أسباب اختلاف علاماء المسلمين و أمثل على بعض ما اختلفوا فيه

يستفاذ من هذا الموضوع سبب اختلاف فقهاء المسلمين مع إعطاء مثال على كل سبب فجاء في الموضوع دراسة على شكل: الاختلاف بسبب عدم ثبوت النص, اختلافهم في ميراث الإخوة مع الجد, الإختلاف بسبب عدم بلوغ الحديث, الإختلاف بسبب نسيان الحديث, اختلاف طرق الحديث من حيث الصحة والضعف, الإختلاف بسبب الاعتلال في المتن, الاختلاف في فهم النص بعد ثبوته, الاختلاف العارض من جهة اللغة, الإختلاف بسبب تفاوت المدارك والحصائل العلمية, اختلافهم في تخصيص الوالد بعض أولاده بالعطية دون بعض, الأسباب العائدة إلى قواعد تفسير النص وبعض الأصول والمصادر الاستنباطية, الاختلاف في قواعد تفسير النص, اختلافهم في حمل الطلق على المقيد, اختلافهم في حجية مفهوم المخالفة, اختلافهم في حكم الثمرة إذا بيعت النخلة قبل التابير

أسباب اختلاف علاماء المسلمين و أمثل على بعض  ما اختلفوا فيه

المبحث الأول الاختلاف بسبب عدم ثبوت النص

إذا كان الصحابة رضي الله عنهم الذين فازوا بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والمعروفين بكثرة ملازمتهم للرسول صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لسنته غابت عنهم نصوص شرعية وأحاديث نبوية، فكيف بمن هو دونهم. ومن أمثلة هذا:

المثال الأول : اختلافهم في ميراث الإخوة مع الجد:

وذلك أنه لم يرد نص قرآني ولا حديث نبوي في حكم الجد مع الإخوة الأشقاء وأمام انعدام النص وقع الخلاف بين الصحابة وبعدهم الفقهاء على مذهبين.

مذ هب أبي بكر الصديق ومن تبعه من الصحابة : 

أنه لا إرث للإخوة الأشقاء أو لأب مع الجد، وذلك لاعتبارهم أن الجد ينزل منزلة الأب وهذا مذهب أبو حنيفة

مذهب زيد بن ثابت وعلي وابن مسعود ومن تبعهم من الصحابة  وهو مذهب الجمهور:

المذهب الثاني: توريث الإخوة الأشقاء أو لأب، لأن ميراثهم  ثابت بنص القرآن ولقرب درجة الأخ للميت من الجد.

الإختلاف بسبب عدم بلوغ الحديث:

قد يكون الحديث موجودا لكنه لم يصل بعض الأئمة، فيلجأ الفقهاء إلى إعمال الاجتهاد مما يحدث آراء متنوعة، وهذا كثيرا ما حدث للصحابة على جلالة قدرهم، وعلى الرغم من صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من بين هذا.  

* أن عمر رضي الله عنه لما قدم سرغ وبلغه أن الطاعون بالشام،. 

* وكذلك عثمان رضي الله عنه أهدي له مرة صيد كان قد صيد لأجله، فهم بأكله، حتى أخبره علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رد لحما أهدي له

* ومن أمثلة هذا ما قاله ابن وهب: أنه قال: سمعت النبي سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟

الإختلاف بسبب نسيان الحديث :

ان الإمام قد يكون يحفظ الحديث لكنه نسيه، فهو في هذه الحالة كمن لم يبلغه الحديث وقد مثل ذلك ابن تيمية بقصة ابن عمر بن الخطاب في تيمم الجنب للصلاة


المطلب الثاني: اختلاف طرق الحديث من حيث الصحة والضعف.

