مقدمة
تولي أغمب التشريعات و الدساتير اىتماما بالممكية العقارية كحق مقدس بيدف حمايتيا من جانب ، و من جانب آخر لفرض و بسط رقابتيا من خلال تنظيم و إحصاء الاراضي لتسييل تحديد الحقوق المفروضة عمييا التي من أىميا الضريبة ، و منع التحايل و المضاربة في المعامالت العقارية. صبة عمى العقا ارت ، و لتحقيق ّ و بغية إيجاد نظام لتوثيق و إعالن التصرفات القانونية المن الائتمان العقاري و استقرار المعامالت في السوق العقارية الذي يساىم في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لمدول ؛ ظير ما يسمى الشير العقاري و ىو عمى نظامين الشير الشخصي و العيني. الجزائر كغيرىا من الدول أولت الممكية العقارية اىتماما بالغا بعد الاستقالل ، فتوالت التشريعات العقارية لتنتقل من نظام الشير الشخصي الموروث عن فرنسا إلى نظام الشير العيني ، و ذلك بصدور الامر 75-74 المؤرخ في 12/11/1775 المتعمق بإعداد مسح الاراضي العام و تأسيس السجل العقاري ليميو بعده مرسومان ، الاول المرسوم رقم 76-62 المؤرخ في 25/03/1776 المتعمق بإعداد مسح الاراضي العام ، و الثاني المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25/03/1776 المتعمق بتأسيس السجل العقاري . لكن عراقيل العمل بيذا النظام و لمواصمة العمل استثناء بنظام الشير الشخصي إلى غاية اكتمال عممية المسح العام للأراضي عمى مستوى الوطن ، أفرز ذلك منازعات قضائية تتعمق بالشير العقاري ، و التي تبدأ من تقديم المتضرر اعتراضو عمى وثائق مسح الاراضي فيما يخص حدود العقار المتناز ع حوليا أمام لجنة مسح الاراضي طبقا لممواد 11 و 12 و 14 من المرسوم 76-62 المتعمق بإعداد مسح الاراضي العام ، أو الاعتراض أمام المحافظة العقارية بعد إيداع وثائق المسح عمى مستواىا ،
و قيام المحافظ العقاري بترقيم العقارات الممسوحة في السجل العقاري ، فقد يحصل احتجاج يتعمق بالترقيم المؤقت وفق اآلجال المحددة في المادتين 13 و 14 من المرسوم 76-63 المتعمق بتأسيس السجل العقاري و في حالة الاتفاق بين الاطراف يحرر محضر الصمح و إن كان خالف ذلك لمطرف المدعي المجوء لمقضاء في الاجل المحدد وفق المادة 15 من نفس المرسوم ؛ كما يمكن المنازعة قضائيا حول الترقيم النيائي أمام الجية القضائية المختصة حسب المادة 16 من نفس المرسوم. لتمتد منازعات الشير العقاري إلى الطعن في الحقوق المشيرة ، إما بطمب فسخيا أو نقضيا أو تعديميا أو إلغائيا ، فضال عن ذلك قد ينشب نزاع قضائي مثار بشأن تطبيق القانون رقم 07-02 المؤرخ في 27/02/2007 المتضمن تأسيس إجراء لمعاينة حق الممكية و تسميم سندات الممكية عن طريق تحقيق عقاري. لقد نظم المشرع الجزائري الاحكام الاجرائية التي تبين لممدعي كيفية رفع الدعوى و شروطيا أمام الجية القضائية المختصة نوعيا سواء القضاء العادي أو القضاء الاداري لمنظر و الفصل في إحدى المنازعات المذكورة أعاله ، كما نظم الاحكام الموضوعية التي تحدد القواعد و المبادئ لمقاضي في كيفية الفصل في النزاع المعروض أمامو ، محاولا بذلك حماية الحقوق العينية العقارية للأفراد المتنازع حوليا و إرجاع لكل ذي حق حقو .
لكن بعد صدور حكم لصالح المدعي ، يسعى ىذا الاخير لتنفيذه ، لأن لجوؤه لمقضاء ليس الغاية منو استصدار حكم أو قرار قضائي إن لم يترجم منطوقو الحرفي إلى واقع عممي يحقق لو الانصاف الكالم لحقو . و يدق الامر بشكل أكثر أىمية عندما تكون الادارة معنية بتنفيذ تمك الاحكام ، لعل أبرزىا في ىذا المقام مصالح الحفظ العقاري التي أوكل ليا المشرع الجزائري ميمة تنفيذ الاحكام و القرارات القضائية الفاصمة في منازعات الشير العقاري.
