الطعن بالزور الفرعي بين النص القانوني والعمل القضائي

تعتبر الدعاوى القضائية المجال الخصب والطبيعي للمقارعة بين الأدلة، ففيها يتهافت كل طرف من أطرافها للإدلاء بما له من أدلة وحجج طمعا في إقناع القضاء بصحة إدعائه والاستئثار بموضوع الدعوى، فيسعى جاهدا إلى طرح أقوى ما لديه من أدلة ورد أقوى ما لدى خصمه

الطعن بالزور الفرعي بين النص القانوني والعمل القضائي

رابط تحميل البحث اسفل التقديم

__________________________

مقدمة

تعتبر الدعاوى القضائية المجال الخصب والطبيعي للمقارعة بين الأدلة، ففيها يتهافت كل طرف من أطرافها للإدلاء بما له من أدلة وحجج طمعا في إقناع القضاء بصحة إدعائه والاستئثار بموضوع الدعوى، فيسعى جاهدا إلى طرح أقوى ما لديه من أدلة ورد أقوى ما لدى خصمه

ولما كانت الكتابة هي أقوى أدلة الإثبات على الإطلاق، فإن السعي إلى هدم قوتها والنيل من حجية الدليل الكتابي يعد أبرز مظاهر سعي الأطراف إلى رد أدلة الخصم، وأهم تجليات مساهمتهم في تحقيق الدعوى.

هذا، وإن تحقيق غاية هدم الدليل الكتابي المدلى به في الدعوى المدنية خاصة ورده على صاحبه يبدو صعب المنال دون سلوك الطريق المحدد قانونا لذلك إما في القوانين الموضوعية أو الإجرائية المنظمة لأدلة الإثبات الكتابية وهي أساسا في قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية.

وبالرجوع إلى هذه القوانين نجدها في هذا الاتجاه تميز بين طريقين أحدهما خاص بالورقة العرفية والآخر تشترك فيه الورقة العرفية والرسمية معا ، فأما الخاص بالدليل الكتابي العرفي فهو إنكار الخط أو التوقيع صراحة، أو الاكتفاء في حالة الوارث أو الخلف بالتصريح بعدم معرفة خط أو توقيع من ينسب إليه المحرر ، في حين أن الذي يشترك فيه الدليل الكتابي العرفي مع الرسمي هو ادعاء زورية المحرر وعدم صحته . 

وحسبنا نحن أن ندرس - تماشيا مع موضوع بحثنا - طريقة الطعن بالزور في المستندات المقدمة في الدعوى المدنية، أو بتعبير قانوني أدق طريقة الطعن بالزور الفرعي، والمنظمة في الفصول من 92 إلى 102 من قانون المسطرة المدنية، فنتطرق في هذه المقدمة قبل الخوض في تفصيل الموضوع لبعض المبادئ والأسس العامة المرتبطة بها كالأتي:

أولا: ماهية الزور الفرعي المدني

للوصول إلى معرفة ماهية الزور الفرعي المدني لابد أولا من تعريف الزور بأنه تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير، وهو حتى من الخصم الذي قدم المستند إذا تبين له فساده ورأى من مصلحته إثبات هذا الزور ليحول دون استفادة خصمه من المستند.

ثانيا : تمييز الزور الفرعي عن بعض المفاهيم المشابهة

غالبا ما يقترن ذكر الزور الفرعي بذكر العديد من المفاهيم التي تبدو مشابهة له، وإن كانت مختلفة عنه في كنهها، وهي المفاهيم التي سنعمل على تمييزها عنه تباعا كالآتي:

- تمييزه عن الزور الأصلي

الزور الأصلي هو دعوى يرفعها مدعي الزور بصفة أصلية وبغير انتظار مطالبته أو التمسك ضده بالمستند المزور في دعوى قائمة فعلا، بخلاف الزور الفرعي الذي يثار أثناء سريان دعوى أصلية يستند فيها أحد الخصوم إلى محرر عرفي أو رسمي لإثبات ادعاءاته فيقوم الآخر بالطعن فيه بالزور، لذلك فإن الفرق بين الدعويين هو وجود دعوى أصلية من عدمها لا غير، إلا أنه ومع ذلك فإننا نجد بعض القضاء الذي تمثل له بحكم صادر عن المحكمة الابتدائية لأكادير يميز بينهما باعتبار طبيعة المستند وما إذا كان وثيقة رسمية من عدمها، فجاء فيه: " وحيث دفع نائب المدعين بالزور الفرعي ضد البيئة العدلية موضوع دعوى

البطلان وكذا ضد عقد الكراء وعقد فسخه المدلى بهما من طرف المدعى عليه.

وحيث إن البيئة العدلية المحررة من طرف العدلين تحت عدد 357 صحيفة 242 كناش عدد 19 بتاريخ 2005/06/12 تعتبر وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، وذلك عن طريق الزور دعوى زور أصلية وليس عن طريق دعوى الزور الفرعي مما يبقى معه مقال الطعن بالزور الفرعي في مواجهة البيئة المذكورة غير منتج ويتعين رفضه. فيلزم بذلك الطرف بسلوك الطريق الجنائي لإثبات الزور كلما كان المستند رسميا اعتبارا إلى أن المشرع المغربي نظم فقط في المجال المدني الزور الفرعي دون الزور الأصلي الذي بقي مجاله جنائيا، وهو اتجاه لا نجد له أي سند قانوني أو واقعي، بل بالعكس يعسر المسطرة على المتقاضين ويلزمهم برفع دعوى

زجرية إلى جانب الدعوى المدنية كلما أراد إثبات زورية سند رسمي مقدم في الدعوى المدنية

الأصلية.

