شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك

كتاب الطلاق

شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك
-وأما عوض الخلع، فيشترط فيه شروط: منها أن يكون مالاً له قيمة، فلا يصح الخلع باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ومنها أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح بالخمر.

أو بالخنزير، والميتة، والدم وهذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كما تقدم في المهر، ومنها أن لا يكون مغصوباً، ومنها غير ذلك.

ويصح الخلع بالمال، سواء كان نقداً، أو عرض تجارة.

أو مهراً.

أو نفقة.

أو أجرة رضاع.

أو حضانة.

أو نحو ذلك، وفي ذلك تفصيل المذاهب .

الطلاق ويفعله، والرشيد، والسفيه، والحر، والعبد، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فيصح خلعه، وكما يصح الخلع من الزوج أو نائبه يصح ممن له الولاية كالحكم في الشقاق وكطلاق والحاكم في الإيلاء، أو العنة ونحوهما، ويقبض الزوج عوض الخلع ولو كان محجوراً عليه لفلس، أما إن كان محجوراً عليه لسفه، أو كان مميزاً فإنه لا يصح لهما قبض العوض، بل الذي يقبضه الولي، وإن كان رقيقاً بدله السيد لأنه ملكه) .

(الحنفية - قالوا: ما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع، وقد عرفت تفصيل ذلك في شروط المهر، فارجع إليها.

فإذا خالعت زوجها على خمر، أو خنزير، وقبل منها فإن كان يلفظ الخلع ونحوه بانت منه ولا شيء له عليها، ولا يسقط شيء من مهرها، وإن كان بلفظ الطلاق وقع الطلاق رجعياً بعد الدخول وبائناً قبله.

وإذا خالعته على مال مغصوب ليس ملكاً لها، فإن الخلع يصح والتسمية تصح، ثم إذا أجازه المالك أخذه الزوج، وإن لم يجزه كان له قيمته، وإذا خالعته على شيء محتمل، كأن قالت له: خالعتك على ما في الدار، أو قالت خالعتك على ما في بطون هذه الغنم فإنه يصح، ثم إن كان في الدار أو في بطون الغنم شيء فهو للزوج، وإن لم يكن فلا شيء له، لأنه قبل أن يخالعها على ما يحتمل أن يكون مالاً، أو لا يكون، فإذا سمت مالاً معيناً، ولكنه ليس بموجود حالاً، وإنما يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ثمر نخلي في هذا العام.

أو على كسبي في هذا الشهر، فإن الخلع يصح وعليها أن ترد له ما قبضت من مهر، سواء وجد الثمر والكسب أو لم يوجد ثم إن وجد يكون حقاً له وإذا سمت مالاً موجوداً بالفعل، كما إذا خالعته على ما في بيتها من المتاع.

أو على ما في نخيلها من الثمار.

أو على ما في بطن ناقتها من ولد، أو على ما في ضروع غنمها من اللبن.

فإن الخلع يصح ثم إن وجد ما سمت كان له، وإن لم يوجد لزمها رد ما قبضت من المهر.

والحاصل أنها إذا خالعته على مال غير معين، فذلك على ثلاثة أوجه: أحدها: أن لا تذكر مالاً أصلاً ولكن تذكر عبارة تحتمل المال وعدمه، كما إذا قالت له: خالعني على ما في بيتي أو ما في يدي، فإنه يحتمل أن يكون فيه شيء وأن لا يكون، وحكمه أن الخلع يصح وإن وجد شيء أخذه، وإلا فلا شيء له.

ثانيها: أن تذكر مالاً ليس موجوداً في الحال، ولكن يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ما تنتجه نخيلي من ثمر في هذا العام، وحكم هذا أن الخلع يصح، وعليها أن ترد ما قبضته من مهر، وإن لم تكن قبضت سقط مالها، سواء وجد الثمر أو لم يوجد.

