عرض بعنوان النيابة العامة في المادة الجنائية
عروض في قانون الجنائي

تقديم عام: تعتبر النيابة العامة قضاء خاص، قائم لدى المحاكم الجنائية، لتمثيل المجتمع وهي مكلفة باقامة الدعاوى العمومية، ومباشرتها وحمل المحاكم على جعل أحكامها منطبقة على 1 القوانين النافذة، ثم تنفيذ هذه الاحكام بعد اكتسابها الدرجة القطعية . وقد اختلف المؤرخون في تحديد التاريخ الحقيقي الذي ظهرت فيه مؤسسة النيابة العامة ،فذهب البعض إلى أن زمن ظهورها يعود إلى القانون الروماني ،لكن ذلك يبقى محل نظر خصوصا عند مجابهتها بالوثائق التي عثر عليها بعض المؤرخين في القرن 41 الميالدي، من بينها رسالة وجهها ملك فرنسا فيليب الخامس إلى وكالئه ،يمنع عليهم فيها صراحة الانتصاب كطرف في الدعوى التي لا تمس حقوق الملك ولا مصالحه المالية. وقد عرفت هذه المؤسسة في ذلك العهد "برجال الملك "،وكانت مهمتهم الاساسية تنحصر في الدفاع عن حقوق الملك ،والسهر على حماية الامالك الملكية ،وكان رجال الملك يأخذون مواقعهم في قاعات المحاكم وهم وقوف على بالطة خشبية ،منفصلين عن الخصوم ،وعن هيئة الحكم، ومن هنا سمو بالقضاء الواقف، لكونهم كانوا يقفون عند مخاطبتهم للمحكمة.
وبعد تطورات تاريخية ،أصبح رجال الملك يشكلون جزءا من تشكيلة هيئة المحكمة ،ثم أصبحت مهامهم أخذة في إسناد اختصاصات جديدة شيئا فشيئا، مما جعل النيابة العامة تحتل موقعا متميزا داخل المحكمة. أما في المغرب، فالنيابة العامة تشكل جهازا موحدا على رأسه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حسب التعديالت الاخيرة التي جاء بها قانون 41 - 411 ،فهي تمثل المجتمع 2 أمام المحاكم الزجرية ، وهي جزء من هذه ألأخيرة وتختص أساسا بتحريك الدعوى العمومية، ومباشرة سيرها حتى نهايتها. وهو ما أشارت إليه المادة 13 من قانون المسطرة الجنائية "تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها، وتطالب بتطبيق القانون، ولها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة". والنيابة كطرف أصلي في الدعوى العمومية تنعت –كما سلف- بالقضاء الواقف في الفقه الجنائي، وذلك لأن ممثلها يقف لزاما حين يأخذ الكلمة أمام المحكمة، لبسط مطلب الادعاء الشفوية أو المناقشة أوجه إسناد التهمة إلى المتهم، على عكس قضاة الاحكام الذين لا يقفون أبدا ولذلك يسمون بالقضاء الجالس.
كما تنعت النيابة العامة بالطرف الشريف في الدعوى،لانهلو جرت العادة على أن تلتمس دائما إدانة المتهم وتشديد العقوبة، سعيا منها إلى الدفاع عن المجتمع من كيد المجرمين والاشرار،فإنها مع ذلك تنبهت إلى لأن التماسها بإدانة المتهم يتعارض مع العدالة بسبب غلبة أدلة البراءة إلى جانب المتهم، فإنها تعدل عن ملتمساتها السابقة –ولو كانت مكتوبة- وتدافع عن الاصل الذي هو البراءة.
ويمثل النيابة العامة أمام المحاكم الابتدائية وكيل الملك أو بواسطة نوابه ، وهم يخضعون إلشرافه ومراقبته، وإليه يرجع الاختصاص في تحريك ومتابعة الدعوى العمومية بالنسبة للجنح والمخالفات التي تختص المحكمة الابتدائية بالنظر فيها. أما لدى محكمة الاستئناف فتتكون النيابة العامة من الوكيل العام للملك بوصفه رئيسا للنيابة العامة، وممثال لها ويساعده نواب يخلفونه في حالة حدوث مانع ، وإليه يرجع الاختصاص في تحريك الدعوى العمومية في الجنايات كما يكون مختصا في متابعة الجنح التي تكون مرتبطة بها.
أما النيابة لدى محاكم النقض فيمثلها الوكيل العام للملك يساعده في ذلك محامون عامون وفق الفصل 44 من ظهير التنظيم القضائي،وفيما يخص أقسام قضاء القرب، فإن النيابة العامة تختص بإحالة المحاضر المنجزة من طرف الشرطة القضائية، والمتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في المواد 41و43و41 من قانون رقم 41 -14 المتعلق بأقسام قضاء القرب.
وبخصوص المحاكم الاستثنائية أو المتخصصة، فالنيابة العامة فيها ممثلة أمام المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية بمندوب للحكومة ، أما المحاكم المالية فيمثل النيابة العامة لديها الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى للحسابات ووكيل الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات. انطالقا مما سلف يتضح أن النيابة العامة مؤسسة قائمة بذاتها تتولى مهمة تمثيل المجتمع خاصة أمام المحاكم الزجرية، وهذا ما سنقوم بدراسته من خلال طرح الاشكالية التالية المتعلقة بمدى صالحيات النيابة العامة في الميدان الجنائي، و تتفرع أسئلة من هذه الاشكالية المحورية و هي كالتالي:
ما هي النيابة العامة؟
خصائص النيابة العامة؟
الطبيعة القانونية للنيابة العامة