أطروحة بعنوان رأسمال شركة المساهمة
أطروحات دكتوراه

أمام عجز الافراد على القيام بمشاريع اقتصادية ضخمة تتطلب رؤوس أمولا ضخمة من أجل انجازها وأمام إحجامهم عن القيام بها لعبت الشركات التجارية دورا هاما في القيام بهذه المشاريع، وذلك لقدرة هذه الشركات وخاصة شركة المساهمة على تجميع رؤوس الامولا 1 واستغاللها إلنجاز هذه المشاريع. وقد ميز الفقه والقضاء بين نوعين من الشركات، شركات أشخاص تقوم على الاعتبار الشخصي، و تطغى عليها صفة التعاقد، وشركات أمولا تقوم على الاعتبار المالي ويطغى عليها صفة التنظيم القانوني.
ويمثل رأس المال عصب الحياة في أي نشاط تجاري، و يعد رأسمال الشركات التجارية أحد أهم الاركان الخاصة الالزمة لوجود الشركة، فهو عنصر أساسي وضرو ر ي لتأسيس الشركة، فليس بوسع هذه الشركات البقاء على قيد الحياة بدونه، ولا يتصور أن تستطيع القيام بأنشطتها بدونه، و لذلك يولي المشرع عناية كبيرة به سواء عند تأسيس الشر كة أو أثناء ممارستها لنشاطها وعند انقضائها وتصفيتها. ن أهميته بالنسبة وا للشركاء لا تقل عنها بالنسبة للدائنين، إذ يعد أحد العناصر التي قام على أساسها الشركاء بالانضمام إلى الشركة نتيجة لشعورهم بالاطمئنان إلى قدرتها المالية على تحقيق الغرض الذي أنشأت من أجله، كذلك تزداد أهميته لديهم في شركات الاموال.
وتختلف أهمية رأس المال بالنسبة إلى الدائن تبعا لنوع الشركة، ففي شركة الاشخاص يكون الشركاء متضامنون مسؤولين عن ديون الشركة كافة مسؤولية شخصية، وتضامنية اتجاه دائني الشركة، تمتد إلى جميع أموالهم الخاصة، فضال عن رأسمال الشركة؛ أي لدائن الشركة ضمان عام على رأسمال الشركة وموجوداتها فضال عن ذمم الشركاء الشخصية، وعليه فإن تحديد رأس المال والمحافظة عليه لا يمثالنالاأهمية محدودة.
أما في شركات الامولا فإن رأس المال تكون له أهمية بالغة وخطيرة نظرا للمسؤولية المحدو دة للشريك عن التزامات الشركة بمقدار حصته في رأسمال الشركة، إذ يشكل رأس المال الضمان الوحيد لدائني الشركة فيها، فال يجوز للشركة توزيعه على الشركاء أو الانتقاص منه إضرارا بحقوق دائنيها، بل يجب دائما الاحتفاظ بموجودات لا تقل قيمتها عن رأسمال الشركة، وهذا ما يعرف بمبدأ ثبات رأـس المال. وتعتبر شركات المساهمة النموذج الامثل لشركات الامولا بسبب قدرة هذه الشركات على تجميع الامولا الطائلة وتحقيق الكثير من الارباح، حيث تحتل مكانة متميزة في الحياة الاقتصادية، وليس أدل على ذلك من تزايد نطاقها في الواقع العملي وما حققته من مشاريع كبرى في شتى مجالات الحياة المتنوعة، فهي بذلك أداة للتطور الاقتصادي والروح المحرك لالقتصاد الوطني، الامر الذي جعلها تنافس المشروعات العامة التي تتوالها الدولة. و شركة المساهمة حديثة النشأة إذا ما قورنت بشركات الاشخاص إذ ارتبط وجودها بحركة الكشف الجغرافي في نهاية القرن الخامس عشر وما صاحبها من رحالت بحرية حققت أرباحا طائلة لبعض المغامرين، فضال عن ارتباط ظهور هذه الشركات بظهور ما يسمى "بالرأسمالية المالية"، وعلى ذلك يمكن القول بأن شركات المساهمة كانت وما تزال عماد النظام الرأسمالي وقد قال عنها جورج ريبير أنها "الاداة الرائعة للرأسمالية".
