كتاب الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي الجزء الاول لاحمد شكري السباعي
تعد دراسة الشخصية المعنوية للشركة ونتائجها من أهم الدراسات في النظرية العامة، فعلى ضوئها تتحدد الفروق بين الشركاء والشركة، وحقوق والتزامات كل منهما، ودور الشركة في تحريك عجلة التنمية والإقلاع الاقتصادي، الذي ما كان ليخطو هذه الخطوة العملاقة بخيرها وشرها وصعوباتها لولا ابتداع أو ابتكار فكرة الشركة كشخص معنوي أو اعتباري مستقل عن أشخاص الشركاء بعد مخاض عسير وجدل وصخب كبيرين طالا الفقه والاجتهاد القضائي قبل التسليم بهذه الحقيقة القانونية والاقتصادية المائلة أمام أعيننا اليوم التي يطلق عليها الشركة.
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
تعد دراسة الشخصية المعنوية للشركة ونتائجها من أهم الدراسات في النظرية العامة، فعلى ضوئها تتحدد الفروق بين الشركاء والشركة، وحقوق والتزامات كل منهما، ودور الشركة في تحريك عجلة التنمية والإقلاع الاقتصادي، الذي ما كان ليخطو هذه الخطوة العملاقة بخيرها وشرها وصعوباتها لولا ابتداع أو ابتكار فكرة الشركة كشخص معنوي أو اعتباري مستقل عن أشخاص الشركاء بعد مخاض عسير وجدل وصخب كبيرين طالا الفقه والاجتهاد القضائي قبل التسليم بهذه الحقيقة القانونية والاقتصادية المائلة أمام أعيننا اليوم التي يطلق عليها الشركة.
وتقتضي طبيعة الدراسة تقسيم هذا القسم الثاني إلى ثلاثة أبواب هي التالية :
. الباب الأول: في الجدل حول الاعتراف بالشخصية المعنوية للشركة
. الباب الثاني : في النتائج القانونية الناشئة عن الاعتراف للشركة بالشخصية المعنوية
. الباب الثالث : في التزامات وحقوق الشركاء وتحويل (أو تحول ) الشركة، وتمديدها. ومجموعة الشركات.
_ _ _ _ _
خلق الله الأرض والسماء والقمر والشمس والإنسان ككائن حي يعيش ويستفيد من هذه الكواكب، ويستثمر ماله وفكره في تثمير وتنمية المشاريع، ولا يمكن لعاقل أن يشكك في وجود الإنسان أو الشخص الطبيعي l'étre humain ou personne physique لأن من يفعل ذلك ينكر نفسه وجوده وعقله، ويصفه الآخرون بالجنون أو بعديم الفكر والعقل - ألم يقل ديكارت أفكر فأنا إذن موجود -
أما الشخص المعنوي "personne morale" سواء نشأ بقرار من الدولة أو المشرع أو بدون تدخل منهما، فقد طاله الجدل والنكور وتعرض لهجوم كاسح كاد أن يقضي عليه ويقبر سائر المحاسن والمصالح والأهداف التي تحققت بفضل الاعتراف به وبوجوده في الميادين القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ إلا أن الشخصية المعنوية خرجت للأسباب أعلاه منتصرة من هذه المعركة واستقر الاعتراف بها في مجال القانون العام والقانون الخاص.
ويكون من المفيد أن نقدم للباحث والقارئ ولو فكرة موجزة عن ملحمة هذا الجدل والصراع الذي انتهى بالاعتراف بوجود الشخص المعنوي إلى جانب الشخص الطبيعي أو الإنسان. ولقد استحكم الجدل الفقهي قديما حول الطبيعة القانونية للشخصية المعنوية (أو الاعتبارية)
بين مؤيد وغير مؤيد بين الرافضين والقابلين للفكرة، سواء في الفقه الأوروبي - منذ العهد الروماني الأول حيث لم يكن يعترف بالشخصية المعنوية للشركة - أو في الفقه الإسلامي.
