أنواع نفقة الزوجية

كتاب الطلاق

أنواع نفقة الزوجية
-تشمل نفقة الزوجية ثلاثة أنواع: -1 - إطعام الزوجة من خبز وأدم، وما يلزم لهما من عجن وطبخ وشرب.

-2 - كسوة الزوجة.

-3 - إسكانها، وفي كل هذه الأمور تفصيل المذاهب .

(الحنفية - قالوا: أما الإطعام، فهو واجب على الزوج لزوجته، وسيأتي إنه يقدر لها على حسب حالهما، وهل الواجب اعطاؤها الحبوب والخضر واللحم، وعليها هي الخبز والطهي، أو الواجب اعطاؤها خبزاً مهيئاً وطعاماً ناضجاً؟ والجواب: أن ذلك يتبع حال الزوجة، فإن كانت من الأسر التي لا تخدم نفسها، فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ، وكذا إذا كانت بها علة تمنعها من الخدمة، أما إذا كانت قادرة على الطحن والعجن والطبخ بنفسها، فإنه يجب عليها أن تفعل ولا يحل لها أن تأخذ على ذلك أجره، فالفصل في هذا للعرف، فمتى كان العرف جارياً على أن مثل هذه الزوجة ممن لا تخدم وامتنعت عن الخبز والطهي والخدمة كان لها ذلك، وإلا فلا، بل يجب عليها أن تفعل من الخدمة ما هو متعارف بين أمثالها من الناس، قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ، أي عليهن من الواجبات والحقوق مثل الذي لهن بحسب المتعارف بين الناس ويؤيد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أمال الحياة بين علي وفاطمة، فجعل على علي كرم الله وجهه أعمال الخارج، وجعل على فاطمة أعمال الداخل، وقد كانت يومئذ أعمال المنزل شاقة، لأنهم كانوا يطحنون على الرحى.

وقولهم: إن هذا لا يصلح حجة، لأن بيت النبوة كان المثل الأعلى في الزهد والتواضع، فلا يقاس عليه غيره، مردود بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأهل بيته قدوة للناس جميعاً، وأعماله وأقواله شريعة خالدة، يجب على الناس الاقتداء بها، فعمل النبي صلى الله عليه وسلم دستور عام يبين للناس أن المرأة التي تعودت خدمة منزلها يجب عليها أن تخدم في دار زوجها، وينظر في ذلك للبينة، فمتى كانت أمثالها تخدم وجب عليها أن تخدم، بصرف النظر عن قدرتها وجاهها.

وعندي أن هذه النظرية يجب أن تعم جميع نساء زماننا، لما فيها من تمرين السيدة على مباشرة منزلها، وتدريبها على تربية أبنائها وبناتها وصرفها عن التبرج في الطرق.

والتنقل من منزل إلى منزل ومن ملهى إلى آخر، واحتكاكها بالفاسدات ونقلها إلى ذريتها أسوأ العادات وأقبح أنواع السرف والمجون، إن المرأة التي تباشر خدمة منزلها وتدبير شأنه ومراقبة أبنائها وبناتها مراقبة فعلية تقوم بوظيفتها خير قيام وتؤدي للمجتمع خير خدمة، وإن للمسلمات المؤمنات أسوة حسنة في السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت سيد خلق الله أجمعين عليه الصلاة والسلام، وليس معنى هذا أن تكلف المرأة بما فوق طاقتها ولا تستعين بخادم وطاه إذا كانت موسرة، كلا، بل الغرض أن تدير الأعمال المنزلية النافعة واستعداد لما عساه أن يطرأ من الظروف والأحوال، وقد يختفي الخادم فجأة، وقد تكون الأسرة في مكان لا طعام به، فليس من الحسن أن تظل الأسرة جائعة لجهل السيدة بالأعمال المنزلية، فضلاً عما في التدريب على الأعمال من سلوى للسيدة تحول بينها وبين التسكع في الطرق والتنقل في دور الملاهي كما قلنا.

