الوجه العشرون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اقرض احدكم قرضا فاهدى اليه
الوجه العشرون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اقرض احدكم قرضا فاهدى اليه
الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْهُنَائِيِّ قَالَ سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي
إلَيْهِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ يَحْيَى.
لَكِنْ لَيْسَ هَذَا يَحْيَى بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ صَاحِبَ الْقِرَاءَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ فَلَعَلَّ كُنْيَةَ أَبِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ الْأَوَّلُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَالثَّانِي مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ وَعُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْهُنَائِيِّ قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَأَبُو حَاتِمٍ مِنْ أَشَدِّ الْمُزَكِّينَ شَرْطًا فِي التَّعْدِيلِ،
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ يُقْصَدُ بِهَا أَنَّهُ مِمَّنْ لَيْسَ يُصَحَّحُ حَدِيثُهُ بَلْ هُوَ مِمَّنْ يُحَسَّنُ حَدِيثُهُ، وَقَدْ كَانُوا يُسَمُّونَ حَدِيثَ مِثْلِ هَذَا ضَعِيفًا وَيَحْتَجُّونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَسَنٌ إذْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ إذْ ذَاكَ مَقْسُومًا إلَّا إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ، وَفِي مِثْلِهِ يَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ خَيْرٌ مِنْ الْقِيَاسِ يَعْنِي
الَّذِي لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، إسْمَاعِيلُ بْنِ عَيَّاشٍ حَافِظٌ ثِقَةٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا ضَعُفَ حَدِيثُهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَلَيْسَ هَذَا عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَثَبَتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَكِنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ نَظَرًا وَهَذَا الرَّجُلُ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ لَكِنْ قَالَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي يَحْيَى الْهُنَائِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْهُنَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذْ هَدِيَّةً» وَأَظُنُّ هَذَا هُوَ ذَاكَ انْقَلَبَ اسْمُهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ لِي إنَّك بِأَرْضٍ الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْك حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا.
وَرَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً قَالَ رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ احْبِسْهَا لَهُ، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَأَهْدَى إلَيَّ
سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقَالَ خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ هَدِيَّةً وَلَا عَارِيَّةَ رُكُوبِ دَابَّةٍ رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.
فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ قَبْلَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهَدِيَّةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الِاقْتِضَاءَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَلْفَ بِهَدِيَّةٍ نَاجِزَةٍ وَأَلْفٍ مُؤَخَّرَةٍ وَهَذَا رِبًا.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَزِيدَ عِنْدَ الْوَفَاءِ وَيُهْدِيَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ مَعْنَى الرِّبَا.
وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْمَقَاصِدِ فِي الْعُقُودِ أَجَازَ مِثْلَ ذَلِكَ وَخَالَفَ بِذَلِكَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَمَا ذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا وَأَقْرَضَهُ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ فَيَصِيرُ الْقَرْضُ بِزِيَادَةٍ وَذَلِكَ رِبًا.
فَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ كَانَ مَقْصُودُ صَاحِبِهَا أَنْ يُقْرِضَ قَرْضًا بِرِبْحٍ وَاحْتَالَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُقْتَرِضِ سِلْعَةً بِمِائَةٍ حَالَّةٍ ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهَا بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ ابْتَاعَهَا بِمِائَةٍ حَالَّةٍ، أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً تُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسِينَ، وَأَقْرَضَهُ مَعَ ذَلِكَ خَمْسِينَ، أَوْ وَاطَأَ مُخَادِعًا ثَالِثًا عَلَى أَنْ
يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً بِمِائَةٍ ثُمَّ يَبِيعَهَا الْمُشْتَرِي لِلْمُقْتَرِضِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ يَعُودَ الْمُشْتَرِي الْمُقْتَرِضُ فَيَبِيعَهَا لِلْأَوَّلِ بِمِائَةٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْعُقُودَ يُقَالُ فِيهَا مَا قَالَهُ النَّبِيُّ: «أَفَلَا أَفْرَدْت أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ نَظَرْت» هَلْ كُنْت مُبْتَاعَهَا أَوْ بَايَعَهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَمْ لَا فَإِذَا كُنْت إنَّمَا نَقَصْتَ هَذَا وَزِدْت هَذَا لِأَجْلِ هَذَا كَانَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ
الْعِوَضِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ رِبًا، وَكَذَلِكَ الْحِيَلُ الْمُبْطِلَةُ لِلشُّفْعَةِ وَالْمُسْقِطَةُ لِلْمِيرَاثِ وَالْمُحَلِّلُ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ وَنَحْوُهُمَا.
