كتاب الجهاد
كتاب الجهاد
ِ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْجِهَادِ بِبَدَنِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِمَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِمَالِهِ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ
بِهِ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا}[التوبة: 41] فَيَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِينَ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ الْجِهَادُ فِي أَمْوَالِهِنَّ إنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ وَكَذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا كَمَا تَجِبُ النَّفَقَاتُ وَالزَّكَاةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وَاجِبِ الْكِفَايَةِ فَأَمَّا إذَا
هَجَمَ الْعَدُوُّ فَلَا يَبْقَى لِلْخِلَافِ وَجْهٌ فَإِنَّ دَفْعَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْحُرْمَةِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَقُلْت مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ
الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى إذْ الْإِمَامُ لَا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قُلْت لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ وَأَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ نَقْتُلُهُمْ بِفِعْلِنَا وَهُنَا يَمُوتُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ.
وَقُلْت أَيْضًا: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ : الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ.
وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْخَلَّالُ قَالَ الْقَاضِي إذَا تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ وَكَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ كَالْحَجِّ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ وُجُوبَ الْجِهَادِ قَدْ يَكُونُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ أَوْجَبَ مِنْ الْهِجْرَةِ ثُمَّ
الْهِجْرَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الرَّاحِلَةُ فَبَعْضُ الْجِهَادِ أَوْلَى.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَمَنْشَطِهِ وَمَكْرَهِهِ» وَأَثَرِهِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ الطَّاعَةَ الَّتِي عِمَادُهَا الِاسْتِنْفَارُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَهُنَا نَصٌّ فِي وُجُوبِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ بِخِلَافِ الْحَجِّ.
هَذَا كُلُّهُ فِي قِتَالِ الطَّلَبِ.
وَأَمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَالدِّينِ فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا فَالْعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا لَا شَيْءَ أَوْجَبَ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ دَفْعِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَرْطٌ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَلَبِهِ فِي بِلَادِهِ، وَالْجِهَادُ مِنْهُ مَا هُوَ بِالْيَدِ وَمِنْهُ مَا هُوَ بِالْقَلْبِ وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَاللِّسَانِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالصِّنَاعَةِ فَيَجِبُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْقَعَدَةِ لِعُذْرٍ أَنْ يَخْلُفُوا الْغُزَاةَ فِي أَهْلِيهِمْ وَمَالِهِمْ قَالَ الْمَرْوَزِيِّ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْغَزْوِ
فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فِي مِثْلِ الْكَانُونَيْنِ فَيَتَخَوَّفُ الرَّجُلُ إنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرَى لَهُ أَنْ يَغْزُوَ أَوْ يَقْعُدَ قَالَ لَا يَقْعُدُ الْغَزْوُ خَيْرٌ لَهُ وَأَفْضَلُ.
فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْخُرُوجِ مَعَ خَشْيَةِ تَضْيِيعِ الْفَرْضِ لِأَنَّ هَذَا مَشْكُوكٌ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ عَنْ وَقْتِهَا كَانَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْغَزْوِ مُرْبِيًا عَلَى مَا فَاتَهُ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ثَوَابُ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ أَوْ وَاجِبَاتِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ وَاجِبٍ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَزَكَّى بِدِرْهَمٍ قَالَ ابْنُ بَخْتَانَ سَأَلَتْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ الرَّجُلِ يَغْزُو قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ الْحَجِّ أَجْوَدُ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ يُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَمْ يَحُجَّ فَنَزَلَ عَلَى قَوْمٍ مُثَبِّطُوهُ عَنْ الْغَزْوِ وَقَالُوا إنَّك لَمْ تَحُجَّ تُرِيدُ أَنْ تَغْزُوَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَغْزُو وَلَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ وَلَا نَرَى بِالْغَزْوِ قَبْلَ الْحَجِّ بَأْسًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ لِمَصْلَحَةِ الْجِهَادِ كَتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِانْتِظَارِ قَوْمٍ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ لِضَرَرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَتَأْخِيرِ الْفَوَائِتِ لِلِانْتِقَالِ عَنْ مَكَانِ الشَّيْطَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَجْوَدُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي تَأْخِيرِ النَّبِيِّ إنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمًا.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْغَزْوَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَالٌ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ تَقْدِيمَ الْحَجِّ أَوْلَى كَمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ بِالشُّرُوعِ وَعِنْدَ اسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِبَعْضِهِمْ لِنَوْعِ مَصْلَحَةٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إذْ بِلَادُ الْإِسْلَامِ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ،
وَأَنَّهُ يَجِبُ النَّفِيرُ إلَيْهِ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ وَلَا غَرِيمٍ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ صَرِيحَةٌ بِهَذَا وَهُوَ خَيْرٌ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرَاتِ.
لَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَكَانِ النَّفِيرُ إذَا نَفَرَ إلَيْهِ الْكِفَايَةُ كَلَامُ أَحْمَدَ فِيهِ مُخْتَلِفٌ وَقِتَالُ الدَّفْعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا طَاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ لَكِنْ يُخَافُ إنْ انْصَرَفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ عَطَفَ الْعَدُوُّ عَلَى مَنْ يُخَلَّفُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُنَا قَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْذُلُوا مُهَجَهُمْ وَمُهَجَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِمْ فِي الدَّفْعِ حَتَّى يَسْلَمُوا وَنَظِيرُهَا
أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَكُونَ الْمُقَاتِلَةُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَإِنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلَوْا عَلَى الْحَرِيمِ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قِتَالُ دَفْعٍ لَا قِتَالُ طَلَبٍ لَا يَجُوزُ الِانْصِرَافُ فِيهِ بِحَالٍ وَوَقْعَةُ أُحُدٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي أُمُورِ الْجِهَادِ وَتَرَامِي أَهْلِ الدِّينِ الصَّحِيحِ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الدُّنْيَا دُونَ الدِّينِ الَّذِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي
ظَاهِرِ الدِّينِ فَلَا يُؤْخَذُ بِرَأْيِهِمْ وَلَا يُرَاءَا أَهْلُ الدِّينِ الَّذِينَ لَا خِبْرَةَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَقَامِ بِمَكَّةَ إجْمَاعًا.
وَلَا يُسْتَعَانُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي عِمَالَةٍ وَلَا كِتَابَةٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا وَسُئِلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي مِثْلِ الْخَرَاجِ فَقَالَ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دُيُونًا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُنْقَضُ عَهْدُهُ وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَذًى لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ سَعَى فِي فَسَادِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- عَهِدَ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَحَدًا وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَسَادِ دِيَانَتِهِمْ وَلِلْإِمَامِ عَمَلُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْمَالِ وَالْأَسْرَى لِعَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ مَكَّةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ يَقَعُ مِنْهَا التَّأْوِيلُ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ وَخَبَرَ الْمِقْدَادِ فَقَالَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُضْمَنُ الْمَقْتُولُ بِقَوَدٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا دِيَةٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ مَثَّلَ الْكُفَّارُ
بِالْمُسْلِمِينَ فَالْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ وَلَهُمْ تَرْكُهَا، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ السَّائِغِ لَهُمْ دُعَاءٌ إلَى الْإِيمَانِ وَحِرْزٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ وَلَمْ تَكُنْ الْقَضِيَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا
يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ انْتَهَى.