إذ تتميز عممية تنفيذ ىذه الاحكام عن باقي الاحكام القضائية الاخرى بأنيا تنفذ عن طريق إيداعيا في المحافظة العقارية من طرف كاتب ضبط أو موثق وفقا لممادة 70 من المرسوم رقم 76-63 بغرض إشيارىا ، لأن الشير ىو الذي ينشئ الحق العيني العقاري ، و لأن القاعدة العامة أن جميع التصرفات القانونية الواردة عمى العقار لا يكون ليا أثر بين الاطراف و لا يمكن الاحتجاج بيا في مواجية الغيرالامن تاريخ شيرىا بالمحافظة العقارية حسب المادة 773 من القانون المدني ،إضافة لممادتين 15 و 16 من الامر 75-74 المتضمن إعداد مسح الاراضي العام و تأسيس السجل العقاري. و عميو فالاحكام و القرارات القضائية النيائية الصادرة من مختمف الجيات القضائية المتعمقة بالعقارات أو الحقوق العينية العقارية و من بينيا الاحكام الفاصمة في منازعات الشير مــــــقــــــــدمـــة ج العقاري ، واجب شيرىا طبقا لممادة 14 الفقرة 2 من الامر رقم 75-74 و المادة 72 من المرسوم رقم 76- 63.
يعمل المحافظ العقاري عمى شير الاحكام القضائية الصادرة بمناسبة الشير العقاري ، لا باعتباره طرفا في الدعوى أو طرفا في التنفيذ ، بل باعتباره سمطة إدارية محايدة مفروض عمييا الحسم في الحق موضوع منازعة الشير العقاري الذي صدر فيو حكم حائز لقوة الشيء المقضي بو وفقا لمقوانين المعمول بيا. و ىذا ما يعطي لممحافظ العقاري مركزا مميزا في عممية التنفيذ لأنو مطالب بالعمل بما صدر في الحكم من مراكز قانونية لفائدة المحكوم لو لموصول إلى نتيجة الحسم في أحقية الحق العيني العقاري موضوع المنازعة. إن تنفيذ الاحكام و القرارات القضائية من قبل المحافظ العقاري يكتسي أىمية بالغة في الوقت الحاضر نظرا الاشكالات التي تعيق السير العادي لعممية التنفيذ ، مما يؤخره أو يعطمو أو يؤدي لعدم تنفيذه كميا و إذا كانت إشكالات تنفيذ الاحكام القضائية بصفة عامة تبدو ىامة ،الاأن عوائق تنفيذ الاحكام الفاصمة في منازعات الشير العقاري أكثر أىمية ، لأن تنفيذىا يكون في مواجية الادارة ممثمة في مصالح الحفظ العقاري كما أشرنا سابقا ىذا من جية ، و لأىمية العقار في حد ذاتو من جية ثانية ، و نظرا لخصوصية ىذه الاحكام القضائية من حيث طبيعتيا و كيفية تنفيذىا. يستمد موضوع إشكالات تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة بمناسبة منازعات الشير العقاري أىميتو ، من أىمية تنفيذ تمك الاحكام ، لأن كفالة حق المتقاضي تتوقف عمى اآلثار القانونية التي تنتج عن الحكم من تقرير حقوق أو إنشائيا أو تعديل أو إقامة مراكز قانونية ترتبط بالعقار المتنازع بشأنو. أما الاىم ، أن تمك الاحكام القضائية فاصمة في منازعات واردة عمى عقار أو حق عيني عقاري ، ىذا الاخير لو أىمية بمكان في تنمية الدولة عمى جميع الاصعدة من خلال تكريس مبدأ الثقة و استقرار المعامالت العقارية ؛ و محاولة لتكريس مبدأ العدالة و القانون في الدولة و فرض ىيبتيا و تكوين عالقة ثقة بينيا و بين المواطن؛ و قد لأزم الدستور الجزائري الييئات المختصة بالسير عمى تنفيذ الاحكام و القرارات القضائية طبقا لممادة 163 منو بنصيا:
عمى كل أجيزة الدولة المختصة أن تقوم في كل وقت و في كل مكان ، و في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء، يعاقب كل من يعرقل تنفيذ حكم قضائي((. و رغم أىمية الموضوعالاأنو تكاد تنعدم المراجع من كتب و رسائل جامعية متخصصة حولو ، و مع البحث الجاد وجدنا رسالة دكتوراه بعنوان )تنفيذ المحافظ عمى الامالك العقارية لممقررات القضائية( التي مناقشتيا في كمية العموم القانونية و الاقتصادية بجامعة وجدة بالمغرب سنة 2013 لمطالب )كمال عونو( و بعض المقالات المنشورة في المجالت أو في المواقع الالكترونية أو ضمن مداخالت الممتقيات ، من بين المقالات بعنوان ) إشكالية تنفيذ المقررات القضائية من قبل المحافظ العقاري( المنشورة بالنت بموقع الطمبة و الباحثين و الميتمين في القانون المغربي المقارن. فندرة الدراسات المتخصصة في ىذا الموضوع كانت من أبرز الدوافع لمبحث فيو ، رغبة في المساىمة إلثراء المكتبة القانونية و استفادة أىل الاختصاص من طمبة قانون، و قضاة ، و محامين و موثقين؛ مع اىتمام الباحثة بيذا الموضوع بخاصة أن التنفيذ في مواجية الادارة لما ليا من سمطة و امتيازات عن الافراد.