ثم إنه إذا وجب على المرأة الخبز والطهي وخدمة المنزل، كما ذكرنا، فإنه يجب على الزوج أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك بحسب البيئة فإذا كانت في بلاد لا تطحن إلا على الرحى وجب عليه أن يستحضر لها الرحى، وإذا كانت في جهات تطحن بغير الرحى كالآلات البخارية والطواحين، فإنه يجب عليه أن يحضر لها الغربال والمنخل، والماعون الذي تعجن فيه وكذا يجب عليه أن يحضر لها آلة الطبخ من كانون ومغرفة وملاعق، ونحو ذلك، على حسب حالها، وعليه أيضاً الماء، فغن كانت في بلد اعتادت نساؤها أن تحضر الماء بنفسها كان عليها احضاره كما في القرى الصغيرة التي تنقل فيها النساء الماء بأنفسهن، وإذا أذن لها في استحضاره، وإلا وجب عليه أن يحضر لها الماء بالوسائل المعتادة من سقاء، أو من شركات المياه - الحنفيات - وعليه أن يحضر لها الماء الكافي للغسل والوضوء والنظافة، وعليه أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك، بما في ذلك الزير والكوز، أما الكسوة فإنها تفرض لها في كل نصف حول مرة، إلا إذا تزوج وبنى بها، ولم يبعث لها كسوة، فإن لها أن تطالبه بها قبل نصف الحول، ويجب أن يلاحظ الفصول في تقدير الكسوة فينبغي أن يزاد لها في فصل الشتاء ما يدفع أذى البرد، وفي فصل الصيف ما يدفع أذى الحر، ويجب أن يلاحظ أيضاً ما جرى عليه العرف بين أمثالها في تقدير الكسوة، وتشمل الكسوة أيضاً ما تلبسه في رجلها من حذاء، وعلى رأسها من مزر ونحوه، وأما السكنى فإنه يجب عليه إسكانها في منزل لائق بحالهما، خال عن أهله وولده.

إلا إذا كان طفلاً صغيراً لا يفهم معنى الجماع، فإنه لا يضر وجوده، وهل له أن يسكن مع أمته؟ خلاف، والراجح أن له إسكانها معها بشرط أن لا يطأها أمامها، أما إذا كانت له أم ولد، فالصحيح أنه ليس له إسكانها معها، لأن الأمة بعد أن تلد تكون كالضرة أو أشد.

هذا كله إذا لم ترض، أما إذا رضيت فسكنت مع أهله فإنه يصح، وله منع أهلها من السكنى معها، ولو سكنى ولدها من غيره.

ولو كان صغيراً لا يفهم معنى الجماع، وكذا له منعها من إرضاعه وتربيته.

هذا إذا كان في بيته، سواء كان ملكه أو مستأجره، أما إذا كان في بيتها هي، فليس له منعها من إسكانهم، وإنما له منعها من إرضاع ابنها وتربيته، لأنه يشغلها عنه ويضر بجمالها ونظافتها، وذلك حقه وحده، ويشترط في المسكن أن يكون مشتملاً على جميع المنافع اللازمة من دورة مياه، ومطبخ ومنشر تنشر عليه غسيلها، ونحو ذلك مما تقدم في صحيفة 221 ويجب عليه أن يحضر في المسكن جميع الأدوات اللازمة له بحسب الحالة الأتي بيانها من فقر وغنى، فعليه أن يستحضر الفرش والغطاء والمقاعد، وما يلزم لذلك حسب العرف وعليه أن يستحضر أيضاً ما تتنظف به من صابون ونحوه، وما تزيل به الأوساخ التي تعلق بالشعر، كالمشط والدهن وغير ذلك، مما يستعمل عادة في النظافة، ومن ذلك الروائح العطرية التي تقطع رائحة العرق والصنان، فإنها تجب عليه، وكذا لا يلزمه دواء ولا فاكهة، واعترض بعضهم بأن الدواء من الأمور الضرورية لحياة الإنسان، والفاكهة قد تكون ضرورية لمن اعتاد عليها من الموسرين، والجواب: أن الدواء والفاكهة لا تجبان في حالة التنازع ورفع الأمر للقاضي، فالواجب على الزوج في هذه الحالة، هو الحاجيات التي تقوم عليها الحياة غالباً.

أما في حالة الرضا فهو مكلف بينه وبين الله بمعاملة زوجته أحسن معاملة، هذا ما قرره الحنفية.