وقد اشتعلت نار الجدل حول فكرة الشخصية المعنوية في القانون العام أولا، ولم تخمد إلا بالاعتراف للدولة والجماعات والمؤسسات العمومية بالشخصية المعنوية لما لها من تمثيل للشعب أو الأمة، والعمل باسمهما في الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي. وانتقلت الحرارة والنقاش الحاد إلى القانون الخاص، الذي رجحت غالبية مفكريه التسليم أو الاعتراف للشركة وغيرها من المجموعات - المجموعة ذات النفع الاقتصادي - بالشخصية المعنوية،
سواء كانت الشركة أو المجموعة شركة أو مجموعة تجارية أو مدنية؛ ولا تستثنى من ذلك سوى شركات المحاصة (المادة 88 من القانون رقم (5.96) والشركة المستخرجة من الواقع وشركة الظاهر والمقاولة الفردية أو الأصل التجاري في كل من المغرب وفرنسا، مع مراعاة اكتساب الشركة ذات المسؤولية المحدودة المكونة من شخص أو شريك وحيد للشخصية
المعنوية (المادتان 44 و 48 من القانون رقم 5.96). وكانت مدرسة الرافضين للاعتراف بالشخصية المعنوية تقدم حججا لم تعد تقنع أحداً. فروادها ينكرون الشخصية المعنوية لكونها في رأيهم تقوم على الوهم والمجاز والخيال
"école de la fiction" ، والعلم علم الحقائق لا المجاز والخيال والوهم. وبمعنى آخر، يعتبرون الشخصية المعنوية فكرة وهمية أو حيلة قانونية خيالية ابتكرها المشرع الأسباب سياسة واقتصادية واجتماعية، أليس جيز - من فقهاء القانون العام - هو القائل : «لم يسبق لي أن تناولت
الطعام قط مع شخص معنوي، فكيف تدعونني إلى الاعتراف به.
وجاءت على أنقاض المدرسة الرافضة لوهم الشخصية المعنوية مدرسة الحقيقة
ecole de la réalité الألمانية التي يتزعمها جيرك "Gierk" التي تعتبر الشخصية المعنوية حقيقة تقنية ماثلة في سائر ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية، فهي كائن قانوني يقوم بقرار من المشرع أو بدونه، إن توفرت أركان هذا الكائن في القانون العام والقانون الخاص، وترفض هذه المدرسة ربط الإرادة بالحق،
فالحق يمكن أن يكون الإنسان ذي إرادة، ويمكن أن يكون لمن لا إرادة له كالشخص المعنوي فالجنين في بطن أمه وعديم الأهلية والمجنون والمعتوه لا إرادة لهم ولكن يتمتعون بالحقوق، فلما لا تتمتع الشخصية المعنوية بالحقوق وتتحمل بالالتزامات بالرغم من عدم تمتعها بالعقل والإرادة.
وإذا كان هؤلاء يمثلهم الأولياء والأوصياء والمقدمون فإن الشخصية المعنوية هي الأخرى يمثلها ويعمل باسمها ويتكلم بصوتها ولسانها المسيرون والمديرون والمتصرفون. وحتى لو كانت فكرة الشخصية المعنوية اصطناعية أو مجازية أو افتراضية، فهي ليست الافتراض الوحيد في العلم والقانون، فالصفر افتراض، واللانهاية افتراض،
وسن الرشد افتراض وسن الزواج افتراض، والموت المدني افتراض، والصفة التجارية أحيانا افتراض المادة 58 من مدونة التجارة لسنة 1996)، فلماذا إذن نرفض افتراض وجود شخص معنوي إلى جانب الشخص الطبيعي أو الإنسان وإن كان لا يفكر ولا يبكي ولا يتألم أو يحب، وإن لم يكن من لحم ودم تأسيسا على مقولة كوزيان وصحبه .(2)
....
___________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1KgWWePluPNGuF0IHsbkAlX97D0uB4SPd/view?usp=drivesdk