ثالثها: أن تذكر مالاً مجهولاً، ولكنه موجود في الحال، كما إذا قالت له خالعني على الولد الذي في بطن هذه الناقة، أو على الثمر الموجود على النخيل، أو المتاع الموجود في الدار وحكمه أن الخلع صحيح، ثم إن وجد شيء كان للزوج، وإن لم يوجد ردت له ما قبضت من مهر.

وإذا خالعته على جمل شارد.

أو فرس تائه، فإن الخلع يصح وعليها تسليم عينه إن قدرت وإن عجزت وجبت عليها قيمته، ولا ينفعها أن تشترط البراءة من ضمانه.

فإنه لازم لها أو قيمته على كل حال، وإذا خالعته على حيوان موصوف كفرس مسكوفي، أو جمل يقدر على الحمل، أو نحو ذلك، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تعطيه الوسط، أو تعطيه قيمة الوسط، أما إذا خالعته على حيوان غير موصوف وقع الطلاق.

ووجب عليها أن ترد له المهر والنفقة التي استحقتهما عليه بعقد النكاح.

ويصح الخلع على نفقة العدة والمتعة، ولكن يشترط لإسقاط النفقة أن ينص عليها في الخلع وذلك لأن الخلع يسقط عن الزوجين حقوق الزوجية الثابتة لكل منهما وقت الخلع ولو لم ينص عليها إلا إذا خالعته على كل مهرها فإنها ترد له ما قبضته منه، فلا يسقط بالخلع لأنه هو الذي به الخلع، أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا نص عليها وذلك لأنها تثبت يوماً فيوماً، فلا تكون حقاً للمرأة واجباً على الزوج، ولهذا لو قالت له: أنت بريء من نفقتي أبداً مادمت امرأتك فإنه لا يبرأ من نفقتها، لأن إبراء شخص من حق لا يصح إلا إذا وجب عليه أولاً والنفقة لمستقبله لا تجب عليه الآن لأن سبب النفقة هو عدم خروج المرأة من دار زوجها إلا بإذنه وهذا السبب يحدث يوماً فيوماً وهذا بخلاف ما إذا جعلت عوضاً عن الخلع، فإنه يصح.

وذلك لأن الخلع سبب في وجوب العدة، والزوج يستوفي العوض ولا يلزم استيفاؤه دفعه.

والحاصل أن الإبراء من النفقة قبل الخلع أو بعد لا يصح، لأنها لم تجب، فلا معنى لإبرائه منها، وأما جعل النفقة عوضاً عن الخلع فإنه يصح، لأن الخلع سبب في وجوب العدة والنفقة عوض يستوفيه شيئاً فشيئاً.

وأما المتعة فإنها تسقط بدون ذكر، فإذا قال لزوجته غير المدخول بها التي لم يسم لها مهراً: خالعتك، فقالت: قبلت سقطت متعتها، وإذا خالعته على السكنى فإنها لا تسقط، وذلك لأنها ملزمة شرعاً بالسكنى في البيت الذي طلقت فيه، فإذا سكنت في غيره ارتكبت معصية، وحينئذ تكون السكنى حق الشرع، فلا يصح اسقاطها نعم إذا كانت ساكنة في بيت مملوك لها، أو كانت تعطي أجرة السكن من مالها، وخالعته على الأجرة فإنها تسقط ويكون الخلع في نظير المال لا في نظير السكن، ولا يلزم بأن تصرح بأجرة السكني، فإذا قالت له خالعتك على السكني، فإنه يصح ويحمل على الأجرة، فإذا فرض وكانت ساكنة في منزل الزوج وقت الطلاق وخالعته على السكني فيه والخروج منه، فإنها لا تسقط.

واعلم أن في سقوط الزوجين بالخلع ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن لا يذكر البدل، كأن يقول لها: خالعتك ناوياً به الطلاق ولم يذكر بدلاً، وقالت: قبلت، فإنها تبين منه لوجود الإيجاب والقبول، ثم يسقط حق كل منهما قبل الآخر على المعتمد، فإذا كان لها معجل صداق سقط حقها فيه، وإذا قبضت كل الصداق وخالعها قبل الدخول سقط حقه في نصفه، ومن باب أولى إذا قبضته كله ثم خالعها بعد الدخول، فإنه لا يستحق فيه شيئاً، وكذا إذا لم تقبض من الصداق شيئاً فإن حقها يسقط فيه بالخلع.

