مقدمة:
تعتبر الدور العتيقة شاهدا على أصالة وعراقة تاريخ المغرب، حيث توجد بالمدن المغربية القديمة دور عتيقة يبلغ عمرها مئات السنين ، سيما بمدن فاس ، مكناس ، الدار البيضاء ومراكش. فعراقة الحضارة المغربية تفرض تنوع وغنى موروثها التاريخي المتجسد في البنايات القديمة ذات الهندسة المغربية الاصيلة. غير أن حالة المدن العتيقة بالمغرب أصبحت في الوقت الراهن تدعو للقلق باعتبار حالة التدهور التي تمس مناطق مهمة في جميع المدن العتيقة ، والتي تتجلى من خلال تدهور حالة البناء ، أو تداعيه للسقوط ، أو تحولها إلى خرب ، كما تتجلى من خلال ضعف وتقادم تجهيزات البنية التحتية، وقصورها عن الاستجابة لمتطلبات الكثافة السكانية الجديدة، أو من خلال ظروف استعمال المسكن كالكثافة المرتفعة، وتعميم المساكنة بين الاسر. فالدور العتيقة تعرف وضعية مزرية بسبب قدمها وبفعل عوالم الزمن، حيث يتضافر عنصر القدم وضعف المواكبة بالاصالح والصيانة ليجعل هذه الدور في وضعية منتقدة ليس فقط من حيث بنيتها المادية ، وإنما أيضا من حيث كيفية استعمالها وارتفاع الكثافة السكانية بها.
وتعبير الدور اآليلة للسقوط غالبا ما يقترن بالدور المتواجدة بالمدن العتيقة، نظرا لقدمها، وتآكل أسسها بفعل عالم الزمن، حيث تبرز مشكلة السكن المتدهور في أحياء المدن القديمة كخاصية تجعلها توصف جميعها بأنها تضم مساكن متدهورة دون الحد الادنى المطلوب. ولعل السبب البارز في ذلك هو عالم الزمن حيث يعتبر كل مسكن بلغ من العمر 50 سنة مسكنا هرما ، في حين نجد أن البنايات المتواجدة بالمدن المغربية العتيقة يصل عمرها إلى مئات السنين، والتي في غياب أعمال الصيانة والاصالح والتجديد نجدها تتعرض للتآكل والتداعي ليتداعى معها تراث حضاري نفيس تستحيل إعادة إنتاجه ، أضف إلى ذلك فعل الضغط الناتج عن تواجد عدد كبير من سكان القرى المهاجرين إلى المدينة الاقامة بها، تم فعل الكثافة السكانية والاستغالل المفرط 3 للشبكات المختلفة .
ففي المدينة العتيقة بالرباط مثال تجاوز متوسط الكثافة السكانية في حي المالح لوحده 1000 نسمة في الهكتار، ليصل في بعض المجمعات السكنية الاخرى إلى 2000 نسمة في الهكتار. وفيما يخص وضعية السكن فإن 60 % من الاسر القاطنة بهذا الحي تقطن في غرفة واحدة لكل أسرة، منها 90 % يكترون هذه الغرفة ، عالوة على أن مستوى تجهيز هذه المساكن يقل بكثير عن المستوى الذي نجده في أحياء أخرى كالاحياء العشوائية .
وهو ما جعل البعض يقول بان درجة تدهور ظروف السكن ببعض المدن العتيقة أصبح يدعو إلى القلق والانشغال أكثر من غيرها في مدن الصفيح . وإذا كانت البنايات اآليلة للسقوط تقترن من حيث المبدأ بالمدن العتيقة، فإنها في الواقع قد تقترن بأشكال أخرى متعددة من السكن، سيما بالنسبة للمساكن الغير مرخصة التي تشيد فوق بقع أرضية غير صالحة للبناء كالاودية والشعاب، أو التي تشيد دون مراعاة القواعد الفنية والتقنية، بل إنها قد تقترن بالبنايات المرخصة والقانونية بالمدن المغربية العصرية التي أنشئت في عهد الحماية والتي أصبحت مهددة في بعضها بالانهيار بسبب غياب الصيانة .
