شروط المهر
كتاب النكاح

الشهادة قبل الدخول.
أو بعده، بخلاف تفويتها عليه في صورة الرضاع، فليس له فيها إلا نصف مهر المثل، يرجع به على المرضعة وذلك لأن فرقة الرضاع حقيقة، ظاهراً وباطناً، فهو لم يدخل بها حتماً، فله النصف.
أما الفرقة في صورة الشهادة الكاذبة.
فإنها في الظاهر فقط.
إذ له أن يطأ امرأته متى كان متأكداً من كذب الشهود.
فكأنه دخل بها فله كل مهر المثل.
فإن قلت: إن مقتضى ذلك أن لا يثبت له شيء في هذه الصورة لأنه لم يضع عليه حقه في البضع باطناً.
قلت: إن حكم القاضي جعل للمرأة الحق في الانفصال منه والتزوج بغيره.
ولها الحق في ألا تمكنه، فلا يستطيع أن يعاشرها معاشرة كاملة.
فلذا كان له الحق في كل مهر المثل تعويضاً.
اعتباراً بأنه دخل بها.
ولو كانت الفرقة قبل الدخول.
ومن أجل ذلك عرف الشافعية المهر بأنه ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهراً عن الزوج أو خلع أو شهادة.
فما وجب للرجل على الرجل.
أو على المرأة يسمى مهراً عندهم، أما غيرهم فقد خص المهر بما يعطى للمرأة في مقابلة الاستمتاع بها بالقوة أو الفعل فيشمل ما وجب بمجرد العقد الصحيح.
وما وجب بالوطء، سواء كان بعقد فاسد أو شبهة أو إكراه) .
(الحنفية - قالوا: أقل المهر عشرة دراهم، وهي تساوي في زماننا أربعين قرشاً تقريباً، ولا فرق بين أن تكون مضروبة أولا، وإنما تشترط المضروبة في نصاب السرقة للقطع للاحتياط في الحد، ويصح أن يسمي سلعة.
أو عرض تجارة تساوي قيمتها عشرة دراهم.
وقدر بعضهم الدرهم الشرعي بأربعة عشر قيراطاً، وقدر القيراط بأربع قمحات وسط، فيكون الدرهم - 56 قمحة - وقدره بعضهم بالخرنوبة، وقال: أن الخرنوبة تزن أربع قمحات، وهو يزن - 16 خرنوبة - فتكون زنة الدرهم - 64 قمحة - ولكن التحقيق أن المعتبر في وزن الدرهم الشرعي أن يكون أربعة عشر قيراطاً، كل قيراط يساوي خمس حبات، فتكون زنة الدرهم الشرعي سبعين حبة، فالمراد ثانيها: أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح الصداق بالخمر.
والخنزير، والدم.
والميتة لأن هذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كالخمر والخنزير وشحوم الميتة وجلودها والدم المتجمد عند من يأكله، فإن كل هذه الأشياء لا يصح للمسلمين ملكها، فلا يمكن إيجابها عليهم في الصداق، فإذا سمى لها خمراً أو خنزيراً أو غير ذلك مما لا يصح للمسلمين ملكها، بطلت التسمية، وصح العقد ، وثبت للمرأة مهر المثل، فإذا سمى لها صداقاً، بعضه مال وبعضه ليس بمال، أو بعضه طاهر وبعضه نجس، أو سمى لها صداقاً نجساً، وأشار إلى طاهر.
أو العكس، أو أجمع لها بين المهر والبيع في عقد واحد، فإن في كل ذلك تفصيل المذاهب .
بالدرهم الصنجة، وهي آلة الوزن المعروفة، وهي بالخرنوبة - 2/171 - لأن الخرنوبة - 4 قمحات - ويساوي الدرهم في زماننا أربعة قروش صاغ تقريباً.
فإذا أمهرها أقل من عشرة دراهم، فإن العقد يصح وتجب لها العشرة، استدلوا لذلك ما رواه ابن أبي حاتم من حديث" لا مهر أقل من عشرة دراهم"، وهو بهذا الإسناد حسن.
وما ورد من أن النبي صلى الله وعليه وسلم، أجاز النكاح بأقل من ذلك، كما قال للاعرابي: " التمس ولو خاتماً من حديد" فإنه محمول على المعجل الذي يسن، فإنه يندب أن يعطي الرجل للمرأة شيئاً، مهما كان معسراً، والباقي يبقى ديناً في ذمته.
المالكية - قالوا: أقل المهر ثلاثة دراهم من الفضة الخالصة من الغش.
أو عرض تجارة يساوي ثلاثة دراهم، وقدر الدرهم عندهم بما زنته خمسون حبة وخمسمائة حبة من الشعير الوسط، فإن نقص الصداق عن ذلك، ثم دخل بها، ثبت العقد، ووجب على الزوج أن يعطيها هذا الأقل، أما قبل الدخول فهو مخير، بين يتم لها الصداق إلى الحد الأدنى، وهو ثلاثة دراهم.
أو يفسخ العقد، وعليه نصف المسمى من الصداق.