الوجه الثاني: أن ينفي البدل، كأن يقول لها: اخلعي نفسك مني بدون شيء، فقالت خلعت نفسي بدون شيء، فإنها تبين منه ويبقى لكل منهما حقه قبل صاحبه، فإذا كان لها معجل صداق، أو نفقة زوجية، فإنها تبقى.

وإذا كان له نصف صداقها، كما إذا فعل ذلك قبل الدخول، فإنه يبقى له.

الوجه الثالث: أن يكون البدل معيناً معروفاً، كما إذا خالعها على عشرين جنيهاً ولم يذكر الصداق وفي هذه الحالة إن كانت المرأة مدخولاً بها وقبضت كل الصداق فإنه لا يلزمها إلا العشرون جنيهاً، وتذهب بما قبضت، فلا يرجع عليها بشيء، كما لا ترجع عليه بشيء بعد الطلاق، وإن لم تقبض الصداق فقد ضاع عليها، فعليها البدل، ولا ترجع على الزوج بشيء، أما إذا كانت غير مدخول بها فإن كان المهر مقبوضاً فإن الزوج لا يستحق فيه شيئاً بل يأخذ البدل ويضيع عليه نصف المهر وإن لم يكن مقبوضاً فإنها لا تستحق فيه شيئاً بل يضيع عليها نصفه زيادة على بدل الخلع الذي سمته، ومثل ذلك ما إذا بارأها بمال معلوم سوى المهر، وقد عرفت أنه إذا خالعها على مهرها وكانت مدخولاً بها فإن كانت قبضته فإنه يجب عليها رده، وإن لم تكن قبضته فإنه يسقط عن الزوج جميع المهر، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء، ومثل ذلك ما إذا لم يكن مدخولاً بها.

هذا، وهل إذا التزم الرجل ببدل في الخلع يصح أو لا،؟ مثلاً إذا قالت له: خالعتك على مهري ونفقة عدتي بشرط أن ترد لي عشرة جنيهات، فقال: قبلت، فهل يلزمه أن يرد العشرة أو لا؟ والجواب: نعم يلزمه أن يرد، ولكن لا يصح أن يعتبر هذا مالاً يدفعه هو لها في مقابل الخلع لأن البدل خاص بها هي إذ به تملك نفسها، وإنما يعتبر استثناء من بدل الخلع، مثلاً إذا كان صداقها عشرين جنيهاً ونفقة عدتها خمسة، فإنه يطرح منها عشرة، ويكون عوض الخلع خمسة عشر، فإن كان المبلغ الذي طلبته يزيد عن عوض الخلع تجعل الزيادة مضافة إلى المهر قبل الخلع تصحيحاً للقاعدة.

ويصح الخلع على نفقة الولد مدة معينة، سواء كان رضيعاً، أو فطيماً على المعتمد، حتى ولو كانت حاملاً به، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدي الذي في بطني مدة رضاعه سقط حقها في أجرة الرضاع ولزمها أن ترضعه حولين بعد ولادته، وبعضهم يقول: لا يلزم تعيين المدة في الرضيع، فإنها إذا قالت له: خالعتك عل نفقة الولد، وهو رضيع، كان معنى ذلك أن لا حق لها في أجرة الرضاع في مدة الرضاع، ولا يخفى أن الأول أظهر في حسم مادة النزاع، أما إذا كان فطيماً فإنه ينبغي فيه تحديد المدة، لأن نفقته هي طعامه وشرابه، وهذا لازم له في كل حياته، فلا تصح التسمية بدون توقيت، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدك مدة حياتي فإنه لا يصح ويسقط بذلك مهرها، وإذا كانت قبضته فإنه يجب عليها أن ترده، فإذا خالعته على نفقته مدة معينة فإنها تلزمها، وإذا مات الولد أو هرب لزمها أن تدفع ما بقي من نفقته للزوج إلا إذا شرطت براءتها منها بعد موته، وذلك بأن يقول الزوج: خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى ثلاث سنين، فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك، فتقول: قبلت فإنه يصح، وإذا مات قبلها فلا رجوع له والخلع على البراءة من النفقة لا يستلزم الكسوة، فلا تدخل إلا إذا نص عليها، وإذا خالعته على أن تمسك البنت إلى البلوغ، فإنه يصح.