وَفِيمَا يُشْبِهُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ» وَهُمَا الرَّجُلَانِ يَقْصِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَارَاةَ الْآخَرِ وَمُبَاهَاتَهُ فِي التَّبَرُّعَاتِ وَالتَّعْوِيضَاتِ كَالرَّجُلَيْنِ يَصْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَةً يَفْتَخِرُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ، أَوْ يُرَخِّصُ فِي بَيْعِ السِّلْعَةِ لِيَضُرَّ الْآخَرَ لِيَمْنَعَ النَّاسَ عَنْ
الشِّرَاءِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الشِّرَاءَ مِنْ الطَّبَّاخَيْنِ وَنَحْوِهِمَا يَتَبَارَيَانِ فِي الْبَيْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِطْعَامَ وَالْبَيْعَ حَلَالٌ.
لَكِنْ لَمَّا قَصَدَ بِهِ إضْرَارَ الْغَيْرِ صَارَ الضَّرَرُ كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ الْمُعَارَضِ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُبَدِّلْ الْمَالَ إلَّا لِضَرَرٍ بِالْغَيْرِ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ صَارَ ذَلِكَ الْمَالُ حَرَامًا.
وَمَنْ تَأَمَّلَ حَدِيثَ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ وَحَدِيثَ أَنَسٍ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ آثَارِ الصَّحَابَةِ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا عَلِمَ ضَرُورَةً أَنَّ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ التَّابِعِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ الْهِبَاتِ وَالْمُحَابَيَاتِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ قَرْضٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَانَ الْقَرْضُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ
مُسَاقَاةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عِوَضًا فِي ذَلِكَ الْقَرْضِ، وَالْوِلَايَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ.
وَهَذَا يَجْتَثُّ قَاعِدَةَ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ وَالرَّشَوِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى حِيَلِ السِّفَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ، فَإِذَا كَانَ إنَّمَا يَفْعَلُ الشَّيْءَ لِأَجْلِ كَذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْطُوقِ الظَّاهِرِ، فَإِذَا كَانَ حَلَالًا كَانَ حَلَالًا وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ، وَهَذَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَبَاحَ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لِمَنْ يَقْصِدُ بِهَا الصَّلَاحَ، فَقَالَ فِي الرَّجْعَةِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا}[البقرة: 228] وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 230] وَقَالَ: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}[البقرة: 231] وَقَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ}[النساء: 12] فَأَبَاحَ الْوَصِيَّةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضِرَارٌ لِلْوَرَثَةِ قَصْدًا
أَوْ فِعْلًا كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: 182] وَقَالَ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}[الروم: 39] وَقَالَ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[المدثر: 6] وَهُوَ أَنْ تُهْدِيَ لِيُهْدَى إلَيْك أَكْثَرُ مِمَّا أَهْدَيْتَ، فَإِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صُوَرَ الْعُقُودِ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي
حِلِّهَا وَحُصُولِ أَحْكَامِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا قَصْدًا فَاسِدًا، وَكُلُّ مَا لَوْ شَرَطَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ عِوَضًا فَاسِدًا فَقَصْدُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَالِحًا لَمْ يَحْرُمْ اشْتِرَاطُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَإِذَا كَانَ الْعِوَضُ الْمَشْرُوطُ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ
يُحِلُّ حَرَامًا أَوْ يُحَرِّمُ حَلَالًا فَيَكُونُ فَاسِدًا فَتَكُونُ النِّيَّةُ أَيْضًا فَاسِدَةً فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ.
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْحِيَلِ وَإِبْطَالِهَا، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا بَلْ هِيَ أَوْكَدُ الْحُجَجِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ تَقْرِيرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بَلْ وَلَا بَيْنَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ
الْمُؤْمِنُونَ خِلَافٌ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِينَا بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُكَفَّرِينَ بِبِدْعَتِهِمْ أَوْ الْمُفَسَّقِينَ بِهَا بَلْ مَنْ كَانَ يَضُمُّ إلَى بِدْعَتِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا بَعْضُهُ يُوجِبُ الْفُسُوقَ، وَمَتَى ثَبَتَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَإِبْطَالِهَا فَهُوَ الْغَايَةُ فِي الدَّلَالَةِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ: إنَّا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَالَ (لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا) ، وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ التَّحْلِيلِ وَبَيَّنُوا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِهِ لَا لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي، وَأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَا
قُصِدَ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ.