) (المالكية - قالوا: إذا تزوجها على خمر أو خنزير ونحوهما مما لا يملك أو يباع، فإن العقد يفسد، ويفسخ قبل الدخول، أما إذا دخل بها، فإنه يثبت، وتستحق المرأة صداق المثل والمراد بما لا يباع، جلد الأضحية وجلد الميتة المدبوغ، فإنهما يملكان، ولكن لا يباعان فلا يصلحان مهراً.
وحاصله أن المالكية خالفوا غيرهم في صحة العقد، فقالوا: إنه فاسد يفسخ قبل الدخول، ووافقوهم على أن المرأة تستحق مهر المثل بعد الدخول، مع استقرار العقد.
) (الشافعية - قالوا: إذا تزوجها بصداق بعضه مملوك له وبعضه غير مملوك، بطل فيما لا يملكه دون غيره، ثم ينظر في غير المملوك، فإن كان مما لا ينتفع به أصلاً، بحيث لا يكون مقصوداً لأحد، كالدم، وفي هذه الحالة ينعقد الصداق بالمملوك، وتلغو تسمية غير المقصود، وإن كان غير المملوك مما يقصد الانتفاع به، كالخمر مثلاً، فلا يخلو إما أن تكون عالمة به عند التسمية أو لا، فإن كانت جاهلة به، كان لها الخيار بين فسخ الصداق وإبقائه، فإن فسخته وردته ثبت لها مهر المثل، وإن أبقته كان لها ما ثبت أنه مملوك له، مع حصة من مهر المثل تساوي ما سماه لها من غير المملوك له، مثلاً إذا سمى لها صداقاً خمسين ناقة، وهي مهر مثلها، وكان نصفها مملوكاً له، والنصف الآخر مغصوباً، فإنها تستحق المملوك له بلا كلام، ثم يقوم النصف المغصوب، فإن كانت قيمته تساوي نصف صداق مثلها، كان لها عليه نصف صداق المثل، تأخذه دراهم أو جنيهات أو عروض تجارة أو نياقاً الخ، فالواجب لها عنده قيمة النياق المغصوبة بما يقابلها من مهر المثل، هذا إذا سمى لها أشياء متماثلة مختلفة القيمة، كالنياق، أما إذا ذكر لها أشياء مثلية متحدة القيمة، كما إذا سمى لها عشرة أرادب من القمح الاسترالي مثلاً، فإنها مثلية، قيمتها واحدة.
وسعرها واحد، وكانت تساوي مهر مثلها، ولكن نصفها مملوك له، ونصفها مغصوب من جاره، فإن لها في هذه الحالة الخمسة المملوكة له، ولها نصف مهر المثل، سواء كان مساوياً لقيمة المغصوب أو أكثر أو أقل، وإذا سمى لها شيئاً مملوكاً، وشيئاً لا يصح أن يملك، ولا قيمة له في نظر الشرع، كما إذا مهرها عشرة جنيهات وخمس زجاجات من الخمر، فإن لها الجنيهات المملوكة، أما الخمر فإنه يعتبر خلاً، ثم ينظر فيه، فإن كانت قيمة الخمر كقيمة الخل فرضاً، كان لها خمس زجاجات من الخل وزناً أو كيلاً، وإلا قوم الخمر، واستحق قيمة الخل التي تعادل قيمة الخمر المذكور.
وإذا قال شخص لآخر: زوجتك بنتي، وبعتك حمارها بجملك هذا، فإنه يصح العقد والبيع والمهر، ولكن يوزع الجمل على قيمة الحمار.
ومهر المثل، فإذا كان مهر المثل عشرة جنيهات، وقيمة الحمار خمسه، كان الصداق ثلثا قيمة الجمل، وثلثه عن الحمار.
فلو االزوج قبل الدخول كان له نصف العشرة التي اعتبرت صداقاً.
وإنما يصح ذلك إذا رضيت الزوجة بذلك.
أما إذا لم ترض، وكان حمارها يساوي أكثر، فإن البيع يبطل، وكذا إذا كان مهر مثلها أكثر، فإن لها أن تطالب بما يكمل مهر المثل، ولو قال له: زوجتك بنتي، وبعتك حماري بهذا الجمل، فإنه يبطل البيع.
والصداق معاً، لأن جواز جمع الصفقة بين مختلفي الحكم من بيع ونكاح، إنما يجوز إذا كان المعقود عليه متعلقاً بواحد.
الحنفية - قالوا: مثال الأول أن يتزوجها على مائة جنيه.
وعلى طلاق ضرتها فلانة.
فإنه جعل المهر مركباً من مال - وهو المائة - ومما ليس بمال وهو طلاق ضرتها - وفي هذه الحالة يقع عليه الطلاق في الحال بالعقد ويكون لها هي المهر المسمى لا غير.
أما إذا تزوجها على مائة.
وعلى أن يطلق فلانة، فإن فلانة لم تطلق بالعقد طبعاً، لأنه وعد بتطليقها في المستقبل، فإن طلقها فذاك، وإن لم يطلق كان لامرأته الجديدة تمام مهر المثل إن كان المسمى ناقصاً عنه، وإلا فلا شيء لها، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على ألف.
