فصل ما ينعقد به
الاحرام
فصل ما ينعقد به
الاحرام
فَصْلٌ وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ
وَحَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيَحْرُمُ عَقِبَ فَرْضٍ إنْ كَانَ أَوْ نَفْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ.
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ الِاشْتِرَاطُ إنْ كَانَ خَائِفًا وَإِلَّا فَلَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ إنْ سَاقَ هَدْيًا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
اعْتَمَرَ وَحَجَّ فِي سَفْرَتَيْنِ أَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ بِسَفْرَةٍ ثُمَّ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَتَمَتَّعُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَارِنًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا وَالتَّمَتُّعُ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَعَلَى هَذَا مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ بِالِاتِّفَاقِ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ أَنْ تُغَطِّيَ وَجْهَهَا بِمُلَاصِقٍ خَلَا النِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ، وَيَجُوزُ عَقْدُ الرِّدَاءِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ
فِيهِ.
وَمَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ إذَا مَرُّوا عَلَى الْمَدِينَةِ فَلَهُمْ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ مَقْطُوعِ الْكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ، وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ
وَيُجْزِئُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى رَطْلَا خُبْزٍ عِرَاقِيَّةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأُدْمٍ وَمِمَّا يَأْكُلُهُ أَفْضَلُ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَالْمُحْرِمُ إنْ احْتَاجَ وَقَطَعَ شَعْرَهُ لِحِجَامَةٍ أَوْ غُسْلٍ لَمْ يَضُرَّهُ، وَالْقَمْلُ وَالْبَعُوضُ وَالْقُرَادُ إنْ قَرَصَهُ قَتَلَهُ مُحَابًّا وَإِلَّا فَلَا يَقْتُلُهُ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّحْلِ وَلَوْ بِأَخْذِ كُلِّ عَسَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
وَفِي الطَّوَافِ وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ لَا الْجَهْرُ بِهَا، فَأَمَّا إنْ غَلَّطَ الْمُصَلِّينَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذًا، وَجِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الطَّوَافِ، والشَّاذِرْوَانُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ جُعِلَ عِمَادًا لَهُ، وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَمَسْحُهُ إجْمَاعًا فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى، وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُ جَبَلِ الرَّحْمَةِ إجْمَاعًا.
وَتَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّةُ الْحَجِّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا بِحَسَبِ النَّاسِ، وَالْوُقُوفُ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، يُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهِ، إذَا حَلَّ لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا، وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ.
وَمَنْ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُبَاحٌ فَقَدْ غَلِطَ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ قُدُومٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَالْمُتَمَتِّعُ يَكْفِيهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ كَالْقَارِنِ، وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ
كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى عَقْدِ النِّكَاحِ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ إلَّا النِّسَاءَ.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ خَرَجَ إنْسَانٌ غَيْرُ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا يُوَدِّعُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ لَا يُوَدِّعُ الْبَيْتَ ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ.
وَيَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ اتِّفَاقًا، وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ لِعُمْرَةِ تَطَوُّعٍ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ عَلَى عَهْدِهِ لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ بِهَا بَلْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا، وَطَوَافُهُ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ
الْخُرُوجِ اتِّفَاقًا وَخُرُوجُهُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَاَلَّذِينَ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ لِلطَّوَافِ لَيْسَ مَعَهُمْ دَلِيلٌ أَصْلًا وَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَافَ تَوَضَّأَ» فَهَذَا لَا يَدُلُّ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثُ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» يَدْخُلُ
فِيهِ مَنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ حَجَّةَ الْمُتَمَتِّعِ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ.
وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ مَالٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا.
وَمَنْ جَرَّدَ مَعَ الْحَاجِّ أَوْ غَيْرِهِ وَجَمَعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُقْطَعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ تَبُوكَ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمَا يَذْكُرُهُ الْجُهَّالُ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَالْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ كَالْمُحْصَرِ بِعَدُوِّ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمِثْلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مَقَامُهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا وَرَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ، وَالْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ دَمٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ حَجِّهِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.