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نُقِلَتْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَضَايَا مُتَفَرِّقَةٍ وَفِيهَا مَا سَمِعَهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ وَسَايَرَهَا بِحَيْثُ تُوجِبُ الْعَادَةُ انْتِشَارَهُ وَشِيَاعَهُ، أَوْ لَمْ يُنْكِرْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ وَزَوَالِ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُظَنُّ أَنَّ السُّكُوتَ كَانَ لِأَجْلِهَا، وَأَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَعْيَانِهِمْ مِثْلِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ الْمُقْتَرِضِ إلَّا إذَا كَافَأَهُ عَلَيْهَا أَوْ حَسَبَهَا مِنْ دَيْنِهِ وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَيْضًا وَقَعَتْ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْعَادَةُ تُوجِبُ أَنْ يَشْتَهِرَ بَيْنَهُمْ جِنْسُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَا
سِيَّمَا وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ هُمْ أَعْيَانُ الْمُفْتِينَ الَّذِينَ كَانَتْ تُضْبَطُ أَقْوَالُهُمْ وَتُحْكَى إلَى غَيْرِهِمْ وَكَانَتْ نُفُوسُ الْبَاقِينَ مُشْرَئِبَّةً إلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَعَ تَبَاعُدِ الْأَوْقَاتِ وَزَوَالِ أَسْبَابِ الصُّمَاتِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ مَا أَوْجَبَ فِيهَا تَغْلِيطَ التَّحْرِيمِ وَفَسَادَ الْعَقْدِ، وَفِي الْفَتَاوَى وَقَعَتْ فِي أَزْمِنَةٍ وَبُلْدَانٍ وَلَمْ يُقَابِلْهَا أَحَدٌ بِرَدٍّ وَلَا مُخَالَفَةٍ مَعَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَكَانَ السُّكُوتُ عَنْهَا مِنْ الْعَظَائِمِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ الْعَظِيمَةِ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَمْ
يُخَالِفْ هَذَا وَأَنَّ عَقْدَهُ لَمْ يَتِمَّ.
وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ أَقْوَالُهُمْ فِي الْإِهْدَاءِ إلَى الْمُقْرِضِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا عُرْفٍ فَكَيْفَ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَى الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ؟ أَوْ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَى هِبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ؟ ثُمَّ إذَا كَانَ هَذَا قَوْلَهُمْ فِي التَّحْلِيلِ وَالْإِهْدَاءِ لِلْمُقْرِضِ وَالْعِينَةِ فَكَيْفَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ وَتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ وَقْتِهِ وَإِخْرَاجِ الْأَبْضَاعِ
وَالْأَمْوَالِ عَنْ مِلْكِ أَصْحَابِهَا وَتَصْحِيحِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ وَسَائِرَ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ، قَالَهُ عُمَرُ فِي قِصَّةِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ لَمَّا طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَك وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَك أَوْ لَأُوَرِّثَنَّ نِسَاءَكَ ثُمَّ لَأَمَرْتُ بِقَبْرِك
فَلَيُرْجَمَنَّ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَقَالَ الْبَاقُونَ فِي قِصَّةِ تَمَاضُرَ بِنْتِ الْأَصْبَغِ لَمَّا طَلَّقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْكَرَ هَذَا الْوِفَاقَ وَلَا خَالَفَهُ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا هِيَ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَبِهَذَا اعْتَذَرَ مَنْ اعْتَذَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي طَلَاقِهَا، وَقِيلَ إنَّ الْعِدَّةَ كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ، وَمِثْلُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ تَرِثُ مَعَ مُطْلَقِ الطَّلَاقِ، أَوْ مَعَ طَلَاقِ يُتَّهَمُ فِيهِ بِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ إرْثِهَا؟ وَهَلْ تَرِثُ فِي حَالِ الْعِدَّةِ فَقَطْ، أَوْ إلَى أَنْ
تَتَزَوَّجَ؟ أَوْ تَرِثُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَلَامُ ابْنِ الزُّبَيْرِ يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَتًّا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ غَيْرِهِ إنْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْقَاعِدَةِ.
ثُمَّ لَوْ فُرِضَ فِي تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ وَهِيَ الطَّلَاقُ وَاقِعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَإِذَا صَحَّ تَبِعَهُ سَائِرُ أَحْكَامِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْخِلَافِ فِي مِثْلِ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إنْفَاذِ هَذِهِ الْحِيلَةِ إحْلَالُهَا وَإِجَازَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ
فِي جَوَازِ شَيْءٍ مِنْ الْحِيَلِ، وَلَا فِي صِحَّةِ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ إمَّا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَوْ فِي بَعْضِهَا.
الثَّانِي: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ مُطْلَقًا لَمْ يَخْرِقْ هَذَا الْإِجْمَاعَ الْمُتَقَدِّمَ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ.
وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مِمَّنْ يُسْتَفْتَى بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَوْ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَارَ بَعْدُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى.
وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي إمَارَتِهِ بَعْدَ إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ.
وَقَدْ انْقَرَضَ عَصْرُ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ وَغَيْرِهِمْ.
وَمَتَى انْقَرَضَ عَصْرُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْمُجْمِعِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ظَاهِرٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ غَيْرِهِمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ هَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؟ وَإِذَا قُلْنَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ فَلَوْ صَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مُجْتَهِدًا قَبْلَ انْقِضَاءِ
عَصْرِهِمْ فَخَالَفَ هَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؟ هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَأَمَّا الْمُخَالِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وِفَاقًا.
وَكَذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِمَنْ صَارَ مُجْتَهِدًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ قَبْلَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ مَسَائِلِ الْحِيَلِ وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ وَذَلِكَ بِمُوجَبِ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ هَذِهِ الْحِيَلَ وَيُبْطِلُونَهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْآثَارِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْفِقْهِ، ثُمَّ أَنْصَفَ لَمْ يَتَمَارَ أَنَّ
تَقْرِيرَ هَذَا الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَإِبْطَالِهَا أَقْوَى مِنْ تَقْرِيرِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخِطَابِ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ قَدْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ عَامَّةُ الْخَلْقِ الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَالْمُنْكِرُونَ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ إنْكَارِ الْبَاطِلِ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْوَاقِعِ مَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ
وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَالْأَدِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ إنْ لَمْ تَتَنَاوَلْ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِلَّا كَانَتْ بَاطِلَةً وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ بَيِّنٌ، وَإِنَّمَا ذَهِلَ عَنْهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَنْ ذَهِلَ لِعَدَمِ تَتَبُّعِ مَقَالَتِهِمْ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْأَصْلِ.
كَمَا قَدْ يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَوْلٌ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُخَالِفٌ لِنُصُوصٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ مَعْذِرَتَهُ فِي تَرْكِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ كَمَعْذِرَتِهِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ النَّصِّ، فَأَمَّا إذَا جُمِعَتْ وَفُهِمَتْ وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهَا لَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ التَّابِعِينَ مُوَافِقُونَ عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ وَغَيْرَهُمْ
مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبْطَالِ الْحِيَلِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَذَلِكَ أَبُو الشَّعْثَاءِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّابِعِينَ كَانُوا مُنْتَشِرِينَ انْتِشَارًا يَصْعُبُ مَعَهُ دَعْوَى
الْإِحَاطَةِ بِمَقَالَاتِهِمْ لَقِيلَ إنَّ التَّابِعِينَ أَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ حِيلَةٍ تَوَاطَأَ عَلَيْهَا الرَّجُلُ مَعَ غَيْرِهِ وَإِبْطَالِهَا أَيْضًا.
وَيَكْفِي أَنَّ مَقَالَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
وَهَذَا الْمَسْلَكُ إذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ أَوْجَبَ قَطْعَهُ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ هَذِهِ الْحِيَلِ وَبِإِبْطَالِهَا أَيْضًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي طَرِيقِ الْأَحْكَامِ وَأَدِلَّتِهَا دَلِيلًا أَقْوَى مِنْ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ كَثْرَةَ فَتَاوِيهِمْ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْأَصْلِ وَانْتِشَارِهَا أَنَّ عَصْرَهُمْ انْتَشَرَ وَانْصَرَمَ وَرُقْعَةُ الْإِسْلَامِ مُتَّسِعَةٌ وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ
أَفْوَاجًا، وَقَدْ اتَّسَعَتْ الدُّنْيَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ اتِّسَاعًا عَظِيمًا وَتَوَسَّعَ فِيهَا مَنْ تَوَسَّعَ حَتَّى كَثُرَ مَنْ كَانَ يَتَعَدَّى الْحُدُودَ وَكَانَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ هَذِهِ الْحِيَلِ مَوْجُودًا قَوِيًّا كَثِيرًا ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَفْتَى بِحِلِّهِ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ بِهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا بَلْ يَزْجَرُ عَنْهَا وَيَنْهَى، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيَلُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ لَأَفْتَى