وهدية يهديها إليها، فإن لها الحق في المطالبة بتكملة مهر المثل إن كان المسمى أقل، وإلا فلا شيء لها.
وإذا سمى مالاً حلالاً.
ومالاً حراماً، كما إذا قال لها: تزوجتك على عشرة دراهم.
وعشرة أرطال من الخمر، أو على عشرة دراهم، وخنزير سمين مثلاً.
فإن العقد يصح، ويكون لها العشر دراهم لا غير، أما الخمر.
والخنزير فلا تستحق في مقابلهما شيئاً، خلافاً للشافعية، كما تقدم، وليس لها أن تطالب بمهر المثل إذا كانت العشرة أقل من مهر المثل، لن الخمر والخنزير لا منفعة فيهما عند المسلمين، فلا حق لها في مقابلهما، فإذا ذكر أقل من العشرة كان لها المطالبة بما يكمل لها العشرة.
وإذا تزوجها على مائة جنيه.
وعلى طلاق ضرتها.
وعلى أن يأخذ منها فرسها، أو عبدها، وقع الطلاق بالعقد بائناً، ثم ينظر إلى قيمة طلاق الضرة، وقيمة النصف الآخر مقابلة لنصف المائة الباقية، ويتفرع على أن هذا أنه إذا هلك الفرس في يدها قيل أن يستلمه الزوج كان له الحق في الخمسين التي قابلت نصفه، وله نصف قيمته التي قابلت نصف قيمة طلاق الضرة.
فإذا تزوجها على ألف.
وعلى أن يطلق ضرتها وعلى أن يأخذ حديقتها، كان في هذه الصورة ثلاثة عقود: عقد زواج.
وعقد بيع.
وطلاق ضرة.
فيجعل ما يبذله منقسماً على ما تبذله هي وهو قد بذل الألف.
وطلاق الضرة الذي لم يكن مالاً.
وهي قد بذلت الحديقة.
والبضع.
فصار الألف بإزاء الحديقة ونصفها بإزاء البضع.
وصار نصف قيمة طلاق الضرة بإزاء الحديقة فيكون طلاقاً في مقابلة مال - وهو الخلع - فالرجل طلق الضرة في مقابلة نصف الحديقة التي أخذها من الزوجة الجديدة وصار النصف الآخر بإزاء البضع.
وهو ليس بمهر، لأنه ليس مالاً ولكن أصبح حقاً للمرأة الجديدة، فلا يخلو إما أن يطلقها قبل الدخول.
أو بعده.
وعلى كل إما أن يكون قد طلق ضرتها أو لا، فالصور أربع: إحداها: أن يطلق الجديدة قبل الدخول مع كونه قد طلق ضرتها.
فإن كانت قيمة الحديقة تساوي قيمة مهر المثل استحق الزوج كل الحديقة وربع الألف التي دفعها أو هي مائتان وخمسون وذلك لأننا جعلنا نصف الحديقة في مقابلة نصف الألف والنصف الثاني في مقابلة نصف طلاق الضرة، وجعلنا نصف البضع في مقابل نصف الألف الثانية، ونصفه الأخرى في مقابلة نصف طلاق الضرة، فإذا طلق الضرة فقد استحق بذلك نصف الحديقة، وبقي النصف الآخر يستحقه بنصف الألف الذي يقابله، فكانت له كل الحديقة، وبقي ما تستحقه هي في مقابلة البضع، وهو نصف الألف.
ونصف طلاق الضرة، فبقي لها نصف الألف خمسمائة، تستحق نصفها بالطلاق قبل الدخول، وهو مائتان وخمسون.
الصورة الثانية: أن يطلقها قبل الدخول، ولم يطلق ضرتها، وفي هذه الحالة يكون للرجل نصف الحديقة فقط في مقابل نصف الألف، والخمسمائة الأخرى إن كانت تساوي مهر مثلها، كان له نصفها وهي مائتان وخمسون، وإلا كمل لها نصف مهر المثل.
الصورة الثالثة: أن يطلقها بعد الدخول، مع كونه قد طلق ضرتها، وفي هذه الحالة يكون لها الألف كاملة، وتكون له الحديقة كاملة.
الصورة الرابعة: أن يطلقها بعد الدخول، مع كونه لم يطلق ضرتها، وفي هذه الحالة تستحق المرأة مهر المثل كاملاً، ولا يستحق الرجل شيئاً، وإذا سمى لها مهراً فوجد بخلاف المسمى، فهو يحتمل أربعة أوجه أيضاً.
الوجه الأول: أن يذكر حراماً ويشير إلى حرام، كأن يقول لها: تزوجتك على هذا الدن من الخمر - وهو خمر - وفي هذه الصورة يبطل المسمى.
ويثبت لها مهر المثل.
الوجه الثاني: أن يذكر حلالاً ويشير إلى حلال يختلف معه في الجنس، كذا الدن من الزيت وهو مملوء خلاً، وفي هذه الصورة يجب لها الزيت الموجود في الدن.