وقد يقال: إن هذا يكون ظاهراً فيما إذا كانا غنيين أو فقيرين، أو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً، فإنهما إن كانا غنيين، أو الزوجة غنية، فإنها يمكنها أن تعالج نفسها وتتفكه بدون ضرر، وإذا كانا فقيرين فالأمر ظاهر، إذ ليس من المعقول أن يكلف الفقير بالدواء والفاكهة وهو لا يقدر على القوت الضروري إلا بجهد ومشقة أما إذا كانت الزوجة فقيرة والزوج غني فإن قواعد الإسلام تقضي بإلزامه بمعالجتها، فإنه يجب على الأغنياء أن يغيثوا المكروب ويعينوا المريض، فالزوجة المريضة إذا لم يعالجها زوجها الغني وينقذها من كربها، فمن يعالجها غيره من الأغنياء؟ أليس من المعقول الظاهر أن يعالجها زوجها ويدفع لها ثمن الدواء إلزاماً؟ وهذا الكلام تستريح له النفس، ولكن فقهاء الحنفية أجمعوا على ما ذكرنا طرداً للأحكام لأن حق الزوجة على الزوج من حيث هي زوجة يوجب عليه أن ينفق ما به قوام الحياة العامة، وهي حياة الصحيحة لا المريضة، فلا يجب عليه الدواء على أي حال بل إن بعض المذاهب يرى أن النفقة لا تجب إلا في نظير الاستمتاع، والزوجة المريضة لا تصلح للاستمتاع فلا تجب لها نفقة، ولكن الحنفية قالوا: إن النفقة تجب في نظير حبس الزوجة في منزل زوجها، ولم لم تكن صالحة للاستمتاع كما ستعرفه في الشروط.

وإذا كان الدواء وأجرة الطبيب لا يجبان عليه، فكذلك لا يجب عليه ثمن الدخان والقهوة والشاي ونحوهما، ولو تضررت من تركها، وقد اختلف في أجرة القابلة - الداية - فقيل: عليها، وقيل: عليه، وقيل: على من استدعاها منهما، واستظهر بعضهم أنها على الرجل، لأن منفعتها راجعة إلى الولد ونفقته على والده، وهو المعقول.

المالكية - قالوا: يفرض على الزوج لزوجته النفقة بأنواعها الثلاثة، فأما الإطعام وما يلزم له فإنه ينظر في تقديره للعادة سواء كان خبزاً، أو أدماً، أو لحماً، فإن كان موسراً وكان من عادتهم أكل اللحم يومياً فرض لها ذلك.

ومع ما يلزم لطهيه الناسب لها، وإن لم يكن من عادتهم ذلك فرض لها في الأسبوع مرة على زوجها متوسط الحال، ويرض لها باقي الأسبوع الأدم الذي يأتدم به أمثالها، ويفرض لها الخبز بحسب ما جرت به العادة من قمح أو غيره.

وعليه كفايتها من ذلك ولو كانت كثيرة الأكل، إلا إذا اشترط عند زواجها كونها غير أكولة فإن له ردها ما لم ترض بالوسط.

وإن كانت ضعيفة الأكل فرض لها بقدر كفايتها فقط على المعتمد.

ويزاد للمرضع ما تقوى به على الرضاع.

ويفرض عليه الماء الكافي لشربها وغسلها للنظافة وللجنابة وغير ذلك.

وغسل ثيابها وآنيتها، ورش أرضها ونحو ذلك، وكذا يفرض لها جميع الآنية والأدوات اللازمة للطبخ والخبز والشرب، من وقود وكانون وفرن وملح وسمن لإصلاح الطعام، أما ما عدا ذلك فإنه لا يفترض عليه، فلا يفترض عليه السمن للحلوى كما لا تفترض عليه الحلوى ولا الفاكهة أما ثمن الدواء وأجرة الطبيب، ففي وجوبهما عليه قولان، والذي في المتون أنهما لا يجبان عليه ولعل التفصيل الذي ذكرته في مذهب الحنفية يؤيده القول بالوجوب، لأن المفروض أنه قادر على الدواء.

