مقدمة
تعد جريمة التعذيب من أبشع الجرائم وأخطرها التي يمكن أن تمارس ضد الاشخاص بصفة عامة وضد المتهمين والمشتبه فيهم الذين يكونون في قبضة السلطات المختصة بالتحري عن الجرائم ومرتكبوها بصفة خاصة. وبالرجوع إلى المصادر التاريخية يالحظ أنه لم تسلم المجتمعات الانسانية على مر التاريخ من ممارسة التعذيب عليها أو على أفرادها نتيجة عوالم خارجية تمثلت غالبا في قوى الاحتالل أو عوالم داخلية وجدت صداها في بطش الحكام أو عمال السلطة واستبدادهم. وجريمة التعذيب عرفتها مصر القديمة، وكذلك قدماء اليونان أو الاغريق، وكان أرسطو نفسه يرى أن التعذيب هو أنسب الوسائل لحصول على الاعتراف من المتهم حيث كان التعذيب لديهم من أهم وسائل التحقيق والحصول على اعتراف المتهم.
وفي عهد الامبراطورية الرومانية القديمة عرف نظام " الاستجواب مع التعذيب لحمل المتهم على الاعتراف ....." وكان التعذيب هو أنسب وسيلة للحصول على الاعتراف لا سيما في أواخر 1 العصر الجمهوري وأوائل العصر الامبراطوري. وفي العصور الوسطى إستقر التعذيب في أروبا كوسيلة لتحقيق واعتبر من النظم الاساسية في الاجراءات الجنائية وبلغ الحد إلى أن تم تتقنينه، وقد نهت الشريعةالاسلامية عن التعذيب بشتى أنواعه وضد أي شخص وفي ذلك يقول اللهعز وجل " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغيرما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا " ، وقد نهى رسول اللهعليه الصالة والسالم عن التعذيب في عمومه، فقد روي عن أبو داوود وآخرون عن النبي صلى اللهعليه وسلم أنه قال " لا تعذبوا خلق الله"،والحديث في مضمونه ينهي عن التعذيب وجميع أشكاله، وانتهاك كرامة الانسان والمعالمة المهينة له وخدش حياته. كما أن العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية العامة والخاصة قد جرمت التعذيب.
وبالنسبة للمغرب فقد عرف هذه الجريمة شأنه شأن باقي الدول سواء قبل الاحتالل أو في فترة الاحتالل أو بعد الاستقالل إلى حدود سنة 1999 إلى جانب ما تعرض له المختَطفون المغاربة في مخيمات العار بتندوف على الاراضي الجزائرية. وجريمة التعذيب كانت ومزالت اليوم تمارس في بعض بقاع العالم كفلسطين المحتلة واليمن وليبيا...وغيرها من الدول. ويمكن تعريف التعذيب بأنه " أي عمل ينتج عنه لأم أو عذاب شديد جسديا او عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية ".
كما عرفه المشرع في الفصل 231-1 " كل فعل ينتج عنه لأم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أوإرغام شخص آخر على الأداء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص آخر، أو عندما يلحق مثل هذا الالم أو العذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه ."
والتعذيب ليس بنوع واحد بل هناك أنواع أخرى من التعذيب كالتعذيب الاقتصادي، المعنوي ، العقلي... وتبدو أهمية تجريم التعذيب على الصعيد الدولي والوطني أهمية بالغة، ففي الاتفاقيات والمواثيق نجدها تجرم هذا الفعل من خلال نصوصها إلى جانب إمكانية تدخل القانون الجنائي الدولي، إلى جانب اهتمام المنظمات الدولية بهذه الجريمة والعمل على الحد منها ومحاربتها. وعلى الصعيد الداخلي نجد القوانين الوطنية تجرم التعذيب سواء ارتكبه الموظفون العموميون ضد المتهمين أو في حالة ارتكابه ضد الموظفين أنفسهم أثناء مزاولتهم لمهامهم.
ويعالج هذا الموضوع الاشكالية التالية: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع ضمانات للحماية من التعذيب وتاطير هذه الجريمة في صلب نصوص مجموعة القانون الجنائي ؟ سنناقش هذه الاشكالية ضمن التصميم التالي:
المبحث الاول: الاحكام العامة لجريمة الاتعذيب.
المبحث الثاني: آليات مكافحة التعذيب في ضوء المواثيق الدولية والقانون الجنائي.