أما الغلام فلا، لأنه في حاجة إلى أن يتعلم من أبيه أخلاق الرجولة، فلا يصح الخلع على إمساكه إلا مدة لا يبلغ فيها كمدة الحضانة، وهي سبع سنين، ولها أن تخالعه على إمساكه نحو عشر سنين، لأن الولد ينبغي أن يتصل بأبيه قبل البلوغ ليتعلم منه أخلاق الرجولة.

ذلك ما عللوا به الفرق بين الأنثى والذكر.

والظاهر أنه إذا كانت البيئة التي فيها أمه أفضل له من هذه الناحية، فإنه يصح إمساكه كالأنثى، على أنه إذا تزوجت أمه فللزوج أخذ الولد وإن اتفقا على تركه لأنه حق الوالد، ويرجع الزوج عليها بنفقته في المدة الباقية ما لم تشترط البراءة في الأول كما ذكرنا.

وإذا خالعته على نفقة الولد مدة معينة وهي معسرة، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجبر عليها، ولكنه يرجع عليها إذا أيسرت.

المالكية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون حلالاً، فلا يصح الخلع على خمر أو خنزير أو مال مغصوب علم الزوج بأنه مغصوب، ومثله المسروق، فإن خالعته على شيء من ذلك وقع الطلاق البائن ويبطل العوض، فإن كان مغصوباً وجب عليه أن يرده لصاحبه، وإن كان خمراً وجبت إراقته، وإن كان خنزيراً وجب إعدامه على المعتمد، وقيل: يسرح، ولا شيء للزوج على الزوجة في مقابل ذلك ومثل ذلك ما إذا خالعته على شيء بعضه حلال وبعضه حرام، كما إذا خالعته على خمر وثوب.

فإن الخلع ينفذ والعوض يبطل، فلا شيء للزوج مطلقاً.

والحاصل أن العوض إذا كان خمراً وجب على الزوج المسلم أن يريقه، ولكن آنيته لا يكسرها لأنها تطهر بالجفاف، وإذا كان خنزيراً وجب عليه أن يقتله، وقيل: بل يسرحه لحال سبيله، وإن كان مغصوباً، أو مسروقاً وجب عليه أن يرده إلى أصحابه، وينفذ الطلاق البائن، ولا شيء له في مقابل هذه الأشياء، ولا يشترط أن يكون العوض محقق الوجود، فيصح الخلع بالغرر، كالجنين في بطن أمه، مثلاً إذا خالعته على ما في بطن هذه الناقة التي تملكها من حمل، فقبل فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً، ثم إن ولدت الناقة كان الولد ملكاً له وإن نزل ميتاً فقد ضاع عليه ولا شيء له قبل زوجته، وإن كانت لا تملك الناقة فإن الطلاق البائن يقع عليه لا شيء له، لأنه قد قبل الخلع على شيء غير محقق، فيعتمل لأن يقبض أو لا يقبض، وكذا لا يشترط أن يكون العوض غير معين فيصح الخلع على عرض تجارة غير موصوف، كمقطع من القماش أو جمل، أو جاموسة غير موصوفة بصفة، فإذا قالت له: خالعني على جاموسة صح الخلع وبانت منه، وله عليها جاموسة وسطى لا صغيرة ولا كبيرة، ومثل ذلك ما إذا قالت له: خالعني على مقطع من القماش، فإن له الحق في مقطع وسط من جنس القماش، وهكذا.

