باب نكاح الكفار
باب نكاح الكفار
وَالصَّوَابُ أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ الْمُحَرَّمَةَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ حَرَامًا مُطْلَقًا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا عُوقِبُوا عَلَيْهَا وَإِنْ أَسْلَمُوا عُفِيَ لَهُمْ ذَلِكَ لِعَدَمِ
اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهُ وَاخْتُلِفَ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالصِّحَّةِ إبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أُرِيدَ نُفُوذُهُ وَتَرْتِيبُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْجُمَلِ بِهِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ بِهِ فَصَحِيحٌ وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي طَرِيقَةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ لِغَيْرِ
الْمَرْأَةِ أَوْ لِوَصْفٍ لِأَنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بَعِيدٌ جِدًّا وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُمَا صِحَّةَ أَنْكِحَتِهِمْ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِحْسَانِ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَوْ قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ فَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُحَرَّمَاتِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قُلْنَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَاجِبَاتِ فَهُوَ فِيهَا
كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ.
كَذَلِكَ أُولَئِكَ تَكُونُ عُقُودُهُمْ وَفِعْلُهُمْ بِمَنْزِلَةِ عُقُودِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ صَحِيحٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْمُعَانِدَ لَمْ يُعْذَرْ لِتَرْكِهِ تَعَلُّمَهُ الْعِلْمَ مَعَ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْحَدِيثِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ قَلَّدَ فَقِيهًا فَيَتَوَارَثُونَ بِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ وَلَوْ تَقَاسَمُوا
مِيرَاثًا جَهْلًا فَهَذَا شَبِيهٌ بِقَسْمِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ إذَا ظَهَرَ حَيًّا لَا يَضْمَنُونَ مَا أَنْفَقُوا لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ وَأَمَّا الْبَاقِي فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ كَمَا فَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِ الْقِتَالِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرُدُّ بَاقِيًا وَلَا يَضْمَنُ تَالِفًا وَالْمُسْلِمُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَضْمَنُ التَّالِفَ وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مُتْلِفٍ مَعْذُورٍ فِي إتْلَافِهِ لِتَأْوِيلٍ أَوْ جَهْلٍ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ مُعْتَدَّةٌ فَإِنْ
كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا لَمْ يُمْنَعْ الْوَطْءُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ وَطْئِهِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي نَقْضِي بِفَسَادِهَا إنْ كَانَ حَصَلَ بِهَا دُخُولٌ اسْتَقَرَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ وَقَبَضَتْهُ فُرِضَ لَهَا مِثْلُ الْمَهْرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ لِأَنَّا إنَّمَا
نُقَرِّرُ تَقَابُضَ الْكُفَّارِ فِي الْمَشْهُورِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ.
فَإِذَا قَبَضَتْ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُضُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا بِثَمَنٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ لَهُ بِالثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ عَيَّنَ لَهَا مُحَرَّمًا مِثْلُ إنْ كَانَ عَادَتُهُمْ التَّزْوِيجُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ دَرَاهِمَ مَعَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْعَلُ
ذَلِكَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيَكُونُ كَمَنْ لَا أَقَارِبَ لَهَا فَيَنْظُرُ فِي عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَأَقْرَبُ الْبِلَادِ.
وَالثَّانِي: تُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا فَيَتَخَرَّجُ أَنَّ لَهَا فِي الْخِنْزِيرِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَفِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسْلَمُ يُعْرَفُ بِسُعْرِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ قَضَى بِهِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَرَضَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالتَّرَافُعَ إنْ كَانَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى مُحَرَّمٍ وَأَوْلَى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ.
فَإِيجَابُ مَهْرِهَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْضُ أَنْكِحَتِهِمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدَهُمْ بِإِعْطَاءِ مَهْرٍ وَإِذَا أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ مَا لَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ وَالْأَمْرُ إلَيْهَا وَلَا حُكْمَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُفَصِّلْ وَهُوَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ
وَكَذَا إنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا فَمَتَى أَسْلَمَتْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ إنْ اخْتَارَ.
وَكَذَا إنْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ تَغْرِيمًا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِيمَا فَوْقَ النِّصْفِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ هُنَا الْقُرْعَةُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا أَرَاهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ السَّلَامَةِ فِي الْعِدَّةِ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الْبَيْنُونَةِ بِالْإِسْلَامِ وَلَا نَفَقَةَ عِنْدَنَا لِلْبَائِنِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ تَحْتَ الصَّغِيرِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَقَالَ
الْقَاضِي لَيْسَ لِوَلِيِّهِ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ ثُمَّ قَالَ فِي " الْجَامِعِ ": يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ حَتَّى يُرَاهِقَ وَيَبْلُغَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْوَقْفُ هُنَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ فَيَقُومُ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا.
أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ وَلَيْسَ طَلَاقُ إحْدَاهُنَّ اخْتِيَارًا لَهَا فِي الْأَصَحِّ.