خاتمة في مسألتين

كتاب الطلاق

خاتمة في مسألتين
-إحداهما: هل يملك الثلاث إذا عادت له بعد التزوج بغيره؟ ثانيهما: هل المطلقة رجعياً زوجة.

أو لا؟ الزوج الثاني انقضت عدة الزوج الأول، لأن العقد الثاني لا قيمة له، فإذا راجعها قبل ذلك صحت رجعته، أما إذا وطئها الزوج الثاني فإن عدة الزوج الأول تقف عند الوطء بحيث لا يحسب حيضها بعد الوطء من عدة الزوج الأول، فيحل له رجعتها وإذا حملت من الزوج الثاني كان له الحق في رجعتها مدة الحمل وبعد الوضع أيضاً، لأن الوضع ليس منه، فبه تنقضي عدتها من الثاني، أما عدتها من الأول فباقية ولم يقطعها ظاهراً إلا وطء الزوج الثاني، وإذا رجعت إلى الأول فإنه لا يحل له وطؤها إلا بعد أن تضع حملها وتطهر من نفاسها، وإذا أمكن أن تكون حاملاً من الأول ووطئها الثاني فأكمله، فإن للأول رجعتها قبل وضعه، لأنه إن كان من الأول فرجعته صحيحة قبل الوضع، وإن كان من الثاني فالأمر ظاهر، أما إذا راجعها بعد الوضع فإن الرجعة لا تصح إلا إذا كان الولد من الثاني، كما عرفت، أما إذا كان من الأول فالرجعة باطلة، لأن العدة تكون قد انقضت بالوضع.

هذا، وإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل كاملاً ليس سقطاً لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد، لأن ذلك أقل مدة الحمل، أما إن ادعت أنها أسقطت الحمل فإنه لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوماً من إمكان الوطء بعد العقد، لأن العدة لا تنقضي إلا بما يبين فيه الخلق، والجنين لا يبين خلقه إلا بعد هذه المدة.

ثالثها: الأشهر إذا كانت يائسة من الحيض ولم تكن حاملاً.

هذا، وإذا قالت: قد انقضت عدتي، فقال لها: كنت قد راجعتك، ولا بينة له، فالقول قولها، لأنها تملك الادعاء بهذا في الزمن الممكن، وإن بدأ هو فقال: قد راجعتك فقالت له: قد انقضت عدتي فلم يصدقها كان القول قوله، لأنه يملك الرجعة قبل قبولها، وقد صحت في الظاهر، فلا يقبل قولها في إبطالها.

وإذا قال لها: راجعتك أمس، فإن قال لها ذلك وهي في العدة اعتبر رجعة، وإن قال لها ذلك بعد انقضاء العدة، فإن صدقته فذاك، وإن لم تصدقه فالقول لها.

وإن اختلفا في الوطء قبل الطلاق فادعى أنه أصابها أو خلا بها - فله عليها حق الرجعة - وأنكرت كان القول لها، لأن الأصل عدم الوطء فإن ادعت هي بعد الطلاق أنه أصابها أو خلا بها لتستحق كل المهر، وأنكر هو كان القول قوله: لأنه المنكر.

وهي لا تستحق في الموضعين إلا نصف المهر، سواء أنكرت الوطء أو ادعته، ولكن إذا ادعى أنه وطئها وأنكرت، وكانت قبضت المهر فلا يرجع عليها بشيء، أما إذا لم تكن قبضته فلا تستحق إلا نصفه، وفي حالة ما إذا ادعت أنه أصابها وأنكر، فإنه يرجع عليها بنصف المهر إذا كانت قد قبضته) .

- 1 - إذا طلق الرجل زوجته واحدة.

أو ثنتين وانقضت عدتها وتزوجت بغيره ووطئها الزوج الثاني، ثم طلقها وعادت للأول، فهل يملك عليها الطلقات الثلاث.

كما لو طلقها ثلاثاً ووطئها زوج غيره، أو تعود له بما بقي من طلقة أو طلقتين؟ - 2 - وهل المطلقة رجعياً زوجة تعامل معاملة الأزواج قبل الرجعة.

أو لا؟ أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو أنها تعود بما بقي لها من الطلاق، سواء وطئها زوج آخر أو لا.

وذلك لأن الذي يهدم عدد الطلقات هو الطلاق الثلاث فقط، فإذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره ووطئها، وطلقها وعادت لزوجها الأول فإنه يملك عليها ثلاث طلقات، أما إذا طلقها واحدة أو ثنتين وعاد إليها فإنه يملك ما بقي فقط، سواء وطئها زوج غيره أو لا، وهذا يكاد يكون متفقاً عليه وهو مروي عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب وعمران بن الحصين.

وأما الجواب عن المسألة الثانية، فهو أنها زوجة قبل الرجعة في غير الاستمتاع، فيه ترث من زوجها وتورث، ويصح الإيلاء منها، فإذا حلف أن لا يقرب مطلقته رجعياً مدة أربعة أشهر كان مولياً تجري عليه الأحكام الآتية في مبحث الإيلاء: ويصح لعانها، فإذا رمى مطلقته رجعياً بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء، تلاعنا، كما لو كانت غير مطلقة ويصح الظهار منها فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي لزمته كفارة الظهار الآتي بيانها، ويلحقها الطلاق، فلو قال: زوجاتي طوالق، طلقة ثانياً: وإن خالعها صح الخلع، أما الزنية والاستمتاع ففيهما تفصيل المذاهب .