وكذا لا يشترط أن يكون مقدوراً على تسليمه، فيصح أن تخالعه على جمل شارد أو ثمرة لم يبد صلاحها، ثم إن حضر الجمل، وصلحت الثمرة فهما له، وإلا فلا شيء له، ويقع الطلاق بائناً.

ويصح الخلع على نفقتها مدة الحمل، فإذا كان بها حمل ظاهر أو محتمل وخالعته على نفقة عدتها وهي مدة حملها، فإنه يصح، ولكنها إذا أعسرت في هذه المدة، وجب عليه أن ينفق عليها وتكون هذه النفقة ديناً عليها يأخذه منها إذا أيسرت.

وكذا يصح الخلع على إسقاط الحضانة، فإذا قالت له: خالعني على إسقاط حقي في حضانة ولدي منك، فقال: خالعتك على ذلك، فإنه يصح وتبين منه ويسقط حقها في الحضانة وينتقل إلى الأب، ولو كان هناك من يستحقها غيره ولكن بشرط أن لا يخشى على الولد المحضون ضرر بمفارقة أمه أو يكون الأب لا يستطيع حضانته، وإلا وقع الطلاق ولم تسقط الحضانة باتفاق.

وبعضهم يقول: إذا خالعت على إسقاط حضانتها لا تنتقل الحضانة للأب، ولكن تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم، وهذا هو الذي عليه العمل وبه الفتوى.

وإن كان الأول، وهو انتقاله للأب المشهور، وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب، فهل تعود الحضانة للأم أو لا؟ والجواب: نعم تعود للأم، وقد يقال أن الأم أسقطت حقها، فإذا مات الأب تنتقل الحضانة لمن يستحقها بعد الأم، ولكن الظاهر أن الأم أسقطت حقها للأب، فإذا مات عاد الحق لها لأنها أولى بالحضانة، فالظاهر أنها تعود للأم، فإذا ماتت الأم والأب موجود، فهل تنتقل الحضانة إلى من لها حق الحضانة بعد الأم، أو تستمر للأب على القول المشهور؟ والجواب: أن الظاهر استمرارها للأب لأنها انتقلت به بوجه جائز، وبعضهم يقول: أنها تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم قياساً على من أسقط حقه في وقف الأجنبي ثم مات فيعود حقه لمن بعده ممن رتبه الواقف.

وهل إذا سقط حقها في حضانة حملها قبل الولادة يصح أو لا؟ والجواب: يصح، ولا يقال أنه إسقاط للشيء قبل وجوده، لأن سبب الوجود ظاهر، وهو الحمل.

ويصح الخلع على أجرة رضاع الحمل الذي في بطنها مدة رضاعة، فإذا قالت له خالعني على أجرة رضاع ولدي الذي في بطني فقال لها: خلعتك على ذلك وقبلت فإنها تبين منه، وعليها رضاع ولده مدة الرضاع مجاناً، فإذا مات الولد قبل الحولين سقط ما بقي من أجرة الرضاع، فلا يرجع عليها أبوه بشيء ما لم تكن عادتهم الرجوع، فإن له مطالبتها بالباقي، أما إذا ماتت هي أو جف لبنها فعليها مقدار ما بقي من أجرة رضاعه، ويؤخذ من تركتها إن كانت قد ماتت.

وهل تسقط نفقتها مدة الحمل تبعاً لسقوط أجرة الرضاع من غير أن ينص عليها أو لا؟ والراجح أنها لا تسقط، لأنهما حقان أسقطت أحدهما ولم تسقط الآخر.

وإذا خالعها على أجرة رضاع ابنه مدة الرضاع وعلى أن تنفق عليه في هذه المدة.