وقد نمت شركة المساهمة وتطورت بسرعة بسبب قدرتها على تجميع رؤوس الامولا وتركيزها في قبضة بعض الاشخاص حتى كادت تحتكر المجال الصناعي والتجاري للدولة والسيطرة على سياستها لقيامها وحدها بالمشروعات الكبرى التي تتطلب رؤوس أمولا ضخمة، وهذا هو السبب الذي أدى ببعض الانظمة ومنها الدول الرأسمالية إلى التخوف من هذه الشركات، ولذلك لم يتقرر حرية تأسيس شركة المساهمةالافي وقت متأخر، وتأسست أول شركة مساهمة في فرنسا بمبادرة من الحكم الملكي لغر ض التجارة مع المستعمرات، وفي عام 6201 أثناء تدوين القانون التجاري كانت تظهر بمظهر الخطر واشترط لتأسيسها تصريح مسبق من السلطات، ولم يسمح بتأسيسها بحرية تامةالاأثناء الثورة الصناعية، وتأخذ بعض التشريعات بمبدأ الرقابة السابقة على تأسيس شركات المساهمة ومنها التشريع الانجليزي والتشريع الالماني ما في التشريع الجزائري فنظرا لخطورة هذا النوع من الشركات على اقتصاد الدولة، سمح في بداية الامر للقطاع العام بتأسيس مؤسسات تتخذ شكل شركة المساهمة تساهم فيها وحدها أو مع غيرها من أشخاص القانون العام، وبعد التوجه الاقتصادي الجديد، ومواكبة لتطورات وتحوالت السوق كان لزاما على المشرع مسايرة ذلك، ومنه صدر المرسوم التشريعي رقم 97-02 المؤرخ في 82 أفريل 6997 المعدل والمتمم للأمر رقم 12-29 المتضمن للقانون التجاري، والذي سمح بتأسيس هذا النوع من الشركات للقطاع الخاص.
وتعرف شركة المساهمة بأنها الشركة التي ينقسم رأسمالها إلى أسهم متساوية القيمة والقابلة للتداول بالطرق التجارية، وتتكون من شركاء لا يتحملون الخسائرالابقدر أسهمهم التي يملكونها 2 في الشركة. وترجع أسباب قدرة شركة المساهمة في تجميع رؤوس الامولا إلى ما تتميز به هذه الشركة من خصائص، وأهمها التيسير في تحديد قيمة السهم بحيث يكون في متناول صغار المدخرين، وقابلية هذه الاسهم للتداول، وتحديد مسؤولية الشريك بقدر ما أسهم به، فضال عن احتمال بيع هذه الاسهم بربح إذا ارتفعت أسعارها، حيث تبعث هذه الخصائص على الاطمئنان في نفوس الافراد الذين يبتغون تحقيق أرباح تضاف إلى دخولهم دون مخاطر، ورغم كثرة صغار المدخرين المكتتبين في رأسمال شركة المساهمةالاأنهم لا يهتمون بإدارة الشركة أو الاشراف على شؤونها أثناء حياتها، وهو الامر الذي يتيح لأقلية مالية من أعضاء مجلس إدارة الشر كة تركيز سلطات الادارة في أيديهم، وقد يستغلون رأسمال الشركة لتحقيق مصالحهم وليس مصالح الشركة، فيضرون بذلك 3 المساهمين ودائني الشركة على حد سواء.
ويلعب رأسمال شركة المساهمة دور فعال سواء بالنسبة إلى الشركة أو بالنسبة إلى دائنيها أو بالنسبة إلى المساهمين فيها. وتبرز أهمية رأسمال شركة المساهمة بالنسبة للشركة باعتباره أداة تمو يل هامة تعتمد عليه الشركة في تحقيق الغاية التي أنشأت من أجلها. وتبرز أهمية رأسمال شركة المساهمة بالنسبة للمساهمة في الدور الفعال الذي يلعبه رأس المال في تحديد حقوق والتزامات المساهمين، فعلى أساس نسبة مشاركة المساهم في رأسمال الشركة تتحدد حقوقه والتزاماته، فلرأسمال شركة المساهمة دور في تحديد حقوق والتزامات المساهمين، وتتنوع هذه الحقوق وتتعدد، حيث يتمتع المساهم بحق الحصول على الارباح وحق الافضلية في الاكتتاب في الاسهم الجديدة عند زيادة رأسمال الشركة، وحق استرداد قيمة الاسهم واقتسام فائض التصفية، وحق تداول أسهمه ورهنها، وحق الاطالع وحق المشاركة في الجمعيات العامة وحق أمام هيئات التسيير و له حق التعيين والرفض والعزل والحق في البقاء في الشركة، فمثال تتحدد نسبة الارباح التي يتحصل عليها المساهم من الشركة حسب نسبة مشاركته في رأس المال وهذا ما دعى المساهم إلى الانضمام إلى هذه الشركة. وقد سعى المشرع إلى حماية المساهم في ممارسة هذه الحقوق.
بينما فرض المشرع على المساهم التزام مالي واحد ووحيد وهو تسديد الاقساط الباقية لأسهمه النقدية، ويترتب على إخلاله بهذا الالتزام إمكانية بيع هذه الاسهم من قبل الشركة، إلى جانب التزامات إدارية تهدف إلى حماية نشاط الشركة وهي الالتزام بالمحافظة على مصلحة الشركة وأسرارها والالتزام بالخضوع لقرارات الجمعيات العامة. وتبرز أهمية رأسمال شركة المساهمة أكثر بالنسبة للدائنيها حيث يعد رأسمالها الحد الادنى للضمان العام المقرر لهم، ولا يمكن لا للشرك ولا لدائنيها بمطالبة المساهم في أكثر من النسبة التي تملكها في رأسمال الشركة. و بالتالي يمثل رأس المال في شركة المساهمة قلبها النابض، وصمام أمنها وضمانها ، وقد انتبه المشرع إلى أهمية رأسمال شركة المساهمة ففرض بجانب الحد الادنى القانوني لعدد مؤسسيها حدا أدنى لرأسمالها إلمكانية تأسيسه وقد رفع المشرع الحد الادنى القانوني بالنسبة لبعض الشركات التي تتأسس على شكل شركة المساهمة للقيام بمشروعات ذات أهمية خاصة أي حسب النشاط المراد الاستثمار فيه كالبنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين ...إلخ.
انما تدخل بنصوص آمرة ولذلك لم يرغب المشرع أن يترك هذه الشركة لرغبة مؤسسيها، و لحماية جمهور المكتتبين، والمتعالمين مع الشركة على حد سواء، دعامة منه للثقة والائتمان الواجب توافرهما في المحيط التجاري. فقد أولى المشرع عناية كبيرة بهذه الشركة، وكل ما يتعلق بها من أحكام، وأهمها رأسمالها، وكيفية تكوينه، وطريقة الاكتتاب فيه عند تأسيس الشركة، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل شمل المراحل الالحقة لقيام الشركة وممارسة نشاطها، حيث قد يتأثر رأسمالها بالظروف المحيطة بها، وما يالقيه نشاطها من نجاح أو فشل مما يضطرها إلى تعديل رأسمالها بالز يادة أو بالنقصان، كما نظم أحكامه خلال مرحلة انقضاء الشركة وتصفيتها.
ويرجع اختياري لموضوع رأسمال شركة المساهمة إلى الاسباب التالية: - نقص الدراسات القانونية المتعلقة برأسمال شركة المساهمة، وأنه لم يسبق وأن أفرد هذا الموضوع بالبحث، وأعني بذلك دراسات قانونية جزائرية خاصة بموضوع رأسمال شركة المساهمة، الامر الذي يدعوا إلى كتابة بحث يجمع كل الاحكام المتعلقة به. - نقص المعلومات حول الموضوع وتفرقها. - عدم اهتمام الباحثين بموضوع رأسمال شركة المساهمةالامؤخرا وهذا ما نلمسه من تاريخ نشر بعض المقالات التي تتعلق ببعض جوانب هذا الموضوع. - الرغبة في بيان الاحكام القانونية المتعلقة برأسمال شركة المساهمة التي يحتاجها كل من المؤسسين والمساهمين فيها، ودائني الشركة، وكذا دارسي القانون. - وجود ميول شخصي لمثل هذه المواضيع والمتعلقة بالقانون التجاري وبالاخص الشركات التجارية، وعلى وجه التحديد شركة المساهمة نظرا لأهميتها ودورها الفعال في الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية. - لأن موضوع الدراسة له عالقة وثيقة بالتخصص الذي درسته في الماجستير وهو قانون الاعمال.
وأردت من خلال دراسة موضوع رأسمال شركة المساهمة الوصول إلى الاهداف التالية: - تبيان أهمية رأس المال بالنسبة للشركات على العموم وبالنسبة لشركة المساهمة على الخصوص. - تبيان الدور الفعال لرأسمال شركة المساهمة بالنسبة للأطراف الفاعلين فيها، ونقصد بذلك كل من الشركة ودائنيها والمساهمين فيها. - محاولة إجمال كل الاحكام القانونية التي تتعلق برأسمال شركة المساهمة في هذه الدراسة و تفصيلها و توضيحها. - محاو لة إيجاد حلولا للنقائص الموجودة في الاحكام القانونية المتعلقة برأسمال شركة المساهمة. ومن الصعوبات التي واجهتني عند دراسة موضوع رأسمال شركة المساهمة قلة المراجع القانونية خاصة الجزائرية منها، وأقصد بذلك تناول هذا الموضوع باقتضاب من طرف الفقهاء، و لا يغطي هذا الاقتضاب كل جوانب الموضوع، فضال عن غياب كتب قانونية خاصة بموضوع رأسمال شركة المساهمة.
كذلك من الصعوبات التي واجهتني لدراسة موضوع رأسمال شركة المساهمة عدم وجود مقالات خاصة بهذا الموضوعالامؤخرا، وقد تناولت هذه الدراسات بعض جوانب الموضوع. ولدراسة موضوع رأسمال شركة المساهمة تم الاعتماد على المنهج الوصفي والمنهج التحليلي. إذ يتعلق المنهج الوصفي بسرد مختلف المفاهيم والتعاريف والحقائق الضرورية المقدمة في البحث. وأحاول من خلال المنهج التحليلي فهم النصوص التشريعية التي تتعلق بموضوع البحث.
وتتمثل إشكالية الدراسة في: ما مدى كفاية النصوص القانونية التي نظمت الاحكام المتعلقة برأسمال شركة المساهمة؟ وهل قدمت هذه النصوص حماية كافية لكل من الشركة و مساهميها والدائنين؟