قد يصل الفقيه الحديث بطريق ضعيف لا يثبت عنده، فيكون بذلك كمن لم يبلغه الحديث، بينما قد يصل الحديث إلى غيره بطريق آخر صحيح يثبت عنده، وهذا أمر غالبا ما ينشأ عنه اختلاف الفقهاء أسباب وصور كثيرة منها، إما من جهة السند أو من جهة المتن،  

لا احتجاج عند الفقهاء بالمنقطع ولا بالمعضل، إلا أن يأتيا موصولين من طريق صحيح. أما المرسل والمدلس، ففي قبولهما وردهما اختلاف بين الفقهاء.

فقد اختلفوا في حكم الاحتجاج بالمرسل والعمل به على أقوال كثيرة مذهبا، ويرجع حاصلها إلى ثلاثة:

المذهب الأول: قبوله مطلقا، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

المذهب الثاني: رده مطلقا، وهو قول أحمد في الرواية الثانية عنه وأبي بكر القاضي المالكي وأهل الحديث وغيرهم.

المذهب الثالث: قبوله بشروط، ورده عند اختلال تلك الشروط، وهو مذهب الشافعي

مثال: اختلافهم في وجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة:

ذهب أبو حنيفة إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء. وحجيته في ذلك: 
ما رواه أبو داود في المراسيل "عن أبي العالية قال: جاء رجل في بصره ضر، فدخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فتردى في حفرة كانت في المسجد، فضحكت طوائف  منهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أمر من كان ضحك منهم أن يعيدوا الوضوء، ويعيدوا الصلاة.

قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد:

شذ أبو حنيفة فأوجب الوضوء من الضحك في الصلاة لمرسل أبي العالية وهو أن قوما ضحكوا في الصلاة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الوضوء والصلاة، ورد الجمهور هذا الحديث لكونه مرسلا ولمخالفته للأصول، وهو أن يكون شئ ما ينقض الطهارة في الصلاة ولا ينقضها في غير الصلاة، وهو مرسل صحيح

الإختلاف بسبب الاعتلال في المتن

قد يرد الحديث وفي متنه علة تجعل الفقهاء يختلفون في الأحكام الشرعية المستنبطة منه، إما بسبب قبول بعضهم إياه دون البعض أو بسبب اختلاف مسالكهم في الاستنباط منه أو غير ذلك من الأسباب الأخرى

ولاعتلال المتن صور كثيرة منها: إسقاط شئ من الحديث يتغير به المعنى رواية الحديث ونقله دون ذكر السبب... وسأكتفي بنموذج واحد اختصارا.

رواية الحديث ونقله دون ذكر السبب الموجب له::

وصورة هذا النوع من الاعتلال: أن يكون المعنى الصحيح المراد في الحديث متوقفا على ذكر سببها الموجب له، لكن الراوي ينقل الحديث ويغفل عن نقل سببه، فيعرض من ذلك إشكال في الحديث، أو يتعارض مع حديث آخر، فيقع بذلك الخلاف بين الفقهاء.

مــــــــــــثــــــــــال: 

ما رواه المحدثون من أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالعرنيين الذين ارتدوا وأغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوا راعيه، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل عيونهم ثم تركوا بالحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا.

وسبب هذا التعارض كما يقول البطليوسي هو: أن الذي روى الحديث الأول أغفل نقل سببه الذي أوجبه؛ ورواه غيره فقال: إنما فعل ذلك لأنهم مثلوا براعيه فجزاهم بمثل فعلهم.


المبحث الثاني: الاختلاف في فهم النص بعد ثبوته. 

المطلب الأول: الاختلاف العارض من جهة اللغة.
أ) الاشتراك اللغوي:

ومعناه اللفظ الموضوع  لمعنيين مختلفين أو أكثر, بوضع واحد, كالعين تطلق على العين الباصرة, والينبوع, والجاسوس والذهب, والسحاب الذي ينشأ من جهة القبلة.

