مقدمة عامة
إن دستور 2011 في إطار حماية حقوق المتعالمين مع الادارة قد نص في الفصل 118على كون كل قرار اتخذ في المجال الادار سواء أكان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه بالالغاء أمام الهيئة القضائية المختصة، مانعا بذلك تحصين أ قرار إدار سواء نهائيا أو منفصال للخضوع للرقابة القضائية، وأن دعوى الالغاء بطبيعتها يمكن أن توجه ضد أ قرار إدار دونما الحاجة إلى نص قانوني يجيزها. او رغم وجود نص قانوني يحضرها . و من الاهمية يمكان الاشارة لمكانة القضاء الادار على مستوى حل النزاعات التي تنشأ بين الافراد و الادارة، بإعتيارها سلطة عامة . و يقصد بالقضاء الادار في معناه العام، بالمنازعات الناتجة عن انشطة اشخاص القانون العام، و الاجراءات التي تسمح بالبث فيها، بإعتباره فرعا قانونيا يمكن تعريفه على انه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الحلول القضائية للمنازعات الادارية .
و تعتبر فرنسا مهد القضاء الادار ، و تطور فيها عبر مراحل، بدأ بالفصل بين وظائف السلطة القضائية و وظائف السلطة الادارية مع منع القاضي التدخل في شؤون الادارة , أما في المغرب فتاريخ القضاء الادار يعتبر حديثا، و تطور عبر مراحل، فقبل 1912كان امر النظر في تظلمات الافراد اتجاه الادارة موكولا الى مؤسسات تجد جذورها إما في الشريعةالاسلامية او الاعراف المحلية, فيعد خضوع المغرب لالستعمار، انشأت السلطات الفرنسية بنيات قضائية للبث في المنازعات، و اصدرت نصوصا قانونية تنظمها، دون ان يصل ذلك إلى مستوى إقامة قضاء إدار متخصص. اما المرحلة التي تلت فجر الاستقالل سنة 1956فكانت حافلة بالاصالحات 5 القضائية، التي توجت بإحداث محاكم إدارية بموجب القانون41-91 و 7 محاكم استئناف إدارية بموجب القانون 80-03 سنة 2003.
إن وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على مشروعية أعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة، وتتمثل سلطة القاضي الادار عند الفصل في دعاوى المشروعية من التحقق من مدى مطابقة القرار الادار المطعون فيه للقانون ومدى سالمته من العيوب التي قد تصيب أركانه،الاأن هذه السلطة ليست مطلقة بل لها حدود تتمثل في الظروف الاستثنائية والسلطة التقديرية وأعمال السيادة، وكذلك مبدأ حضر توجيه أوامر الادارة أو الحلول محلها. و تختص المحاكم الادارية في المنازعات الادارية ماعدا ما تم استثناؤه بنص خاص، و يسمى بنظام »القاعدة العامة لالختصاص«.
ويمكن تعريف هذه الاخيرة » بأنها تعبير عن مبدأ يحدد بصفة مجردة وعامة مجال اختصاص قضائي معين دون الاشارة إلى أ موضوع ملموس بعينه«. وتجد هذه القاعدة مرجعيتها في قوانين الثورة الفرنسية التي وضعت مبدأ فصل السلطات الادارية عن السلطات القضائية، أما فيما يتعلق بتحديد الاختصاص في المنازعات الادارية فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم الادارية حين يتعلق الامر بتطبيق قواعد القانون العام، وعلى العكس من ذلك فإن المحاكم المدنية والعادية هي التي تتدخل عندما يثير النزاع مسلأة تتعلق بتطبيق القانون الخاص.
بالرجوع إلى القانون المحدث للمحاكم الادارية فإن الفقرة الاولى من المادة الثامنة نصت على أن »تختص المحاكم الادارية ، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة، ثم النزاعات المتعلقة بالعقود الادارية، و دعاوى التعويض عن الاضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام, وترد على الاختصاص العام للمحاكم الادارية الذ حددته المادة الثامنة بعض الاستثناءات.تظل محكمة النقض ، مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الالغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة، في المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة، قرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية، و لا تختص المحاكم الادارية بالنظر في الاضرار التي تسببها في الطريق العام، المركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام . إن الوسائل القانونية هي الاداة التنفيذية لنشاط الادارة. تنقسم إلى قسمين القرارات الادارية، ثم العقود الادارية.