الوجه الثالث: أن يذكر حراماً ويشير إلى حلال، كهذا الدن من الخمر، وهو مملوء زيتاً، وفي هذه الحالة يكون لها الزيت الموجود في الدن.
الوجه الرابع: عكس هذا، وهو أن يذكر حلالاً ويشير إلى حرام، كهذا الدن من الخل، فإذا هو خمر، وفي هذه الحالة يكون لها مهر المثل.
المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهراً حلالاً فوجدته حراماً، كأن قال لها: تزوجتك بهذه القلة من الخل فوجدته خمراً بعد فتح القلة، فإنه في هذه الحالة يصح العقد والتسمية، ويكون لها قيمة الخل، وذلك نظير ما إذا سمى لها فرساً، وقبضتها فوجدتها معيبة، فإن لها الحق في فرس سليم من العيب، وكذا إذا قال لها: تزوجتك بهذه القلة من الخمر، ولكنها كانت في الواقع خلاً، فإنه يصح، بشرط أن يتراضيا على ذلك، أما إذا لم يتراضيا كان لهما فسخ العقد قبل الدخول، فإن العقد قابل للطعن من كل منهما، إذ لها أن تقول: إنك لم تمهرني خلاً، وله أن يقول: إنني لم أسم لك الخل، وهذه الحالة بخلاف ما إذا عقد شخص على امرأة، وهو يظن أنها في عدة الغير، ثم تبين أنها في الواقع غير معتدة، فإن العقد لازم لهما، ولا يصح أن يتخلص منه بأنه عقد عليها وهو يظن أنها معتدة فإذا سمى لها مهراً حلالاً وحراماً، كأن تزوجها على مائة دينار ومائة أقة من الخمر مثلاً، فإن المرأة تستحق بذلك الأكثر من المسمى الحلال.
ومهر المثل، فإن كان مهر مثلها يساوي مائة وعشرين ديناراً مثلاً أخذتها، وإن كان يساوي تسعين ديناراً أخذت المائة التي سماها، ويصرف النظر عن الخمر الذي ذكره مصاحباً للحلال، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على مائة حالة.
ومائة مؤجلة بأجل مجهول لموت.
أو طلاق مثلاً، فإنه يصرف النظر عن المائة المجهولة، ولها الأكثر من مهر مثلها والمائة المعلومة.
أما إذا جمع بين عقد النكاح وغيره من العقود، كعقد البيع.
أو القرض أو الشركة أو الجعالة أو غير ذلك، فإن النكاح يقع فاسداً، ويفسخ قبل البناء.
ويثبت بعده بصداق المثل، وعلة ذلك أن بين أحكام البيع.
وأحكام النكاح تناف، فلا يصح الجمع بينهما، فإن النكاح مبني على المكارمة.
وغيره من العقود مبني على المشاحة، وإذا فات المبيع على المشتري قبل الدخول بها لزمتها القيمة، أما بعد الدخول، فيلزم البيع بقيمة المبيع وإن لم يحصل فيه مفوت، لأنه تابع للنكاح.
مثال ذلك أن تتزوجه على داره المملوكة وتعطيه مائة جنيه من مالها، فهنا عقدان: عقد نكاح وعقد شراء للدار، فبعض الدار في مقابل المائة جنيه، وذلك عقد بيع منه لها "وبعضها في مقابل عصمتها" وهو عقد زواج، وذلك فاسد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل، ويلزم البيع ضمناً بقيمة المبيع، بحيث تحتسب قيمته وما دفعته وما تستحقه من مهر المثل ويأخذ كل حقه، أما إذا طلقها قبل الدخول، ولم يتغير المبيع، فلا يترتب على العقد شيء، أما إذا نقصت قيمته لسبب من الأسباب، كان له الرجوع بالقيمة ويجوز أن يجتمع عقد البيع.
والنكاح في نكاح التفويض، وهو عقد لا يسمى فهو المهر، ولا يتفق على إسقاط المهر، كأن يقول الولي للزوج: بعتك داري بمائة، وزوجتك ابنتي تفويضاً، لأنه في هذه الحالة أعطاه الدار كمعونة له، وللزوجة طلب فرض مهر لها فإن فرض لها الزوج مهر المثل لزمها النكاح بما فرضه لها.
واستحقته كله بالدخول.
أو الموت ونصفه بالطلاق قبل الدخول.
أما إذا فرض لها أقل من مهر مثلها.
فإنه يلزمها النكاح إلا إذا رضيت به.
الحنابلة - قالوا: إذا سمى لها شيئين بعضهما يصلح للصداق: وبعضهما لا يصلح، أخذت الصالح، وكان لها الحق في المطالبة بقيمة غير الصالح، فإذا تزوجها على جملين، أحدهما مملوك له.
والآخر مغصوب، أخذت المملوك، وطالبت بقيمة المغصوب، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على عبدين مملوك له ونصفه مستحق للغير كان لها الخيار بين أخذ نصفه، والمطالبة بقيمة النصف الآخر، أو ترك الكل، والمطالبة بقيمة الجمل مشار إليهما، فظهر أن أحدهما عبد والآخر حر فإنها تستحق الرقيق.
