مقدمة
لطالما شكلت مراجعة و إصالح القانون الجنائي مطلبا حيويا ملحا توافقت حوله مختلف الفعاليات القانونية والحقوقية ببالدنا وقد مر على صدوره أكثر من نصف قرن من الزمن يمكن حصرها في 53 سنة تحديدا طرأت خلالها مجموعة من التحوالت المؤثرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وظهور صحوة حقوقية غير مسبوقة وإصالحات تشريعية همت العديد من القوانين أهمها التشريع الاسمى للبالد وهو إصدار دستور جديد في 2011 .الذي تضمن في ثناياه مبادئ ومستجدات جنائية في غاية الاهمية ، كما أن الظاهرة الاجرامية التي تعتبر محل اهتمام هذا القانون عرفت تطورا خلال هذه المدة 1 وتناميا غير مسبوقا . هذا ما دفع مجموعة من الفقه إلى محاولة إيجاد تعريف شالم للقانون الجنائي فإذا تطرقنا للمفهوم الواسع فهو " مجموعة القواعد والنصوص التي تنظم مبادئ التجريم وتحدد الافعال المكونة للجرائم والعقوبات المقررة لها، كما تنظم إجراءاته البحث والتحقيق ومسطرة المحاكمة وتنفيذ العقوبة المحكومة بها" فحسب هذا المفهوم فهو يشمل قواعد الموضوع أو القانون الجنائي الموضوعي وقواعد الشكل أي المسطرة الجنائية. أما المفهوم الضيق يعرف على أساس أنه " مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الافعال المجرمة و الجزاءات المقررة لها عقوبات كانت أم تدابير وقائية ". وينقسم القانون الجنائي وفقا لمفهومه الضيق إلى قسمين:
▪ القانون الجنائي العام: يتضمن الاحكام والمبادئ العامة للتجريم والعقاب.
▪ أما القانون الجنائي الخاص: فيتضمن مبيانا بمفردات الجرائم والعقوبات المقررة لها، فهو يبين طبيعة الجريمة على حدة ويحدد أركانها وعناصرها وكذا المقترنة بها تشديدا وتخفيفا، فضال عن بيان 2 الجزاءات المقررة لها نوعا ومقدرا .
لقد عرف القانون الجنائي تطورا مهما عبر العصور المختلفة حاكمة في طبيعتها ظروف الزمان والمكان اللذان سايرتهما. ويمكن التمييز بين ثالث مراحل من التطور مرت بها قواعد القانون الجنائي تتمثل في المراحل السابقة على ظهور الدولة ومرحلة اضطالع الدولة بمؤسستي التجريم والعقاب والمرحلة الاخيرة تتمثل في مرحلة البحث العلمي أو مرحلة الدراسة الفلسفية للظاهرة الاجرامية. فيما يتعلق بالمرحلة السابقة على نشوء الدولة فكانت هناك عدالة خاصة تتميز بكون قواعد التجريم والعقاب لم تكن محددة سلفا، بحيث كان القانون الجنائي يتميز بالسلطة التي تتالءم مع العقلية البدائية الاولى، فالفعل كان يعتبر مجرما بحسب وجهة نظر من استهدفه لذلك كان المتضرر عفويا وتلقائيا إما بنفسه أوعن طريق ذويه. أما في المرحلة الدينية فقد لعب الدين دورا هاما فيتطور القانون الجنائي فخلال هذه المرحلة أصبحت الجريمة والعقوبة تأخذان مفهوما دينيا فكانت تأخذ تصور على أنها أرواح شريرة تتقمص شخص الجاني وتؤدي إلى غضب اآللهة فكان من الضروري آرائهم بإنزال العقوبة بالجاني تكفيرا عن جريمته. أما في ما يتعلق بمرحلة اضطالع الدولة بسلطتي التجريم والعقاب فقد قوي نفوذها وسلطانها وأصبح حقا التجريم والعقاب مظهرا من مظاهر سيادة الدولة ، تستأثر باسم المجتمع دون أي جهة كانت لا سيما رجال الدين. وقد ابتدأت المرحلة بقيام عهد الحقوق الرومانية لتنتهي بالثورة الفكرية في القرن 18 وسميت بالمرحلة السياسية أو مرحلة اضطالع الدولة بمؤسستي التجريم والعقاب.