و يمكن تعريف القرار الادار كونه افصاح الادارة عن ارادتها الملز مة، بمقتضى مالها من سلطة عامة تقررها القوانين و المراسيم، و ذلك بقصد إنشاء أو تعديل أو إلغاء أحد المراكز القانونية متى كان ذلك ممكنا عمال، جائزا قانونا و كان الهدف منه تحقيق مصلحة عامة . إن القرارات الادارية تنقسم من حيث تكوينها إلى قرارات بسيطة وأخرى مركبة، و القرار البسيط هو الذ يتمتع بكيان مستقل و دون أن يكون مرتبطا بعمل قانوني آخر، مثل ذلك القرار الصادر بتعيين موظف، أما القرار المركب هو ذلك القرار الذ يتكون من مجموعة من العمليات القانونية و التي تتم على عدة مراحل كالقرار الصادر بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
إن القرارات الادارية المنفصلة عن العقد الادار تتكون من مجموعة من القرارات تمهيدا أو تحضيرا إلبرام العقد الادار كالقرار الذ يتعلق بالمناقصة أو المزايدة فهو القرار إدار يمر بعدة مراحل أولها قرار الاعالن عن المنافسة وصولا إلى إبرام العقد و في جميع هذه المراحل تقوم الادارة بإصدار قرارات إدارية تمهيدا إلبرام العقد . بالاضافة الى وسيلة القرارات الادارية التي تتوفر عليها الادارة في ممارسة نشاطها، توجد و سبلة قانونية لا تقل اهمية عن القرارات الادارية ، و هي العقود الادارية ، فالعقد الادار هو الاتفاق الذ يكون أحد طرفيه شخص معنو من أشخاص القانون العام مثل الدولة أو إحدى الهيئات الالمر كزية الاقليمية أو المرفقية، والطرف اآلخر شخص من أشخاص القانون العام، أو أحد أشخاص القانون الخاص كشخص عاد أو شركة أو جمعية أو ناد ، ويهدف هذا الاتفاق إلى تنظيم أو تسيير مرفق عام قصد تحقيق النفع العام، ويجب أن تظهر فيه نية الادارة في الاخذ بأحكام القانون العام وذلك بتضمينه شرطا أو شروطا استثنائية غير ملأوفة في القانون الخاص .
إن جميع القرارات الممهدة للعقد الادار سواء تلك المتعلقة بإبرامه أو الاقصاء من المنافسة أو رفض المصادقة على عقد الصفقة أو التراجع عن المصادقة على العقد، كلها تعتبر قرارات إدارية منفصلة عن العقد مما يجوز الطعن فيها بالالغاء لتجاوز السلطة. غير أن ما يجب الاشارة إليه هنا هو أن قاضي الالغاء يكتفي بإلغاء القرار غير المشروع، ولا يمكنه أن يتجاوز ذلك بإصدار أوامر الادارة بالقيام بعمل أو استنادا بالامتناع عنه في إطار نظرية الفصل بين السلطة القضائية و التنفيذية لقاعدة القاضي الادار يقضي و لا يدير. ومن الاهمية بمكان الاشارة إلى أن نظرية القرارات القابلة لالنفصال بدأت في الظهور مع مجموعة أحكام مجلس الدولة الفرنسي في بداية القرن العشرين، حيث بدأت بالتخلي عن نظرية الكل الغير القابل للتجزئة التي كان القضاء يأخذ بها في نهاية القرن 21 ،والتي لم يكن يميز فيها بين الطعون المقدمة من المتعاقدين أو من الغير، فالمنازعات حوله ترفع في إطار دعوى العقد أ في إطار دعوى القضاء الشالم وليس في إطار دعوى الالغاء.
ومع ذلك فكثير من القرارات الادارية التي تتصل به يمكن الطعن فيها بالالغاء وهو ما يعرف بالقرارات المنفصلة. فقاض الالغاء لم يركن في كل الاحولا إلى إعمال شرط انتفاء الدعوى الموازية ليعترض على قبول الطعون المرفوعة إليه مباشرة في مادة العقود الادارية، بل جعل قضائه يتسع ليشمل القرارات التي تتخذها الادارة بشكل منفصل عن العملية 17 التعاقدية . الاشكالية: إن الاشكالية التي يمكن مناقشتها في هذا الموضوع، تتمحور حول حدود السلطة التقديرية للقاضي الادار في مراقبة القرارات الادارية المنفصلة عن العقد الادار ومدى تأثير هذه المراقبة على سريان العقد الادار .
الاسئلة الفرعية:
وتتفرع هذه الاشكالية إلى سؤالين رئيسيين كالتالي : أين تكمن حدود السلطة التقديرية للقاضي الادار في مراقبة القرار المنفصل ؟ ما هي آثار تقديم طلب إيقاف تنفيذ القرار الادار المنفصل عن العقد ؟ المنهج المعتمد: إن طبيعة البحث و نوع الاشكالية تفرض نفسها في عملية اختيار المنهج الذ يمكن من خلاله مقاربة لأموضوع حيث اعتمدنا المنهج التحليلي الذ يساعد على تبيان رف على طبيعة ووظيفة ومحتوى كل جزء ، فهو مكون من ثالث أصل الاج ازء، والتَّعُّ خطوات أساسية: التفكيك إلى عناصر أولية، فهم العناصر الاولية بمعزل عن الاخرى، تجميع المفهوم من العناصر لفهم الكل في هذا المنهج يتبين أن عزل الجزء عن الاصل عنصر مهم في تطبيقات المنهج التحليلي، فالرابطة الموجودة بين بحثنا و هذا المنهج تكمن في جوهر وطبيعة القرارات المنفصلة عن العقود الادارية، حيث يمكننا من دراسة مدى استقاللية هذه القرارات عن العقود، و كيف يؤثر الطعن فيها بالالغاء على العملية التعاقدية. خطة البحث : و تأسيسا على الاشكالية المطروحة و المنهح المعتمد، سنحاول مناقشة هذا الموضوع من خلال فصلين اساسيين، حيث سنتطرق في
( الفصل الاول ) إلى حدود السلطة التقديرية للقاضي الاداري في مراقبة القرارات الادارية المفصللة ،
(الصلل الثافي) سفعالح آثار مراقبة القرارات المفصللة عن العقد الاداري