وتطالب بقيمة الحر المفروض عبداً، وإن تزوجها على جمل نصفه بتمامها، لأن الشركة عيب توجب الخيار للمرأة، ومثل ذلك ما إذا تزوجها على أرض قدرها ألف ذراع، فوجدتها ثمانمائة فهي مخيرة بين أخذ ما وجدته، والمطالبة بقيمة ما بقي لها من ثمن المائتين، أو رد الأرض كلها، وأخذ قيمتها.
وإذا سمى لها صداقاً حلالاً، ثم تبين أنه حرام.
أو مغصوب، كان لها مثله، فإذا قال لها: تزوجتك على هذا الدن من الخل، فتبين أنه خمر، كان لها الخل الذي رضيت نه، وإذا قال لها: تزوجتك على هذا الخمر، فيبين أنه خل صح، وكان لها الخل، ومثل ذلك ما إذا قال لها: تزوجتك على هذه الفرس التي يملكها فلان، وثبت أنها ملكه هو، صح وكانت لها الفرس) .
ثالثها: أن لا يكون الصداق مغصوباً، فإذا سمى لها صداقاً مغصوباً لم يصح الصداق ويصح العقد، وكان لها مهر المثل.
رابعها: أن لا يكون مجهولاً، وفيه تفصيل (المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهراً مغصوباً غير مملوك له، فإن كان معلوماً لهما، وهما رشيدان، فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين.
أو أحدهما صغيراً، فالمعتبر علم الولي بالغصب، فمتى كان عالماً بأن الصداق غير مملوك للزوج، فسد العقد على الوجه المذكور، أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب، وعلم الزوج فإن النكاح يصح، وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه، رجعت على الزوج بمثله، إن كان له المثل، وإلا رجعت عليه بقيمته، والفرق بين الحالتين، أنهما في الصورة الأولى، قد أقدما على العقد بدون مهر، لأن المغصوب معدوم، فلا يصح جعله مهراً، فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر، أما في الصورة الثانية.
فإن العلم من جانب واحد، وهو الزوج، فلا يضر.
الحنفية - قالوا: إذ سمى لها مالاً مغصوباً، كأن تزوجها على هذا الجمل، أو على هذه الحديقة، أو على هذا العبد، وهي غير مملوكة له، فإن العقد صحيح.
والتسمية صحيحة، سواء علما بذلك أو جهلاه، ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى، وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل، وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة، هما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة، والحنفية، في التفصيل المذكور.
) (المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهراً مغصوباً غير مملوك له، فإن كان معلوماً لهما، وهما رشيدان، فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين.
أو أحدهما صغيراً، فالمعتبر علم الولي بالغصب، فمتى كان عالماً بأن الصداق غير مملوك للزوج، فسد العقد على الوجه المذكور، أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب، وعلم الزوج فإن النكاح يصح، وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه، رجعت على الزوج بمثله، إن كان له مثل، وإلا رجعت عليه بقيمته، والفرق بين الحالتين، أنهما في الصورة الأولى، قد أقدما على العقد بدون مهر، لأن المغصوب معدوم، فلا يصح جعله مهراً، فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر، أما في الصورة الثانية.
فإن العلم من جانب واحد.
وهو الزوج، فلا يضر.
الحنفية - قالوا: إذا سمى لها مالاً مغصوباً، كأن تزوجها على هذا الجمل، أو على هذه الحديقة، أو على هذا العبد، وهي غير مملوكة له، فإن العقد صحيح.
والتسمية صحيحة، سواء علما بذلك أو جهلاه، ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى، وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل، وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة وهما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة، والحنفية، في التفصيل المذكور.
الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على صداق مجهول.
فلا يخلو إما أن يذكر جنسه بدون تقييد بنوع، أو يذكر جنسه مقيداً بنوع، ولكن لم يصفه بصفة تميزه عن غيره.
مثال الأول: أن يتزوجها على ثوب، أو دابة أو حيوان، وبيان كون هذه الأشياء أجناساً عند الفقهاء أنها مقولة على كثيرين مختلفين في الحكم، وذلك في الثوب يطلق على الكتان والقطن والحرير وحكمها مختلف، فإن الحرير لا يحل لبسه بخلاف القطن والكتان فالثوب جنس وكذلك الحيوان والدابة.
فإن تحتهما الحمار والفرس والشاة، مما تختلف أحكامها اختلافاً ظاهراً، فهذه الأشياء أجناس.
وما تحتها أنواع عند الفقهاء، بخلاف الجنس المنطقي، فإن المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة لا في الأحكام، وعلى هذا يكون الإنسان جنساً عند الفقهاء دون المناطقة، لأن تحته الذكر والأنثى.