إال أنه رغم ذلك فالقاعدة تظل مرتبطة بالمدن العتيقة، حيث أصبحت السمة البارزة اليوم هي تدهور المدن العربية التقليدية ، حيث بات يخشى زولا المعالم الحضرية العربيةالاسلامية ، والقضاء على تلك العالقة المزدوجة التي أمنتها المدن العتيقة وهي عالقة مكانية وزمانية بين الانسان ومحيطه ، حيث طفت إلى السطح إشكالية الدور اآليلة للسقوط بالمدن العتيقة وأصبحت تثير الرعب في نفوس العديد من السكان ، سواء القاطنين داخلها ، أو سكان الجوار بحكم ترابط الجدران بعضها ببعض،
وبحكم هشاشة البناء وافتقاره للأسس المتينة التي تحافظ على تماسكه وعدم التأثر بما يقع حواليه ، هذه الخصائص التي يتميز بها البناء في المدن العتيقة يجعلها تشترك في بعض السمات على المستوى العالمي وهي - عدم الاستجابة لحاجيات ومتطلبات السكان؛ - إعادة توزيع الساكنة الاصلية نحو أقطاب حضرية جديدة ، واستيعاب الساكنة ذات الدخل الضعيف؛ - تدهور البنايات بسبب عدم القدرة على تحمل نفقات الصيانة؛ إلحاق أضرار بالغة بالموروث الثقافي بالنسبة للنسيج ذي القيمة التاريخية. ارتباطا بما سبق يمكن القول بأن عدد الاسر المعنية بالدور اآليلة للسقوط في المدن العتيقة على الصعيد الوطني ، يتواجد جلها داخل المدن 11 يقدر بحوالي 140 لأف أسرة العتيقة، مما جعل الدولة تنظر إليها كظاهرة وجب التدخل لمعالجتها والحد من المخاطر الناتجة عنها. فكان تدخل الحكومة لوضع مخطط مضبوط لمواجهة مشكل المساكن اآليلة للسقوط ، واعتماد برنامج دقيق لمعالجة هذا النوع من السكن.
ويعتمد برنامج معالجة السكن المهدد بالانهيار الذي تم اعتماده من طرف الحكومة المغربية على مقارنة محلية تتوخى تحديد البنايات المهددة والتشخيص التقني الدقيق لها، من التدهور، لأن الترميم هو أهم مكونات الصيانة التي تعطي للبناء مدة حياة أطول. - الهدم: في حالة ما إذا كانت وضعية البناء سيئة ، وحالته متردية لا تسمح بإصالحه وترميمه، فإنه يتم اللجوء إلى هدمه، قصد الحيلولة دون وقوع انهيارات قد تترتب عنها خسائر كبرى في الارواح والممتلكات، وعملية الهدم غالبا ما تتم من طرف الجهات الحكومية المسؤولة بعدما يتم إعادة إسكان الاسر القاطنة بالدور المراد هدمها، وقد يتولى هذه العملية أيضا مالكي البنايات اآليلة للسقوط بعد حصولهم على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. ولا يقتصر الامر على ترميم وإصالح المساكن المتضررة فقط ، بل إن برنامج معالجة الدور اآليلة للسقوط ، يتم دعمه ببرامج أخرى ذات الصلة ، تهدف إلى رد الاعتبار للرصيد الحضاري للمدن العتيقة، ففي مدينة فاس مثال تم إنشاء جهاز فني من طرف الدولة هو وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس، أنيطت بها مهمة إنقاذ مدينة فاس التي صنفت سنة 1981 تراثا عالميا الانسانية جمعاء، وذلك بتنسيق مع منظمات دولية كمنظمة اليونسكو، وهيئات المجتمع المدني كجمعية فاس- سايس، بالاضافة إلى الهيئات الوطنية والعربية التي انخرطت في هذه العملية من أجل الحفاظ على هذا المخزون الحضاري. كما أن تحديد نوعية التدخل لا يتم اعتباطيا بل في إطار لجان مختصة تضم خبراء عن جميع الجهات المختصة ومهندسين معماريين، تتولى القيام بفحص ومعاينة الدور المهددة بالانهيار والاستعانة بالخبرة إن اقتضى الحال، لتحديد نوعية وحجم التدخل، وما إذا كان الامر يقتضي إجراء إصالح وترميم فقط ، أم أنه يتطلب اللجوء إلى الهدم. ويعتبر التدخل الشخصي لصاحب الجاللة في الاشراف على انطالق وتتبع مراحل إنجاز هذا البرنامج ، دليال قويا على أهميته داخل البرنامج الشمولي للحكومة المتعلق بمعالجة كافة أوضاع السكن غير الالئق والرقي بمستوى السكن لدى جميع المواطنين. غير أن هذا البرنامج لا زال لم يحقق الاهداف المرجوة منه مما يطرح بإلحاح التساؤل حول الاكراهات التي تساهم في ذلك.
