مقدمة :
تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية يرتبط وجودها بوجود المجتمعات فمتى وجدت المجتمعات وجد الافراد برغباتهم وأهوائهم وأهدافهم المختلفة التي قد تتضارب وتتعارض أحيانا، مما يجعل البعض يرى في الاعتداء على اآلخرين سبيال لتحقيق أهدافه الخاصة،فالجريمة قديمة قدم الوجود الانساني.
و تعتبر هذه الظاهرة من أكثر المشكالت الاجتماعية تعقيدا و تشابكا، فبالرغم من حداثة الاهتمام بدراستها دراسة علمية،الاأن الباحث المختص يجد نفسه أمام فيض من الدراسات والنظريات التفسيرية التي تتشعب وتتعارض كما قد تتفق في بعض الاحيان. هذا لأن الفعل الاجرامي ظاهرة تهم كل من علماء الاجتماع والقانون وعلماء النفس والمربيين ويدخل ضمن اختصاص كل منهم لذلك حاول كل منهم أن يفسرها انطالقا من أطره النظرية وطرقه في البحث فتعددت بذلك النظريات والاتجاهات مع ما تتميز به ظاهرة الاجرام من خصوصيات، ولهذا فان الباحثة سوف تقتصر على معالجة نموذج واحد من مختلف النظريات والمقاربات التي فسرت الجريمة، الا وهي المقاربة النفسية والتي نهدف من خلالها دراسة الجريمة من منظور نفسي بحت من خلال تسليط الضوء على دوافعها وأسبابها النفسية اعتمادا على رؤى نفسية مختلفة.
فالنفس الانسانية عالم مغلق كتوم على نفسه،ال يعلن عما يتفاعل فيه من مشاعر وعواطف،والظاهرة المعلنة الوحيدة التي تكشف النقاب عن ذلك العالم المغلق ، هي السلوك الانساني، فإذا كان ذلك السلوك هادئا منسجما مع قيم المجتمع وعاداته وأخالقه ،ولذلك على نفس سوية، وإذا كان ذلك السلوك عنيفا فيشكله، متحديا قيم المجتمع وأخالقه، عابثا بأمنه واستقراره ولذلك على نفس مريضة أو مضطربة نفسيا.
و لا نستطيع أن نفصل ظاهرة الجريمة عن الاسباب أو العوالم المؤدية إليها،لأن الجريمة تحتاج إلى بواعث ودوافع تهيئ أسبابها النفسية، وتجعل النفس في حالة استعداد الرتكاب الفعل الذي يدخل ضمن دائرة الخطر.
فإلى أي حد ساهم المذهب الفردي البيولوجي والنفسي في بناء صرح علم الاجرام؟ وإلى أي مدى يمكن التسليم بمختلف النظريات التي جاء بها هذا المذهب؟ الاجابة عن هذه الاشكالية وغيرها من التساؤالت المتفرعة عنها، سنعمل على تقسيم هذا العرض إلى مبحثين وذلك وفق الشكل التالي:
المبحث الاول : تفسير السلوك الاجرامي في ضوء الاتجاه البيولوجي العضوي (المدرسة الوضعية)
المبحث الثاني : الاتجاه النفسي ودوره في تفسير السلوك الاجرامي