مسالة في رجل متولى ولايات ومقطع اقطاعات
مسالة في رجل متولى ولايات ومقطع اقطاعات

مسالة:
في رجل متولى ولايات، ومقطع اقطاعات، وعليها من الكلف السلطانية ما جرت به العادة، وهو يختار ان يسقط الظلم كله، ويجتهد في ذلك بحسب ما قدر عليه، وهو يعلم انه ان ترك ذلك واقطعها غيره وولى غيره، فان الظلم لا يترك منه شييا، بل ربما يزداد، وهو يمكنه ان يخفف تلك المكوس التي في اقطاعه، فيسقط النصف، والنصف الاخر جهة مصارف لا يمكنه اسقاطه، فانه يطلب منه لتلك المصارف عوضها، وهو عاجز عن ذلك لا يمكنه ردها، فهل يجوز لمثل هذا بقاوه على ولايته واقطاعه، قد عرفت نيته واجتهاده، وما رفعه من الظلم بحسب امكانه، ام عليه ان يرفع يده عن هذه الولاية والاقطاع، وهو اذا رفع يده لا يزول الظلم، بل يبقى ويزداد، فهل يجوز له البقاء على الولاية والاقطاع كما ذكر؟ وهل عليه اثم في هذا الفعل ام لا؟ واذا لم يكن عليه اثم فهل يطالب على ذلك ام لا؟ واي الامرين خير له: ان يستمر مع اجتهاده في رفع الظلم وتقليله، ام رفع يده مع بقاء الظلم وزيادة؟ واذا كانت الرعية تختار بقاء يده لما لها في ذلك من المنفعة به، ورفع ما رفعه من الظلم، فهل الاولى له ان يوافق الرعية ام يرفع يده، والرعية تكره ذلك لعلمها ان الظلم يبقى ويزداد برفع يده؟ .
الجواب::
الحمد لله نعم اذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب امكانه، وولايته خير واصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاوه على الاقطاع خير من استيلاء غيره، كما قد ذكر، فانه يجوز له البقاء على الولاية والاقطاع، ولا اثم عليه في ذلك، بل بقاوه على ذلك افضل من تركه اذا لم يشتغل اذا تركه بما هو افضل منه.وقد يكون ذلك عليه واجبا اذا لم يقم به غيره قادرا عليه، فنشر العدل بحسب الامكان، ورفع الظلم بحسب الامكان، فرض على الكفاية، يقوم كل انسان بما يقدر عليه من ذلك اذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم.
وما يقرره الملوك من الوظايف التي لا يمكنه رفعها لا يطلب بها، واذا كانوا هم ونوابهم يطلبون اموالا لا يمكن دفعها الا باقرار بعض تلك الوظايف، واذا لم يدفع اليهم اعطوا تلك الاقطاعات والولاية لمن يقرر الظلم او يزيده ولا يخففه.
كان اخذ تلك الوظايف ودفعها اليهم خير للمسلمين من اقرارها كلها.
ومن صرف من هذه الى العدل والاحسان فهو اقرب من غيره، ومن تناوله من هذا شيء ابعد عن العدل والاحسان من غيره والمقطع الذي يفعل هذا الخير يرفع عن المسلمين ما امكنه من الظلم، ويدفع شر الشرير باخذ بعض ما يطلب منهم، فما لا يمكنه رفعه هو محسن الى المسلمين غير ظالم لهم يثاب، ولا اثم عليه فيما ياخذه على ما ذكره، ولا ضمان عليه فيما اخذه، ولا اثم عليه في الدنيا والاخرة اذا كان مجتهدا في العدل والاحسان بحسب الامكان.
وهذا كوصي اليتيم، وناظر الوقف، والعامل في المضاربة، والشريك، وغير هولاء ممن يتصرف لغيره بحكم الولاية او الوكالة اذا كان لا يمكنه فعل مصلحتهم الا باداء بعضه من اموالهم للقادر الظالم، فانه محسن في ذلك غير مسيء، وذلك مثل ما يعطي هولاء المكاسين وغيرهم في الطرقات، والاشوال، والاموال، التي اوتمنوا، كما يعطونه من الوظايف المرتبة على العقار والوظايف المرتبة على ما يباع ويشترى، فان كل من تصرف لغيره او لنفسه في هذه الاوقات من هذه البلاد ونحوها، فلا بد ان يودي هذه الوظايف، فلو كان ذلك لا يجوز لاحد ان يتصرف لغيره لزم من ذلك فساد العباد وفوات مصالحهم.
والذي ينهى عن ذلك ليلا يقع ظلم قليل لو قبل الناس منه تضاعف الظلم والفساد عليهم، فهم بمنزلة من كانوا في طريق وخرج عليهم قطاع الطريق، فان لم يرضوهم ببعض المال اخذوا اموالهم وقتلوهم، فمن قال لتلك القافلة لا يحل لكم ان تعطوا لهولاء شييا من الاموال التي معكم للناس، فانه يقصد بهذا حفظ ذلك القليل الذي ينهى عن دفعه، ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليل والكثير وسلبوا مع ذلك، فهذا مما لا يشير به عاقل فضلا ان تاتي به الشرايع، فان الله تعالى بعث الرسل لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الامكان.
فهذا المتولى المقطع الذي يدفع بما يوجد من الوظايف ويصرف الى من نسبه مستقرا على ولايته واقطاعه ظلما وشرا كثيرا عن المسلمين اعظم من ذلك ولا يمكنه دفعه الا بذلك، اذا رفع يده تولى من يقره ولا ينقص منه شييا هو مثاب على ذلك ولا اثم عليه في ذلك ولا ضمان في الدنيا والاخرة.
وهذا بمنزلة وصي اليتيم، وناظر الوقف الذي لا يمكنه اقامة مصلحتهم الا بدفع ما يوصل من المظالم السلطانية، اذا رفع يده تولى من يجور ويريد الظلم، فولايته جايزة ولا اثم عليه فيما يدفعه، بل قد يجب عليه هذه الولاية.
وكذلك الجندي المقطع الذي يخفف الوظايف عن بلاده ولا يمكنه دفعها كلها لانه يطلب منه خيل وسلاح ونفقة لا يمكنه اقامتها الا بان ياخذ بعض تلك الوظايف، وهذا مع هذا ينفع المسلمين في الجهاد، فاذا قيل له لا يحل لك ان تاخذ شييا من هذا، بل ارفع يدك عن هذا الاقطاع فتركه واخذه من يريد الظلم ولا ينفع المسلمين، كان هذا القايل مخطيا جاهلا بحقايق الدين، بل بقاء الخيل من الترك والعرب الذين هم خير من غيرهم وانفع للمسلمين واقرب للعدل على اقطاعهم مع تخفيف الظلم بحسب الامكان خير للمسلمين من ان ياخذ تلك الاقطاعات من هو اقل نفعا واكثر ظلما، والمجتهد من هولاء المقطعين كلهم في العدل والاحسان بحسب الامكان يجزيه الله على ما فعل من الخير، ولا يعاقبه على ما عجز عنه، ولا يواخذه بما ياخذ ويصرف اذا لم يكن الا ذلك كان ترك ذلك يوجب شرا اعظم منه، والله اعلم.
What's Your Reaction?