أما المرحلة العلمية أو المرحلة التي تم فيها دراسة الظاهرة الاجرامية دراسة فلسفية ّ فكانت ناتجة عن العقوبات ت إلى إثارة القاسية التي كانت مهيمنة أثناء نشأة الدولة وأ مشاعر المفكرين والفالسفة في تلك الحقبة الذين انتقدوا الطرق المتبعة في التجريم والعقاب مما أدى إلى ظهور مدارس فقهية مختلفة تتناول بالدراسة و لتحليل موضوع التجريم والعقاب. وأهمها المدرسة التقليدية بزعامة BECCARIA الفقيه الايطالي وقد ظهرت في النصف الثاني من القرن 18 وقد نددوا فيها باستبداد الحكام والقضاة في التجريم والعقاب وبمظاهر الظلم الاجتماعي وانعدام المساواة أمام القانون. أما المدرسة التقليدية الحديثة فقد سارت على الخطى التي سارت عليها سابقتها، وتبنت نفس الاساس الذي تقيم عليه المسؤولية والعقاب، وهي جديدة لأنها عمدت إلى صياغة أفكار ومبادئ المدرسة التقليدية على أساس تتوخى التوسط والاعتدال وتنبذ الغلو والتجريد ومن زعمائها نذكر ROSS.
أما فيما يتعلق بالمدرسة الوضعية أو الواقعية فقد تولت سياسية ج=نائية مخالفة تماما للمدرستين السابقتين وقد اهتمت هذه المدرسة بشخص المجرم وتحري الاسباب والعوالم التي تدفعه إلى سلوك طريق الجريمة والانحراف. وهكذا تولت ظهور المدارس محاولة منهم لوضع سبب محدد يدفع الشخص الرتكاب الجريمة منها مدرسة الدفاع الاجتماعي... إلخ أما فيما يتعلق بتطور القانون الجنائي بالمغرب فيمكن التمييز بين ثالث مراحل ما قبل الحماية حيث كان المجتمع المغربي يعتمد على قواعد الفقهالاسلامي لتنظيم شؤونه الدينية والدنيوية بما فيها الاحكام المتعلقة بالميدان الجنائي، يمكن القول في هذا الصدد أن المغرب 3 قبل 1913 لم يعرف تقنينا جنائيا بالمفهوم الوضعي .
أما مرحلة الحماية فتميزت بصدور قوانين مكتوبة أخذت تحل تدريجيا محل أحكام الفقهالاسلامي ، وهذه القوانين جاءت لتحقق بالدرجة الاولى مصالح السلطات الاستعمارية وتستجيب لطموحات رعاياها المقيمين بالمغرب وجاءت هذه القوانين على شكل ظهائر: ➢ ظهير 12 غشت 1912. ➢ الظهير الخليفي الصادر في فاتح يونيو 1914 بتطبيق القانون الجنائي الاسباني في المنطقة الشمالية. ➢ ظهير 15 يناير1925 تطبيقه بطنجة الدولية ➢ ظهير 24 أكتوبر 1953 يقضي بإصدار قانون جنائي مقتبس من القانون الجنائي الفرنسي. أما مرحلة الاستقالل فتميزت بتكثيف الجهود من أجل توحيد تشريعه الجنائي حيث لعبت جميع النصوص السابقة وهكذا أصدرت بتاريخ 10 فبراير 1959 قانون المسطرة الجنائية تهم القانون الجنائي في 26 نونبر 1962 الذي طبق ابتداء من 17 يونيو 1963 وقد حرصوا واضعوا هذا القانون الذي لا يزال ساريا إلى وقتنا الحالي على الاستفادة من حصيلة التطور الهام الذي عرفته النظم الجنائية المعاصرة ومحاولة تالفي أوجه النقض والقصور التي كانت تعتري القانون الجنائي لسنة 1953 .
لذلك و لكل هذه الاسباب الى اي حد استطاع المشرع المغربي اثناء وضعه لمشروع القانون الجنائي اعتماد مقاربة حقوقية و حمائية لالفراد و ذلك من خلال التنصيص على مجموعة من الجرائم و العقوبات الجديدة تماشيا مع الدستور الجديد و سمو المعاهدات الدولية؟ و لالجابة على هذه الاشكالية، سنعتمد على التقسيم الاتي:
المبحث الاول: مستجدات سياسة التجريم
المبحث الثاني: مستجدات السياسة العقابية