وبعض علماء المالكية يقول: إنه يفترض عليه أن يعالجها بقيمة النفقة التي تفترض لها وهي سليمة من المرض، ومثل الطبيب القابلة - الداية - فإن في وجوب أجرتها على الزوج خلاف والظاهر أن عليه أجرتها ولو مطلقته، وأما الكسوة فتفرض مرتين في السنة بحسب حالهما كما يأتي بيانه، على أن تكسى في الشتاء بما يناسب فصل الشتاء، والصيف بما يناسب فصل الصيف، ويشترط أن تبلى الكسوة، أما إذا ظلت قريبة من جدتها صالحة للاستعمال فإنها لا تفرض لها كسوة أخرى حتى تخلق، ولا يفرض عليه ثياب الخروج لزيارة أهلها أو للعرس من ثوب حرير - بدلة الفرح -، كما لا يلزمه الحبرة - والبالطو - أو نحو ذلك، وقيل: إن كان غنياً يلزمه ويفرض عليه ما تتزين به النساء عادة وتتضرر بتركه كالكحل والدهن المعتادين، والحناء والمشط، وقد اختلف في الطيب ونحوه، والذي يظهر من كلامهم أنه لا يجب عليه من زينتها إلا ما اعتادته بحيث تتضرر بتركه، كالكحل ونحوه، وعلى أن هذه النظرية تنتج أن المرأة إذا اعتادت مساواة الحواجب وتزيين وجهها بالأبيض - التواليت - بحيث لو تركته تنقص زينتها وتتضرر بتركه فإنه يجب عليه احضاره، هذا ما يفهم من كلام السادة المالكية على التحقيق، أما أنا فأعتقد أن الكحل وما يتبعه من أنواع الزينة يرجع في الواقع للزوج، لأنه هو الذي يستمتع بها وحده دون سواه فإن كان في ذلك رضاً له ومحبة فيه بحيث لو تركته تقل رغبته فيها فإنه يلزم به، أما إذا كانت رغبته تنبعث إليها بدونه أو كان يكره فعله منها، فإنه لا يلزمه به، بل يجب عليها تركه لأن الشريعة الإسلامية تحث دائماً على توطيد علائق المحبة بين الزوجين، فكل ما يوجب النفرة بينهما لا يحل فعله، وأظن أن هذه النظرية لا يخالف فيها أحد من أئمة المذاهب، ولعل من أوجب على الزوج بعض أدوات الزينة التي تتضرر المرأة يتركها لاحظ أن تركها ينقص جمالها في نظر زوجها فتقل رغبته فيها.

هذا، وإذا كانت المرأة موسرة لا تخدم نفسها أو كان الزوج ذا جاه وقدر بحيث لا يصح لامرأته أن تخدم نفسها، فإنه يفرض عليه خادم لها إذا كان ذا سعة يستطيع ذلك، وإلا فإنها تلزم بخدمة المنزل من طبخ وعجن وكنس وغير ذلك، وعليه أن يساعدها بنفسه في أوقات فراغه من عمله، ولا تلزم بخدمة غير منزلية كخياطة وتطريز ونحوها، وإذا كان للزوج خادم وكان لها خادم، وأبت إلا استخدامه قضي لها بخادمها، إلا إذا وجدت ريبة ثابتة بشهود.

أما المسكن فإنه يشترط فيه أن يكون مشتملاً على المنافع اللازمة، ثم إن الزوجة إذا كانت وضيعة لا قدر لها، أي ذات صداق قليل لها الامتناع عن السكنى مع أقاربه ومثلها الشريفة ذات الصداق الكثير إذا اشترط عليها السكنى معهم عند الزواج، فإنها تعامل به بشرطين: الأول أن يكون للزوجة محل خاص بها بحيث لا يمكن أحد من أقاربه الاطلاع على عورتها التي تريد إخفاءها عنهم.

الثاني: أن لا يثبت ضررها بإساءتهم إياها، ولو لم يطلعوا على عوراتها، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين، فإن لكل من الوضيعة والشريفة التي اشترط عليها أن تسكن معهم الامتناع من السكنى، أما الشريفة ذات المهر الكثير التي لم يشترط عليها السكنى مع أهله، فإن لها أن تمتنع عن السكنى معهم بدون شروط حتى ولو رضيت أن تسكن معهم في أول أمرها، ولو لم يثبت تضررها بمشاجرة ونحوها.

وإذا كان مع أحد الزوجين ولد صغير فإن الآخر أن يمتنع من إسكانه معه، إلا إذا دخل بعد علمه بالصغير، فإذا علم به قيل البناء ثم بنى، فلا حق له في الامتناع، سواء كان للولد حاضن آخر أو لا، أما إذا لم يعلم به قبل الدخول فإن له الامتناع من اسكانه معه بشرط أن يكون له حاضن آخر، وإلا فلا.

هذا، وقد تقدم في صحيفة 159 أن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها، وعلى هذا إذا قبضت المرأة صداقها بالشروط المفصلة هناك، فإنها ملزمة بأثاث المنزل وحاجاته وللزوج الحق في الانتفاع بهذه الأشياء من فرش وغطاء ولباس وآنية، فيستعمل من ذلك ما يجوز له أن يستعمله، وإذا امتنعت قضي له بذلك وليس لها بيع جهازها إلا بعد مضي أربع سنين وهو بين زوجها يستمتع به فإذا خلق الجهاز فإن الزوج لا يلزمه ببدله، إلا الغطاء والفرش، فإنه يلزمه لأنه ضروري، فإذا جدد شيئاً من جهازها وطلقها فإنها لا يقضى لها بأخذه.