وأحكامهما الفقهية تختلف، فإذا ذكر ثوباً بدون أن يبين نوعه، فيقول: من كتان، أو قطن أو حرير فإنه يقال إنه ذكر الجنس بدون أن يقيده بالنوع، وحكم هذا أن التسمية لا تصح أصلاً، والقاعدة أن كل ما لا تصح فيه التسمية يثبت فيه مهر المثل ذلك ما إذا تزوجها على الحيوان، ولم يبين أنه فرس، أو جمل، أو حمار مثلاً، فإن التسمية تلغو ويثبت فيه مهر المثل، وهكذا في كل تسمية للجنس بدون نوعه، فإذا قيده بنوعه ولكن لم يصفه بصفته المميزة له عن غيره، كما إذا قال لها: تزوجتك بثوب من الكتان.
أو القطن أو الحرير، أو قال لها: تزوجتك بفرس أو بغل، أو حمار، ففي هذه الحالة تصح التسمية، ويكون لها الوسط من ذلك، فتأخذ الثوب الذي ذكر نوعه من الوسط، وهلم جرا على أن يكون للزوج الخيار بين أن يسلم النوع الوسط أو قيمته، ويعتبر الوسط بغلاء السعر ورخصه على المعتمد، فلا يشتري لها غالياً ولا رخيصاً، بل يشتري لها الوسط، أما إذا ذكر لها الجنس مقيداً بنوعه، ثم وصفه بصفته المميزة له، كما إذا تزوجها على ثوب من الحرير البلدي الجيد كان لها المسمى، فإذا لم يذكر الجيد كان لها الوسط كالأول، وهكذا إذا ذكر لها حيواناً.
أو عرض تجارة، فإذا تزوجها على مكيل أو موزون، فإن علم وصفه وجنسه كما إذا تزوجها على إردَبّ من القمح البعلي الصعيدي الخالي من الشعير، فإنه يتعين المسمى، ويكون كالعرض الموصوف، وإن لم يعلم وصفه، كان الزوج مخيراً بين أن يدفع الوسط.
أو القيمة.
وإذا تزوجها على هذا الفرس، أو هذا الفرس وأشار لها إلى فرسين، وكان أحدهما أقل من الآخر حكم بمهر المثل، فإن كان يساوي أحسنهما، كان لها، وإلا كان لها الأوكس، فإذا طلقها قبل الدخول، كان لها نصف الأوكس بلا خلاف.
وإذا تزوجها على جهاز بيت، كان لها وسط ما يجهز به النساء عادة.
المالكية - قالوا: إذا سمى لها مهراً مجهولاً جهالة فاحشة، كما إذا تزوجها بثمرة لم تنبت بشرط بقائها حتى تنضج فإنه لا يصح، ويقع العقد فاسداً يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل، أما إذا سمى لها ثمرة لم يبد صلاحها بشرط قطعها، فإنه يصح وإذا سمى لها مهراً مجهولاً جهالة يسيرة، فإنه يصح، كما إذا سمى لها عشرة جنيهات، وأطلق، وكان في البلد الجنيه المصري والجنيه الأفرنجي، فإنه يصح، وتأخذ العشرة من العملة الغالية، فإن سمى لها أشياء متساوية، أخذت من كل صنف بنسبة ما تستحق، فإن كانت المعاملة بصنفين وأخذت النصف من كل صنف، ومثل ذلك ما إذا سمى لها عشرة جمال ولم يصفها أو سمى لها عشرة عبيد كذلك، فإنها تأخذ العشرة من الصنف الوسط، ولا تضر الجهالة في مثل ذلك.
وكذا إذا تزوجها على أن يجهز لها الحق في الجهاز الوسط الحنابلة - قالوا: إذا سمى لها مجهولاً، كدار غير معينة.
أو دابة مبهمة.
أو متاع بيته أو ما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، فإن الصداق لا يصح للجهالة، وإذا سمى لها ما لا قيمة له كتمرة، فإنه لا يصح أيضاً، وذلك لأن الصداق يجب أن يكون له نصف قيمة، إذ لو طلقت قبل الدخول كان لها نصف الصداق، فلو سمى ما لا قيمة له لم يبق لها ما تنتفع به، وهذا رأي، وبعضهم يقول: إن هذا ليس بلازم، بل يجوز الصداق بالقليل الذي لا قيمة له كالحبة.
والثمرة، وهو ظاهر المذهب، وعلى كل حال فهي تستحق مهر المثل إذا سمى مجهولاً.
أو ما يصح.
وتغتفر الجهالة اليسيرة، كما إذا أصدقها جملاً من جماله الكثيرة.
أو فرساً من خيله.
أو بغلاً من ولا يشترط أن يكون الصداق خصوص الذهب والفضة، بل يصح بعروض التجارة وغيرها من حيوان.
وأرض.
ودار.
وغير ذلك مما له قيمة مالية.
وكما يصح بالأعيان يصح بالمنافع أيضاً، كمنافع الدار.
والحيوان.
وتعليم القرآن.
وغير ذلك، على تفصيل المذاهب بغاله أو ثوباً من هذين الثوبين، فإن التسمية في كل ذلك تصح، ويكون لها واحد من بين ما ذكره لها بالقرعة، لأنه إذا صح أن يكون صداقاً استحقت واحداً غير معين، فوجبت القرعة للتعيين.
الشافعية - قالوا: إذا سمى لها صداقاً مجهولاً في الجنس.
