باب الاجارة

باب الاجارة

باب الاجارة
وَهَلْ تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِيهِ وَجْهَانِ يَثْبُتَانِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ شَبَهٌ بِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّابَّةَ بِعَلَفِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِابْنِهِ وَلَوْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ نَفَقَتَهُ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ إجَارَةٍ لِابْنِهِ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ تَبَعًا لِنَصِّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ بِهَا مَوْرِدَ النَّصِّ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا نَصُّهُ. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لَبَنَهُ فَنَقَصَ عَنْ الْعَادَةِ كَبَعِيرِ الْعَادَةِ بِبَعِيرِ الْعَادَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ بِمَلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَأَمَّا الْأَرْشُ فَيَجُوزُ إجَارَةُ مَا قَنَاهُ مُدَّةً وَمَا قَابَضَ تَرْكُهُ رَامَاهُ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الشَّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهِ وَالسَّمْعِ لِيَشْغَلَهُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَمِثْلُهُ وَكُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. وَيَقُومُ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ، وَغَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَأَفْتَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا كَبَيْعِ الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ حَتَّى حَدَّثَ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا فَابْتَدَعَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ إلَّا بِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ لَا يُؤَجِّرَهَا إلَّا لِعَدْلٍ أَوْ لَا يُؤَجِّرَهَا مِنْ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا أَرَاهُ أَنَّهَا شُرُوطٌ صَحِيحَةٌ، لَكِنْ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الِاسْتِيفَاءُ بِنَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ إرَادَةِ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى السُّكْنَى فِي بَيْتِ إنْسَانٍ لَا يَجِدُ سِوَاهُ، أَوْ النُّزُولِ فِي خَانٍ مَمْلُوكٍ أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَجَبَ بَدَلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ بَدَلُهُ مُحَابَاةً ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلَا بَأْسَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَارَ الْمَيِّتِ بِرُؤْيَةِ الْمَشَاعِرِ يَأْخُذُ لِيَحُجَّ وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا وَسِيلَتَهُ وَعَكْسِهِ، فَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ هَلْ يَجُوزُ إيقَاعُهَا غَيْرَ وَجْهِ الْقُرْبَةِ. فَمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَمْ يُجِزْ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بِالْعِوَضِ تَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَمِنْ جَوَّزَ الْإِجَارَةَ جَوَّزَ إيقَاعَهَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَقَالَ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ نَفْعِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ لِلَّهِ أُثِيبَ وَمَا يَأْخُذُهُ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَنْذُورُ كَذَلِكَ لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ. وَالْجُعَلُ فِي الْإِجَارَةِ إلَى مَا لَهُ الِاخْتِصَاصُ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ ثُمَّ غَرَسَهَا قَضْبًا وَانْتَقَلَ الْإِقْطَاعُ إلَى آخَرَ فَالْجُنْدِيُّ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ لَهُ فِيهَا الْقَضْبُ وَكَذَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَقُومُ ذَلِكَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِالْأَشْهُرِ فَاَلَّذِي وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِنْبَاتُ بِالْعَدَدِ، وَبَاقِي الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ تَمَامِهِ وَنُقْصَانِهِ، فَإِنْ كَانَ تَامًّا كُمِّلَ تَامًّا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كُمِّلَ نَاقِصًا، فَإِذَا وَقَعَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ مَثَلًا كُمِّلَ ذَلِكَ الشَّهْرُ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ الثَّانِي إنْ كَانَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ نَاقِصًا وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطْلِقَ فِي الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، بَلْ الْعُرْفُ كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ إجَارَتَهُ كَإِجَارَةِ النَّاظِرَ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَحْمَدَ أَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إذَا انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصِنَاعَةُ التَّنْجِيمِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَبَذْلُهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَالْقِيَامُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَإِذَا رَكِبَ الْمُؤَجِّرُ إلَى شَخْصٍ لِيُؤَجِّرَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَاكِنِ الدَّارِ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ لِأَجْلِ زِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَتَقْبَلُ الزِّيَادَةُ أَوْ أَقَلُّ فَلَا تَقْبَلُ فَهُوَ قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا فِي الْوَقْفِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ الْتَزَمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ الْتَزَمَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فِي لُزُومِهَا لَهُ قَوْلَانِ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا تَلْزَمُهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إلْحَاقَ الزِّيَادَةِ وَالشُّرُوطِ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَا يَصِحُّ، وَتَلْزَمُهُ إذَا فَعَلَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ. لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ يُلْحِقُهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ خَوْفًا مِنْ الْإِخْرَاجِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَهُمْ اسْتِرْجَاعُهَا مِمَّنْ قَبَضَهَا مِنْهُمْ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لَيْسَتْ شَيْئًا مَحْدُودًا. وَإِنَّمَا هِيَ مَا تُسَاوِي الشَّيْءَ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَحْدُثُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْكِرَاءِ أَوْ انْخِفَاضِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ تُفَّاحَةً يُحْتَمَلُ الْجَوَازُ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْمُقَصَّبَةِ لِيَقُومَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَسْقِيَهَا فَتَنْبُتُ الْعُرُوقُ الَّتِي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَسْقِي الْأَرْضَ لِيَنْبُتَ فِيهَا الْكَلَأُ بِلَا بَذْرٍ، وَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ بَعْضَ الْعَمَلِ أُعْطِي مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ ظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِحُلُولِهِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِمْ إذْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إذَا بِيعَتْ أَوْ وُرِثَتْ فَإِنَّ الْحَكْرَ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثِ وَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الْحَكْرِ أَخْذُ الْحَكْرِ مِنْ الْبَائِعِ وَمَنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ نَافِلَةً وَلَا فَرِيضَةً فِي جَنْبِهِ وَلَا يَمِينِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَإِذَا تَقَايَلَا الْإِجَارَةَ أَوْ فَسَخَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِحَقٍّ وَكَانَ حَرَثَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَ غِرَاسَ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَرْعَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً بَلْ إذَا بَقِيَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَتَرْكُ الْقَابِلَةِ وَنَحْوِهَا الْأُجْرَةَ لِحَاجَةِ الْمَقْبُولَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِهَا الصَّدَقَةَ بِهَا. وَإِجَارَةِ الْمُضَافِ يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ أَنْ يُؤَجَّرَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، وَالثَّانِي أَنْ يُؤَجَّرَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَأْخُوذِ لِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ فِي الْمُدَّةِ فَمِنْ الْحُكَّامِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ عَقِبَ الْعَقْدِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِلِازْدِرَاعِ وَنَحْوِهِ كَتَبَ فِيهَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا مَقِيلًا وَمَرَاحًا وَمُزْدَرَعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ لِتَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُمْكِنَةً حَالَةَ الْعَقْدِ وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَثِيرَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ إجَارَةِ الْمُسْلِمِ دَارِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْعِهَا لَهُمْ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَنْعِ هَلْ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فَأَطْلَقَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو مُوسَى وَالْآمِدِيُّ بِالْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا وَكَلَامِ الْقَاضِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدَنَا وَالتَّرَدُّدُ فِي الْكَرَاهَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْقِدْ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَأَمَّا إنْ أَجَّرَهُ إيَّاهَا لِأَجْلِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَاِتِّخَاذِهَا كَنِيسَةً لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ بِكِرَاءٍ؟ قَالَ: بِكِرَاءٍ،؟ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ. قُلْت: يَقُولُ أَنَا فَقِيرٌ، قَالَ: هَذَا كَسْبُ سُوءٍ. وَوَجْهُ هَذَا النَّصِّ أَنَّ تَغْسِيلَ الْمَوْتَى مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالتَّكَسُّبُ بِذَلِكَ يُؤْذِنُ بِتَمَنِّي مَوْتِ الْمُسْلِمِينَ فَنَسَبَهُ إلَى الِاحْتِكَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطَى الظِّئْرُ عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً إذَا أَمْكَنَ لِلْخَبَرِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْمُتَبَرِّعَةِ بِالرَّضَاعِ وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَقْدِيرِ عِوَضٍ وَلَا إلَى صِيغَةٍ بَلْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ إجَارَةٌ فَهُوَ إجَارَةٌ يَسْتَحِقُّ فِيهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ رَجُلٍ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى كِتَابَةِ الْعِلْمِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَكْرَهُهُ لَا نَأْخُذُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ أُجْرَةً وَكَانَ أَبُو عُيَيْنَةَ لَا يَرَاهُ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ هَذَا الْمَنْعُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَعَلَّهُ مَعَ الْغِنَى وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ": إذَا دَفَعَ إلَى دَلَّالٍ ثَوْبًا أَوْ دَارًا وَقَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا فَمَضَى وَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُشْتَرِينَ وَعَرَفَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَبِيعِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ وَأَخَذَ السِّلْعَةَ ثُمَّ بَاعَهَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ لِلْمَبِيعِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا جَعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ وَمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْوَاجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَعَلَاتِ وَتَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَسْتَأْجِرُ الْبَيْتَ إذَا شَاءَ أَخْرَجَهُ وَإِذَا شَاءَ خَرَجَ قَالَ قَدْ وَجَبَ فِيهِمَا إلَى أَجَلِهِ إلَّا أَنْ يُهْدَمَ الْبَيْتُ أَوْ يَغْرَقَ الدَّارُ أَوْ يَمُوتَ الْبَعِيرُ فَلَا يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَا اسْتَأْجَرَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا سَكَنَ أَوْ رَكِبَ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُبْطِلُ الْإِجَارَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا اشْتِرَاطُ النَّجَّارِ لَكِنَّهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ مَعَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ فَإِذَا تَرَكَ الْأَجِيرُ مَا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِالْعِمَارَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ حَقِّ أَهْلِ الْوَقْفِ وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. وَاِتِّخَاذُ الْحِجَامَةِ صِنَاعَةً يَتَكَسَّبُ بِهَا هُوَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ عِنْدَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَاتِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا لَكِنْ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِالْعِوَضِ اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ وَحِرْمَانُهُ أُجْرَتَهُ وَنُهِيَ عَنْ أَكْلِهِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ رَقِيقٍ أَوْ بَهَائِمَ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَتِهَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَفْسُدَ مَالُهُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إلَى هَذَا الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ مَا يُغْنِيه عَنْهُ إلَّا الْمَسْأَلَةُ لِلنَّاسِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ. وَإِذَا بِيعَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ أَوْ الْمَرْهُونَةُ وَنَحْوُهُمَا بِهِ تَعَلَّقَ حَقُّ غَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ بَعْدَ هَذَا لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِالْعَيْبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إلَّا إنْ بَيَّنَهُ فَكِتْمَانُهُ تَغْرِيرٌ وَالْغَارُّ ضَامِنٌ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا رَأَى عَيْبًا فَلَمْ يَنْهَهُ وَفِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ فَإِنَّ الْمَذَاهِبَ أَنَّ السُّكُوتَ لَا يَكُونُ إذْنًا فَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ لَكِنْ إذَا لَمْ يَصِحَّ يَكُونُ تَغْرِيرًا فَيَكُونُ ضَامِنًا بِحَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا كَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يُقَالُ فِيمَنْ قَدَرَ عَلَى إنْجَاءِ إنْسَانٍ مِنْ هَلَاكِهِ بَلْ الضَّمَانُ هُنَا أَقْوَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّ مَنْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ تَفْرِيقِ الصِّفَةِ.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0