هذا إذا قبضت الصداق، أما إذا لم تقبضه وتجهزت من مالها فله الانتفاع به حتى يبلى ولكن ليس له منعها من بيعه، نعم له الحجر عليها في التبرع بما زاد على الثلث.

الشافعية - قالوا: يفرض على الزوج المعسر لزوجته في فجر كل يوم مد من الطعام والمد عند الشافعية بالوزن مائة وأحد وسبعون درهماً وثلاثة أسباع درهم، أما منزلة المد من القدح المصري، فهو نصف قدح إلا عشرة دراهم وخمسة أسداس درهم، لأن القدح المصري مدان إلا ثمن، فالمد نصف قدح إلا قليلاً، ومن أراد الاحتياط فليقل: نصف قدح والقدح ثمن كيلة مصرية.

فزوجة المصري لها نصف قدح من غالب قوت أهل بلدها وحد العسر هو من لا مال له أصلاً أو له مال ولكن لا يكفيه لو وزع على عمره الذي يعيش إليه غالباً، فإن وصل إلى السن الذي يعيش فيه أمثاله غالباً، فإنه يكون معسراً إذا لم يكفه سنة، مثلاً يوزع ما يملكه عليه هو ومن تلزمه نفقاته كل يوم، فإن زاد عنده مد ونصف لم يكن معسراً بل متوسطاً، فيقضى لها بمد ونصف، وكذا إذا زاد عنده بعد التكاليف مدان، فإنه يكون موسراً.

والحاصل أن المعسر عندهم من لا يقدر إلا على مد واحد بعد توزيع ماله عليه وعلى من تجب عليه نفقته العمر الغالب، إن كان عنده مال، فإن لم يكن عنده مال فكذلك، فالمد أقل نفقة تجب على الزوج المعسر، فإن زاد الفاضل عنده على مد ولكنه لم يبلغ مدين فإنه يكون متوسطاً فيقضى عليه بمد ونصف، فإن بلغت الزيادة مدين فإنه يكون موسراً، ويقضى عليه بمدين، أي قدح مصري إلا ثمن تقريباً.

الشافعية - يعتبرون تقدير النفقة بهذا الاعتبار، ولا يعتبرونها بكفاية الزوجة، لأن الزوجة قد تكون مريضة أو لا تستطيع أن تأكل لأمر ما، فلها هذا القدر وهي تتصرف فيه كما تحب، إلا إذا اتفقت على أن تأكل معه، فإن نفقتها تسقط في هذه الحالة، ولا بد أن يدفع لها الحب، فلا يجزءه أن يدفع الدقيق أو القيمة أو الخبز، ولا بد أن يكون الحب سليماً من السوس ونحوه، فإذا بذل غير الحب فإنها لا تلزم بقبوله، فإذا تجمد لها نفقة ماضية، فإن لها أن تأخذ من الزوج ومن غيره، ممن ينيبه عنه عوضاً نقوداً وثياباً ونحو ذلك، أما النفقة المستقبلة فليس لها أن تأخذ عوضاً نقوداً لا من الزوج ولا من غيره أما النفقة الحاضرة، وهي نفقة اليوم، فإنه يجوز لها أن تأخذ عوضها نقوداً إلا من الزوج خاصة، بحيث لو فعله فيها غيره فإنه لا يصح، إلا إذا كان العوض رباً فإنه لا يجوز على أي حال، كخبز عن بر، أو دقيق عن حب.

ويجب عليه الطحن والعجن والخبز، ولو اعتادته بنفسها فإنه لا يلزمها، ثم يفرض عليه بعد ذلك اللحم المناسب لحاله، والأدم المعتاد من خضر وخبز وسمن وعسل ونحوها، ثم إن كان اللحم يكفي فذاك، وإلا وجب عليه أن يكمل لها الأدم، وتجب الفاكهة لمن اعتادتها زيادة على الأدم ومثل الفاكهة ما اعتيد فعله في أيام الموسم من كعك ونقل وسمك وحلوى في عاشوراء ونحو ذلك، وكذا يجب عليه ثمن القهوة والدخان إن اعتادتهما الزوجة، وكذا ما يلزمها وهي وحمى، كما إذا وحمت على ملوحة ونحوه ويجب أن يملكها إياه بحيث لو فاتها ترجع عليه به، ويجب عليه، الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه، أما الاغتسال بسبب غيره، كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه، وتجب عليه الآلات اللازمة للطبخ والشرب بحسب ما يناسب حال كل زمان، وكذا يجب عليه آلة تنظيف، كمشط ودهن وصابون ونحو ذلك، وعليه أجرة الحمام المعتاد لأمثالها في كل شهر أو في كل جمعة حسب العادة، أما الخضاب والزينة" التولت" فإنها لا تجب عليه، لأن ذلك تابع له، فما يراه زينة لها فإنها تلزم به، ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك.