وقد تم تأكيد نفس الاتجاه في حكم آخر لاحق صادر عن نفس المحكمة جاء فيه: " حيث إنه من المقرر قانونا أن دعوى الطعن بالزور الفرعي وكما هي محددة مسطرتها في مقتضيات المسطرة المدنية وخاصة 89 منه، تباشر ضد الحجج والمستندات المحررة من طرف الصادرة عنهم من كتابة أو توقيع وأن مسطرة الزور الفرعي لا تنسحب إلى العقود والرسوم العدلية التي تتصف بالرسمية، وعليه فإن رسم البيع العدلي هو حجة رسمية، وبالتالي لا يمكن سلوك الطعن بالزور الفرعي في مواجهتها ويتعين الحكم برد الدفع.

- تمييزه عن الدعوى العمومية بالزور

الدعوى العمومية بالزور ترفع أمام المحكمة الزجرية، وأنذاك يتعين على المحكمة المدنية التي تنظر في الزور الفرعي إيقاف البت إلى حين صدور حكم نهائي زجري طبقا لقاعدة الجنائي يعقل المدني والمكرسة في الفصل 102 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي فالدعوى العمومية بالزور هي دعوى الزور الأصلية في القانون المغربي ترفع مستقلة عن أي دعوى

أخرى.

- تمييزه عن تحقيق الخطوط

يشترك الزور الفرعي مع تحقيق الخطوط في كونهما يهدفان إلى غاية واحدة وهي إثبات صحة أو عدم صحة المستند، لذلك عمد المشرع المغربي إلى إدماجهما في تنظيم واحد، وذلك في الفرع السادس من الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية، وإن كان ذلك قد أثر سلبا في

تطبيق المسطرتين بالخلط بينهما لدى بعض المتقاضين، وبالتالي توجيههم الدعوى توجيها معيبا، وذلك رغم أن الفرق بينهما واضح ويظهر في العديد من النواحي تذكرها كالآتي: تحقيق الخطوط لا يرد إلا على المستندات العرفية، خلاف الزور الفرعي الذي يمكن أن يرد على المستندات العرفية والرسمية.

عبء الإثبات عند إنكار الخط أو التوقيع لا يكون على عاتق المنكر وإنما على المتمسك بالمستند أن يقيم الدليل على أنها صادرة عن المنكر له، أما عند الإدعاء بالزور الفرعي فإن

عبء الإثبات يقع على عاتق من يدعي عدم صحة المستند المتمسك به. - تحقيق الخطوط يكون دائما ماديا بحيث ينصب فقط على إنكار الكتابة أو التوقيع دون التطرق لمضمون الوثيقة، بينما ادعاء الزور يكون إما ماديا أو معنويا، إذ يمكن أن ينصب على الكتابة أو التوقيع أو التاريخ، كما يمكن أن يرد على مضمون الوثيقة .و لا شك أن التطرق إلى هذه المبادئ والأسس العامة أبان بشكل جلي أن الطعن بالزور

الفرعي المدني هو الموضوع الذي رشحته ليكون مدار عمل كثيرا ما يتمنى الملحق القضائي الوصول إلى خوض غماره، باعتباره نتاج كل ما كدح فيه واجتهد خلال سنوات التكوين، وهو الاختيار الذي كان بناء على دواع وأسباب واعتبارا لأهمية الموضوع وما رأيته فيه من

رابعا : إشكالية البحث

الدراسة موضوع الزور الفرعي المدني ارتأيت تأطيره في إطار إشكالية محورية مفادها: البحث في أهم المراحل والمحطات التي يمر منها الطعن الزور الفرعي المدني في سبيل البت في وجود الزور من عدمه. ودراسة هذه الإشكالية والإجابة عنها ترتبط في عمقها بالإجابة على عدة تساؤلات فرعية نوجزها في ما هي شروط قبول الإدعاء بالزور الفرعي؟ وما هي الشكلية المتطلبة في الطعن بالزور الفرعي؟ وما هي أهم الإجراءات التي يتعين على القاضي سلوكها بعد إدعاء الزور الفرعي ؟ وما هي الطرق المتاحة للتحقيق في الزور المزعوم؟ وما حجية الحكم الفاصل في الزور الفرعي بالنسبة للدعوى الأصلية وآثار هذا الحكم ؟

خامسا: منهج البحث

إن هذه الإشكالية والتساؤلات المرتبطة بها تعتبر الأساس القاعدي الموضوع بحثي الذي سنقوم بمعالجته من خلال اعتماد منهج تحليلي نحلل من خلاله متعلقات كل إجراء من إجراءات الطعن بالزور الفرعي بما يحصل به تمام التصور المسطرة يكتنف جوانبها الغموض

والتشابه مع غيرها في كثير من الأحيان، وذلك بالاعتماد على النصوص القانونية والشواهد القضائية التي تخدم كل مقال كلما وجدنا إليها سبيلا.

سادسا: خطة البحث

للإجابة على الإشكالية التي جعلناها محور البحث، والوقوف على أهم ما يتعلق بالموضوع - راجين أن نكون موفقين - ارتأينا تناول صلب الموضوع الذي وفق الخطة الآتية:

الفصل الأول : مسطرة الزور الفرعي .

الفصل الثاني : الحكم في الزور الفرعي وآثاره .

_________________

رابط التحميل

https://drive.google.com/file/d/1G7OP1sugDIkUhr5WmtDmyoDO9v1WifN5/view?usp=drivesdk

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
1
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0