و من بين أسباب اختيار الموضوع أيضا ، محاولة تسميط الضوء عمى أىم الاشكالات المؤدية إلى عدم التنفيذ الكمي أو الجزئي للأحكام القضائية الفاصمة في منازعات الشير العقاري ، و محاولة إبراز الثغرات القانونية المؤدية لذلك. حيث تناولنا بالدراسة بعض الاشكالات عمى سبيل المثال لا الحصر ، لأنيا متعددة و متنوعة باختالف تضاريس و طبيعة كل والية عمى مستوى الوطن. و بناء عميو ، واجيتنا صعوبات أثناء دراسة ىذا البحث ، فقد كان مجرد فكرة بخاصة كما ذكرنا آنفا ندرة المراجع المتخصصة فيو ، فكان الزما السعي التام من طرف الباحثة و بذل العناية في البحث عن نماذج عممية إلشكالات التنفيذ الالمام و جمع عناصر الموضوع ، وقد صادفنا أثناء ذلك عراقيل من بينيا ما يطمق عميو ) بالسر الميني( سواء إلدارة المسح العام أو المحافظات العقارية أو الموثقين أو المحضرين القضائيين ، إذ كان السعي معتبرا من أجل الحصول عمى المعمومة ، و للأمانة الاخالقية لم نكتب أرقام بعض الاحكام و القرارات القضائية و اكتفينا بذكر تواريخيا حفاظا عمى أسرار مكاتب الموثقين و الادارات الذين أمدونا بالمعمومات .
و في ىذا الصدد ، تجدر المالحظة أن بعض مالحق البحث عبارة عن مخططات توضيحية تقريبية لممخططات الحقيقية التي لم نتمكن من الحصول عمييا العتبار السر الميني و الميمة الاصعب كانت أثناء ترتيب و تصنيف المعمومات المتحصل عمييا ، إذ حاولنا ربط كل إشكالية بأساس قانوني و عممي و ىذا الرتباط قانون الشير العقاري بأنظمة و نصوص قانونية مختمفة، و بناء عميو تمت صياغة و ضبط العناوين الرئيسية و الفرعية . و لعوائق تطبيق نظام تطبيق الشير العيني و مع عدم اكتمال عممية المسح العام عمى مستوى الوطن ، و لقمة الاشخاص المؤىمين التقنيون أو المتخصصون في تجسيد ىذا النظام ، ة المنازعات المرتبطة بو الممقاة عمى عاتق القضاء ، نجم عنو آثار أدت إلى ّ و لكثرة و جد عرقمة عممية التنفيذ.
و عميو نطرح الاشكالية التالية: ما طبيعة و خصوصية الاشكالات التي تعترض تنفيذ الاحكام القضائية في مواجهة مصالح الحفظ العقاري ؟ و إلى أي حد تم ّكن المشرع الج ازئري من وضع آليات و ضمانات قانونية كفيمة بتنفيذ مثل هذه الاحكام القضائية؟ الاجابة عمى الاشكاليات أعاله الاعتماد خلال البحث عمى المنيج التحميمي ، انطالقا ّ تم بدراسة الحقائق الكمية لموصول إلى الحقائق الجزئية ، أو من العام إلى الخاص ، مستندين إلى القواعد العامة لقانون الاجراءات المدنية و الادارية و القانون الاداري و القوانين الخاصة و مدى تطبيقيا عمى إشكالات التنفيذ في منازعات الشير العقاري ، إضافة إلى تحميل النصوص القانونية المرتبطة بالموضوع محل الدراسة ، و تحميل نماذج الاشكالات التطبيقية بيدف معرفة سبب و جوىر حدوث الاشكال. لمعالجة الاشكالية السابقة الذكر ، قسمنا البحث إلى فصمين ، ففي الفصل الاول تمت دراسة إشكالات التنفيذ القانونية و التي بعد تحميل المعطيات توصمنا إلى أىميا ، منيا ما يتعمق بإشكالات التنفيذ المثارة عن تطبيق قانون الاجراءات المدنية و الادارية ، و أخرى تتعمق بقانون الشير العقاري. أما الفصل الثاني يتعمق بإشكالات التنفيذ المادية ، و أغمبيا تكون واردة من مصالح الحفظ العقاري و إدارة المسح العام للأراضي ، و عميو فيي تنقسم إلشكالات تنفيذ مادية جوىرية و أخرى ثانوية.