صلاة مسبل» والثوب النجس فيه نزاع.

وفي قدر النجاسة نزاع، والصلاة في الحرير للرجال من غير حاجة حرام بالنص والاجماع، وكذلك البيع بعد النداء اذا كان قد نهي عنه وغيره مشغل عن الجمعة كان ذلك اوكد في النهي، وكل مشتغل عنها فهو شر وفساد لا خير فيه، والملك الحاصل بذلك كالملك الذي لم يحصل الا بمعصية الله وغضبه ومخالفته: كالذي لا يحصل الا بغير ذلك من المعاصي، مثل: الكفر، والسحر، والكهانة، والفاحشة.

وقد قال النبي: «حلوان الكاهن خبيث، ومهر البغي خبيث» فاذا كنت لا املك السلعة ان لم اترك الصلاة المفروضة كان حصول الملك سبب ترك الصلاة، كما ان حصول الحلوان والمهر بالكهانة والبغاء، وكما لو قيل له: ان تركت الصلاة اليوم اعطيناك عشرة دراهم فان ما ياخذه على ترك الصلاة خبيث.

كذلك ما يملكه بالمعاوضة على ترك الصلاة خبيث، ولو استاجر اجيرا بشرط ان لا يصلي كان هذا الشرط باطلا وكان ما ياخذه عن العمل الذي يعمله بمقدار الصلاة خبيث مع ان جنس العمل بالاجرة جايز.

كذلك جنس المعاوضة جايز لكن بشرط ان لا يتعدى على فرايض الله، واذا حصل البيع في هذا الوقت وتعذر الرد فله نظير ثمنه الذي اداه ويتصدق بالربح والبايع له نظير سلعته، ويتصدق بربح ان كان ربح، ولو تراضيا بذلك بعد الصلاة لم ينفع.

فان النهي هنا لحق الله، فهو كما لو تراضيا بمهر البغي.

وهناك يتصدق به على اصح القولين لا يعطى للزاني، وكذلك في الخمر ونحو ذلك مما اخذ صاحبه منفعة محرمة فلا يجمع له العوض والمعوض، فان ذلك اعظم اثما من بيعه فاذا كان لا يحل له ان يباع الخمر بالثمن، فكيف اذا اعطي الخمر واعطي الثمن، واذا كان لا يحل للزاني ان يزني وان اعطي، فكيف اذا اعطي المال والزنا جميعا، بل يجب اخراج هذا المال كساير اموال المصالح المشتركة، فكذلك هنا اذا كان قد باع السلعة وقت النداء بربح واحد واخذ سلعته، فان فاتت تصدق بالربح ولم يعطه للمشتري فيكون اعانة له على الشراء، والمشتري ياخذ الثمن ويعيد السلعة، فان باعها بربح تصدق به ولم يعطه للبايع، فيكون قد جمع له بين ربحين، وقد تنازع الفقهاء في المقبوض بالعقد الفاسد هل يملك او لا يملك، او يفرق بين ان يفوت او لا يفوت كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0