أو على ولده الكبير هذه المدة، فإن فيه خلافاً، فبعضهم يقول: يسقط الزائد على مدة الرضاع، سواء حدد مدة الانفاق بزمن الرضاع أو زاد عليها، أو خالعها على الإنفاق عليه مدة، أو على غيره منقطعة عن الرضاع، وبعضهم يقول: لا يسقط مطلقاً، فإذا اشترط أن تنفق عليه، أو على ولده الكبير مدة الرضاع لزمها ذلك، فإذا مات الولد كان للأب أن يأخذ نفقته التي ضمها إلى أجرة الرضاع يوماً فيوماً، أو شهراً فشهراً طول المدة، وكذا إذا لم يقيد بمدة معينة فإنه يلزمها الإنفاق عليه ما دام موجوداً، ولا يضر الغرر في الخلع، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: إن كانت المدة معينة فإنه يصح، وإلا فإن النفقة تسقط عنها.

ويصح الخلع مع البيع، كأن تخالعه على فرس، على أن تأخذ منه خمسة جنيهات مثلاً، ففي هذه الحالة يكون نصف الفرس في مقابلة العصمة.

والنصف الآخر مبيعاً بالخمسة جنيهات، وهو صحيح، فإذا فرض وكانت الفرس تساوي الخمسة التي دفعها، فإن الخلع يصح أيضاً، لأن عين الفرس تعتبر عوضاً، بصرف النظر عن الخمسة التي دفعها، فيقع الطلاق بائناً على الراجح وبعضهم يقول: في هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً، لأن الزوجة لم تدفع عوضاً فإن الفرس أخذت عوضها المساوي لها، فإذا خالعته على جمل شارد فإن البيع يكون فاسداً، والخلع يكون صحيحاً، وعلى هذا فيجب على الزوجة أن ترد الخمسة التي أخذتها لفساد البيع، ويجب عليه أن يرد هو عليها نصف الجمل الذي اشتراه بهذه الخمسة، ويبقى النصف الآخر ملكاً له في نظير حل العصمة، وإذا خالعته على ما في يدها وهي مضمومة، أو ما في صندوقها وهو مغلق، فلو وجد بهما شيء ولو تافه، كزبيبة، فإنه يكون له ويصح الخلع، وكذا إذا لم يكن فيهما شيء أصلاً أو فيهما شيء ليس بمال، كتراب فإنها تبين منه على القول الأقرب المستحسن.

أما إذا خالعته على شيء معين وتبين أنه ليس ملكاً لها، فإن الخلع لا يصح، حتى ولو أجازه الغير.

وهذا بخلاف ما إذا خالعته على شيء غير معين، كما إذا خالعته على قطنية بلدية، ثم جاءته فتبين أنها ملك لغيرها فإن الخلع يصح، وتلزم بإحضار واحدة مثلها، وإذا قال لها: إن أعطيتني ما أخالعك به فأنت طالق، فأعطته شيئاً تافهاً لا يساوي ما يخالع به مثله فإنها لا تطلق.

الشافعية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون مقصوداً، أي له قيمة وأن يكون راجعاً إلى جهة الزوج وأن يكون معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون حلالاً غير فاسد.

وبالجملة فيشترط في الخلع الشروط المتقدمة في الصداق، فكل ما يصلح صداقاً يصلح أن يكون بدلاً في الخلع.

ويرد عليه أن الصداق يصح على تعليم بعض القرآن بنفسه، فإنه يصح أن يكون صداقاً، ولا يكون بدل خلع.

لأنها لو خالعته على أن تعلمه بعض القرآن بنفسها فإنه لا يصح، لأنها تكون بعد الخلع أجنبية لا يجوز لها أن تعلمه.

والجواب: أن عدم الصحة جاءت من تعذر تعليمه بنفسها، وإلا فهو صحيح في ذاته.

فخرج بالعوض الطلاق بلا ذكر عوض، فإن فيه تفصيلاً، لأنه لم يذكر المال، فلا يخلو إما أن ينويه أو ينفيه.