أو الوصف، كما إذا قال لها: تزوجتك على أحد هذين الثوبين.
أو الفرسين أو قال لها: تزوجتك على جمل من جمالي فإن التسمية لا تصح ويكون لها مهر المثل) .
(الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على أعيان مكيلة.
أو موزونة.
أو معدودة، وكانت قيمتها وقت العقد تساوي عشرة دراهم فأكثر، ثم نقصت قبل التسليم عن عشرة، فليس لها حق في المطالبة إنما يكمل العشرة، لأن المعتبر قيمتها وقت العقد، أما لو تزوجها على أعيان تساوي قيمتها وقت العقد ثمانية، فإنها تطالب بالاثنين، ولو ارتفعت قيمتها إلى عشرة وقت التسليم.
وإذا تزوجها على منافع الأعيان من سكنى داره.
أو ركوب دابته.
أو الحمل على جمله أو زراعة أرضه مدة معلومة، فإن التسمية تكون صحيحة، وتجب لها المنفعة التي سماها بلا خلاف أما إذا تزوجها على منافع معنوية، كتعليم القرآن.
والفقه.
ونحو ذلك من علوم الدين، أو على تعليم الحلال والحرام، ففيه خلاف.
وظاهر المذهب أنه لا يجوز، ولكن المتأخرين من الحنفية قد أفتوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
والعلوم الدينية للضرورة.
إذ ربما لا يوجد من يعلمها مع وجوبها على المسلمين كما تقدم في مباحث الإجارة.
والقاعدة أن الذي تصلح عليه الأجرة.
يصح جعله مهراً.
لأن الأجرة مال متقوم يقع في مقابل المهر: وعلى هذا تجوز الفتوى بصحة جعل تعليم القرآن والفقه مهراً على التحقيق وقد اعترض بعضهم على ذلك من ناحية أخرى وهي أن الزوج في هذه الحالة يكون خادماً للمرأة، وخدمة الرجل الحر للمرأة محرمة، فلا تصح أن تكون مهراً، ولكن هذا الاعتراض لا قيمة له لأن معلم القرآن والعلم لا يقال له خادم، بل هو سيد عرفاً أما غير التعليم بأن تزوجها على طاعة من الطاعات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها كأن تزوجها على أن يحج بها، فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا تزوجها على طلاق امرأة بدون أن يضم ذلك إلى مال فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل، وكذلك إذا تزوجها على أن يكون خادماً لها، وهو حر لا عبد فإنه لا يصح، وذلك لأن للزوج حق القيام على المرأة فلو أصبح خادماً لها بعقد كان ممتهناً، إذ يكون لها الحق في أن تستعمله استعمال السيد لعبده، وذلك لا يجوز بخلاف ما إذا كان عبداً بطبيعته، ورضيت به زوجاً، فإنه يصح أن يتزوجها على أن يكون خادماً لها، لأن صفته هذه لازمة له: فلا مانع من أن يخدم امرأته.
وليس من الخدمة المهينة أن يتزوجها على أن يزرع لها أرضها.
أو يرعى لها غنمها مدة معينة فإنه يصح أن يكون ذلك مهراً على الصواب، وذلك لأنهم قالوا في الإجارة: لا يجوز للولد أن يستأجر أباه للخدمة، ولكن يجوز أن يستأجره للرعي، والزراعة، لأنه لا امتهان في الحالة.
وليس من الخدمة المهينة أيضاً أن يتزوجها على أن يرعى غنم أبيها، كما وقع لموسى مع شعيب عليهما السلام، مما قصه الله علينا في القرآن، وشرع من قبلنا شرع لنا عند عدم ناسخ، وفي هذه الحالة يضمن الولي للزوجة مهر المثل.
وإذا تزوجها على خدمة امرأة حرة، فإنه يصح متى رضيت المرأة، أما إذا تزوجها على أن يخدمها رجل حر غيره برضاء ذلك الرجل، مدة معينة.
فإن ترتب على خدمة ذلك الرجل الأجنبي مخالطة تفضي إلى الانكشاف والفتنة.
فإنه لا يجوز ويكون للزوجة قيمة خدمته مهراً وإن لم يترتب عليها هذا المحظور، فإنه يصح وتسلم إليها خدمته، وإذا لم يرض ذلك الرجل بالخدمة، ثبت للمرأة قيمة الخدمة، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، على أن يخدمها رجل حر مدة غير معينة.
فإن فيها التفصيل المتقدم، من الجواز عند عدم الفتنة، والمنع عند الفتنة.
المالكية - قالوا: إن المهر يصح أن يكون عيناً من ذهب.
أو فضة.
أو عرض تجارة.
أو حيوان.
أو دار.
أو نحو ذلك، وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه.
أو سكنى الدار.
أو خدمة العبد، ففيها خلاف، فقال مالك: إنها لا تصلح مهراً ابتداء أن يسميها مهراً وقال ابن القاسم: تصلح مهراً مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعاً.
ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهراً، فإن العقد يصح على المعتمد، ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها، وهذا هو المشهور، فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء، وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل.
