باب صلاة اهل الاعذار
باب صلاة اهل الاعذار
مَتَى عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرَفِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ،
وَيُكْرَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْإِجْزَاءِ، وَتَوَقُّفُهُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُتِمُّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَيَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا يَتَقَدَّرُ عَدُّهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ، وَنَصَرَهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا، وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسَوَاءٌ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ، أَوْ لَا، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَقَرَّرَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَاعِدَةً نَافِعَةً وَهِيَ: أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ بِعَمَلٍ يُطْلَقُ مُسَمَّاهُ، وَوُجُودُهُ، لَمْ يَجُزْ تَقْدِيرُهُ وَتَحْدِيدُهُ بِمُدَّةٍ، فَلِهَذَا كَانَ الْمَاءُ قِسْمَيْنِ طَاهِرًا طَهُورًا، أَوْ نَجِسًا، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ مَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَاضَةً، وَلَا لِأَقَلِّ سِنِّهِ، وَأَكْثَرِهِ، وَلَا لِأَقَلِّ السَّفَرِ، أَمَّا خُرُوجُهُ إلَى بَعْضِ عِلْمِ أَرْضِهِ، وَخُرُوجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى
قُبَاءَ فَلَا يُسَمَّى سَفَرًا وَلَوْ كَانَ بَرِيدًا؛ وَلِهَذَا لَا يَتَزَوَّدُ وَلَا يَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَةً السَّفَرِ، هَذَا مَعَ قَصْرِهِ الْمُدَّةِ فَالْمَسَافَةُ الْقَرِيبَةُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ سَفَرٌ، لَا الْبَعِيدَةُ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ، وَلَا حَدَّ لِلدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، فَلَوْ كَانَ أَرْبَعَةَ دَوَانِقَ أَوْ ثَمَانِيَةً خَالِصًا، أَوْ مَغْشُوشًا، قَلَّ غِشُّهُ أَوْ كَثُرَ، لَا دِرْهَمًا أَسْوَدَ عَمِلَ بِهِ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا تَأْجِيلَ فِي الدِّيَةِ،
وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَجِّلْهَا، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ تَأْجِيلَهَا فَعَلَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَّلَهَا فَأَيُّهُمَا رَأَى الْإِمَامَ فَعَلَ، وَإِلَّا فَإِيجَابُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَسُوغُ.
وَالْخُلْعُ فَسْخٌ مُطْلَقًا، وَالْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَفُرُوعُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ فِي مَظَانِّهَا.
وَيُوتِرُ الْمُسَافِرُ وَيَرْكَعُ سُنَّةَ الْفَجْرِ، وَيُسَنُّ تَرْكُهُ غَيْرَهُمَا، وَالْأَفْضَلُ لَهُ التَّطَوُّعُ فِي غَيْرِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَيَجْمَعُ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ، وَلِلصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ مَعَ جَوَازِهَا فِيهِ خَوْفُ فَوَاتِ الْوَقْتِ، وَلِخَوْفٍ يُحْرَجُ فِي تَرْكِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ.
فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ فِي الْجَمْعِ مَذْهَبُ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ جَوَّزَ الْجَمْعَ إذَا كَانَ لَهُ شُغْلٌ، كَمَا رَوَى النَّسَائِيّ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوَّلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالشُّغْلِ الَّذِي يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَلَا مُوَالَاةَ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَمْعِ الْمُضْطَرِّ إذَا صَلَّى إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَالْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا بَأْسَ وَمِنْ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمَرْوَزِيِّ: لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ.
وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ، وَيَجْمَعُ وَيَقْصُرُ بِمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ، وَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي عِبَادَاتِهِ.
وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُرْضِعِ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا غَسْلُ الثَّوْبِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ أَيْضًا لِلطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَخْشَى فَسَادَ مَالِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِتَرْكِ الْجَمْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ وَالْجَمْعِ نِيَّةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ، وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ
حُصُولِ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ، أَوْ تَبَرُّزٍ لِلْخَفَرِ، وَيُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ إذَا فَاتَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.