إن عدم تحقيق الاهداف المتوخاة من برنامج معالجة الدور اآليلة للسقوط يرجع إلى جملة من الصعوبات والعراقيل التي تواجه تنفيذ مكونات هذا البرنامج، وهي عراقيل وإكراهات ترتبط بالدرجة الاولى بالفراغ التشريعي المسجل في هذا المجال ، فكما هو الامر بالنسبة للسكن غير الالئق برمته، فإن السكن اآليل للسقوط لم يكن يحضى بنظام قانوني خاص، إضافة إلى كون النصوص المعتمدة كانت تهدف دوما إلى تمكين الادارة من الوسائل الوقائية الهادفة إلى الحد من تفشي الظواهر التي لها تأثير سلبي على الصحة والسالمة وراحة الساكنة، ولم تسع هذه النصوص إلى تنظيم ظاهرة السكن اآليل للسقوط التي لم يلتفت لها المشرع رغم الكوارث التي عرفتها بعض المدن من جراء انهيار بعض المباني والتي كانت لها كلفة ثقيلة على جميع المستويات . حيث يظهر من خلال استقراء النصوص الجاري بها العمل في هذا المجال ، وخاصة قانون التعمير، أن المشرع لم يول السكن اآليل للسقوط العناية الالزمة وبقي بذلك هذا النوع من السكن غير الالئق يشكو من فراغ قانوني لم تستطع النصوص المتفرقة والمثناترة ، التي تهتم بشكل أو بآخر بهذا الصنف من السكن سد الفراغ المرتبط به . فالنصوص القانونية الصادرة في مجال التعمير والمجالات الاخرى المرتبطة به منذ عهد الحماية ، وبصفة عامة المحيط القانوني للبنايات المهددة بالانهيار، عانى من عدة ثغرات ، حيث لم يكن هناك نص قانوني خاص بمعالجة هذا النوع من السكن ، فهذه النصوص كان دائما يتحكم فيها هاجس توفير الوسائل الضرورية الادارة من أجل الاستباق إليقاف كل مساس بالسكينة العامة للمواطنين .
ولم تشكل ما البنايات المهددة بالانهيار لذاتها هاجسا للمشرع المغربي لم ترتبط بمخاطر المساس بأمن وسالمة المواطنين ، كما سيظهر ذلك من خلال قراءة موجزة لهذه النصوص. فظهير 25 غشت 1914 المنظم للمحالت المضرة بالصحة والمزعجة والخطيرة، يقتصر مجال تطبيقه على المؤسسات الصناعية التي تكتسي طابعا خطيرا بالنسبة للساكنة، ويتولى هذا النص تصنيف هذه المؤسسات اعتبارا لمعيار الخطورة التي تكتسيها ويقوم بتحديد مسطرة الترخيص لها ، وبالتالي فال عالقة له بالمساكن المهددة بالانهيار. كما أن ظهير 8 دجنبر 1915 الخاص بالتدابير الصحية المتعلقة بالصحة والنظافة العامة بالمدن ، والذي جاء من أجل تدارك النقص الحاصل في ظهير 1914 المشار إليه أعاله ، وذلك بتوسيع مجال تطبيقه ليشمل العمارات التي تشكل خطورة على ساكنيها والمجاورين لها ، ويخول هذا النص لرؤساء المصالح البلدية إمكانية استشارة المصالح المكلفة بالصحة حول جدوى وطبيعة الاشغال الواجب تنفيذها من أجل مواجهة الخطر الذي تشكله العمارة ، وحول منع جميع سكان العمارة أو بعضهم من استعمال المبنى. كما ينص هذا الظهير على ضرورة تحديد مصالح الصحة للأجل الذي ينبغي داخله إنجاز الاشغال أو جزء منها ، ويمنح 15 يوما كأجل للمالكين أو المنتفعين أو مستعملي المبنى من أجل إبداء مالحظاتهم ، ويمكن تقليص هذا الاجل ليوم واحد في حالة الاستعجال.
وفي نفس الاطار نجد المرسوم الصادر بتاريخ 26 ماي 1980 يحدد شروط التنفيذ التلقائي للتدابير التي تهدف إلى تأمين السالمة وراحة المارة والنظافة والصحة العمومية ، وتسمح هذه التدابير لرئيس المجلس الجماعي بالقيام على نفقة المعنيين بالاشغال الالزمة التي من شأنها الحفاظ على سالمة وراحة المارة والنظافة والصحة العمومية ، وهكذا يتضح أن هذا المرسوم لا يهتم بدوره بالبنايات اآليلة للسقوطالامن خلال توفير سالمة وراحة المارة العموميين. وهكذا يتضح من خلال قراءة هذه النصوص ، أنه لا يمكن اعتبارها كإطار قانوني يصلح لمعالجة المساكن اآليلة للسقوط ، وبذلك بقي هذا المجال يعاني من فراغ تشريعي ، تم لمسه بشكل واضح اثر الانهيار الذي أصاب عمارة بالحي الحسني بمدينة فاس والتي راح ضحيتها العديد من الارواح ، حيث بادر آنذاك وزير الداخلية إلى إصدار دورية في الموضوع بتاريخ 20 دجنبر 1999 ، راهن من خلالها على سد هذا الفراغ بشكل مؤقت.