أو لا ينوي ولا ينفي، وسيأتي بيان ذلك في الصيغة، وقوله: مقصود، أي له قيمة مالية، خرج به العوض الذي لا قيمة له، فإذا طلقها في نظير حشرة أو دم، فإنه يقع عليه الطلاق رجعياً، وقوله: راجع لجهة الزوج، خرج به ما إذا كان لها مال عند شخص غير الزوج فطلقها زوجها على براءة ذلك الشخص من دينه، فإنه يقع الطلاق رجعياً أيضاً فإذا كان لها عند زوجها دين ولها عند أخيه دين فطلقها على البراءة من دينه ودين أخيه وقع الطلاق بائناً في نظير البراءة من دين الزوج، ولا يضر ضم أخيه إليه وصحت براءتهما، ولا تجب على المرأة مهر المثل بعد ذلك، وإذا كان للزوجة قصاص على زوجها فأبرأته على ما ثبت لها من ذلك القصاص فإنه يصح ويقع الطلاق بائناً، وإذا كان لها عليه حد قذف أو تعزير فأبرأته منهما وطلقها على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها أن تدفع لزوجها مهر مثلها، وذلك لأن العوض يشترط فيه أن يكون من الأشياء التي يصح جعلها صداقاً وحد القذف والتعزير إن كان لا يصح جعلهما صداقاً، ولكنهما كالمال المقصود، لأنهما لهما قيمة في ذاتهما.

والمراد بالمقصود هو ما له قيمة وإن كان لا يقابل بمال، فلهذا يلزم الطلاق البائن بالخلع عليهما، ويجب على الزوجة أن تدفع مهر المثل، ولا يسقط الحد عنه وقيل: يسقطان لأن الخلع عليهما يتضمن العفو عنهما، ولكن هذا ضعيف، لأنه لو صح لما وجب على الزوجة مهر المثل.

والحاصل أن العوض إذا كان مالاً مقصوداً صح الخلع ووجب المال.

فإن لم يكن له قيمة مالية أصلاً وقع عليه الطلاق رجعياً، وإن كان مقصوداً، ولكنه فاسد، كالخمر والخنزير وقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ومثله ما إذا كان مقصوداً ولكنه لا يقابل بمال كحد القذف والتعزير أما المقصود الذي يقابل بمال، كالقصاص، فإنه يصح، ويرتفع القصاص.

ومن هذا تعلم أن نفقة العدة والحضانة ونحوهما مال مقصود يصح بهما الخلع وقوله: معلوم، خرج به ما إذا خالعها على شيء مجهول، فلو قالت له خالعني على دابة.

أو ناقة.

أو ثوب ولم تعينه له، فخالعها وقع الطلاق بائناً ولزمها مهر المثل وقوله: غير فاسد، خرج ما إذا خالعها على مال فاسد، كالخمر.

والخنزير، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزمها أن تدفع له مهر المثل، وإذا خالعها بمعلوم ومجهول، كما إذا خالعها على فرسه ودابة أخرى معينة، فإنه يفسد ويجب عليها مهر المثل، أما إذا خالعها بصحيح وفاسد معلوم، كما إذا قال لها: خالعتك على عشرين جنيهاً وعلى هذا الدن من الخمر فإنه يصح في الصحيح، ويجب في مقابل الفاسد مهر المثل، ولو خالعها على ما ليس موجوداً، كما إذا قالت له: خالعني بما في داري، أو بما في كفي، ولم يكن فيهما شيء بانت بمهر المثل، ولو علم الزوج أن ليس فيهما شيء، ومثل ذلك ما إذا خالعته على مال مغصوب أو غير مقدور على تسليمه، وكذا إذا خالعها على شيء مجهول في ذاته، كما إذا قال لها: خالعتك على ثوب في ذمتك فإنها تبين بمهر المثل، وهذا بخلاف ما إذا علق الخلع على مجهول، فإن فيه تفصيلاً، وهو أنه إن أمكن إعطاء المعلق عليه فإنها تبين بمهر المثل أيضاً، وذلك إذا قال لها: إن أعطيتني ثوباً فأنت طالق، فأعطته ثوباً فإنها تبين بذلك بمهر المثل، وإن كان لا يمكن إعطاء المعلق عليه فإنها لا تطلق منه، وذلك كأن يقول لها: إن أعطيتني ما في كفك فأنت طالق وليس في كفها شيء يمكن إعطاؤه فإنها في هذه الحالة لا تطلق، وإن علق طلاقها على البراءة من معلوم فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، كما إذا قال لها: إن أبرأتني من صداقك المعروف لهما فأنت طالق فقالت له: أبرأتك، فإنه يصح، فإذا قالت له: إن طلقتني فأنت بريء من صداقي، وهي جاهلة بصداقها، فإن كان يظن أن صداقها مال مقصود غير فاسد وقع بمهر المثل، وإن علم أن صداقها فاسد، فإنها تطلق رجعياً، وإن قالت له: أبرأتك.