الشافعية - قالوا: يصح الصداق بالمنفعة، والقاعدة عندهم أن كل ما صح ثمناً في البيع صح صداقاً، فيصح أن يشتري داراً بمنفعة أرضه الزراعية مدة معلومة، فكذلك يصح أن تجعل هذه المنفعة صداقاً، فكل عمل يستأجر عليه من تعليم قرآن.
وفقه.
ونحوهما، وتعليم صناعة، كنسج.
وخياطة، أو يتزوجها على أن يخيط لها ثوباً أو يبني لها داراً، أو يقوم لها بالخدمة، ولو حراً، فإنه يصح أن يكون صداقاً، كما يصح أن يكون ثمناً.
وقد أورد على قولهم: كل ما صح ثمناً، صح صداقاً، انه لو تزوج عبد امرأة حرة على أن يكون مملوكاً لها، فإنه لا يصح، بل يبطل النكاح، لأن كونه مملوكاً ينافي كونه زوجاً لها، إذ لا يجوز أن يتزوج العبد سيدته، ولكن العبد يصح أن يكون ثمناً لشيء آخر، فقولهم: كل ما يصح ثمناً، يصح مهراً لا يطرد، وأيضاً لو جامع شخص أمه بشبهة، وجاءت منه بولد، ثم اشتراها وكبر ولده، فأراد أن يجعلها مهراً لابنه في عقد زواجه، فإنه لا يصح، لأن معنى ذلك أنها تدخل في الولد أولاً حتى يصح كونها صداقاً، ومتى ملكها عتقت عليه، وبذلك تكون حرة فلا تصلح أن تكون صداقاً، وهي تصح أن تكون ثمناً لشيء آخر.
وذكر بعضهم مثالاً آخر، وهو ما إذا كان معه ثوب واحد يتوقف عليه ستر عورته، فإنه لا يصح جعله صداقاً، وإن صح جعله ثمناً، ولكن هذا المثال ليس بشيء.
لأنه متى توقف عليه ستر العورة، فإنه لا يصح جعله صداقاً وثمناً، وهو ظاهر، والجواب عن هذا أن المراد بقولهم: كل ما صح ثمناً صح صداقاً في الجملة بحيث إذا لم يمنع آخر، كما في الأمثلة المذكورة، فإن الذي منع كونها صداقاً ما عرض لها من الحرية ومنافاة كون العبد زوجاً لسيدته.
الحنابلة - قالوا: يصح المهر بالمنافع كما يصح بالأعيان، فلو تزوجها على أن يرعى لها غنمها أو يزرع لها أرضها.
أو نحو ذلك، فإنه يصح بشرط أن تكون المنفعة معلومة، فإن كانت مجهولة فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، ويصح للحر أن يتزوج امرأة على أن يخدمها مدة معلومة.
أو على أن يأتي لها بخادم حر يخدمها مدة معلومة.
والعبد من باب أولى، وكذلك يصح أن يتزوجها على عمل معلوم، كخياطة ثوب معين، سواء خاطه هو، أو غيره، فإن تلف الثوب قبل خياطته كان عليه نصف قيمة أجرته، وإن طلقها قبل الدخول.
وقبل خياطته كان عليه نصف خياطته إن أمكن وإلا فعليه نصف الأجرة، وكذلك يصح أن يتزوجها على تعليم أبواب من الفقه أو الحديث.
أو على تعليم شيء مباح من الأدب.
والشعر، أو تعليم صنعة.
أو كتابة أو غير ذلك مما يجوز أخذ الأجرة عليه فإنه يصح، ويلزم به إن تعذر عليه تعليمها، فإن طلقها قبل الدخول.
وقبل تعليمها، فإنه يلزم أجرة تعليمها، وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة، إن كانت الفرقة من قبله، أما إن كانت بسببها، فإنه يرجع عليها بكل الأجرة.
هذا، ولا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقاً" فإذا قال لها: تزوجتك على أعلمك القرآن.
أو بعضه، فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، وما ورد في حديث الواهبة نفسها، من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "زوجتك إياها بما معك من القرآن".
فإن معناه بسب كونك من أهل القرآن، فلم يكن مهراً، ولم يشر في الحديث إلى التعليم.
ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بهذا الرجل، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج غلاماً على سورة من القرآن، ثم قال: " لا تكون بعدك مهراً"، رواه البخاري، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، ولكن المتأخرين أفتوا بجواز تعليم القرآن مهراً، كما ذكرنا وعلى هذا تكون المذاهب في هذه المسألة هكذا: تعليم القرآن لا يجوز أن يكون صداقاً عند الحنابلة بلا خلاف ويجوز أن يكون صداقاً عند الشافعية بلا خلاف، ويمتنع عند المالكية ابتداء على المعتمد، فإن وقع بالفعل نفذ، لأن بعض أئمتهم يقول بجوازه.
والظاهر من مذهب الحنفية المنع، وهو المذكور في فتاوي المتقدمين، كالحنابلة، وأجازه المتأخرون للضرورة، قياساً على جواز أخذ الأجرة عليه للضرورة) .
What's Your Reaction?