بِجَوَازِهَا بَعْضُهُمْ وَلَاخْتَلَفُوا فِيهَا كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ مِثْلُ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَالظَّاهِرِ، وَالْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، فَإِنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُوهِمُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ اخْتِلَافًا، وَكَذَلِكَ فِي آحَادِ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ فِيهَا مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ هُوَ دُونَ مَا وُجِدَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُهُمْ فِيهِ بَلْ دَلَّتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ عَلَى الِاتِّفَاقِ
فِيهِ مَعَ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ عَلَى هَذَا الِاتِّفَاقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ وَحَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ لِمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ لِخَلْقِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ، وَلَأَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِأَنْ يُمَيِّزَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، فَإِذَا احْتَالَ الْمَرْءُ عَلَى حِلِّ الْمُحَرَّمِ أَوْ سُقُوطِ الْوَاجِبِ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لَوْ عُمِلَ عَلَى وَجْهِهِ الْمَقْصُودِ بِهِ لَزَالَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ أَوْ سَقَطَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ ضِمْنًا
وَتَبَعًا لَا أَصْلًا وَقَصْدًا وَيَكُونُ إنَّمَا عَمِلَهُ لِيُغَيِّرَ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَصْلًا وَقَصْدًا فَقَدْ سَعَى فِي دِينِ اللَّهِ بِالْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَمْرَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بَطَلَ مَا فِيهِ مِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ نَقَصَ حُكْمُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ الْمُحْتَالَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا كَانَ مَقْصُودًا بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ مُحَصِّلًا لِحِكْمَةِ الشَّارِعِ فِيهِ وَمَقْصُودِهِ فَصَارَ مُفْسِدًا بِسَعْيِهِ فِي حُصُولِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَقِيقَةُ الْمُحَرَّمِ وَمَعْنَاهُ مَوْجُودًا فِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الصُّورَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مُصْلِحًا بِالْأَمْرِ الْمُحْتَالِ بِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ وَلَا مَقْصُودَةٌ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ إذَا أُتِيَتْ عَلَى وُجُوهِهَا فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَالَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَبَاحَهُ لَهُ بِالْبَيْعِ الْمَقْصُودِ فَإِذَا ابْتَاعَهُ بَيْعًا مَقْصُودًا لَمْ يَأْتِ بِصُورَةِ الْمُحَرَّمِ وَلَا بِمَعْنَاهُ وَالسَّبَبُ الَّذِي اسْتَبَاحَهُ بِهِ أَتَى بِهِ صُورَةً وَمَعْنًى كَمَا شَرَعَهُ الشَّارِعُ.
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا حَرَّمَ الرِّبَا وَالزِّنَا وَتَوَابِعَهُمَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تُفْضِي إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ وَالِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ، وَأَبَاحَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَرْقٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِلَّا لَكَانَ الْبَيْعُ مِثْلَ الرِّبَا.
وَالْفَرْقُ فِي الصُّورَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعَانِي وَالْمَقَاصِدِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.
فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ كَانَ حُكْمُهَا وَاحِدًا وَلَوْ اتَّفَقَتْ أَلْفَاظُهَا وَاخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا كَانَ حُكْمُهَا مُخْتَلِفًا، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَالُ لَوْ اخْتَلَفَتْ صُوَرُهَا وَاتَّفَقَتْ مَقَاصِدُهَا كَانَ حُكْمُهَا وَاحِدًا فِي حُصُولِ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالْأَحْكَامِ فِي الدُّنْيَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْقَرْضَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْمِلْكَ الْبَتَاتَ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً فِي
حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَوِيَةً فِي ابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ اسْتَوَتْ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصِدِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِ الْعَمَلَيْنِ خَاصَّةً لَيْسَ لِلْآخَرِ وَلَوْ اتَّفَقَتْ صُوَرُهَا وَاخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهَا كَالرَّجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا يَبْتَغِي بِهَا حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقَ وَطَلَبَ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَالْآخَرُ يَبْتَغِي بِهَا حَقْنَ دَمِهِ
وَمَالِهِ، وَالرَّجُلَيْنِ يُهَاجِرَانِ إلَى رَسُولِهِ وَالْآخَرُ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَكَانَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالُ مُفْتَرِقَةً عِنْدَ اللَّهِ وَفِي الْحُكْمِ الَّذِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ إذَا ظَهَرَ لَهُمْ الْمَقْصِدُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ صِحَّةَ هَذَا فَالْأَمْرُ الْمُحْتَالُ بِهِ صُورَتُهُ صُورَةُ الْحَلَالِ، وَلَكِنْ لَيْسَ حَقِيقَتُهُ وَمَقْصُودُهُ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فَلَا يَكُونُ حَلَالًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَلَالِ فَيَقَعُ بَاطِلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْأَمْرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ حَقِيقَتُهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ الْحَرَامِ لَكِنْ لَيْسَتْ صُورَتُهُ صُورَتَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُشَارِكَ الْحَرَامَ
لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الصُّورَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.