ولم تذكر مالاً، فقال لها: إن صحت براءتك فأنت طالق، فإن كان الذي أبرأته منه معلوماً وقع الطلاق رجعياً، لأنه لم يقع في مقابل عوض، لأنه علقه بصحة البراءة، وصحة البراءة متحققة قبل طلاقه، لأنها أبرأته حقاً، وإن أبرأته من شيء مجهول فلا يقع شيء.

وإذا قال لها: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق، وكان دينها مجهولاً، فقالت له: أبرأتك فإنه لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق البراءة على دين مجهول، فلم تتحقق البراءة فلم يوجد المعلق عليه.

وإذا خالع عن الزوجة غيرها على مال فاسد، وصرح بالفساد فإنه يقع رجعياً، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا المال المغصوب، أو على هذا الخمر، وذلك لأن الأجنبي لا مصلحة له بل هو متبرع بدون فائدة تعود عليه، فإذا صرح بفساد العوض كان معنى ذلك عدوله عن التبرع، بخلاف الزوجة فإن لها منفعة وهي ملك نفسها، فإذا صرحت بالفساد، أو ذكرت مالاً فاسداً مقصوداً فإنه يلزمها مهر المثل.

أما إذا لم يصرح الأجنبي بالفساد، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا الجمل، وكان في الواقع مغصوباً فإنه يصح الخلع وعليها مهر المثل.

الحنابلة - قالوا: يشترط في عوض الخلع أن يكون مالاً حلالاً، فإذا خالعها على خمر.

أو خنزير.

ونحوهما، وهما يعلمان تحريمه، فإن الخلع يقع فاسداً لأن الرضاء به يدل على الرضاء بغير عوض، ولا بد من العوض لأنه ركن الخلع، فلا يتحقق بدونه، أما إن كانا لا يعلمان التحريم فإنه يصح الخلع، وتلزم المرأة بدفع قيمة العوض، أو مثله إن كان له مثل من حلال، وذلك لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد العوض، كعقد النكاح، فإذا قال: إن أعطيتني خمراً، أو خنزيراً، فأنت طالق فأعطته وقع الطلاق لوجود الإعطاء، ولكنه يكون رجعياً لعدم صحة العوض، ولا شيء على الزوجة لرضائه بغير العوض، فإن قلت: إنكم قلتم في النكاح: إذا أصدقها مهراً فاسداً صح العقد ولزمه مهر المثل فلماذا لم تقولوا: إذا خالعها على مال فاسد صح الخلع ولزمها مهر المثل؟ والجواب: أن خروج البضع من ملك الزوج ليست له قيمة مالية، بخلاف دخوله في ملكه.

فإنه متقوم بالصداق ولهذا قلنا: إن الخلع يفسد، بخلاف النكاح بمهر المثل، ولا يشترط في العوض أن يكون معلوماً فيصح الخلع بالمجهول، فإذا خالعها على ما في بيتها من المتاع صح الخلع.

وله ما في بيتها قليلاً كان، أو كثيراً، فإن لم يكن في بيتها شيء كان له الحق في أقل شيء يصدق عليه اسم المتاع، وكذا إذا خالعها على ما في يدها، فإن لم يكن في يدها شيء، كان له أقل ما يصح أن يكون فيها وهو ثلاثة دراهم، وإن كان في يدها شيء فهو له قليلاً كان أو كثيراً.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0