تتعلق هذه الدورية بالتدابير الالزم اتخاذها لمعالجة البنايات المهددة بالسقوط أو المبنية خالفا لقواعد البناء ، وهي تدعو السادة الوالة وعمال العمالات 16 والتعمير والاقاليم إلى اتخاذ التدابير الالزمة لتجنب الوقوع في مثل هذه الكوارث، وتتخلص هذه التدابير في: * إحصاء العمارات اآليلة للسقوط: وهو عمل ينصب بالدرجة الاولى على العمارات القديمة أو المبنية خالفا لقواعد التعمير ، والتي من شأنها أن تشكل خطرا على الارواح والممتلكات بالنسبة لقاطنيها أو لجوارهم ومرتادوا الطرق العمومية ، وقد أنيطت هذه المهمة بلجنة مختلطة تضم ممثلين عن مختلف المصالح المعنية. * تحسيس المالكين وقاطني العمارات اآليلة للسقوط: ويتم ذلك من طرف رؤساء المجالس الجماعية ، ودعوتهم إلى ضرورة اتخاذ التدابير من أجل إجراء الاصالحات المستعجلة أو إخالء البناية ، وفي حالة الاستعجال يمكن للمصالح الجماعية اتخاذ التدابير التقنية الالزمة وتحميل المالكين مصاريف الاشغال المنجزة عند الاقتضاء ، كما تدعو الدورية الجماعات إلى وضع برنامج عمل لمعاينة وتفقد الاشغال والتدابير الاستعجالية المتخذة. * تتبع عملية الاحصاء، التحسيس والوقاية: توصي الدورية بوضع إحصاء دقيق بمشاركة السكان ، يتضمن العناصر التالية:- وضعية السكن- اسم المالك -عدد المكترين - مستوى تدهور البناية – الاجراءات الوقائية المتخذة – الصعوبات المطروحة والحلول المقترحة لتجاوزها.
ثم توجه خالصات هذا الاحصاء إلى المصالح المعنية بوزارة الداخلية. وهكذا يتضح من خلال المقتضيات التي تضمنتها هذه الدورية ، أنها قد عملت على سد الفراغ الاداري في هذا المجال ، وعملت بشكل مباشر على معالجة إشكالية البناء المهدد بالسقوط ، واعترفت بوجود هذا النوع من البناء وسط الاحياء غير القانونية ، كما دعمت وسائل التدخل الوقائية من أجل التخفيف من المخاطر. غير أن هذه الدورية لا يمكنها سد الفراغ التشريعي لأنها لا ترقى إلى مستوى النص القانوني ، لذلك بات من المستعجل التدخل لوضع إطار قانوني خاص بمعالجة البنايات والمساكن اآليلة للسقوط ، لأن الوضعية لا يمكنها أن تحتمل أي انتظار إضافي طالما أن الامر يتعلق بأمن .
وهو ما تفطنت إليه الحكومات السابقة وأرواح المواطنين التي عكفت على إعداد مشروع قانون يتعلق بالمباني اآليلة للسقوط يهدف أساسا إلى مساعدة السلطة العمومية وإعطائها الامكانيات الالزمة للتدخل الناجع ، خاصة في مثل الحالات المعقدة التي تقتضي حماية السكان من الاخطار المحدقة بهم . ذلك المشروع الذي استغرق وقتا طويال ليأخذ حلته النهائية 18 ويصدر في شكل نص قانوني يحمل رقم 94/12 يتعلق بالمباني اآليلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري والذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 16 ماي 2016 وهو الذي يشكل محور هذه الدراسة. واعتبار لما سبق ذكره ، سوف نحاول معالجة إشكالية البناء اآليل للسقوط من خلال فصلين وهما :
الفصل الاول: التدابير والاجراءات المتعلقة بمعالجة المباني اآليلة للسقوط
الفصل الثاني: الاجهزة والمؤسسات المتدخلة في معالجة المباني اآليلة للسقوط