وكان هذا سببا في اختلاف أنظار العلماء فيما أراده الشارع من تلك الألفاظ. فوقع بينهم الاختلاف في العديد من الأحكام, منها:

اختلافهم في عدة المطلقة التي تحيض:

يطلق  القرء ويراد به الحيض, ويطلق ويراد به الطهر. قال أبو عبيد " القرء يصلح للطهر والحيض".

ذهب مالك والشافعي وأحمد في أحد قوليه إلى أنها ثلاثة أطهار, وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت من الصحابة رضي الله عنهم.

وذهب أبو حنيفة والثوري والاوزاعي وابن أبي ليلى وجماعة إلى أنها ثلاث حيضات، و من الصحابة علي وعمر بن الخطاب وابن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين.

سبب الاختلاف في هذه المسألة :

الاشتراك الواقع في لفظ "قروء" من قول الله عز وجل:

“والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ“

 اختلافهم فيما يجوز التيمم به في الوضوء:

ذهب المالكية والحنفية وغيرهم إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها, كالحصا والرمل ونحوهما.

وذهب الشافعية والحنابلة وغيرهم إلى أن الصعيد هو التراب الخالص, سواء وجد على وجه الأرض أو أخرج من باطنها.

سبب الاختلاف في هذه المسألة :

هو الاشتراك الواقع في لفظ "الصعيد", في قول الله عز وجل

“ وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء احد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء  فتيمموا صعيدا طيبا

فهو يطلق في كلام العرب على وجوه:

* فالتراب الخالص الذي على وجه الأرض يسمى
* ووجه الأرض يسمى صعيدا.صعيدا.
* لفظ الطيب, فيطلق على تراب الحرث, وعلى الطاهر كما يطلق على  الحلال.
ومن أمثلة اختلافهم بسبب حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز.
* اختلافهم في ملامسة المرأة هل تنقض الوضوء أم لا؟

 وذلك أن الله تعالى قال :أولمستم النساء ” فوقع الاختلاف في لفظ "لامستم النساء ", هل المرا به, المعنى الحقيقي وهواللمس والمباشرة و المجازي وهو الجماع او المعنى المجازي فقط .

قال ابن رشد الحفيد في بدايته :

وسبب اختلافهم في هذه المسألة, اشتراك اسم اللمس في كلام العرب. فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى:

 "أو لامستم النساء" وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد.

المطلب الثاني: الإختلاف بسبب تفاوت المدارك والحصائل العلمية.

اختلافهم في صلاة العصر في بني قريضة قال ابن حجر في الفتح: "فحمل بعضهم النهي على حقيقته ولم يبالي بخروج الوقت، ترجيحا للهي الثاني على النهي الأول، وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها.

وحمل البعض الأخر النهي على غير الحقيقة، أي أنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريضة.

 اختلافهم في تخصيص الوالد بعض أولاده بالعطية دون بعض :

فالشافعي لا يرى بأسا بذلك، وقال بصحة هذه العطية أو الهبة.

أما الجمهور فيرى أن هذه العطية تكون باطلة، ولا يصح أن يأخذها الولد.

منشأ الخلاف: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أشهد على هذا غيري).

فالجمهور قالوا: هذا من باب الزجر، وليس من باب الإحالة،

لا سيما وقد جاء في رواية أخرى (فإني لا أشهد على جور) فسماه جوراً والجور معناه الباطل.

أما الإمام الشافعي فإنه فهم من هذا الحديث: (أشهد على هذا غيري) أن العالم أو المعظم الذي له مكانة بين الناس لا يفعل ذلك، لأنه خلاف المروءات.

اختلافهم في المراد بقوله صلى الله عليه سلم: " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله":

هل المرد بالأقرأ الأفقه أم الأحفظ؟

ذهب الإمام مالك والشافعي إلى أن الأولى بالإمامة الأفقه لا الأقرأ؛ لأن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة، وأيضا فإن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، وذلك بخلاف ما عليه الناس اليوم.

 وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أن الأولى بها الأقرأ تمسكا بظاهر النص.