هذا ما يتعلق بالطعام والشراب وما يتبع ذلك، أما الكسوة فتقدر لها منها كفايتها في كل فصل من فصول السنة، وهي تختلف باختلاف طولها وقصرها، واختلاف حال الزوج من اعسار ويسر، واختلاف عادة الناس، واختلاف الحر والبرد وهكذا، ويتبع الكسوة فرش المسكن بما هو معتاد من حصر وبساط وغطاء، وكل ذلك يتبع القاضي في تقديره عادة المحل، حتى ولو كانت ممن لا تفرش دارها لا يفرش لها، وتعطى الكسوة كل ستة أشهر مرة، فإن تلفت، ولو بلا تقصير، فلا حق لها في غيرها.

ويجب لها مسكن يليق بحالها لا بحاله هو، ولو كان معدماً، سواء كان مملوكاً أو مكترى، ويجب عليه أن يأتيها بخادم ولو كان معسراً، بشرط أن يكون مثلها ممن يخدم وإن لم يخدم بالفعل، وأن تكون حرة، وإلا فلا يجب عليه الخادم إلا إذا كانت مريضة أو هرمة، فإنه يجب لها خادم وإن لم تكن ممن يخدم عادة، ويشترط أن يكون الخادم ممن يحل نظره للزوجة من أمة أو صبي أو ممسوح، وعليه إطعام الخادم مما يليق به، فله مد وثلث على الموسر.

ومد واحد على متوسط ومعسر.

الحنابلة - قالوا: أما الطعام والشراب وما يتعلق بهما فإنه يجب عليه أن يدفع لها الخبز والأدم الكافي لمثلها، فلا تلزم بالحبوب ولا بالبدل، فإذا تراضيا على شيء فإنه يصح، ويجب عليه عند طلوع شمس كل يوم، وإن اتفقا على تعجيله أو تأجيله مدة خاصة، فإنه يصح، وإذا أكلت الزوجة معه عادة سقطت نفقتها.

وإن رضيت بالحبوب لزمته أجرة طحنها وخبزها، وعليه أدم الخبز المناسب لها وجرت عادة أمثاله بأكله من أرز ولبن وغيرهما، وإن سئمت أدماً خاصاً عليه أن ينقلها إلى غيره، وعليه أدوات الطبخ والوقود.

ويفرض لها اللحم في كل أسبوع مرتين.

في كل مرة رطل عراقي، وهو 129 درهماً تقريباً، فهو أقل من الرطل المصري.

لأن الرطل المصري 144 درهماً، وعليه تبييض النحاس عند الحاجة.

ويجب عليه أن يجلب لها الماء اللازم لنظافتها وغسلها ووضوئها وشربها، وما تحتاج إليه من إنارة ودهن أو سمن أو زيت للطبخ حسب عادة قومها.

وإذا طلبت مكان الخبز حباً أو نقوداً فإنه لا يلزمه ذلك، وكذا إذا أعطاها بدله فلا يلزمها أخذه إلا إذا تراضيا على أخذه، ومع هذا فلكل منهما الرجوع بعد التراضي.

وعليه مؤنة نظافتها من صابون ودهن لرأسها ومشط، ولا تجب عليه أدوات الزينة، كالحناء والخضاب وشراء الحلي" التواليت" ونحو ذلك، وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب، وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ما تتزين به، وكذا إذا كره منها شيئاً كرائحة ونحوها فإنه يجب عليه أن يحضر لها الدواء الذي يزيلها.

وإن كانت الزوجة ممن لا يخدم مثلها نفسه فإنه يجب عليه أن يحضر لها خادماً يخدمها بكراء أو شراء، بشرط أن تكون حرة، فلا خادم للأمة، ولا يصح أن يكون الخادم ممن يحرم نظره إليها، فلا

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0