(الحنفية - قالوا: خالف في ذلك أبو حنيفة، وأبو يوسف، فقالا: إذا وطئها زوج آخر بعقد صحيح، وعادت لزوجها الأول يملك عليها الثلاث، كما لو طلقها ثلاثاً بلا فرق وهذا مروي عن ابن عباس، وابن عمر، ولكن محققي الحنفية قالوا: إن قول محمد هو الصحيح، كقول الأئمة الثلاثة، وحجتهم في ذلك أنه مروي عن كبار الصحابة، وليس من السهل مخالفتهم.

وبعضهم رجح قول الصالحين، وهو الراجح فيما يظهر، لأنه إن كان الترجيح مبنياً على مجرد الرواية فالصاحبان قد رويا عن فقيهين عظيمين من فقهاء الصحابة، وكفى بابن عباس، وابن عمر حجة في الفقه، وإن كان مبنياً على الدليل، بل المعقول القريب أن وطء الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فإنه يهدم الأقل من باب أولى، وقول محمد: أن قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} جعل غاية للحرمة الكبيرة فهدمها، لا يخفى ضعفه، لأنه لم يتعرض فيها لعدد وإنما بين الحل بنكاح الثاني، ولو سلم، فإنه لم يحصر الهدم على الثلاث، بلا أفاد أنه يهدم الثلاث فغيرها أولى) .

(الحنفية - قالوا: يجوز للمطلقة رجعية أن تتزين لزوجها الحاضر لا الغائب طبعاً.

ويحوم ذلك في الطلاق البائن والوفاة، ولكن بشرط أن تكون الرجعة مرجوة، بحيث لو ظنت أنها إذا تزين له حسنت في نظره فيراجعها فإنها تفعل.

أما إذا كانت تعتقد أن الزينة لا فائدة منها وإن طلاقها مبني على أمر آخر فلا تفعل، ويجوز له أن يخلو بها ويدخل عليها من غير استئذان ولكن يندب له إعلامها بأن يشعرها قبل دخوله، فإن لم يفعل كره ذلك تنزيهاً، ولكن يشترط في ذلك أن يكون ناوياً الرجعة، أما إذا كان مصراً على عدم العودة إليها فيكره له الخلوة بها إذا ربما لمسها بشهوة فيكون ذلك رجعة وهو لا يريدها، فيلزمه أن يطلقها ثانياً، فتطول عليها العدة، وهو ليس بحسن فإذا لم يكن قاصداً الرجعة فيكون له تنزيهاً أن بخلو بها وإنما كره تنزيهاً لأن زوجته يباح له وطؤها بلا نية رجعة، لكن ينبغي له أن لا يطيل عليها العدة بالوطء إذا لم يكن عازماً على الرجعة، فإذا كان عازماً فلا كراهة في ذلك مطلقاً، ولها الحق في القسم إن كان لها ضرة ما دام ناوياً على مراجعتها وإلا فلا.

وهل يصح له أن يسافر بها ويخرجها من المنزل الذي طلقت فيه إذا كان ناوياً الرجعة، أو لا؟ والجواب: أن التحقيق لا يصح إخراجها من المنزل مطلقاً قبل الرجعة بالفعل لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، كما تقدم، وبعضهم يقول: إذا نوى الرجعة فله ذلك.

ويندب للزوج أن يشهد على الرجعة رجلين عدلين، ولو بعد الرجعة بالفعل.

المالكية - قالوا: إذا كان ناوياً مراجعتها فإنه يحل له أن يستمتع بها بلمس ونظر إلى عورة وخلوة ووطء، فإذا فعل شيئاً من ذلك مقارناً للينة كان رجعة وكان جائزاً وإلا حرم فإذا لم يكن ناوياً على العودة لها يحرم عليه أن يخلو بها أو ينظر إلى زينتها أو يستمتع بها، بل تكون منه في ذلك بمنزلة الأجنبية، أما إذا كان عازماً على العودة، فيه زوجة في الاستمتاع كغيره.

الشافعية - قالوا: لا يحل له أن يخلو بها أو يستمتع بها قبل الرجعة بالقول، سواء كان ناوياً مراجعتها أو لا، فهي ليبست زوجة له في الاستمتاع قبل مراجعتها بالقول، وزوجة له فيما عدا ذلك فهي زوجة له في خمسة مواضع فقط، مبنية في خمس آيات من القرآن: إحداها: قوله تعالى: {الذين يؤلون من نسائهم} والإيلاء يشمل المطلقة رجعياً، فهي من النساء.

ثانيها: قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ، والمطلقة رجعياً ترث وتورث، فهي داخلة في الزوجات.

ثالثها: قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الخ، والمطلقة رجعياً داخلة في الزوجات إذا رماها زوجها بالزنا كما ذكرنا.

رابعها: قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} والرجعية يصح الظهار منها، كما ذكرنا فهي من نساء الرجل.

خامسها: قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء} والرجعية تطلق، فهي من الزوجات.

الحنابلة - قالوا: للرجعية أن تتزين لمطلقها مطلقاً، وله أن يخلو بها، ويطأها، ويستمتع بها، ويسافر بدون كراهة، سواء نوى الرجعة أو لا إلا أن الاستمتاع بها بغير الوطء لا يكون رجعة، فهي زوجة له بالنسبة للاستمتاع كغيره من الأمور المذكورة) .

# مباحث الإيلاء

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0