اختلافهم في فهم النهي في قوله تعالى:
 "ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"
حمله البعض على النهي عن المخاطرة بالنفس في القتال.

وحمله بعض آخر، على النهي عن التخلي عن الإنفاق في الجهاد في سبيل الله.

وسبب نزول هذه الآية يؤيد الرأي الثاني.

اختلافهم في القيام إلى الجنازة هل هو واجب أم لا.

ذهب جماعة إلى أن القيام إلى الجنازة واجب وأن الأمر به محكم غير منسوخ، محتجين بحديث عامر بن ربيعة الذي قال فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الجنائز فقوموا إليها حتى تخلفكم أو توضع".

المبحث الثالث : الأسباب العائدة إلى قواعد تفسير النص وبعض الأصول والمصادر الاستنباطية .

المطلب الأول : الاختلاف في قواعد تفسير النص.

قواعد تفسير النصوص الشرعية هي القواعد الأصولية التي توصل إليها العلماء باستقراء  أساليب العربية وإدراك المدلول الصحيح  للخطاب في لسان العرب ،وكذلك إدراك القواعد العامة للتشريع .

وأكثر القواعد مختلف فيها بين العلماء وقد ترتب عليها اختلافهم في كثير من الفروع الفقهية المبنية عليها:

* اختلافهم في حمل المطلق على المقيد
* اختلافهم في حجية مفهوم المخالفة
*  اختلافهم في عموم المقتضى
* اختلافهم في الأمر المطلق ، هل يقتضي الفور أم  التراخي

اختلافهم في حمل الطلق على المقيد :

قد يرد اللفظ مطلقا في نص ،
* ويرد هو بعينه مقيدا في نص أخر .
* فهل يعمل بكل من المطلق والمقيد موضعه؟
* آو يحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بذلك المطلق الوارد في هذا النص هو الوارد  في النص الأخر ؟
اختلفت أنظار العلماء في حمل المطلق على المقيد
الجمهور: فذهب الجمهور إلى حمل المطلق على المقيد إذا اتحد في الحكم واختلف في السبب.

الحنفية: المطلق لا يحمل على المقيد في هذا ، ولا يكون المقيد بيانا له وإنما بعمل  المطلق في محله والمقيد في محله ..

اختلافهم في حجية مفهوم المخالفة :

مفهوم المخالفة هو دلالة النص على ثبوت نقيض الحكم المنطوق به ، لما سكت عنه النص ، عند انتفاء الصفة ، أو الشرط أو العدد أو الغاية ، وغير ذلك مما قيد به النص من أنواع مفهوم المخالفة .

مثاله قوله عليه الصلاة والسلام " مطل الغني ظلم ..."أي تأخيره لما عليه من الدين ظلم مفهوم المخالف : تأخير الفقير المعسر لما عليه من الدين لا يعتبر ظلما .

وقد اختلف الفقهاء في صحة الاحتجاج بالمفهوم المخالف من النص الشرعي:

ذهب الجمهور إلى صحة الاحتجاج به بشروط معينة .

وذهب بعض العلماء ومنهم الحنفية على عدم صلاحيته للاحتجاج به في كلام الشارع ..

وقد ترتب على اختلافهم في هذه القاعدة اختلافهم في فروع فقهية كثيرة منها :

اختلافهم في حكم الثمرة إذا بيعت النخلة قبل التابير

ذهب جمهور العلماء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى انه إذا بيع النخل قبل أن يؤبر ، فثمرته للمشتري عملا بمفهوم المخالفة في قوله عليه السلام " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع " لان هذا الحديث قد دل بمنطوقه على أن الثمرة بعد التابير هي  ملك للبائع سواء أكان النخل مؤبرا أو غير مؤبر ، وأن مفهوم المخالفة لايصح الاحتجاج به ، وان قيد التابير لا يدل على نفي الحكم عند عدمه.

 

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0